مطبعة الحجر في السودان
تعتبر الطباعة واحدة من أعظم اختراعات البشرية نظرًا لأهميتها في التقاط المعرفة ونشرها. ساهمت المطبعة بأشكالها المختلفة بشكل كبير في نمو وتطور العديد من الحضارات في أوروبا والشرق الأقصى والعالم العربي.

/ الاجابات
تُعدّ الطباعة من أعظم الاختراعات التي أبدع الإنسان في ابتكارها وإنجازها طوال تاريخه، وذلك لأهميتها في حركة نقل المعلومة وترجمتها وانتشارها، وقد أسهمت المطبعة بأشكالها المختلفة في نموّ وتطوّر العديد من الحضارات في أوروبا والشرق الأقصى والعالم العربي، ومن هذه المناطق الثلاث انتشرت الطباعة إلى بقية أنحاء العالم، لتصبح واحدة من أدوات التثقيف والنقل والترجمة.
وبالنسبة للسودان، فقد ارتبط دخول المطبعة بمصر خلال حكم محمد علي باشا، وأول مطبعة دخلت السودان قبل العام ١٨٤٢م كمطبعة صغيرة، عُرفت بالمطبعة الأميريَّة (مطبَعة الحَجَر) ، ويرُجَّح أيضاً أنها فرنسية المنشأ، ذلك لأن جميع المطابع الحجرية ذات الأحرف التي دخلت مصر في تلك الفترة كانت فرنسية. وحتى تقوم المطبعة الجديدة في الخرطوم بعملها على أكمل وجه، تمَّ إرسال فريق متخصص معها إلى السودان، على رأسهم إبراهيم أفندي أحمد ومعه مجموعة من الفنيين المصريين، وبعد وفاته خلفه ابنه حسن بك المطبعجي؛ وأسرة المطبعجي من الأسر المعروفة الآن في السودان.
نجحت المطبعة الأميرية (مطبعة الحَجَر) في تغطية احتياجات مدرسة الخرطوم والمؤسسات الحكومية المختلفة في البلاد، وقد أسهمت أيضاً في تغطية كل احتياجات الحكمدارية في الخرطوم من الورق والدمغة التي لا تتم الإجراءات الحكومية إلا بها، وكذلك الدفاتر والمتعّلقات الورقية الأخرى. وقد تم وضع المطبعة ضمن مبنى الترسانة الحربية في الخرطوم، وهو مبنى المساحة السودانية الحالي والذي يقع بالقرب من مبنى الحكمدارية في ذلك الوقت (القصر الجمهوري الحالي)، وقد تم إلحاق مصنعٍ صغير للورق بالمطبعة لكي يُسهم في تغطية احتياجات البلاد من الورق، وقد نجح في ذلك بصورة كبيرة، حتى أن التجار في الخرطوم وغيرها من المدن السودانية كانوا يتحصّلون احتياجاتهم من الورق عبر هذا المصنع، وقد نجحت المطبعة بصورة كبيرة في أداء مهمّتها على أكمل وجه. كما تمَّ استخدام مطبعة الحجر من قبل غردون باشا في إصدار سندات مالية عُرفت باسم "سندات غردون" في العام ١٨٨٤م، وذلك عندما تمكَّنت قوات الثورة المهدية من فرض حصارها على المدينة، وأصبح هناك شُحٌّ في العملة، وكانت هذه الطريقة هي الوسيلة الوحيدة لتغطية مرتبات الجنود المحاصرين داخل الخرطوم، وفي نهاية الأمر تمكَّنت قوات الأنصار بقيادة الإمام محمد أحمد المهدي من بسط سيطرتها على الخرطوم في ٢٦ يناير ١٨٨٥م، ومن بين أهم المقتنيات التي وضعت المهدية يدها عليها كانت مطبعة الحجر.
وقد وَجَدت مطبعة الحجر عناية كبيرة من قبل الخليفة عبد الله ود تورشين خليفة الإمام المهدي، والذي أصدر قراره بنقل المطبعة من مقرّها في الترسانة الحربية بالخرطوم إلى أم درمان العاصمة الجديدة للدولة، ولضمان استمرار المطبعة في أداء مهامّها أمرَ الخليفة بأن تكون تابعة لبيت المال المركزي بأم درمان، وأن تكون ضمن وحدات الترسانة الحربية، وبعد ذلك قام الخليفة عبد الله باستدعاء الأشخاص الذين لهم علاقة مباشرة بالطباعة والمطبعة خلال حكم الباشوية والخديوية المصرية في السودان ليكونوا ضمن فريق العمل الجديد، وفعلاً نجح الخليفة في جمع عدد كبير من أصحاب الخبرة في هذا المجال، وبدأ عمل المطبعة من جديد في ظل الدولة المهدية هذه المرة. تمَّ تكليف الأمير مختار بادي -وهو من دناقلة مدينة بارا بكردفان- ليصبح أميناً على المطبعة، وكان يعاونه شخص يُدعى حسن ساتي، وتمت الاستعانة أيضاً بعدد من الأقباط والكَتَبة الذين كانوا يعملون خلال حكم الباشوية والخديوية في السودان، ومن الأشخاص الذين تمّت الاستفادة من خبرتهم في عمل المطبعة: محمد ذهني، حسن سالة، محمد الأمين، عمر الأزهري، وإبراهيم المطبعجي.

وفي شهر شعبان من العام ١٣٠٣ه بدأ تدشين عمل المطبعة لتقوم بإنتاج العديد من الرسائل والكُتب والخطابات الداخلية والخارجية، والمتتبع لهيكل المطبعة الإداري يجد أن على رأس الإدارة فيها أمين للمطبعة بدرجة أمير، بالإضافة للمدققين اللغويين، وهناك أيضاً المشرفين على إعداد النصوص ومراجعتها واعتمادها لتذهب للمطبعة، ومن هؤلاء أبو القاسم أحمد هاشم، والمدثر إبراهيم الحجاز، وهناك أيضاً أمين مخزن المطبعة، ومن خلال هذا الهيكل الإداري البسيط نجحت المطبعة في طباعة العديد من المنشورات والرسائل والخطابات والكتب بأنواعها المختلفة، وعلى الرغم من المطبوعات المختلفة التي تمت طباعتها في مطبعة الحجر، والتي كانت أوامر طباعتها تأتي مباشرة من قبل الخليفة عبد الله، إلا أنها واجهت عدداً من الصعوبات والمشاكل، من أهمها شحّ الورق، وذلك لأن الدولة المهدية لم تعمل على استيراد أي ورق من الخارج بسبب الحصار المضروب عليها من قبل بريطانيا، كما أن كميات الورق التي غَنمتها الدولة قد تقلَّصت بصورة كبيرة، وذلك بسبب الاستهلاك اليومي، الأمر الذي دعى الأمير يعقوب (جراب الرأي) إلى تقليص كميات الورق التي تُصرف للعمالات (الأقاليم) والأمراء والوحدات المختلفة في الدولة، والمشكلة الثانية التي واجهت المطبعة تمرّد عدد من عمالها على سلطة الخليفة، وذلك من خلال إتلاف الورق والأحبار وأدوات الطباعة بغرض حرمان الدولة من الاستفادة من الخدمة الجليلة التي تقوم بها المطبعة.
بعد أن بَسَطت القوات الإنجليزية سيطرتها على البلاد عقبَ هزيمتها لقوات المهدية في معركة كرري بتاريخ 2 ديسمبر ١٨٩٨م، تمكن الإنجليز من الاستحواذ على مطبعة الحجر، وتمت طباعة أولى الأعداد من صحيفة "الغازيتة"، وكذلك نص الاتفاقية المشتركة بين بريطانيا ومصر بخصوص السودان.
من خلال هذا السرد التاريخي لمطبعة الحجر في السودان، نجد أنها قد لَعِبَت دوراً مهماً في ثلاث فترات تاريخية مختلفة شهدها السودان، وقامت بدورها على أكمل وجه، ومن أهم ما أنجزته مطبعة الحجر في السودان:
- طباعة جميع احتياجات الحكمدارية في السودان.
- طباعة الدفاتر للتجار في الخرطوم والمدن السودانية.
- طباعة محررات الإمام المهدي والخليفة عبد الله وعدد من الكتب المختلفة خلال فترة المهدية.
- طباعة اتفاقية ١٨٩٩م بين بريطانيا ومصر بخصوص السودان، وكذلك أوامر وتوجيهات المستعمر للسودانيين في أيامه الأولى.
لوحة الغلاف من تصميم هند عبد الباقي
تُعدّ الطباعة من أعظم الاختراعات التي أبدع الإنسان في ابتكارها وإنجازها طوال تاريخه، وذلك لأهميتها في حركة نقل المعلومة وترجمتها وانتشارها، وقد أسهمت المطبعة بأشكالها المختلفة في نموّ وتطوّر العديد من الحضارات في أوروبا والشرق الأقصى والعالم العربي، ومن هذه المناطق الثلاث انتشرت الطباعة إلى بقية أنحاء العالم، لتصبح واحدة من أدوات التثقيف والنقل والترجمة.
وبالنسبة للسودان، فقد ارتبط دخول المطبعة بمصر خلال حكم محمد علي باشا، وأول مطبعة دخلت السودان قبل العام ١٨٤٢م كمطبعة صغيرة، عُرفت بالمطبعة الأميريَّة (مطبَعة الحَجَر) ، ويرُجَّح أيضاً أنها فرنسية المنشأ، ذلك لأن جميع المطابع الحجرية ذات الأحرف التي دخلت مصر في تلك الفترة كانت فرنسية. وحتى تقوم المطبعة الجديدة في الخرطوم بعملها على أكمل وجه، تمَّ إرسال فريق متخصص معها إلى السودان، على رأسهم إبراهيم أفندي أحمد ومعه مجموعة من الفنيين المصريين، وبعد وفاته خلفه ابنه حسن بك المطبعجي؛ وأسرة المطبعجي من الأسر المعروفة الآن في السودان.
نجحت المطبعة الأميرية (مطبعة الحَجَر) في تغطية احتياجات مدرسة الخرطوم والمؤسسات الحكومية المختلفة في البلاد، وقد أسهمت أيضاً في تغطية كل احتياجات الحكمدارية في الخرطوم من الورق والدمغة التي لا تتم الإجراءات الحكومية إلا بها، وكذلك الدفاتر والمتعّلقات الورقية الأخرى. وقد تم وضع المطبعة ضمن مبنى الترسانة الحربية في الخرطوم، وهو مبنى المساحة السودانية الحالي والذي يقع بالقرب من مبنى الحكمدارية في ذلك الوقت (القصر الجمهوري الحالي)، وقد تم إلحاق مصنعٍ صغير للورق بالمطبعة لكي يُسهم في تغطية احتياجات البلاد من الورق، وقد نجح في ذلك بصورة كبيرة، حتى أن التجار في الخرطوم وغيرها من المدن السودانية كانوا يتحصّلون احتياجاتهم من الورق عبر هذا المصنع، وقد نجحت المطبعة بصورة كبيرة في أداء مهمّتها على أكمل وجه. كما تمَّ استخدام مطبعة الحجر من قبل غردون باشا في إصدار سندات مالية عُرفت باسم "سندات غردون" في العام ١٨٨٤م، وذلك عندما تمكَّنت قوات الثورة المهدية من فرض حصارها على المدينة، وأصبح هناك شُحٌّ في العملة، وكانت هذه الطريقة هي الوسيلة الوحيدة لتغطية مرتبات الجنود المحاصرين داخل الخرطوم، وفي نهاية الأمر تمكَّنت قوات الأنصار بقيادة الإمام محمد أحمد المهدي من بسط سيطرتها على الخرطوم في ٢٦ يناير ١٨٨٥م، ومن بين أهم المقتنيات التي وضعت المهدية يدها عليها كانت مطبعة الحجر.
وقد وَجَدت مطبعة الحجر عناية كبيرة من قبل الخليفة عبد الله ود تورشين خليفة الإمام المهدي، والذي أصدر قراره بنقل المطبعة من مقرّها في الترسانة الحربية بالخرطوم إلى أم درمان العاصمة الجديدة للدولة، ولضمان استمرار المطبعة في أداء مهامّها أمرَ الخليفة بأن تكون تابعة لبيت المال المركزي بأم درمان، وأن تكون ضمن وحدات الترسانة الحربية، وبعد ذلك قام الخليفة عبد الله باستدعاء الأشخاص الذين لهم علاقة مباشرة بالطباعة والمطبعة خلال حكم الباشوية والخديوية المصرية في السودان ليكونوا ضمن فريق العمل الجديد، وفعلاً نجح الخليفة في جمع عدد كبير من أصحاب الخبرة في هذا المجال، وبدأ عمل المطبعة من جديد في ظل الدولة المهدية هذه المرة. تمَّ تكليف الأمير مختار بادي -وهو من دناقلة مدينة بارا بكردفان- ليصبح أميناً على المطبعة، وكان يعاونه شخص يُدعى حسن ساتي، وتمت الاستعانة أيضاً بعدد من الأقباط والكَتَبة الذين كانوا يعملون خلال حكم الباشوية والخديوية في السودان، ومن الأشخاص الذين تمّت الاستفادة من خبرتهم في عمل المطبعة: محمد ذهني، حسن سالة، محمد الأمين، عمر الأزهري، وإبراهيم المطبعجي.

وفي شهر شعبان من العام ١٣٠٣ه بدأ تدشين عمل المطبعة لتقوم بإنتاج العديد من الرسائل والكُتب والخطابات الداخلية والخارجية، والمتتبع لهيكل المطبعة الإداري يجد أن على رأس الإدارة فيها أمين للمطبعة بدرجة أمير، بالإضافة للمدققين اللغويين، وهناك أيضاً المشرفين على إعداد النصوص ومراجعتها واعتمادها لتذهب للمطبعة، ومن هؤلاء أبو القاسم أحمد هاشم، والمدثر إبراهيم الحجاز، وهناك أيضاً أمين مخزن المطبعة، ومن خلال هذا الهيكل الإداري البسيط نجحت المطبعة في طباعة العديد من المنشورات والرسائل والخطابات والكتب بأنواعها المختلفة، وعلى الرغم من المطبوعات المختلفة التي تمت طباعتها في مطبعة الحجر، والتي كانت أوامر طباعتها تأتي مباشرة من قبل الخليفة عبد الله، إلا أنها واجهت عدداً من الصعوبات والمشاكل، من أهمها شحّ الورق، وذلك لأن الدولة المهدية لم تعمل على استيراد أي ورق من الخارج بسبب الحصار المضروب عليها من قبل بريطانيا، كما أن كميات الورق التي غَنمتها الدولة قد تقلَّصت بصورة كبيرة، وذلك بسبب الاستهلاك اليومي، الأمر الذي دعى الأمير يعقوب (جراب الرأي) إلى تقليص كميات الورق التي تُصرف للعمالات (الأقاليم) والأمراء والوحدات المختلفة في الدولة، والمشكلة الثانية التي واجهت المطبعة تمرّد عدد من عمالها على سلطة الخليفة، وذلك من خلال إتلاف الورق والأحبار وأدوات الطباعة بغرض حرمان الدولة من الاستفادة من الخدمة الجليلة التي تقوم بها المطبعة.
بعد أن بَسَطت القوات الإنجليزية سيطرتها على البلاد عقبَ هزيمتها لقوات المهدية في معركة كرري بتاريخ 2 ديسمبر ١٨٩٨م، تمكن الإنجليز من الاستحواذ على مطبعة الحجر، وتمت طباعة أولى الأعداد من صحيفة "الغازيتة"، وكذلك نص الاتفاقية المشتركة بين بريطانيا ومصر بخصوص السودان.
من خلال هذا السرد التاريخي لمطبعة الحجر في السودان، نجد أنها قد لَعِبَت دوراً مهماً في ثلاث فترات تاريخية مختلفة شهدها السودان، وقامت بدورها على أكمل وجه، ومن أهم ما أنجزته مطبعة الحجر في السودان:
- طباعة جميع احتياجات الحكمدارية في السودان.
- طباعة الدفاتر للتجار في الخرطوم والمدن السودانية.
- طباعة محررات الإمام المهدي والخليفة عبد الله وعدد من الكتب المختلفة خلال فترة المهدية.
- طباعة اتفاقية ١٨٩٩م بين بريطانيا ومصر بخصوص السودان، وكذلك أوامر وتوجيهات المستعمر للسودانيين في أيامه الأولى.
لوحة الغلاف من تصميم هند عبد الباقي