رسالات عبر الزمن
تعمل المؤسسات والحكايات الشعبية التي صمدت أمام اختبار الزمن كأوصياء على المعرفة، سواء كانت حكاية قديمة رويت للأطفال عبر الأجيال أو دار نشر عمرها مائة عام.

الأحاجي السودانية: كنز ثقافي

الأحاجي السودانية: كنز ثقافي
تشغل الحكايات الشعبية السودانية (أحاجي) مكانة عزيزة في النسيج الثقافي للمجتمع السوداني. تُروى هذه القصص تقليديًا بواسطة الجدات، والخالات، وكبار السن خلال الأمسيات الهادئة الطويلة. وهي ليست مجرد وسيلة للتسلية، بل تُعد أوعية للقيم الاجتماعية والثقافية، تعلم الأطفال دروسًا مهمة عن الأخلاق، والتعاون، والصمود. ومع صعود وسائل الترفيه الحديثة مثل الهواتف الذكية والتلفزيون، أصبح هذا التقليد الشفهي مهددًا بالاندثار. لذا، تتطلب هذه الحكايات، بما تحمله من قيم ثقافية وأخلاقية وتعليمية، جهدًا للحفاظ عليها وإحيائها لضمان استمرار إرثها.
في المجتمعات الريفية السودانية، لم تكن رواية القصص مجرد وسيلة ترفيه، بل كانت أسلوبًا حيويًا للتعليم غير الرسمي. وغالبًا ما كانت جلسة السرد تبدأ بعبارة:
"حجّيتكم ما بجّيتكم، خيرًا جانا وجاكم، أكل عشاكم، وجرى خلاكم."
تُبرز هذه العبارة أن الراوي يروي القصة لغرض التسلية وإفادة المستمعين، دون أي نية للإساءة أو إحداث لبس أو خلاف بينهم. كانت هذه العبارة الافتتاحية التقليدية تهيئ المستمعين للدخول إلى عالم الحكاية الخيالي، وتعزز الشعور بالمشاركة الجماعية. ولم تكن تلك الجلسات تقتصر على التسلية فقط، بل كانت لحظات تعليمية تزرع الحكمة الثقافية والقيم المجتمعية ومهارات التفكير النقدي في نفوس المستمعين الصغار، مما يضمن انتقال التقاليد من جيل إلى آخر.
إدراكًا لهذا التهديد الناتج عن التحديث، قام العالم السوداني المعروف عبد الله الطيب بتوثيق هذه الحكايات في كتابه "الأحاجي السودانية." يجسد عمله جوهر التقاليد الشفوية السودانية، خاصة في شمال البلاد، مما يضمن بقاء هذه القصص متاحةً للأجيال القادمة. من خلال جمعهُ الدقيق، حفظ الطيب التراث الثقافي السوداني، وأبرز القيم العالمية التي تتضمنها الحكايات. ورغم أن هذه الحكايات لا تعكس جميع البيئات المتنوعة والغنية في السودان، حيث تهيمن الأساطير والقصص الشمالية على ضفاف النيل، فإنها تعبر بشكل أو بآخر عن التجربة السودانية العامة في الوعي العالمي. ولكن تنتشر الحكايات الشعبية في جميع أنحاء السودان، ولكل قبيلة قصصها الخاصة التي تحفظ جزءًا من تاريخها من خلالها. تُبرز الحكايات الشعبية السودانية القيم الاجتماعية والثقافية للمنطقة، وتقدم دروسًا أخلاقية من خلال روايات غنية وشخصيات مميزة. تسلط هذه الحكايات الضوء على سمات مثل الذكاء والصبر والقدرة على التكيف كعوامل أساسية لتجاوز تحديات الحياة، مع تعزيز فضائل كالعدل والوفاء والتعاطف.
الثعلب، أو الديب، هو شخصية متكررة معروفة بدهائه وذكائه. في العديد من القصص، يستخدم ذكاءه للتغلب على الآخرين، مما يعزز الفكرة بأن الحيلة والقدرة على التكيف ضروريان لتجاوز التحديات. وبالمثل، يظهر (الشيخ) غالبًا كمرشد، يقدم الإرشاد والحكمة المكتسبة من التجارب. تجسد هذه الشخصيات أهمية التأمل وبعد النظر والفهم، وتوضح أن المعرفة المكتسبة مع الوقت لا تقدر بثمن في مواجهة صعوبات الحياة. كما تعمل الحكايات الشعبية السودانية كبوصلة أخلاقية، تحذر من الطمع والكذب والأنانية، وتحتفي في الوقت نفسه بالعدل والوفاء والتعاطف. في حكاية ود السلطان، على سبيل المثال، يختبر الأمير الشاب نزاهة رفاقه بتقديم ثلاث بيضات لهم. وحده ابن الحطاب يوزعها بالتساوي، مما يثبت أمانته ويصبح في النهاية المستشار الأقرب للأمير.من ناحية أخرى، تُصوَّر النساء في هذه القصص على أنهن شخصيات قوية وماهرة، يتغلبن على المصاعب بشجاعة وذكاء. من خلال التركيز على النساء كراويات وبطلات، تتحدى هذه الحكايات الأدوار التقليدية للجنسين، وتؤكد الدور الحيوي للمرأة في الحفاظ على الثقافة وقيادة مجتمعاتها.
تشكل العلاقة بين البشر والبيئة موضوعًا متكررًا آخر في الحكايات الشعبية السودانية. تسلط القصص التي تضم الحيوانات والعناصر الطبيعية الضوء على التوازن والاحترام، وتعلم ممارسات مستدامة وقيمة التعايش مع الطبيعة. تُغني استخدام اللهجات السودانية والتعابير الثقافية هذه الروايات، مما يعزز الفخر بالتراث الوطني. تعرض حكايات مثل عرديب ساسو ويا حمام يا دمام النكهات والرموز الإقليمية، وتبرز التنوع داخل المشهد الثقافي السوداني. وسيُثري توسيع التمثيل ليشمل حكايات من مناطق مثل دارفور وشرق السودان وجبال النوبة السرد الوطني بشكل أكبر.
من بين القصص الشهيرة، تسلط حكاية فاطمة السمحة والغول الضوء على انتصار الحكمة والشجاعة على الخوف، وتعليم أهمية الشجاعة والمثابرة. كذلك تبرز حكاية ود السلطان دروسًا عن الثقة والنزاهة والتمييز الأخلاقي، وتشدد على أن القيمة الحقيقية تكمن في الشخصية، وليس في المكانة الاجتماعية. وتستكشف حكاية تاجوج والمحلق وهمهوم، وهي قصة حب أسطورية تماثل قصة قيس وليلى، الولاء والحب وعواقب القيود الاجتماعية.
مع تراجع التقاليد الشفوية في مواجهة التكنولوجيا الحديثة، أصبح الحفاظ على الحكايات الشعبية السودانية ضرورة ثقافية ملحة. يمكن إدراج هذه القصص في المناهج التعليمية وبرامج محو الأمية كوسيلة لربط الأجيال الشابة بتراثها مع تعزيز الإبداع والتفكير النقدي. كما يمكن دمج جلسات السرد في المدارس، باستخدام الحكايات لتعليم اللغة والتاريخ والقيم الأخلاقية من خلال أنشطة تفاعلية مثل التمثيل والرسم. وبالمثل، يمكن لبرامج محو الأمية استخدام هذه القصص لتحسين مهارات القراءة، مع تعزيز الفهم والانخراط من خلال الألغاز واللغة الشعرية. من ناحية أخرى، تمثل المنصات الرقمية فرصة فريدة لإحياء هذه الروايات. يمكن تحويل الحكايات الشعبية إلى سلسلة رسوم متحركة أو كتب إلكترونية أو بودكاست أو تطبيقات جوال لجعلها جذابة ومتاحة للجمهور الحديث. على سبيل المثال، يمكن للتطبيقات التي تقدم قصصًا مروية باللهجات السودانية أو تعديلات رسوم متحركة لقصص أيقونية مثل فاطمة السمحة أن تحافظ على جوهرها مع الوصول إلى جمهور عالمي. يمكن للمبادرات المجتمعية، مثل مسابقات السرد أو حملات وسائل التواصل الاجتماعي، أن توثق وتحتفي بهذه الروايات. من خلال مزج التقاليد بالتكنولوجيا، يمكن للحكايات الشعبية السودانية أن تستمر في تثقيف وإلهام الأجيال القادمة، وحماية إرثها الثقافي الثمين.
الحكايات الشعبية السودانية ليست مجرد قصص، بل هي تعبيرات عميقة عن الهوية الثقافية للأمة، تعكس القيم والحكمة والخبرات المشتركة للمجتمع السوداني. لا تحافظ هذه الروايات على التاريخ فحسب، بل تؤثر أيضًا على الطريقة التي يرى بها السودانيون أنفسهم ومجتمعاتهم، مما يعزز الشعور بالانتماء والاستمرارية. من خلال إحياء هذه الحكايات عبر المبادرات التعليمية ووسائل الإعلام الرقمية والتعديلات الفنية، يمكنها الاستمرار في إلهام الإبداع وتعزيز القيم الأخلاقية والاحتفاء بالإرث المتنوع للسودان. تُعد الأحاجي السودانية شهادة على الإبداع الثقافي للسودان وجسرًا يربط بين ماضيه وحاضره، لضمان بقاء تأثيرها للأجيال القادمة.
تشغل الحكايات الشعبية السودانية (أحاجي) مكانة عزيزة في النسيج الثقافي للمجتمع السوداني. تُروى هذه القصص تقليديًا بواسطة الجدات، والخالات، وكبار السن خلال الأمسيات الهادئة الطويلة. وهي ليست مجرد وسيلة للتسلية، بل تُعد أوعية للقيم الاجتماعية والثقافية، تعلم الأطفال دروسًا مهمة عن الأخلاق، والتعاون، والصمود. ومع صعود وسائل الترفيه الحديثة مثل الهواتف الذكية والتلفزيون، أصبح هذا التقليد الشفهي مهددًا بالاندثار. لذا، تتطلب هذه الحكايات، بما تحمله من قيم ثقافية وأخلاقية وتعليمية، جهدًا للحفاظ عليها وإحيائها لضمان استمرار إرثها.
في المجتمعات الريفية السودانية، لم تكن رواية القصص مجرد وسيلة ترفيه، بل كانت أسلوبًا حيويًا للتعليم غير الرسمي. وغالبًا ما كانت جلسة السرد تبدأ بعبارة:
"حجّيتكم ما بجّيتكم، خيرًا جانا وجاكم، أكل عشاكم، وجرى خلاكم."
تُبرز هذه العبارة أن الراوي يروي القصة لغرض التسلية وإفادة المستمعين، دون أي نية للإساءة أو إحداث لبس أو خلاف بينهم. كانت هذه العبارة الافتتاحية التقليدية تهيئ المستمعين للدخول إلى عالم الحكاية الخيالي، وتعزز الشعور بالمشاركة الجماعية. ولم تكن تلك الجلسات تقتصر على التسلية فقط، بل كانت لحظات تعليمية تزرع الحكمة الثقافية والقيم المجتمعية ومهارات التفكير النقدي في نفوس المستمعين الصغار، مما يضمن انتقال التقاليد من جيل إلى آخر.
إدراكًا لهذا التهديد الناتج عن التحديث، قام العالم السوداني المعروف عبد الله الطيب بتوثيق هذه الحكايات في كتابه "الأحاجي السودانية." يجسد عمله جوهر التقاليد الشفوية السودانية، خاصة في شمال البلاد، مما يضمن بقاء هذه القصص متاحةً للأجيال القادمة. من خلال جمعهُ الدقيق، حفظ الطيب التراث الثقافي السوداني، وأبرز القيم العالمية التي تتضمنها الحكايات. ورغم أن هذه الحكايات لا تعكس جميع البيئات المتنوعة والغنية في السودان، حيث تهيمن الأساطير والقصص الشمالية على ضفاف النيل، فإنها تعبر بشكل أو بآخر عن التجربة السودانية العامة في الوعي العالمي. ولكن تنتشر الحكايات الشعبية في جميع أنحاء السودان، ولكل قبيلة قصصها الخاصة التي تحفظ جزءًا من تاريخها من خلالها. تُبرز الحكايات الشعبية السودانية القيم الاجتماعية والثقافية للمنطقة، وتقدم دروسًا أخلاقية من خلال روايات غنية وشخصيات مميزة. تسلط هذه الحكايات الضوء على سمات مثل الذكاء والصبر والقدرة على التكيف كعوامل أساسية لتجاوز تحديات الحياة، مع تعزيز فضائل كالعدل والوفاء والتعاطف.
الثعلب، أو الديب، هو شخصية متكررة معروفة بدهائه وذكائه. في العديد من القصص، يستخدم ذكاءه للتغلب على الآخرين، مما يعزز الفكرة بأن الحيلة والقدرة على التكيف ضروريان لتجاوز التحديات. وبالمثل، يظهر (الشيخ) غالبًا كمرشد، يقدم الإرشاد والحكمة المكتسبة من التجارب. تجسد هذه الشخصيات أهمية التأمل وبعد النظر والفهم، وتوضح أن المعرفة المكتسبة مع الوقت لا تقدر بثمن في مواجهة صعوبات الحياة. كما تعمل الحكايات الشعبية السودانية كبوصلة أخلاقية، تحذر من الطمع والكذب والأنانية، وتحتفي في الوقت نفسه بالعدل والوفاء والتعاطف. في حكاية ود السلطان، على سبيل المثال، يختبر الأمير الشاب نزاهة رفاقه بتقديم ثلاث بيضات لهم. وحده ابن الحطاب يوزعها بالتساوي، مما يثبت أمانته ويصبح في النهاية المستشار الأقرب للأمير.من ناحية أخرى، تُصوَّر النساء في هذه القصص على أنهن شخصيات قوية وماهرة، يتغلبن على المصاعب بشجاعة وذكاء. من خلال التركيز على النساء كراويات وبطلات، تتحدى هذه الحكايات الأدوار التقليدية للجنسين، وتؤكد الدور الحيوي للمرأة في الحفاظ على الثقافة وقيادة مجتمعاتها.
تشكل العلاقة بين البشر والبيئة موضوعًا متكررًا آخر في الحكايات الشعبية السودانية. تسلط القصص التي تضم الحيوانات والعناصر الطبيعية الضوء على التوازن والاحترام، وتعلم ممارسات مستدامة وقيمة التعايش مع الطبيعة. تُغني استخدام اللهجات السودانية والتعابير الثقافية هذه الروايات، مما يعزز الفخر بالتراث الوطني. تعرض حكايات مثل عرديب ساسو ويا حمام يا دمام النكهات والرموز الإقليمية، وتبرز التنوع داخل المشهد الثقافي السوداني. وسيُثري توسيع التمثيل ليشمل حكايات من مناطق مثل دارفور وشرق السودان وجبال النوبة السرد الوطني بشكل أكبر.
من بين القصص الشهيرة، تسلط حكاية فاطمة السمحة والغول الضوء على انتصار الحكمة والشجاعة على الخوف، وتعليم أهمية الشجاعة والمثابرة. كذلك تبرز حكاية ود السلطان دروسًا عن الثقة والنزاهة والتمييز الأخلاقي، وتشدد على أن القيمة الحقيقية تكمن في الشخصية، وليس في المكانة الاجتماعية. وتستكشف حكاية تاجوج والمحلق وهمهوم، وهي قصة حب أسطورية تماثل قصة قيس وليلى، الولاء والحب وعواقب القيود الاجتماعية.
مع تراجع التقاليد الشفوية في مواجهة التكنولوجيا الحديثة، أصبح الحفاظ على الحكايات الشعبية السودانية ضرورة ثقافية ملحة. يمكن إدراج هذه القصص في المناهج التعليمية وبرامج محو الأمية كوسيلة لربط الأجيال الشابة بتراثها مع تعزيز الإبداع والتفكير النقدي. كما يمكن دمج جلسات السرد في المدارس، باستخدام الحكايات لتعليم اللغة والتاريخ والقيم الأخلاقية من خلال أنشطة تفاعلية مثل التمثيل والرسم. وبالمثل، يمكن لبرامج محو الأمية استخدام هذه القصص لتحسين مهارات القراءة، مع تعزيز الفهم والانخراط من خلال الألغاز واللغة الشعرية. من ناحية أخرى، تمثل المنصات الرقمية فرصة فريدة لإحياء هذه الروايات. يمكن تحويل الحكايات الشعبية إلى سلسلة رسوم متحركة أو كتب إلكترونية أو بودكاست أو تطبيقات جوال لجعلها جذابة ومتاحة للجمهور الحديث. على سبيل المثال، يمكن للتطبيقات التي تقدم قصصًا مروية باللهجات السودانية أو تعديلات رسوم متحركة لقصص أيقونية مثل فاطمة السمحة أن تحافظ على جوهرها مع الوصول إلى جمهور عالمي. يمكن للمبادرات المجتمعية، مثل مسابقات السرد أو حملات وسائل التواصل الاجتماعي، أن توثق وتحتفي بهذه الروايات. من خلال مزج التقاليد بالتكنولوجيا، يمكن للحكايات الشعبية السودانية أن تستمر في تثقيف وإلهام الأجيال القادمة، وحماية إرثها الثقافي الثمين.
الحكايات الشعبية السودانية ليست مجرد قصص، بل هي تعبيرات عميقة عن الهوية الثقافية للأمة، تعكس القيم والحكمة والخبرات المشتركة للمجتمع السوداني. لا تحافظ هذه الروايات على التاريخ فحسب، بل تؤثر أيضًا على الطريقة التي يرى بها السودانيون أنفسهم ومجتمعاتهم، مما يعزز الشعور بالانتماء والاستمرارية. من خلال إحياء هذه الحكايات عبر المبادرات التعليمية ووسائل الإعلام الرقمية والتعديلات الفنية، يمكنها الاستمرار في إلهام الإبداع وتعزيز القيم الأخلاقية والاحتفاء بالإرث المتنوع للسودان. تُعد الأحاجي السودانية شهادة على الإبداع الثقافي للسودان وجسرًا يربط بين ماضيه وحاضره، لضمان بقاء تأثيرها للأجيال القادمة.

تشغل الحكايات الشعبية السودانية (أحاجي) مكانة عزيزة في النسيج الثقافي للمجتمع السوداني. تُروى هذه القصص تقليديًا بواسطة الجدات، والخالات، وكبار السن خلال الأمسيات الهادئة الطويلة. وهي ليست مجرد وسيلة للتسلية، بل تُعد أوعية للقيم الاجتماعية والثقافية، تعلم الأطفال دروسًا مهمة عن الأخلاق، والتعاون، والصمود. ومع صعود وسائل الترفيه الحديثة مثل الهواتف الذكية والتلفزيون، أصبح هذا التقليد الشفهي مهددًا بالاندثار. لذا، تتطلب هذه الحكايات، بما تحمله من قيم ثقافية وأخلاقية وتعليمية، جهدًا للحفاظ عليها وإحيائها لضمان استمرار إرثها.
في المجتمعات الريفية السودانية، لم تكن رواية القصص مجرد وسيلة ترفيه، بل كانت أسلوبًا حيويًا للتعليم غير الرسمي. وغالبًا ما كانت جلسة السرد تبدأ بعبارة:
"حجّيتكم ما بجّيتكم، خيرًا جانا وجاكم، أكل عشاكم، وجرى خلاكم."
تُبرز هذه العبارة أن الراوي يروي القصة لغرض التسلية وإفادة المستمعين، دون أي نية للإساءة أو إحداث لبس أو خلاف بينهم. كانت هذه العبارة الافتتاحية التقليدية تهيئ المستمعين للدخول إلى عالم الحكاية الخيالي، وتعزز الشعور بالمشاركة الجماعية. ولم تكن تلك الجلسات تقتصر على التسلية فقط، بل كانت لحظات تعليمية تزرع الحكمة الثقافية والقيم المجتمعية ومهارات التفكير النقدي في نفوس المستمعين الصغار، مما يضمن انتقال التقاليد من جيل إلى آخر.
إدراكًا لهذا التهديد الناتج عن التحديث، قام العالم السوداني المعروف عبد الله الطيب بتوثيق هذه الحكايات في كتابه "الأحاجي السودانية." يجسد عمله جوهر التقاليد الشفوية السودانية، خاصة في شمال البلاد، مما يضمن بقاء هذه القصص متاحةً للأجيال القادمة. من خلال جمعهُ الدقيق، حفظ الطيب التراث الثقافي السوداني، وأبرز القيم العالمية التي تتضمنها الحكايات. ورغم أن هذه الحكايات لا تعكس جميع البيئات المتنوعة والغنية في السودان، حيث تهيمن الأساطير والقصص الشمالية على ضفاف النيل، فإنها تعبر بشكل أو بآخر عن التجربة السودانية العامة في الوعي العالمي. ولكن تنتشر الحكايات الشعبية في جميع أنحاء السودان، ولكل قبيلة قصصها الخاصة التي تحفظ جزءًا من تاريخها من خلالها. تُبرز الحكايات الشعبية السودانية القيم الاجتماعية والثقافية للمنطقة، وتقدم دروسًا أخلاقية من خلال روايات غنية وشخصيات مميزة. تسلط هذه الحكايات الضوء على سمات مثل الذكاء والصبر والقدرة على التكيف كعوامل أساسية لتجاوز تحديات الحياة، مع تعزيز فضائل كالعدل والوفاء والتعاطف.
الثعلب، أو الديب، هو شخصية متكررة معروفة بدهائه وذكائه. في العديد من القصص، يستخدم ذكاءه للتغلب على الآخرين، مما يعزز الفكرة بأن الحيلة والقدرة على التكيف ضروريان لتجاوز التحديات. وبالمثل، يظهر (الشيخ) غالبًا كمرشد، يقدم الإرشاد والحكمة المكتسبة من التجارب. تجسد هذه الشخصيات أهمية التأمل وبعد النظر والفهم، وتوضح أن المعرفة المكتسبة مع الوقت لا تقدر بثمن في مواجهة صعوبات الحياة. كما تعمل الحكايات الشعبية السودانية كبوصلة أخلاقية، تحذر من الطمع والكذب والأنانية، وتحتفي في الوقت نفسه بالعدل والوفاء والتعاطف. في حكاية ود السلطان، على سبيل المثال، يختبر الأمير الشاب نزاهة رفاقه بتقديم ثلاث بيضات لهم. وحده ابن الحطاب يوزعها بالتساوي، مما يثبت أمانته ويصبح في النهاية المستشار الأقرب للأمير.من ناحية أخرى، تُصوَّر النساء في هذه القصص على أنهن شخصيات قوية وماهرة، يتغلبن على المصاعب بشجاعة وذكاء. من خلال التركيز على النساء كراويات وبطلات، تتحدى هذه الحكايات الأدوار التقليدية للجنسين، وتؤكد الدور الحيوي للمرأة في الحفاظ على الثقافة وقيادة مجتمعاتها.
تشكل العلاقة بين البشر والبيئة موضوعًا متكررًا آخر في الحكايات الشعبية السودانية. تسلط القصص التي تضم الحيوانات والعناصر الطبيعية الضوء على التوازن والاحترام، وتعلم ممارسات مستدامة وقيمة التعايش مع الطبيعة. تُغني استخدام اللهجات السودانية والتعابير الثقافية هذه الروايات، مما يعزز الفخر بالتراث الوطني. تعرض حكايات مثل عرديب ساسو ويا حمام يا دمام النكهات والرموز الإقليمية، وتبرز التنوع داخل المشهد الثقافي السوداني. وسيُثري توسيع التمثيل ليشمل حكايات من مناطق مثل دارفور وشرق السودان وجبال النوبة السرد الوطني بشكل أكبر.
من بين القصص الشهيرة، تسلط حكاية فاطمة السمحة والغول الضوء على انتصار الحكمة والشجاعة على الخوف، وتعليم أهمية الشجاعة والمثابرة. كذلك تبرز حكاية ود السلطان دروسًا عن الثقة والنزاهة والتمييز الأخلاقي، وتشدد على أن القيمة الحقيقية تكمن في الشخصية، وليس في المكانة الاجتماعية. وتستكشف حكاية تاجوج والمحلق وهمهوم، وهي قصة حب أسطورية تماثل قصة قيس وليلى، الولاء والحب وعواقب القيود الاجتماعية.
مع تراجع التقاليد الشفوية في مواجهة التكنولوجيا الحديثة، أصبح الحفاظ على الحكايات الشعبية السودانية ضرورة ثقافية ملحة. يمكن إدراج هذه القصص في المناهج التعليمية وبرامج محو الأمية كوسيلة لربط الأجيال الشابة بتراثها مع تعزيز الإبداع والتفكير النقدي. كما يمكن دمج جلسات السرد في المدارس، باستخدام الحكايات لتعليم اللغة والتاريخ والقيم الأخلاقية من خلال أنشطة تفاعلية مثل التمثيل والرسم. وبالمثل، يمكن لبرامج محو الأمية استخدام هذه القصص لتحسين مهارات القراءة، مع تعزيز الفهم والانخراط من خلال الألغاز واللغة الشعرية. من ناحية أخرى، تمثل المنصات الرقمية فرصة فريدة لإحياء هذه الروايات. يمكن تحويل الحكايات الشعبية إلى سلسلة رسوم متحركة أو كتب إلكترونية أو بودكاست أو تطبيقات جوال لجعلها جذابة ومتاحة للجمهور الحديث. على سبيل المثال، يمكن للتطبيقات التي تقدم قصصًا مروية باللهجات السودانية أو تعديلات رسوم متحركة لقصص أيقونية مثل فاطمة السمحة أن تحافظ على جوهرها مع الوصول إلى جمهور عالمي. يمكن للمبادرات المجتمعية، مثل مسابقات السرد أو حملات وسائل التواصل الاجتماعي، أن توثق وتحتفي بهذه الروايات. من خلال مزج التقاليد بالتكنولوجيا، يمكن للحكايات الشعبية السودانية أن تستمر في تثقيف وإلهام الأجيال القادمة، وحماية إرثها الثقافي الثمين.
الحكايات الشعبية السودانية ليست مجرد قصص، بل هي تعبيرات عميقة عن الهوية الثقافية للأمة، تعكس القيم والحكمة والخبرات المشتركة للمجتمع السوداني. لا تحافظ هذه الروايات على التاريخ فحسب، بل تؤثر أيضًا على الطريقة التي يرى بها السودانيون أنفسهم ومجتمعاتهم، مما يعزز الشعور بالانتماء والاستمرارية. من خلال إحياء هذه الحكايات عبر المبادرات التعليمية ووسائل الإعلام الرقمية والتعديلات الفنية، يمكنها الاستمرار في إلهام الإبداع وتعزيز القيم الأخلاقية والاحتفاء بالإرث المتنوع للسودان. تُعد الأحاجي السودانية شهادة على الإبداع الثقافي للسودان وجسرًا يربط بين ماضيه وحاضره، لضمان بقاء تأثيرها للأجيال القادمة.

البريد في الدولة المهدية

البريد في الدولة المهدية
الدولة المهدية
(١٣٠٢-١٣١٦ ه /١٨٨٥-١٨٩٨م )
عَرِف السودان البريد ونُظُمه الحديثة خلال حكم الباشوية والخديوية، حيث وجَدَ هذا المرفق المهم والحساس عناية كبيرة من قبل محمد علي باشا وخلفائه الذين تعاقبوا على حكم السودان منذ العام ١٨٢١م، وحتى تحرير الخرطوم في ٢٦ يناير ١٨٨٥م. ومن العوامل المهمة التي أسهمت في تطور نظام البريد في السودان اتساع رقعة البلاد في عهد الخديوي إسماعيل، والذي يمكن أن نُطلق عليه رائد التحديث في السودان، حيث عمل على ربط جميع مناطق السودان في ذلك الوقت بشبكة من البريد والتلغراف الحديث، كما ربط جميع موانئ البحر الأحمر -مثل زيلع وبربرة وهرر ومصوع- بسواكن التي كانت تمثِّل مركزَ وحاضرة تلك الموانئ بالإسكندرية والقاهرة. وبالنسبة للمناطق الداخلية، تم ربط جميع أقاليم السودان المختلفة بشبكة من التلغراف، مثل إقليم دارفور وبحر الغزال والاستوائية وشرق السودان، بالعاصمة الخرطوم، ومنها إلى القاهرة كأطول خطوط تلغراف في القارة في ذلك الوقت. وبالإضافة للتلغراف كانت الحاجة كبيرة إلى ربط أجزاء السودان بخدمة البريد والتي لَعِبَت الجمال، والخيول، والسفن النهرية والمراكب؛ دوراً مهماً في تفعيلها ونجاحها طوال حكم الباشوية والخديوية في السودان. ونتيجة لذلك انتشرت نقاط التلغراف في العديد من المدن والحواضر مثل حلفا ودنقلا وبربر والخرطوم وكسلا وسواكن والقضارف والأبيض والفاشر وواو وغيرها من المدن الكبيرة في ذلك الوقت، ووجدت خدمة البريد اهتماماً كبيراً من قبل الحكمداريين الذين تعاقبوا على حكم السودان، لأنها كانت تُمثّل لهم إحدى الوسائل المهمة والضرورية في نقل أخبار التجارة والتجار والأجانب والمعاملات الحكومية اليومية المختلفة، وقد أسهمت هذه الخدمة في تسهيل وربط أجزاء السودان المختلفة.
بعد تحرير الخرطوم بتاريخ ٢ يناير ١٨٨٥م على يد قوات الإمام المهدي، اهتمَّت الدولة المهدية بخدمة البريد وذلك لدورها المهم والفاعل في إدارة الدولة وإيصال المحررات والخطابات للعمالات المختلفة، وما يدلّ على اهتمام الخليفة عبد الله بأمر البريد أنه خصص كَتَبَةً مُحددين مع كل أمير، وأطلق عليه اسم (كَتَبَة السر)، وعمل أيضاً على اختيار أفضل الرجال الذين يمتازون بالصدق والأمانة وكتم الأسرار في نقل بريد الدولة لأطرافها المختلفة، وكذلك عمل على تخصيص أفضل الهجن والخيول لحاملي البريد، وأمر بتقديم التسهيلات اللازمة لهم من قبل أمراء وقادة المهدية في المناطق المختلفة التي يمر عبرها البريد، وأعطاهم أوامر مكتوبة تُسهم في تَسهيل مهمتهم في حالة احتاج الواحد منهم لتقديم خدمة من حاكم المنطقة المحددة أو من عامة الناس.
كلَّف الخليفة عبد الله أربعة من الكتبة للقيام بتحرير رسائله وخطاباته المختلفة للعملاء والقادة والأمراء والمشايخ، وقد أطلق عليهم اسم (المخصوصين) أي الكُتاب الخاصِّين بكتابة خطابات الخليفة عبد الله، ولأهمية البريد لدى الخليفة كان يخصص وقتاً محدداً في صباح كل يوم للاطلاع على الرسائل الواردة من العمالات، والتي كان يصحبها تقرير شفهي من حامل البريد، وهو تقرير مُكمِّل لما احتوته الرسالة، وقد كان الخليفة يعتمد على التقرير الشفاهي بجانب المكتوب في اتخاذ قراراته، وذلك بسبب عدم تمكن الخليفة من زيارة أقاليم الدولة المختلفة. إضافةً لكَتَبَة الرسائل عند الخليفة عبد الله، كان هناك كَتبة محددين للأمير يعقوب (جراب الرأي) الرجل الثاني في الدولة بعد الخليفة، وأيضاً كان لكلّ أمير أو عامل عمالة عدد من الكتبة، وأيضاً كان لقادة الجيش والرايات المختلفة عدد من الكَتَبة، وحتى يتم اعتماد الخطابات والرسائل في الدولة المهدية كان لابد من أن تكون مختومة بختم صاحبها، حيث أن الختم دليلٌ على صحّة ما وَرَد في الرسالة، لذلك ظهرت الأختام في الدولة المهدية حيث كان للإمام المهدي أربعة أختام، نُقِشَ على الأول منها عبارة "لا إله إلا الله محمد رسول الله محمد أحمد المهدي عبد الله ١٢٩٢هـ"، ويُعتبر هذا الختم أول أختام الإمام المهدي. وقد كان ختم الخليفة عبد الله بيضاوي الشكل نُقِشَت عليه عبارة "حسبنا الله ونعم الوكيل". وبإلاضافة للمهدي والخليفة عبد الله، كان لكل أمير وقائد وعامل في الدولة المهدية ختمه الخاص، ولا يُسمح له باستبداله أو عمل واحدٍ آخر في حالة ضياعه إلا بإذن مكتوب من الخليفة عبد الله.
ولكي تستمر الدولة المهدية في إنجاز مهامّها الكتابية، كان الاعتماد في الكتابة على الورق الذي تحصَّلت عليه المهدية الباشوية والخديوية السابقة في السودان، ولكن على الرغم من الكمّيات الكبيرة من الورق، إلا أن الدولة واجهت مشكلة شُحٍّ واضحةٍ في الورق، لذلك صدرت الأوامر من الخليفة عبد الله والأمير يعقوب لجميع الأمراء والقادة والعمال في العمالات المختلفة، تأمرهم بترشيد استخدام الورق وعدم الكتابة على الورق إلا في الأمور المهمة والتي تحتاج لورق.
من خلال تتبع نظام البريد في الدولة المهدية، نجد أن هناك مجموعات من الأفراد ينتمون لقبائل محددة قد عملوا في خدمة البريد؛ منهم العبابدة، والجعليين والتعايشة والهدندوة، ولتطوير هذا الجهاز المهم والحساس في الدولة المهدية قدَّم أمين بيت المال إبراهيم ود عدلان (١٣٠٢-١٣٠٧ه/١٨٨٥-١٨٨٩م) مقترحاً مهماً يستهدف تطوير وزيادة فاعلية نظام البريد في الدولة، ولكن مقترحه لم يجد القبول من قبل الخليفة عبد الله الذي فضَّل الاستمرار في النظام التقليدي للبريد.
عموماً هناك عدد من المهام التي نجح البريد في إنجازها في الدولة المهدية بصورة عملية منها:
- ربط أقاليم الدولة المختلفة بالعاصمة أم درمان.
- سهَّل على الخليفة عبد الله الحصول على المعلومة بطرق مختلفة، ومكَّنه من متابعة الأمراء والقادة والعمال في عمالاتهم.
- زيادة فاعلية النظام الاستخباراتي في الدولة المهدية.
لوحة الغلاف من تصميم هند عبد الباقي
الدولة المهدية
(١٣٠٢-١٣١٦ ه /١٨٨٥-١٨٩٨م )
عَرِف السودان البريد ونُظُمه الحديثة خلال حكم الباشوية والخديوية، حيث وجَدَ هذا المرفق المهم والحساس عناية كبيرة من قبل محمد علي باشا وخلفائه الذين تعاقبوا على حكم السودان منذ العام ١٨٢١م، وحتى تحرير الخرطوم في ٢٦ يناير ١٨٨٥م. ومن العوامل المهمة التي أسهمت في تطور نظام البريد في السودان اتساع رقعة البلاد في عهد الخديوي إسماعيل، والذي يمكن أن نُطلق عليه رائد التحديث في السودان، حيث عمل على ربط جميع مناطق السودان في ذلك الوقت بشبكة من البريد والتلغراف الحديث، كما ربط جميع موانئ البحر الأحمر -مثل زيلع وبربرة وهرر ومصوع- بسواكن التي كانت تمثِّل مركزَ وحاضرة تلك الموانئ بالإسكندرية والقاهرة. وبالنسبة للمناطق الداخلية، تم ربط جميع أقاليم السودان المختلفة بشبكة من التلغراف، مثل إقليم دارفور وبحر الغزال والاستوائية وشرق السودان، بالعاصمة الخرطوم، ومنها إلى القاهرة كأطول خطوط تلغراف في القارة في ذلك الوقت. وبالإضافة للتلغراف كانت الحاجة كبيرة إلى ربط أجزاء السودان بخدمة البريد والتي لَعِبَت الجمال، والخيول، والسفن النهرية والمراكب؛ دوراً مهماً في تفعيلها ونجاحها طوال حكم الباشوية والخديوية في السودان. ونتيجة لذلك انتشرت نقاط التلغراف في العديد من المدن والحواضر مثل حلفا ودنقلا وبربر والخرطوم وكسلا وسواكن والقضارف والأبيض والفاشر وواو وغيرها من المدن الكبيرة في ذلك الوقت، ووجدت خدمة البريد اهتماماً كبيراً من قبل الحكمداريين الذين تعاقبوا على حكم السودان، لأنها كانت تُمثّل لهم إحدى الوسائل المهمة والضرورية في نقل أخبار التجارة والتجار والأجانب والمعاملات الحكومية اليومية المختلفة، وقد أسهمت هذه الخدمة في تسهيل وربط أجزاء السودان المختلفة.
بعد تحرير الخرطوم بتاريخ ٢ يناير ١٨٨٥م على يد قوات الإمام المهدي، اهتمَّت الدولة المهدية بخدمة البريد وذلك لدورها المهم والفاعل في إدارة الدولة وإيصال المحررات والخطابات للعمالات المختلفة، وما يدلّ على اهتمام الخليفة عبد الله بأمر البريد أنه خصص كَتَبَةً مُحددين مع كل أمير، وأطلق عليه اسم (كَتَبَة السر)، وعمل أيضاً على اختيار أفضل الرجال الذين يمتازون بالصدق والأمانة وكتم الأسرار في نقل بريد الدولة لأطرافها المختلفة، وكذلك عمل على تخصيص أفضل الهجن والخيول لحاملي البريد، وأمر بتقديم التسهيلات اللازمة لهم من قبل أمراء وقادة المهدية في المناطق المختلفة التي يمر عبرها البريد، وأعطاهم أوامر مكتوبة تُسهم في تَسهيل مهمتهم في حالة احتاج الواحد منهم لتقديم خدمة من حاكم المنطقة المحددة أو من عامة الناس.
كلَّف الخليفة عبد الله أربعة من الكتبة للقيام بتحرير رسائله وخطاباته المختلفة للعملاء والقادة والأمراء والمشايخ، وقد أطلق عليهم اسم (المخصوصين) أي الكُتاب الخاصِّين بكتابة خطابات الخليفة عبد الله، ولأهمية البريد لدى الخليفة كان يخصص وقتاً محدداً في صباح كل يوم للاطلاع على الرسائل الواردة من العمالات، والتي كان يصحبها تقرير شفهي من حامل البريد، وهو تقرير مُكمِّل لما احتوته الرسالة، وقد كان الخليفة يعتمد على التقرير الشفاهي بجانب المكتوب في اتخاذ قراراته، وذلك بسبب عدم تمكن الخليفة من زيارة أقاليم الدولة المختلفة. إضافةً لكَتَبَة الرسائل عند الخليفة عبد الله، كان هناك كَتبة محددين للأمير يعقوب (جراب الرأي) الرجل الثاني في الدولة بعد الخليفة، وأيضاً كان لكلّ أمير أو عامل عمالة عدد من الكتبة، وأيضاً كان لقادة الجيش والرايات المختلفة عدد من الكَتَبة، وحتى يتم اعتماد الخطابات والرسائل في الدولة المهدية كان لابد من أن تكون مختومة بختم صاحبها، حيث أن الختم دليلٌ على صحّة ما وَرَد في الرسالة، لذلك ظهرت الأختام في الدولة المهدية حيث كان للإمام المهدي أربعة أختام، نُقِشَ على الأول منها عبارة "لا إله إلا الله محمد رسول الله محمد أحمد المهدي عبد الله ١٢٩٢هـ"، ويُعتبر هذا الختم أول أختام الإمام المهدي. وقد كان ختم الخليفة عبد الله بيضاوي الشكل نُقِشَت عليه عبارة "حسبنا الله ونعم الوكيل". وبإلاضافة للمهدي والخليفة عبد الله، كان لكل أمير وقائد وعامل في الدولة المهدية ختمه الخاص، ولا يُسمح له باستبداله أو عمل واحدٍ آخر في حالة ضياعه إلا بإذن مكتوب من الخليفة عبد الله.
ولكي تستمر الدولة المهدية في إنجاز مهامّها الكتابية، كان الاعتماد في الكتابة على الورق الذي تحصَّلت عليه المهدية الباشوية والخديوية السابقة في السودان، ولكن على الرغم من الكمّيات الكبيرة من الورق، إلا أن الدولة واجهت مشكلة شُحٍّ واضحةٍ في الورق، لذلك صدرت الأوامر من الخليفة عبد الله والأمير يعقوب لجميع الأمراء والقادة والعمال في العمالات المختلفة، تأمرهم بترشيد استخدام الورق وعدم الكتابة على الورق إلا في الأمور المهمة والتي تحتاج لورق.
من خلال تتبع نظام البريد في الدولة المهدية، نجد أن هناك مجموعات من الأفراد ينتمون لقبائل محددة قد عملوا في خدمة البريد؛ منهم العبابدة، والجعليين والتعايشة والهدندوة، ولتطوير هذا الجهاز المهم والحساس في الدولة المهدية قدَّم أمين بيت المال إبراهيم ود عدلان (١٣٠٢-١٣٠٧ه/١٨٨٥-١٨٨٩م) مقترحاً مهماً يستهدف تطوير وزيادة فاعلية نظام البريد في الدولة، ولكن مقترحه لم يجد القبول من قبل الخليفة عبد الله الذي فضَّل الاستمرار في النظام التقليدي للبريد.
عموماً هناك عدد من المهام التي نجح البريد في إنجازها في الدولة المهدية بصورة عملية منها:
- ربط أقاليم الدولة المختلفة بالعاصمة أم درمان.
- سهَّل على الخليفة عبد الله الحصول على المعلومة بطرق مختلفة، ومكَّنه من متابعة الأمراء والقادة والعمال في عمالاتهم.
- زيادة فاعلية النظام الاستخباراتي في الدولة المهدية.
لوحة الغلاف من تصميم هند عبد الباقي

الدولة المهدية
(١٣٠٢-١٣١٦ ه /١٨٨٥-١٨٩٨م )
عَرِف السودان البريد ونُظُمه الحديثة خلال حكم الباشوية والخديوية، حيث وجَدَ هذا المرفق المهم والحساس عناية كبيرة من قبل محمد علي باشا وخلفائه الذين تعاقبوا على حكم السودان منذ العام ١٨٢١م، وحتى تحرير الخرطوم في ٢٦ يناير ١٨٨٥م. ومن العوامل المهمة التي أسهمت في تطور نظام البريد في السودان اتساع رقعة البلاد في عهد الخديوي إسماعيل، والذي يمكن أن نُطلق عليه رائد التحديث في السودان، حيث عمل على ربط جميع مناطق السودان في ذلك الوقت بشبكة من البريد والتلغراف الحديث، كما ربط جميع موانئ البحر الأحمر -مثل زيلع وبربرة وهرر ومصوع- بسواكن التي كانت تمثِّل مركزَ وحاضرة تلك الموانئ بالإسكندرية والقاهرة. وبالنسبة للمناطق الداخلية، تم ربط جميع أقاليم السودان المختلفة بشبكة من التلغراف، مثل إقليم دارفور وبحر الغزال والاستوائية وشرق السودان، بالعاصمة الخرطوم، ومنها إلى القاهرة كأطول خطوط تلغراف في القارة في ذلك الوقت. وبالإضافة للتلغراف كانت الحاجة كبيرة إلى ربط أجزاء السودان بخدمة البريد والتي لَعِبَت الجمال، والخيول، والسفن النهرية والمراكب؛ دوراً مهماً في تفعيلها ونجاحها طوال حكم الباشوية والخديوية في السودان. ونتيجة لذلك انتشرت نقاط التلغراف في العديد من المدن والحواضر مثل حلفا ودنقلا وبربر والخرطوم وكسلا وسواكن والقضارف والأبيض والفاشر وواو وغيرها من المدن الكبيرة في ذلك الوقت، ووجدت خدمة البريد اهتماماً كبيراً من قبل الحكمداريين الذين تعاقبوا على حكم السودان، لأنها كانت تُمثّل لهم إحدى الوسائل المهمة والضرورية في نقل أخبار التجارة والتجار والأجانب والمعاملات الحكومية اليومية المختلفة، وقد أسهمت هذه الخدمة في تسهيل وربط أجزاء السودان المختلفة.
بعد تحرير الخرطوم بتاريخ ٢ يناير ١٨٨٥م على يد قوات الإمام المهدي، اهتمَّت الدولة المهدية بخدمة البريد وذلك لدورها المهم والفاعل في إدارة الدولة وإيصال المحررات والخطابات للعمالات المختلفة، وما يدلّ على اهتمام الخليفة عبد الله بأمر البريد أنه خصص كَتَبَةً مُحددين مع كل أمير، وأطلق عليه اسم (كَتَبَة السر)، وعمل أيضاً على اختيار أفضل الرجال الذين يمتازون بالصدق والأمانة وكتم الأسرار في نقل بريد الدولة لأطرافها المختلفة، وكذلك عمل على تخصيص أفضل الهجن والخيول لحاملي البريد، وأمر بتقديم التسهيلات اللازمة لهم من قبل أمراء وقادة المهدية في المناطق المختلفة التي يمر عبرها البريد، وأعطاهم أوامر مكتوبة تُسهم في تَسهيل مهمتهم في حالة احتاج الواحد منهم لتقديم خدمة من حاكم المنطقة المحددة أو من عامة الناس.
كلَّف الخليفة عبد الله أربعة من الكتبة للقيام بتحرير رسائله وخطاباته المختلفة للعملاء والقادة والأمراء والمشايخ، وقد أطلق عليهم اسم (المخصوصين) أي الكُتاب الخاصِّين بكتابة خطابات الخليفة عبد الله، ولأهمية البريد لدى الخليفة كان يخصص وقتاً محدداً في صباح كل يوم للاطلاع على الرسائل الواردة من العمالات، والتي كان يصحبها تقرير شفهي من حامل البريد، وهو تقرير مُكمِّل لما احتوته الرسالة، وقد كان الخليفة يعتمد على التقرير الشفاهي بجانب المكتوب في اتخاذ قراراته، وذلك بسبب عدم تمكن الخليفة من زيارة أقاليم الدولة المختلفة. إضافةً لكَتَبَة الرسائل عند الخليفة عبد الله، كان هناك كَتبة محددين للأمير يعقوب (جراب الرأي) الرجل الثاني في الدولة بعد الخليفة، وأيضاً كان لكلّ أمير أو عامل عمالة عدد من الكتبة، وأيضاً كان لقادة الجيش والرايات المختلفة عدد من الكَتَبة، وحتى يتم اعتماد الخطابات والرسائل في الدولة المهدية كان لابد من أن تكون مختومة بختم صاحبها، حيث أن الختم دليلٌ على صحّة ما وَرَد في الرسالة، لذلك ظهرت الأختام في الدولة المهدية حيث كان للإمام المهدي أربعة أختام، نُقِشَ على الأول منها عبارة "لا إله إلا الله محمد رسول الله محمد أحمد المهدي عبد الله ١٢٩٢هـ"، ويُعتبر هذا الختم أول أختام الإمام المهدي. وقد كان ختم الخليفة عبد الله بيضاوي الشكل نُقِشَت عليه عبارة "حسبنا الله ونعم الوكيل". وبإلاضافة للمهدي والخليفة عبد الله، كان لكل أمير وقائد وعامل في الدولة المهدية ختمه الخاص، ولا يُسمح له باستبداله أو عمل واحدٍ آخر في حالة ضياعه إلا بإذن مكتوب من الخليفة عبد الله.
ولكي تستمر الدولة المهدية في إنجاز مهامّها الكتابية، كان الاعتماد في الكتابة على الورق الذي تحصَّلت عليه المهدية الباشوية والخديوية السابقة في السودان، ولكن على الرغم من الكمّيات الكبيرة من الورق، إلا أن الدولة واجهت مشكلة شُحٍّ واضحةٍ في الورق، لذلك صدرت الأوامر من الخليفة عبد الله والأمير يعقوب لجميع الأمراء والقادة والعمال في العمالات المختلفة، تأمرهم بترشيد استخدام الورق وعدم الكتابة على الورق إلا في الأمور المهمة والتي تحتاج لورق.
من خلال تتبع نظام البريد في الدولة المهدية، نجد أن هناك مجموعات من الأفراد ينتمون لقبائل محددة قد عملوا في خدمة البريد؛ منهم العبابدة، والجعليين والتعايشة والهدندوة، ولتطوير هذا الجهاز المهم والحساس في الدولة المهدية قدَّم أمين بيت المال إبراهيم ود عدلان (١٣٠٢-١٣٠٧ه/١٨٨٥-١٨٨٩م) مقترحاً مهماً يستهدف تطوير وزيادة فاعلية نظام البريد في الدولة، ولكن مقترحه لم يجد القبول من قبل الخليفة عبد الله الذي فضَّل الاستمرار في النظام التقليدي للبريد.
عموماً هناك عدد من المهام التي نجح البريد في إنجازها في الدولة المهدية بصورة عملية منها:
- ربط أقاليم الدولة المختلفة بالعاصمة أم درمان.
- سهَّل على الخليفة عبد الله الحصول على المعلومة بطرق مختلفة، ومكَّنه من متابعة الأمراء والقادة والعمال في عمالاتهم.
- زيادة فاعلية النظام الاستخباراتي في الدولة المهدية.
لوحة الغلاف من تصميم هند عبد الباقي

مطبعة الحجر في السودان

مطبعة الحجر في السودان
تُعدّ الطباعة من أعظم الاختراعات التي أبدع الإنسان في ابتكارها وإنجازها طوال تاريخه، وذلك لأهميتها في حركة نقل المعلومة وترجمتها وانتشارها، وقد أسهمت المطبعة بأشكالها المختلفة في نموّ وتطوّر العديد من الحضارات في أوروبا والشرق الأقصى والعالم العربي، ومن هذه المناطق الثلاث انتشرت الطباعة إلى بقية أنحاء العالم، لتصبح واحدة من أدوات التثقيف والنقل والترجمة.
وبالنسبة للسودان، فقد ارتبط دخول المطبعة بمصر خلال حكم محمد علي باشا، وأول مطبعة دخلت السودان قبل العام ١٨٤٢م كمطبعة صغيرة، عُرفت بالمطبعة الأميريَّة (مطبَعة الحَجَر) ، ويرُجَّح أيضاً أنها فرنسية المنشأ، ذلك لأن جميع المطابع الحجرية ذات الأحرف التي دخلت مصر في تلك الفترة كانت فرنسية. وحتى تقوم المطبعة الجديدة في الخرطوم بعملها على أكمل وجه، تمَّ إرسال فريق متخصص معها إلى السودان، على رأسهم إبراهيم أفندي أحمد ومعه مجموعة من الفنيين المصريين، وبعد وفاته خلفه ابنه حسن بك المطبعجي؛ وأسرة المطبعجي من الأسر المعروفة الآن في السودان.
نجحت المطبعة الأميرية (مطبعة الحَجَر) في تغطية احتياجات مدرسة الخرطوم والمؤسسات الحكومية المختلفة في البلاد، وقد أسهمت أيضاً في تغطية كل احتياجات الحكمدارية في الخرطوم من الورق والدمغة التي لا تتم الإجراءات الحكومية إلا بها، وكذلك الدفاتر والمتعّلقات الورقية الأخرى. وقد تم وضع المطبعة ضمن مبنى الترسانة الحربية في الخرطوم، وهو مبنى المساحة السودانية الحالي والذي يقع بالقرب من مبنى الحكمدارية في ذلك الوقت (القصر الجمهوري الحالي)، وقد تم إلحاق مصنعٍ صغير للورق بالمطبعة لكي يُسهم في تغطية احتياجات البلاد من الورق، وقد نجح في ذلك بصورة كبيرة، حتى أن التجار في الخرطوم وغيرها من المدن السودانية كانوا يتحصّلون احتياجاتهم من الورق عبر هذا المصنع، وقد نجحت المطبعة بصورة كبيرة في أداء مهمّتها على أكمل وجه. كما تمَّ استخدام مطبعة الحجر من قبل غردون باشا في إصدار سندات مالية عُرفت باسم "سندات غردون" في العام ١٨٨٤م، وذلك عندما تمكَّنت قوات الثورة المهدية من فرض حصارها على المدينة، وأصبح هناك شُحٌّ في العملة، وكانت هذه الطريقة هي الوسيلة الوحيدة لتغطية مرتبات الجنود المحاصرين داخل الخرطوم، وفي نهاية الأمر تمكَّنت قوات الأنصار بقيادة الإمام محمد أحمد المهدي من بسط سيطرتها على الخرطوم في ٢٦ يناير ١٨٨٥م، ومن بين أهم المقتنيات التي وضعت المهدية يدها عليها كانت مطبعة الحجر.
وقد وَجَدت مطبعة الحجر عناية كبيرة من قبل الخليفة عبد الله ود تورشين خليفة الإمام المهدي، والذي أصدر قراره بنقل المطبعة من مقرّها في الترسانة الحربية بالخرطوم إلى أم درمان العاصمة الجديدة للدولة، ولضمان استمرار المطبعة في أداء مهامّها أمرَ الخليفة بأن تكون تابعة لبيت المال المركزي بأم درمان، وأن تكون ضمن وحدات الترسانة الحربية، وبعد ذلك قام الخليفة عبد الله باستدعاء الأشخاص الذين لهم علاقة مباشرة بالطباعة والمطبعة خلال حكم الباشوية والخديوية المصرية في السودان ليكونوا ضمن فريق العمل الجديد، وفعلاً نجح الخليفة في جمع عدد كبير من أصحاب الخبرة في هذا المجال، وبدأ عمل المطبعة من جديد في ظل الدولة المهدية هذه المرة. تمَّ تكليف الأمير مختار بادي -وهو من دناقلة مدينة بارا بكردفان- ليصبح أميناً على المطبعة، وكان يعاونه شخص يُدعى حسن ساتي، وتمت الاستعانة أيضاً بعدد من الأقباط والكَتَبة الذين كانوا يعملون خلال حكم الباشوية والخديوية في السودان، ومن الأشخاص الذين تمّت الاستفادة من خبرتهم في عمل المطبعة: محمد ذهني، حسن سالة، محمد الأمين، عمر الأزهري، وإبراهيم المطبعجي.

وفي شهر شعبان من العام ١٣٠٣ه بدأ تدشين عمل المطبعة لتقوم بإنتاج العديد من الرسائل والكُتب والخطابات الداخلية والخارجية، والمتتبع لهيكل المطبعة الإداري يجد أن على رأس الإدارة فيها أمين للمطبعة بدرجة أمير، بالإضافة للمدققين اللغويين، وهناك أيضاً المشرفين على إعداد النصوص ومراجعتها واعتمادها لتذهب للمطبعة، ومن هؤلاء أبو القاسم أحمد هاشم، والمدثر إبراهيم الحجاز، وهناك أيضاً أمين مخزن المطبعة، ومن خلال هذا الهيكل الإداري البسيط نجحت المطبعة في طباعة العديد من المنشورات والرسائل والخطابات والكتب بأنواعها المختلفة، وعلى الرغم من المطبوعات المختلفة التي تمت طباعتها في مطبعة الحجر، والتي كانت أوامر طباعتها تأتي مباشرة من قبل الخليفة عبد الله، إلا أنها واجهت عدداً من الصعوبات والمشاكل، من أهمها شحّ الورق، وذلك لأن الدولة المهدية لم تعمل على استيراد أي ورق من الخارج بسبب الحصار المضروب عليها من قبل بريطانيا، كما أن كميات الورق التي غَنمتها الدولة قد تقلَّصت بصورة كبيرة، وذلك بسبب الاستهلاك اليومي، الأمر الذي دعى الأمير يعقوب (جراب الرأي) إلى تقليص كميات الورق التي تُصرف للعمالات (الأقاليم) والأمراء والوحدات المختلفة في الدولة، والمشكلة الثانية التي واجهت المطبعة تمرّد عدد من عمالها على سلطة الخليفة، وذلك من خلال إتلاف الورق والأحبار وأدوات الطباعة بغرض حرمان الدولة من الاستفادة من الخدمة الجليلة التي تقوم بها المطبعة.
بعد أن بَسَطت القوات الإنجليزية سيطرتها على البلاد عقبَ هزيمتها لقوات المهدية في معركة كرري بتاريخ 2 ديسمبر ١٨٩٨م، تمكن الإنجليز من الاستحواذ على مطبعة الحجر، وتمت طباعة أولى الأعداد من صحيفة "الغازيتة"، وكذلك نص الاتفاقية المشتركة بين بريطانيا ومصر بخصوص السودان.
من خلال هذا السرد التاريخي لمطبعة الحجر في السودان، نجد أنها قد لَعِبَت دوراً مهماً في ثلاث فترات تاريخية مختلفة شهدها السودان، وقامت بدورها على أكمل وجه، ومن أهم ما أنجزته مطبعة الحجر في السودان:
- طباعة جميع احتياجات الحكمدارية في السودان.
- طباعة الدفاتر للتجار في الخرطوم والمدن السودانية.
- طباعة محررات الإمام المهدي والخليفة عبد الله وعدد من الكتب المختلفة خلال فترة المهدية.
- طباعة اتفاقية ١٨٩٩م بين بريطانيا ومصر بخصوص السودان، وكذلك أوامر وتوجيهات المستعمر للسودانيين في أيامه الأولى.
لوحة الغلاف من تصميم هند عبد الباقي
تُعدّ الطباعة من أعظم الاختراعات التي أبدع الإنسان في ابتكارها وإنجازها طوال تاريخه، وذلك لأهميتها في حركة نقل المعلومة وترجمتها وانتشارها، وقد أسهمت المطبعة بأشكالها المختلفة في نموّ وتطوّر العديد من الحضارات في أوروبا والشرق الأقصى والعالم العربي، ومن هذه المناطق الثلاث انتشرت الطباعة إلى بقية أنحاء العالم، لتصبح واحدة من أدوات التثقيف والنقل والترجمة.
وبالنسبة للسودان، فقد ارتبط دخول المطبعة بمصر خلال حكم محمد علي باشا، وأول مطبعة دخلت السودان قبل العام ١٨٤٢م كمطبعة صغيرة، عُرفت بالمطبعة الأميريَّة (مطبَعة الحَجَر) ، ويرُجَّح أيضاً أنها فرنسية المنشأ، ذلك لأن جميع المطابع الحجرية ذات الأحرف التي دخلت مصر في تلك الفترة كانت فرنسية. وحتى تقوم المطبعة الجديدة في الخرطوم بعملها على أكمل وجه، تمَّ إرسال فريق متخصص معها إلى السودان، على رأسهم إبراهيم أفندي أحمد ومعه مجموعة من الفنيين المصريين، وبعد وفاته خلفه ابنه حسن بك المطبعجي؛ وأسرة المطبعجي من الأسر المعروفة الآن في السودان.
نجحت المطبعة الأميرية (مطبعة الحَجَر) في تغطية احتياجات مدرسة الخرطوم والمؤسسات الحكومية المختلفة في البلاد، وقد أسهمت أيضاً في تغطية كل احتياجات الحكمدارية في الخرطوم من الورق والدمغة التي لا تتم الإجراءات الحكومية إلا بها، وكذلك الدفاتر والمتعّلقات الورقية الأخرى. وقد تم وضع المطبعة ضمن مبنى الترسانة الحربية في الخرطوم، وهو مبنى المساحة السودانية الحالي والذي يقع بالقرب من مبنى الحكمدارية في ذلك الوقت (القصر الجمهوري الحالي)، وقد تم إلحاق مصنعٍ صغير للورق بالمطبعة لكي يُسهم في تغطية احتياجات البلاد من الورق، وقد نجح في ذلك بصورة كبيرة، حتى أن التجار في الخرطوم وغيرها من المدن السودانية كانوا يتحصّلون احتياجاتهم من الورق عبر هذا المصنع، وقد نجحت المطبعة بصورة كبيرة في أداء مهمّتها على أكمل وجه. كما تمَّ استخدام مطبعة الحجر من قبل غردون باشا في إصدار سندات مالية عُرفت باسم "سندات غردون" في العام ١٨٨٤م، وذلك عندما تمكَّنت قوات الثورة المهدية من فرض حصارها على المدينة، وأصبح هناك شُحٌّ في العملة، وكانت هذه الطريقة هي الوسيلة الوحيدة لتغطية مرتبات الجنود المحاصرين داخل الخرطوم، وفي نهاية الأمر تمكَّنت قوات الأنصار بقيادة الإمام محمد أحمد المهدي من بسط سيطرتها على الخرطوم في ٢٦ يناير ١٨٨٥م، ومن بين أهم المقتنيات التي وضعت المهدية يدها عليها كانت مطبعة الحجر.
وقد وَجَدت مطبعة الحجر عناية كبيرة من قبل الخليفة عبد الله ود تورشين خليفة الإمام المهدي، والذي أصدر قراره بنقل المطبعة من مقرّها في الترسانة الحربية بالخرطوم إلى أم درمان العاصمة الجديدة للدولة، ولضمان استمرار المطبعة في أداء مهامّها أمرَ الخليفة بأن تكون تابعة لبيت المال المركزي بأم درمان، وأن تكون ضمن وحدات الترسانة الحربية، وبعد ذلك قام الخليفة عبد الله باستدعاء الأشخاص الذين لهم علاقة مباشرة بالطباعة والمطبعة خلال حكم الباشوية والخديوية المصرية في السودان ليكونوا ضمن فريق العمل الجديد، وفعلاً نجح الخليفة في جمع عدد كبير من أصحاب الخبرة في هذا المجال، وبدأ عمل المطبعة من جديد في ظل الدولة المهدية هذه المرة. تمَّ تكليف الأمير مختار بادي -وهو من دناقلة مدينة بارا بكردفان- ليصبح أميناً على المطبعة، وكان يعاونه شخص يُدعى حسن ساتي، وتمت الاستعانة أيضاً بعدد من الأقباط والكَتَبة الذين كانوا يعملون خلال حكم الباشوية والخديوية في السودان، ومن الأشخاص الذين تمّت الاستفادة من خبرتهم في عمل المطبعة: محمد ذهني، حسن سالة، محمد الأمين، عمر الأزهري، وإبراهيم المطبعجي.

وفي شهر شعبان من العام ١٣٠٣ه بدأ تدشين عمل المطبعة لتقوم بإنتاج العديد من الرسائل والكُتب والخطابات الداخلية والخارجية، والمتتبع لهيكل المطبعة الإداري يجد أن على رأس الإدارة فيها أمين للمطبعة بدرجة أمير، بالإضافة للمدققين اللغويين، وهناك أيضاً المشرفين على إعداد النصوص ومراجعتها واعتمادها لتذهب للمطبعة، ومن هؤلاء أبو القاسم أحمد هاشم، والمدثر إبراهيم الحجاز، وهناك أيضاً أمين مخزن المطبعة، ومن خلال هذا الهيكل الإداري البسيط نجحت المطبعة في طباعة العديد من المنشورات والرسائل والخطابات والكتب بأنواعها المختلفة، وعلى الرغم من المطبوعات المختلفة التي تمت طباعتها في مطبعة الحجر، والتي كانت أوامر طباعتها تأتي مباشرة من قبل الخليفة عبد الله، إلا أنها واجهت عدداً من الصعوبات والمشاكل، من أهمها شحّ الورق، وذلك لأن الدولة المهدية لم تعمل على استيراد أي ورق من الخارج بسبب الحصار المضروب عليها من قبل بريطانيا، كما أن كميات الورق التي غَنمتها الدولة قد تقلَّصت بصورة كبيرة، وذلك بسبب الاستهلاك اليومي، الأمر الذي دعى الأمير يعقوب (جراب الرأي) إلى تقليص كميات الورق التي تُصرف للعمالات (الأقاليم) والأمراء والوحدات المختلفة في الدولة، والمشكلة الثانية التي واجهت المطبعة تمرّد عدد من عمالها على سلطة الخليفة، وذلك من خلال إتلاف الورق والأحبار وأدوات الطباعة بغرض حرمان الدولة من الاستفادة من الخدمة الجليلة التي تقوم بها المطبعة.
بعد أن بَسَطت القوات الإنجليزية سيطرتها على البلاد عقبَ هزيمتها لقوات المهدية في معركة كرري بتاريخ 2 ديسمبر ١٨٩٨م، تمكن الإنجليز من الاستحواذ على مطبعة الحجر، وتمت طباعة أولى الأعداد من صحيفة "الغازيتة"، وكذلك نص الاتفاقية المشتركة بين بريطانيا ومصر بخصوص السودان.
من خلال هذا السرد التاريخي لمطبعة الحجر في السودان، نجد أنها قد لَعِبَت دوراً مهماً في ثلاث فترات تاريخية مختلفة شهدها السودان، وقامت بدورها على أكمل وجه، ومن أهم ما أنجزته مطبعة الحجر في السودان:
- طباعة جميع احتياجات الحكمدارية في السودان.
- طباعة الدفاتر للتجار في الخرطوم والمدن السودانية.
- طباعة محررات الإمام المهدي والخليفة عبد الله وعدد من الكتب المختلفة خلال فترة المهدية.
- طباعة اتفاقية ١٨٩٩م بين بريطانيا ومصر بخصوص السودان، وكذلك أوامر وتوجيهات المستعمر للسودانيين في أيامه الأولى.
لوحة الغلاف من تصميم هند عبد الباقي

تُعدّ الطباعة من أعظم الاختراعات التي أبدع الإنسان في ابتكارها وإنجازها طوال تاريخه، وذلك لأهميتها في حركة نقل المعلومة وترجمتها وانتشارها، وقد أسهمت المطبعة بأشكالها المختلفة في نموّ وتطوّر العديد من الحضارات في أوروبا والشرق الأقصى والعالم العربي، ومن هذه المناطق الثلاث انتشرت الطباعة إلى بقية أنحاء العالم، لتصبح واحدة من أدوات التثقيف والنقل والترجمة.
وبالنسبة للسودان، فقد ارتبط دخول المطبعة بمصر خلال حكم محمد علي باشا، وأول مطبعة دخلت السودان قبل العام ١٨٤٢م كمطبعة صغيرة، عُرفت بالمطبعة الأميريَّة (مطبَعة الحَجَر) ، ويرُجَّح أيضاً أنها فرنسية المنشأ، ذلك لأن جميع المطابع الحجرية ذات الأحرف التي دخلت مصر في تلك الفترة كانت فرنسية. وحتى تقوم المطبعة الجديدة في الخرطوم بعملها على أكمل وجه، تمَّ إرسال فريق متخصص معها إلى السودان، على رأسهم إبراهيم أفندي أحمد ومعه مجموعة من الفنيين المصريين، وبعد وفاته خلفه ابنه حسن بك المطبعجي؛ وأسرة المطبعجي من الأسر المعروفة الآن في السودان.
نجحت المطبعة الأميرية (مطبعة الحَجَر) في تغطية احتياجات مدرسة الخرطوم والمؤسسات الحكومية المختلفة في البلاد، وقد أسهمت أيضاً في تغطية كل احتياجات الحكمدارية في الخرطوم من الورق والدمغة التي لا تتم الإجراءات الحكومية إلا بها، وكذلك الدفاتر والمتعّلقات الورقية الأخرى. وقد تم وضع المطبعة ضمن مبنى الترسانة الحربية في الخرطوم، وهو مبنى المساحة السودانية الحالي والذي يقع بالقرب من مبنى الحكمدارية في ذلك الوقت (القصر الجمهوري الحالي)، وقد تم إلحاق مصنعٍ صغير للورق بالمطبعة لكي يُسهم في تغطية احتياجات البلاد من الورق، وقد نجح في ذلك بصورة كبيرة، حتى أن التجار في الخرطوم وغيرها من المدن السودانية كانوا يتحصّلون احتياجاتهم من الورق عبر هذا المصنع، وقد نجحت المطبعة بصورة كبيرة في أداء مهمّتها على أكمل وجه. كما تمَّ استخدام مطبعة الحجر من قبل غردون باشا في إصدار سندات مالية عُرفت باسم "سندات غردون" في العام ١٨٨٤م، وذلك عندما تمكَّنت قوات الثورة المهدية من فرض حصارها على المدينة، وأصبح هناك شُحٌّ في العملة، وكانت هذه الطريقة هي الوسيلة الوحيدة لتغطية مرتبات الجنود المحاصرين داخل الخرطوم، وفي نهاية الأمر تمكَّنت قوات الأنصار بقيادة الإمام محمد أحمد المهدي من بسط سيطرتها على الخرطوم في ٢٦ يناير ١٨٨٥م، ومن بين أهم المقتنيات التي وضعت المهدية يدها عليها كانت مطبعة الحجر.
وقد وَجَدت مطبعة الحجر عناية كبيرة من قبل الخليفة عبد الله ود تورشين خليفة الإمام المهدي، والذي أصدر قراره بنقل المطبعة من مقرّها في الترسانة الحربية بالخرطوم إلى أم درمان العاصمة الجديدة للدولة، ولضمان استمرار المطبعة في أداء مهامّها أمرَ الخليفة بأن تكون تابعة لبيت المال المركزي بأم درمان، وأن تكون ضمن وحدات الترسانة الحربية، وبعد ذلك قام الخليفة عبد الله باستدعاء الأشخاص الذين لهم علاقة مباشرة بالطباعة والمطبعة خلال حكم الباشوية والخديوية المصرية في السودان ليكونوا ضمن فريق العمل الجديد، وفعلاً نجح الخليفة في جمع عدد كبير من أصحاب الخبرة في هذا المجال، وبدأ عمل المطبعة من جديد في ظل الدولة المهدية هذه المرة. تمَّ تكليف الأمير مختار بادي -وهو من دناقلة مدينة بارا بكردفان- ليصبح أميناً على المطبعة، وكان يعاونه شخص يُدعى حسن ساتي، وتمت الاستعانة أيضاً بعدد من الأقباط والكَتَبة الذين كانوا يعملون خلال حكم الباشوية والخديوية في السودان، ومن الأشخاص الذين تمّت الاستفادة من خبرتهم في عمل المطبعة: محمد ذهني، حسن سالة، محمد الأمين، عمر الأزهري، وإبراهيم المطبعجي.

وفي شهر شعبان من العام ١٣٠٣ه بدأ تدشين عمل المطبعة لتقوم بإنتاج العديد من الرسائل والكُتب والخطابات الداخلية والخارجية، والمتتبع لهيكل المطبعة الإداري يجد أن على رأس الإدارة فيها أمين للمطبعة بدرجة أمير، بالإضافة للمدققين اللغويين، وهناك أيضاً المشرفين على إعداد النصوص ومراجعتها واعتمادها لتذهب للمطبعة، ومن هؤلاء أبو القاسم أحمد هاشم، والمدثر إبراهيم الحجاز، وهناك أيضاً أمين مخزن المطبعة، ومن خلال هذا الهيكل الإداري البسيط نجحت المطبعة في طباعة العديد من المنشورات والرسائل والخطابات والكتب بأنواعها المختلفة، وعلى الرغم من المطبوعات المختلفة التي تمت طباعتها في مطبعة الحجر، والتي كانت أوامر طباعتها تأتي مباشرة من قبل الخليفة عبد الله، إلا أنها واجهت عدداً من الصعوبات والمشاكل، من أهمها شحّ الورق، وذلك لأن الدولة المهدية لم تعمل على استيراد أي ورق من الخارج بسبب الحصار المضروب عليها من قبل بريطانيا، كما أن كميات الورق التي غَنمتها الدولة قد تقلَّصت بصورة كبيرة، وذلك بسبب الاستهلاك اليومي، الأمر الذي دعى الأمير يعقوب (جراب الرأي) إلى تقليص كميات الورق التي تُصرف للعمالات (الأقاليم) والأمراء والوحدات المختلفة في الدولة، والمشكلة الثانية التي واجهت المطبعة تمرّد عدد من عمالها على سلطة الخليفة، وذلك من خلال إتلاف الورق والأحبار وأدوات الطباعة بغرض حرمان الدولة من الاستفادة من الخدمة الجليلة التي تقوم بها المطبعة.
بعد أن بَسَطت القوات الإنجليزية سيطرتها على البلاد عقبَ هزيمتها لقوات المهدية في معركة كرري بتاريخ 2 ديسمبر ١٨٩٨م، تمكن الإنجليز من الاستحواذ على مطبعة الحجر، وتمت طباعة أولى الأعداد من صحيفة "الغازيتة"، وكذلك نص الاتفاقية المشتركة بين بريطانيا ومصر بخصوص السودان.
من خلال هذا السرد التاريخي لمطبعة الحجر في السودان، نجد أنها قد لَعِبَت دوراً مهماً في ثلاث فترات تاريخية مختلفة شهدها السودان، وقامت بدورها على أكمل وجه، ومن أهم ما أنجزته مطبعة الحجر في السودان:
- طباعة جميع احتياجات الحكمدارية في السودان.
- طباعة الدفاتر للتجار في الخرطوم والمدن السودانية.
- طباعة محررات الإمام المهدي والخليفة عبد الله وعدد من الكتب المختلفة خلال فترة المهدية.
- طباعة اتفاقية ١٨٩٩م بين بريطانيا ومصر بخصوص السودان، وكذلك أوامر وتوجيهات المستعمر للسودانيين في أيامه الأولى.
لوحة الغلاف من تصميم هند عبد الباقي

مطبعة الحجر

مطبعة الحجر
فترة المهدية ١٨٩٨
مطبعة من النوع الذي أُدخل في عهد تركيا (١٨٢١-١٨٨٥)، ولكن هذه المطبعة كانت تستخدم خلال فترة المهديّة، لطباعة راتب المهدي وجميع الخطابات الرسمية، كخطابات الدعوة التي أرسلها الإمام المهدي لأقاليم السودان المختلفة، وإلى مصر وبلاد شنقيط ونيجيريا وإسطنبول، والإنذارات التي أرسلها الخليفة عبد الله لملكة بريطانيا ووالي مصر والسلطان العثمانيّ.
متحف بيت خليفة
فترة المهدية ١٨٩٨
مطبعة من النوع الذي أُدخل في عهد تركيا (١٨٢١-١٨٨٥)، ولكن هذه المطبعة كانت تستخدم خلال فترة المهديّة، لطباعة راتب المهدي وجميع الخطابات الرسمية، كخطابات الدعوة التي أرسلها الإمام المهدي لأقاليم السودان المختلفة، وإلى مصر وبلاد شنقيط ونيجيريا وإسطنبول، والإنذارات التي أرسلها الخليفة عبد الله لملكة بريطانيا ووالي مصر والسلطان العثمانيّ.
متحف بيت خليفة

فترة المهدية ١٨٩٨
مطبعة من النوع الذي أُدخل في عهد تركيا (١٨٢١-١٨٨٥)، ولكن هذه المطبعة كانت تستخدم خلال فترة المهديّة، لطباعة راتب المهدي وجميع الخطابات الرسمية، كخطابات الدعوة التي أرسلها الإمام المهدي لأقاليم السودان المختلفة، وإلى مصر وبلاد شنقيط ونيجيريا وإسطنبول، والإنذارات التي أرسلها الخليفة عبد الله لملكة بريطانيا ووالي مصر والسلطان العثمانيّ.
متحف بيت خليفة

الطوابع

الطوابع
المجموعة التالية من الطوابع هي من المجموعات الشخصية لإسماعيل عبد الله محمد يوسف. إسماعيل، مدرس وصحفي، عاش في أم درمان وحول منزله إلى متحف للمجتمع. كما شارك بشكل متكرر في المهرجانات والمعارض لعرض مجموعته التي تضم أكثر من ١٠٠٠ مجلة، يعود تاريخ العديد منها إلى الخمسينيات والسبعينيات، وأكثر من ١٠٠٠ قطعة بالإضافة للصحف والطوابع تضم المجموعة أشياء مثل المجوهرات وأدوات المطبخ العتيقة والجرامافون وأجهزة عرض الأفلام وغير ذلك الكثير.
هذه الطوابع، فضلاً عن العديد من العناصر في مجموعته، منشورة على موقع ذاكرة السودان.

يتمتع السودان بتاريخ طويل من الطوابع يعود إلى ما قبل الاستقلال وتصميم ساعي البريد الذي يمتطي جملاً الشهير. حصلت الطوابع التي تحيي ذكرى الأحداث المهمة مثل استقلال البلاد عن الحكم البريطاني على مكانة رئيسية في وسائل الإعلام. "الحكومة المشكلة حديثًا تعقد اجتماعها الأول. "طوابع تذكارية لاستقلال السودان تُطرح للبيع"، هذا هو عنوان صحيفة السودان تايمز عام ١٩٥٦ (مجموعة الصحف لدار الوثائق الوطنية على موقع ذاكرة السودان). ومنذ ذلك الحين، أصبحت الطوابع سجلاً لتفسيرات الهوية الوطنية المختلفة عبر تاريخ السودان.
صورة الغلاف © طوابع سودانية تخلد ذكرى مرور مائة عام على معركة كرري - ١٥٠ دينارًا. (مجموعة المخطوطات لدار الوثائق الوطنية على موقع ذاكرة السودان).
المجموعة التالية من الطوابع هي من المجموعات الشخصية لإسماعيل عبد الله محمد يوسف. إسماعيل، مدرس وصحفي، عاش في أم درمان وحول منزله إلى متحف للمجتمع. كما شارك بشكل متكرر في المهرجانات والمعارض لعرض مجموعته التي تضم أكثر من ١٠٠٠ مجلة، يعود تاريخ العديد منها إلى الخمسينيات والسبعينيات، وأكثر من ١٠٠٠ قطعة بالإضافة للصحف والطوابع تضم المجموعة أشياء مثل المجوهرات وأدوات المطبخ العتيقة والجرامافون وأجهزة عرض الأفلام وغير ذلك الكثير.
هذه الطوابع، فضلاً عن العديد من العناصر في مجموعته، منشورة على موقع ذاكرة السودان.

يتمتع السودان بتاريخ طويل من الطوابع يعود إلى ما قبل الاستقلال وتصميم ساعي البريد الذي يمتطي جملاً الشهير. حصلت الطوابع التي تحيي ذكرى الأحداث المهمة مثل استقلال البلاد عن الحكم البريطاني على مكانة رئيسية في وسائل الإعلام. "الحكومة المشكلة حديثًا تعقد اجتماعها الأول. "طوابع تذكارية لاستقلال السودان تُطرح للبيع"، هذا هو عنوان صحيفة السودان تايمز عام ١٩٥٦ (مجموعة الصحف لدار الوثائق الوطنية على موقع ذاكرة السودان). ومنذ ذلك الحين، أصبحت الطوابع سجلاً لتفسيرات الهوية الوطنية المختلفة عبر تاريخ السودان.
صورة الغلاف © طوابع سودانية تخلد ذكرى مرور مائة عام على معركة كرري - ١٥٠ دينارًا. (مجموعة المخطوطات لدار الوثائق الوطنية على موقع ذاكرة السودان).

المجموعة التالية من الطوابع هي من المجموعات الشخصية لإسماعيل عبد الله محمد يوسف. إسماعيل، مدرس وصحفي، عاش في أم درمان وحول منزله إلى متحف للمجتمع. كما شارك بشكل متكرر في المهرجانات والمعارض لعرض مجموعته التي تضم أكثر من ١٠٠٠ مجلة، يعود تاريخ العديد منها إلى الخمسينيات والسبعينيات، وأكثر من ١٠٠٠ قطعة بالإضافة للصحف والطوابع تضم المجموعة أشياء مثل المجوهرات وأدوات المطبخ العتيقة والجرامافون وأجهزة عرض الأفلام وغير ذلك الكثير.
هذه الطوابع، فضلاً عن العديد من العناصر في مجموعته، منشورة على موقع ذاكرة السودان.

يتمتع السودان بتاريخ طويل من الطوابع يعود إلى ما قبل الاستقلال وتصميم ساعي البريد الذي يمتطي جملاً الشهير. حصلت الطوابع التي تحيي ذكرى الأحداث المهمة مثل استقلال البلاد عن الحكم البريطاني على مكانة رئيسية في وسائل الإعلام. "الحكومة المشكلة حديثًا تعقد اجتماعها الأول. "طوابع تذكارية لاستقلال السودان تُطرح للبيع"، هذا هو عنوان صحيفة السودان تايمز عام ١٩٥٦ (مجموعة الصحف لدار الوثائق الوطنية على موقع ذاكرة السودان). ومنذ ذلك الحين، أصبحت الطوابع سجلاً لتفسيرات الهوية الوطنية المختلفة عبر تاريخ السودان.
صورة الغلاف © طوابع سودانية تخلد ذكرى مرور مائة عام على معركة كرري - ١٥٠ دينارًا. (مجموعة المخطوطات لدار الوثائق الوطنية على موقع ذاكرة السودان).
رسالات عبر الزمن
تعمل المؤسسات والحكايات الشعبية التي صمدت أمام اختبار الزمن كأوصياء على المعرفة، سواء كانت حكاية قديمة رويت للأطفال عبر الأجيال أو دار نشر عمرها مائة عام.

الأحاجي السودانية: كنز ثقافي

الأحاجي السودانية: كنز ثقافي
تشغل الحكايات الشعبية السودانية (أحاجي) مكانة عزيزة في النسيج الثقافي للمجتمع السوداني. تُروى هذه القصص تقليديًا بواسطة الجدات، والخالات، وكبار السن خلال الأمسيات الهادئة الطويلة. وهي ليست مجرد وسيلة للتسلية، بل تُعد أوعية للقيم الاجتماعية والثقافية، تعلم الأطفال دروسًا مهمة عن الأخلاق، والتعاون، والصمود. ومع صعود وسائل الترفيه الحديثة مثل الهواتف الذكية والتلفزيون، أصبح هذا التقليد الشفهي مهددًا بالاندثار. لذا، تتطلب هذه الحكايات، بما تحمله من قيم ثقافية وأخلاقية وتعليمية، جهدًا للحفاظ عليها وإحيائها لضمان استمرار إرثها.
في المجتمعات الريفية السودانية، لم تكن رواية القصص مجرد وسيلة ترفيه، بل كانت أسلوبًا حيويًا للتعليم غير الرسمي. وغالبًا ما كانت جلسة السرد تبدأ بعبارة:
"حجّيتكم ما بجّيتكم، خيرًا جانا وجاكم، أكل عشاكم، وجرى خلاكم."
تُبرز هذه العبارة أن الراوي يروي القصة لغرض التسلية وإفادة المستمعين، دون أي نية للإساءة أو إحداث لبس أو خلاف بينهم. كانت هذه العبارة الافتتاحية التقليدية تهيئ المستمعين للدخول إلى عالم الحكاية الخيالي، وتعزز الشعور بالمشاركة الجماعية. ولم تكن تلك الجلسات تقتصر على التسلية فقط، بل كانت لحظات تعليمية تزرع الحكمة الثقافية والقيم المجتمعية ومهارات التفكير النقدي في نفوس المستمعين الصغار، مما يضمن انتقال التقاليد من جيل إلى آخر.
إدراكًا لهذا التهديد الناتج عن التحديث، قام العالم السوداني المعروف عبد الله الطيب بتوثيق هذه الحكايات في كتابه "الأحاجي السودانية." يجسد عمله جوهر التقاليد الشفوية السودانية، خاصة في شمال البلاد، مما يضمن بقاء هذه القصص متاحةً للأجيال القادمة. من خلال جمعهُ الدقيق، حفظ الطيب التراث الثقافي السوداني، وأبرز القيم العالمية التي تتضمنها الحكايات. ورغم أن هذه الحكايات لا تعكس جميع البيئات المتنوعة والغنية في السودان، حيث تهيمن الأساطير والقصص الشمالية على ضفاف النيل، فإنها تعبر بشكل أو بآخر عن التجربة السودانية العامة في الوعي العالمي. ولكن تنتشر الحكايات الشعبية في جميع أنحاء السودان، ولكل قبيلة قصصها الخاصة التي تحفظ جزءًا من تاريخها من خلالها. تُبرز الحكايات الشعبية السودانية القيم الاجتماعية والثقافية للمنطقة، وتقدم دروسًا أخلاقية من خلال روايات غنية وشخصيات مميزة. تسلط هذه الحكايات الضوء على سمات مثل الذكاء والصبر والقدرة على التكيف كعوامل أساسية لتجاوز تحديات الحياة، مع تعزيز فضائل كالعدل والوفاء والتعاطف.
الثعلب، أو الديب، هو شخصية متكررة معروفة بدهائه وذكائه. في العديد من القصص، يستخدم ذكاءه للتغلب على الآخرين، مما يعزز الفكرة بأن الحيلة والقدرة على التكيف ضروريان لتجاوز التحديات. وبالمثل، يظهر (الشيخ) غالبًا كمرشد، يقدم الإرشاد والحكمة المكتسبة من التجارب. تجسد هذه الشخصيات أهمية التأمل وبعد النظر والفهم، وتوضح أن المعرفة المكتسبة مع الوقت لا تقدر بثمن في مواجهة صعوبات الحياة. كما تعمل الحكايات الشعبية السودانية كبوصلة أخلاقية، تحذر من الطمع والكذب والأنانية، وتحتفي في الوقت نفسه بالعدل والوفاء والتعاطف. في حكاية ود السلطان، على سبيل المثال، يختبر الأمير الشاب نزاهة رفاقه بتقديم ثلاث بيضات لهم. وحده ابن الحطاب يوزعها بالتساوي، مما يثبت أمانته ويصبح في النهاية المستشار الأقرب للأمير.من ناحية أخرى، تُصوَّر النساء في هذه القصص على أنهن شخصيات قوية وماهرة، يتغلبن على المصاعب بشجاعة وذكاء. من خلال التركيز على النساء كراويات وبطلات، تتحدى هذه الحكايات الأدوار التقليدية للجنسين، وتؤكد الدور الحيوي للمرأة في الحفاظ على الثقافة وقيادة مجتمعاتها.
تشكل العلاقة بين البشر والبيئة موضوعًا متكررًا آخر في الحكايات الشعبية السودانية. تسلط القصص التي تضم الحيوانات والعناصر الطبيعية الضوء على التوازن والاحترام، وتعلم ممارسات مستدامة وقيمة التعايش مع الطبيعة. تُغني استخدام اللهجات السودانية والتعابير الثقافية هذه الروايات، مما يعزز الفخر بالتراث الوطني. تعرض حكايات مثل عرديب ساسو ويا حمام يا دمام النكهات والرموز الإقليمية، وتبرز التنوع داخل المشهد الثقافي السوداني. وسيُثري توسيع التمثيل ليشمل حكايات من مناطق مثل دارفور وشرق السودان وجبال النوبة السرد الوطني بشكل أكبر.
من بين القصص الشهيرة، تسلط حكاية فاطمة السمحة والغول الضوء على انتصار الحكمة والشجاعة على الخوف، وتعليم أهمية الشجاعة والمثابرة. كذلك تبرز حكاية ود السلطان دروسًا عن الثقة والنزاهة والتمييز الأخلاقي، وتشدد على أن القيمة الحقيقية تكمن في الشخصية، وليس في المكانة الاجتماعية. وتستكشف حكاية تاجوج والمحلق وهمهوم، وهي قصة حب أسطورية تماثل قصة قيس وليلى، الولاء والحب وعواقب القيود الاجتماعية.
مع تراجع التقاليد الشفوية في مواجهة التكنولوجيا الحديثة، أصبح الحفاظ على الحكايات الشعبية السودانية ضرورة ثقافية ملحة. يمكن إدراج هذه القصص في المناهج التعليمية وبرامج محو الأمية كوسيلة لربط الأجيال الشابة بتراثها مع تعزيز الإبداع والتفكير النقدي. كما يمكن دمج جلسات السرد في المدارس، باستخدام الحكايات لتعليم اللغة والتاريخ والقيم الأخلاقية من خلال أنشطة تفاعلية مثل التمثيل والرسم. وبالمثل، يمكن لبرامج محو الأمية استخدام هذه القصص لتحسين مهارات القراءة، مع تعزيز الفهم والانخراط من خلال الألغاز واللغة الشعرية. من ناحية أخرى، تمثل المنصات الرقمية فرصة فريدة لإحياء هذه الروايات. يمكن تحويل الحكايات الشعبية إلى سلسلة رسوم متحركة أو كتب إلكترونية أو بودكاست أو تطبيقات جوال لجعلها جذابة ومتاحة للجمهور الحديث. على سبيل المثال، يمكن للتطبيقات التي تقدم قصصًا مروية باللهجات السودانية أو تعديلات رسوم متحركة لقصص أيقونية مثل فاطمة السمحة أن تحافظ على جوهرها مع الوصول إلى جمهور عالمي. يمكن للمبادرات المجتمعية، مثل مسابقات السرد أو حملات وسائل التواصل الاجتماعي، أن توثق وتحتفي بهذه الروايات. من خلال مزج التقاليد بالتكنولوجيا، يمكن للحكايات الشعبية السودانية أن تستمر في تثقيف وإلهام الأجيال القادمة، وحماية إرثها الثقافي الثمين.
الحكايات الشعبية السودانية ليست مجرد قصص، بل هي تعبيرات عميقة عن الهوية الثقافية للأمة، تعكس القيم والحكمة والخبرات المشتركة للمجتمع السوداني. لا تحافظ هذه الروايات على التاريخ فحسب، بل تؤثر أيضًا على الطريقة التي يرى بها السودانيون أنفسهم ومجتمعاتهم، مما يعزز الشعور بالانتماء والاستمرارية. من خلال إحياء هذه الحكايات عبر المبادرات التعليمية ووسائل الإعلام الرقمية والتعديلات الفنية، يمكنها الاستمرار في إلهام الإبداع وتعزيز القيم الأخلاقية والاحتفاء بالإرث المتنوع للسودان. تُعد الأحاجي السودانية شهادة على الإبداع الثقافي للسودان وجسرًا يربط بين ماضيه وحاضره، لضمان بقاء تأثيرها للأجيال القادمة.
تشغل الحكايات الشعبية السودانية (أحاجي) مكانة عزيزة في النسيج الثقافي للمجتمع السوداني. تُروى هذه القصص تقليديًا بواسطة الجدات، والخالات، وكبار السن خلال الأمسيات الهادئة الطويلة. وهي ليست مجرد وسيلة للتسلية، بل تُعد أوعية للقيم الاجتماعية والثقافية، تعلم الأطفال دروسًا مهمة عن الأخلاق، والتعاون، والصمود. ومع صعود وسائل الترفيه الحديثة مثل الهواتف الذكية والتلفزيون، أصبح هذا التقليد الشفهي مهددًا بالاندثار. لذا، تتطلب هذه الحكايات، بما تحمله من قيم ثقافية وأخلاقية وتعليمية، جهدًا للحفاظ عليها وإحيائها لضمان استمرار إرثها.
في المجتمعات الريفية السودانية، لم تكن رواية القصص مجرد وسيلة ترفيه، بل كانت أسلوبًا حيويًا للتعليم غير الرسمي. وغالبًا ما كانت جلسة السرد تبدأ بعبارة:
"حجّيتكم ما بجّيتكم، خيرًا جانا وجاكم، أكل عشاكم، وجرى خلاكم."
تُبرز هذه العبارة أن الراوي يروي القصة لغرض التسلية وإفادة المستمعين، دون أي نية للإساءة أو إحداث لبس أو خلاف بينهم. كانت هذه العبارة الافتتاحية التقليدية تهيئ المستمعين للدخول إلى عالم الحكاية الخيالي، وتعزز الشعور بالمشاركة الجماعية. ولم تكن تلك الجلسات تقتصر على التسلية فقط، بل كانت لحظات تعليمية تزرع الحكمة الثقافية والقيم المجتمعية ومهارات التفكير النقدي في نفوس المستمعين الصغار، مما يضمن انتقال التقاليد من جيل إلى آخر.
إدراكًا لهذا التهديد الناتج عن التحديث، قام العالم السوداني المعروف عبد الله الطيب بتوثيق هذه الحكايات في كتابه "الأحاجي السودانية." يجسد عمله جوهر التقاليد الشفوية السودانية، خاصة في شمال البلاد، مما يضمن بقاء هذه القصص متاحةً للأجيال القادمة. من خلال جمعهُ الدقيق، حفظ الطيب التراث الثقافي السوداني، وأبرز القيم العالمية التي تتضمنها الحكايات. ورغم أن هذه الحكايات لا تعكس جميع البيئات المتنوعة والغنية في السودان، حيث تهيمن الأساطير والقصص الشمالية على ضفاف النيل، فإنها تعبر بشكل أو بآخر عن التجربة السودانية العامة في الوعي العالمي. ولكن تنتشر الحكايات الشعبية في جميع أنحاء السودان، ولكل قبيلة قصصها الخاصة التي تحفظ جزءًا من تاريخها من خلالها. تُبرز الحكايات الشعبية السودانية القيم الاجتماعية والثقافية للمنطقة، وتقدم دروسًا أخلاقية من خلال روايات غنية وشخصيات مميزة. تسلط هذه الحكايات الضوء على سمات مثل الذكاء والصبر والقدرة على التكيف كعوامل أساسية لتجاوز تحديات الحياة، مع تعزيز فضائل كالعدل والوفاء والتعاطف.
الثعلب، أو الديب، هو شخصية متكررة معروفة بدهائه وذكائه. في العديد من القصص، يستخدم ذكاءه للتغلب على الآخرين، مما يعزز الفكرة بأن الحيلة والقدرة على التكيف ضروريان لتجاوز التحديات. وبالمثل، يظهر (الشيخ) غالبًا كمرشد، يقدم الإرشاد والحكمة المكتسبة من التجارب. تجسد هذه الشخصيات أهمية التأمل وبعد النظر والفهم، وتوضح أن المعرفة المكتسبة مع الوقت لا تقدر بثمن في مواجهة صعوبات الحياة. كما تعمل الحكايات الشعبية السودانية كبوصلة أخلاقية، تحذر من الطمع والكذب والأنانية، وتحتفي في الوقت نفسه بالعدل والوفاء والتعاطف. في حكاية ود السلطان، على سبيل المثال، يختبر الأمير الشاب نزاهة رفاقه بتقديم ثلاث بيضات لهم. وحده ابن الحطاب يوزعها بالتساوي، مما يثبت أمانته ويصبح في النهاية المستشار الأقرب للأمير.من ناحية أخرى، تُصوَّر النساء في هذه القصص على أنهن شخصيات قوية وماهرة، يتغلبن على المصاعب بشجاعة وذكاء. من خلال التركيز على النساء كراويات وبطلات، تتحدى هذه الحكايات الأدوار التقليدية للجنسين، وتؤكد الدور الحيوي للمرأة في الحفاظ على الثقافة وقيادة مجتمعاتها.
تشكل العلاقة بين البشر والبيئة موضوعًا متكررًا آخر في الحكايات الشعبية السودانية. تسلط القصص التي تضم الحيوانات والعناصر الطبيعية الضوء على التوازن والاحترام، وتعلم ممارسات مستدامة وقيمة التعايش مع الطبيعة. تُغني استخدام اللهجات السودانية والتعابير الثقافية هذه الروايات، مما يعزز الفخر بالتراث الوطني. تعرض حكايات مثل عرديب ساسو ويا حمام يا دمام النكهات والرموز الإقليمية، وتبرز التنوع داخل المشهد الثقافي السوداني. وسيُثري توسيع التمثيل ليشمل حكايات من مناطق مثل دارفور وشرق السودان وجبال النوبة السرد الوطني بشكل أكبر.
من بين القصص الشهيرة، تسلط حكاية فاطمة السمحة والغول الضوء على انتصار الحكمة والشجاعة على الخوف، وتعليم أهمية الشجاعة والمثابرة. كذلك تبرز حكاية ود السلطان دروسًا عن الثقة والنزاهة والتمييز الأخلاقي، وتشدد على أن القيمة الحقيقية تكمن في الشخصية، وليس في المكانة الاجتماعية. وتستكشف حكاية تاجوج والمحلق وهمهوم، وهي قصة حب أسطورية تماثل قصة قيس وليلى، الولاء والحب وعواقب القيود الاجتماعية.
مع تراجع التقاليد الشفوية في مواجهة التكنولوجيا الحديثة، أصبح الحفاظ على الحكايات الشعبية السودانية ضرورة ثقافية ملحة. يمكن إدراج هذه القصص في المناهج التعليمية وبرامج محو الأمية كوسيلة لربط الأجيال الشابة بتراثها مع تعزيز الإبداع والتفكير النقدي. كما يمكن دمج جلسات السرد في المدارس، باستخدام الحكايات لتعليم اللغة والتاريخ والقيم الأخلاقية من خلال أنشطة تفاعلية مثل التمثيل والرسم. وبالمثل، يمكن لبرامج محو الأمية استخدام هذه القصص لتحسين مهارات القراءة، مع تعزيز الفهم والانخراط من خلال الألغاز واللغة الشعرية. من ناحية أخرى، تمثل المنصات الرقمية فرصة فريدة لإحياء هذه الروايات. يمكن تحويل الحكايات الشعبية إلى سلسلة رسوم متحركة أو كتب إلكترونية أو بودكاست أو تطبيقات جوال لجعلها جذابة ومتاحة للجمهور الحديث. على سبيل المثال، يمكن للتطبيقات التي تقدم قصصًا مروية باللهجات السودانية أو تعديلات رسوم متحركة لقصص أيقونية مثل فاطمة السمحة أن تحافظ على جوهرها مع الوصول إلى جمهور عالمي. يمكن للمبادرات المجتمعية، مثل مسابقات السرد أو حملات وسائل التواصل الاجتماعي، أن توثق وتحتفي بهذه الروايات. من خلال مزج التقاليد بالتكنولوجيا، يمكن للحكايات الشعبية السودانية أن تستمر في تثقيف وإلهام الأجيال القادمة، وحماية إرثها الثقافي الثمين.
الحكايات الشعبية السودانية ليست مجرد قصص، بل هي تعبيرات عميقة عن الهوية الثقافية للأمة، تعكس القيم والحكمة والخبرات المشتركة للمجتمع السوداني. لا تحافظ هذه الروايات على التاريخ فحسب، بل تؤثر أيضًا على الطريقة التي يرى بها السودانيون أنفسهم ومجتمعاتهم، مما يعزز الشعور بالانتماء والاستمرارية. من خلال إحياء هذه الحكايات عبر المبادرات التعليمية ووسائل الإعلام الرقمية والتعديلات الفنية، يمكنها الاستمرار في إلهام الإبداع وتعزيز القيم الأخلاقية والاحتفاء بالإرث المتنوع للسودان. تُعد الأحاجي السودانية شهادة على الإبداع الثقافي للسودان وجسرًا يربط بين ماضيه وحاضره، لضمان بقاء تأثيرها للأجيال القادمة.

تشغل الحكايات الشعبية السودانية (أحاجي) مكانة عزيزة في النسيج الثقافي للمجتمع السوداني. تُروى هذه القصص تقليديًا بواسطة الجدات، والخالات، وكبار السن خلال الأمسيات الهادئة الطويلة. وهي ليست مجرد وسيلة للتسلية، بل تُعد أوعية للقيم الاجتماعية والثقافية، تعلم الأطفال دروسًا مهمة عن الأخلاق، والتعاون، والصمود. ومع صعود وسائل الترفيه الحديثة مثل الهواتف الذكية والتلفزيون، أصبح هذا التقليد الشفهي مهددًا بالاندثار. لذا، تتطلب هذه الحكايات، بما تحمله من قيم ثقافية وأخلاقية وتعليمية، جهدًا للحفاظ عليها وإحيائها لضمان استمرار إرثها.
في المجتمعات الريفية السودانية، لم تكن رواية القصص مجرد وسيلة ترفيه، بل كانت أسلوبًا حيويًا للتعليم غير الرسمي. وغالبًا ما كانت جلسة السرد تبدأ بعبارة:
"حجّيتكم ما بجّيتكم، خيرًا جانا وجاكم، أكل عشاكم، وجرى خلاكم."
تُبرز هذه العبارة أن الراوي يروي القصة لغرض التسلية وإفادة المستمعين، دون أي نية للإساءة أو إحداث لبس أو خلاف بينهم. كانت هذه العبارة الافتتاحية التقليدية تهيئ المستمعين للدخول إلى عالم الحكاية الخيالي، وتعزز الشعور بالمشاركة الجماعية. ولم تكن تلك الجلسات تقتصر على التسلية فقط، بل كانت لحظات تعليمية تزرع الحكمة الثقافية والقيم المجتمعية ومهارات التفكير النقدي في نفوس المستمعين الصغار، مما يضمن انتقال التقاليد من جيل إلى آخر.
إدراكًا لهذا التهديد الناتج عن التحديث، قام العالم السوداني المعروف عبد الله الطيب بتوثيق هذه الحكايات في كتابه "الأحاجي السودانية." يجسد عمله جوهر التقاليد الشفوية السودانية، خاصة في شمال البلاد، مما يضمن بقاء هذه القصص متاحةً للأجيال القادمة. من خلال جمعهُ الدقيق، حفظ الطيب التراث الثقافي السوداني، وأبرز القيم العالمية التي تتضمنها الحكايات. ورغم أن هذه الحكايات لا تعكس جميع البيئات المتنوعة والغنية في السودان، حيث تهيمن الأساطير والقصص الشمالية على ضفاف النيل، فإنها تعبر بشكل أو بآخر عن التجربة السودانية العامة في الوعي العالمي. ولكن تنتشر الحكايات الشعبية في جميع أنحاء السودان، ولكل قبيلة قصصها الخاصة التي تحفظ جزءًا من تاريخها من خلالها. تُبرز الحكايات الشعبية السودانية القيم الاجتماعية والثقافية للمنطقة، وتقدم دروسًا أخلاقية من خلال روايات غنية وشخصيات مميزة. تسلط هذه الحكايات الضوء على سمات مثل الذكاء والصبر والقدرة على التكيف كعوامل أساسية لتجاوز تحديات الحياة، مع تعزيز فضائل كالعدل والوفاء والتعاطف.
الثعلب، أو الديب، هو شخصية متكررة معروفة بدهائه وذكائه. في العديد من القصص، يستخدم ذكاءه للتغلب على الآخرين، مما يعزز الفكرة بأن الحيلة والقدرة على التكيف ضروريان لتجاوز التحديات. وبالمثل، يظهر (الشيخ) غالبًا كمرشد، يقدم الإرشاد والحكمة المكتسبة من التجارب. تجسد هذه الشخصيات أهمية التأمل وبعد النظر والفهم، وتوضح أن المعرفة المكتسبة مع الوقت لا تقدر بثمن في مواجهة صعوبات الحياة. كما تعمل الحكايات الشعبية السودانية كبوصلة أخلاقية، تحذر من الطمع والكذب والأنانية، وتحتفي في الوقت نفسه بالعدل والوفاء والتعاطف. في حكاية ود السلطان، على سبيل المثال، يختبر الأمير الشاب نزاهة رفاقه بتقديم ثلاث بيضات لهم. وحده ابن الحطاب يوزعها بالتساوي، مما يثبت أمانته ويصبح في النهاية المستشار الأقرب للأمير.من ناحية أخرى، تُصوَّر النساء في هذه القصص على أنهن شخصيات قوية وماهرة، يتغلبن على المصاعب بشجاعة وذكاء. من خلال التركيز على النساء كراويات وبطلات، تتحدى هذه الحكايات الأدوار التقليدية للجنسين، وتؤكد الدور الحيوي للمرأة في الحفاظ على الثقافة وقيادة مجتمعاتها.
تشكل العلاقة بين البشر والبيئة موضوعًا متكررًا آخر في الحكايات الشعبية السودانية. تسلط القصص التي تضم الحيوانات والعناصر الطبيعية الضوء على التوازن والاحترام، وتعلم ممارسات مستدامة وقيمة التعايش مع الطبيعة. تُغني استخدام اللهجات السودانية والتعابير الثقافية هذه الروايات، مما يعزز الفخر بالتراث الوطني. تعرض حكايات مثل عرديب ساسو ويا حمام يا دمام النكهات والرموز الإقليمية، وتبرز التنوع داخل المشهد الثقافي السوداني. وسيُثري توسيع التمثيل ليشمل حكايات من مناطق مثل دارفور وشرق السودان وجبال النوبة السرد الوطني بشكل أكبر.
من بين القصص الشهيرة، تسلط حكاية فاطمة السمحة والغول الضوء على انتصار الحكمة والشجاعة على الخوف، وتعليم أهمية الشجاعة والمثابرة. كذلك تبرز حكاية ود السلطان دروسًا عن الثقة والنزاهة والتمييز الأخلاقي، وتشدد على أن القيمة الحقيقية تكمن في الشخصية، وليس في المكانة الاجتماعية. وتستكشف حكاية تاجوج والمحلق وهمهوم، وهي قصة حب أسطورية تماثل قصة قيس وليلى، الولاء والحب وعواقب القيود الاجتماعية.
مع تراجع التقاليد الشفوية في مواجهة التكنولوجيا الحديثة، أصبح الحفاظ على الحكايات الشعبية السودانية ضرورة ثقافية ملحة. يمكن إدراج هذه القصص في المناهج التعليمية وبرامج محو الأمية كوسيلة لربط الأجيال الشابة بتراثها مع تعزيز الإبداع والتفكير النقدي. كما يمكن دمج جلسات السرد في المدارس، باستخدام الحكايات لتعليم اللغة والتاريخ والقيم الأخلاقية من خلال أنشطة تفاعلية مثل التمثيل والرسم. وبالمثل، يمكن لبرامج محو الأمية استخدام هذه القصص لتحسين مهارات القراءة، مع تعزيز الفهم والانخراط من خلال الألغاز واللغة الشعرية. من ناحية أخرى، تمثل المنصات الرقمية فرصة فريدة لإحياء هذه الروايات. يمكن تحويل الحكايات الشعبية إلى سلسلة رسوم متحركة أو كتب إلكترونية أو بودكاست أو تطبيقات جوال لجعلها جذابة ومتاحة للجمهور الحديث. على سبيل المثال، يمكن للتطبيقات التي تقدم قصصًا مروية باللهجات السودانية أو تعديلات رسوم متحركة لقصص أيقونية مثل فاطمة السمحة أن تحافظ على جوهرها مع الوصول إلى جمهور عالمي. يمكن للمبادرات المجتمعية، مثل مسابقات السرد أو حملات وسائل التواصل الاجتماعي، أن توثق وتحتفي بهذه الروايات. من خلال مزج التقاليد بالتكنولوجيا، يمكن للحكايات الشعبية السودانية أن تستمر في تثقيف وإلهام الأجيال القادمة، وحماية إرثها الثقافي الثمين.
الحكايات الشعبية السودانية ليست مجرد قصص، بل هي تعبيرات عميقة عن الهوية الثقافية للأمة، تعكس القيم والحكمة والخبرات المشتركة للمجتمع السوداني. لا تحافظ هذه الروايات على التاريخ فحسب، بل تؤثر أيضًا على الطريقة التي يرى بها السودانيون أنفسهم ومجتمعاتهم، مما يعزز الشعور بالانتماء والاستمرارية. من خلال إحياء هذه الحكايات عبر المبادرات التعليمية ووسائل الإعلام الرقمية والتعديلات الفنية، يمكنها الاستمرار في إلهام الإبداع وتعزيز القيم الأخلاقية والاحتفاء بالإرث المتنوع للسودان. تُعد الأحاجي السودانية شهادة على الإبداع الثقافي للسودان وجسرًا يربط بين ماضيه وحاضره، لضمان بقاء تأثيرها للأجيال القادمة.

البريد في الدولة المهدية

البريد في الدولة المهدية
الدولة المهدية
(١٣٠٢-١٣١٦ ه /١٨٨٥-١٨٩٨م )
عَرِف السودان البريد ونُظُمه الحديثة خلال حكم الباشوية والخديوية، حيث وجَدَ هذا المرفق المهم والحساس عناية كبيرة من قبل محمد علي باشا وخلفائه الذين تعاقبوا على حكم السودان منذ العام ١٨٢١م، وحتى تحرير الخرطوم في ٢٦ يناير ١٨٨٥م. ومن العوامل المهمة التي أسهمت في تطور نظام البريد في السودان اتساع رقعة البلاد في عهد الخديوي إسماعيل، والذي يمكن أن نُطلق عليه رائد التحديث في السودان، حيث عمل على ربط جميع مناطق السودان في ذلك الوقت بشبكة من البريد والتلغراف الحديث، كما ربط جميع موانئ البحر الأحمر -مثل زيلع وبربرة وهرر ومصوع- بسواكن التي كانت تمثِّل مركزَ وحاضرة تلك الموانئ بالإسكندرية والقاهرة. وبالنسبة للمناطق الداخلية، تم ربط جميع أقاليم السودان المختلفة بشبكة من التلغراف، مثل إقليم دارفور وبحر الغزال والاستوائية وشرق السودان، بالعاصمة الخرطوم، ومنها إلى القاهرة كأطول خطوط تلغراف في القارة في ذلك الوقت. وبالإضافة للتلغراف كانت الحاجة كبيرة إلى ربط أجزاء السودان بخدمة البريد والتي لَعِبَت الجمال، والخيول، والسفن النهرية والمراكب؛ دوراً مهماً في تفعيلها ونجاحها طوال حكم الباشوية والخديوية في السودان. ونتيجة لذلك انتشرت نقاط التلغراف في العديد من المدن والحواضر مثل حلفا ودنقلا وبربر والخرطوم وكسلا وسواكن والقضارف والأبيض والفاشر وواو وغيرها من المدن الكبيرة في ذلك الوقت، ووجدت خدمة البريد اهتماماً كبيراً من قبل الحكمداريين الذين تعاقبوا على حكم السودان، لأنها كانت تُمثّل لهم إحدى الوسائل المهمة والضرورية في نقل أخبار التجارة والتجار والأجانب والمعاملات الحكومية اليومية المختلفة، وقد أسهمت هذه الخدمة في تسهيل وربط أجزاء السودان المختلفة.
بعد تحرير الخرطوم بتاريخ ٢ يناير ١٨٨٥م على يد قوات الإمام المهدي، اهتمَّت الدولة المهدية بخدمة البريد وذلك لدورها المهم والفاعل في إدارة الدولة وإيصال المحررات والخطابات للعمالات المختلفة، وما يدلّ على اهتمام الخليفة عبد الله بأمر البريد أنه خصص كَتَبَةً مُحددين مع كل أمير، وأطلق عليه اسم (كَتَبَة السر)، وعمل أيضاً على اختيار أفضل الرجال الذين يمتازون بالصدق والأمانة وكتم الأسرار في نقل بريد الدولة لأطرافها المختلفة، وكذلك عمل على تخصيص أفضل الهجن والخيول لحاملي البريد، وأمر بتقديم التسهيلات اللازمة لهم من قبل أمراء وقادة المهدية في المناطق المختلفة التي يمر عبرها البريد، وأعطاهم أوامر مكتوبة تُسهم في تَسهيل مهمتهم في حالة احتاج الواحد منهم لتقديم خدمة من حاكم المنطقة المحددة أو من عامة الناس.
كلَّف الخليفة عبد الله أربعة من الكتبة للقيام بتحرير رسائله وخطاباته المختلفة للعملاء والقادة والأمراء والمشايخ، وقد أطلق عليهم اسم (المخصوصين) أي الكُتاب الخاصِّين بكتابة خطابات الخليفة عبد الله، ولأهمية البريد لدى الخليفة كان يخصص وقتاً محدداً في صباح كل يوم للاطلاع على الرسائل الواردة من العمالات، والتي كان يصحبها تقرير شفهي من حامل البريد، وهو تقرير مُكمِّل لما احتوته الرسالة، وقد كان الخليفة يعتمد على التقرير الشفاهي بجانب المكتوب في اتخاذ قراراته، وذلك بسبب عدم تمكن الخليفة من زيارة أقاليم الدولة المختلفة. إضافةً لكَتَبَة الرسائل عند الخليفة عبد الله، كان هناك كَتبة محددين للأمير يعقوب (جراب الرأي) الرجل الثاني في الدولة بعد الخليفة، وأيضاً كان لكلّ أمير أو عامل عمالة عدد من الكتبة، وأيضاً كان لقادة الجيش والرايات المختلفة عدد من الكَتَبة، وحتى يتم اعتماد الخطابات والرسائل في الدولة المهدية كان لابد من أن تكون مختومة بختم صاحبها، حيث أن الختم دليلٌ على صحّة ما وَرَد في الرسالة، لذلك ظهرت الأختام في الدولة المهدية حيث كان للإمام المهدي أربعة أختام، نُقِشَ على الأول منها عبارة "لا إله إلا الله محمد رسول الله محمد أحمد المهدي عبد الله ١٢٩٢هـ"، ويُعتبر هذا الختم أول أختام الإمام المهدي. وقد كان ختم الخليفة عبد الله بيضاوي الشكل نُقِشَت عليه عبارة "حسبنا الله ونعم الوكيل". وبإلاضافة للمهدي والخليفة عبد الله، كان لكل أمير وقائد وعامل في الدولة المهدية ختمه الخاص، ولا يُسمح له باستبداله أو عمل واحدٍ آخر في حالة ضياعه إلا بإذن مكتوب من الخليفة عبد الله.
ولكي تستمر الدولة المهدية في إنجاز مهامّها الكتابية، كان الاعتماد في الكتابة على الورق الذي تحصَّلت عليه المهدية الباشوية والخديوية السابقة في السودان، ولكن على الرغم من الكمّيات الكبيرة من الورق، إلا أن الدولة واجهت مشكلة شُحٍّ واضحةٍ في الورق، لذلك صدرت الأوامر من الخليفة عبد الله والأمير يعقوب لجميع الأمراء والقادة والعمال في العمالات المختلفة، تأمرهم بترشيد استخدام الورق وعدم الكتابة على الورق إلا في الأمور المهمة والتي تحتاج لورق.
من خلال تتبع نظام البريد في الدولة المهدية، نجد أن هناك مجموعات من الأفراد ينتمون لقبائل محددة قد عملوا في خدمة البريد؛ منهم العبابدة، والجعليين والتعايشة والهدندوة، ولتطوير هذا الجهاز المهم والحساس في الدولة المهدية قدَّم أمين بيت المال إبراهيم ود عدلان (١٣٠٢-١٣٠٧ه/١٨٨٥-١٨٨٩م) مقترحاً مهماً يستهدف تطوير وزيادة فاعلية نظام البريد في الدولة، ولكن مقترحه لم يجد القبول من قبل الخليفة عبد الله الذي فضَّل الاستمرار في النظام التقليدي للبريد.
عموماً هناك عدد من المهام التي نجح البريد في إنجازها في الدولة المهدية بصورة عملية منها:
- ربط أقاليم الدولة المختلفة بالعاصمة أم درمان.
- سهَّل على الخليفة عبد الله الحصول على المعلومة بطرق مختلفة، ومكَّنه من متابعة الأمراء والقادة والعمال في عمالاتهم.
- زيادة فاعلية النظام الاستخباراتي في الدولة المهدية.
لوحة الغلاف من تصميم هند عبد الباقي
الدولة المهدية
(١٣٠٢-١٣١٦ ه /١٨٨٥-١٨٩٨م )
عَرِف السودان البريد ونُظُمه الحديثة خلال حكم الباشوية والخديوية، حيث وجَدَ هذا المرفق المهم والحساس عناية كبيرة من قبل محمد علي باشا وخلفائه الذين تعاقبوا على حكم السودان منذ العام ١٨٢١م، وحتى تحرير الخرطوم في ٢٦ يناير ١٨٨٥م. ومن العوامل المهمة التي أسهمت في تطور نظام البريد في السودان اتساع رقعة البلاد في عهد الخديوي إسماعيل، والذي يمكن أن نُطلق عليه رائد التحديث في السودان، حيث عمل على ربط جميع مناطق السودان في ذلك الوقت بشبكة من البريد والتلغراف الحديث، كما ربط جميع موانئ البحر الأحمر -مثل زيلع وبربرة وهرر ومصوع- بسواكن التي كانت تمثِّل مركزَ وحاضرة تلك الموانئ بالإسكندرية والقاهرة. وبالنسبة للمناطق الداخلية، تم ربط جميع أقاليم السودان المختلفة بشبكة من التلغراف، مثل إقليم دارفور وبحر الغزال والاستوائية وشرق السودان، بالعاصمة الخرطوم، ومنها إلى القاهرة كأطول خطوط تلغراف في القارة في ذلك الوقت. وبالإضافة للتلغراف كانت الحاجة كبيرة إلى ربط أجزاء السودان بخدمة البريد والتي لَعِبَت الجمال، والخيول، والسفن النهرية والمراكب؛ دوراً مهماً في تفعيلها ونجاحها طوال حكم الباشوية والخديوية في السودان. ونتيجة لذلك انتشرت نقاط التلغراف في العديد من المدن والحواضر مثل حلفا ودنقلا وبربر والخرطوم وكسلا وسواكن والقضارف والأبيض والفاشر وواو وغيرها من المدن الكبيرة في ذلك الوقت، ووجدت خدمة البريد اهتماماً كبيراً من قبل الحكمداريين الذين تعاقبوا على حكم السودان، لأنها كانت تُمثّل لهم إحدى الوسائل المهمة والضرورية في نقل أخبار التجارة والتجار والأجانب والمعاملات الحكومية اليومية المختلفة، وقد أسهمت هذه الخدمة في تسهيل وربط أجزاء السودان المختلفة.
بعد تحرير الخرطوم بتاريخ ٢ يناير ١٨٨٥م على يد قوات الإمام المهدي، اهتمَّت الدولة المهدية بخدمة البريد وذلك لدورها المهم والفاعل في إدارة الدولة وإيصال المحررات والخطابات للعمالات المختلفة، وما يدلّ على اهتمام الخليفة عبد الله بأمر البريد أنه خصص كَتَبَةً مُحددين مع كل أمير، وأطلق عليه اسم (كَتَبَة السر)، وعمل أيضاً على اختيار أفضل الرجال الذين يمتازون بالصدق والأمانة وكتم الأسرار في نقل بريد الدولة لأطرافها المختلفة، وكذلك عمل على تخصيص أفضل الهجن والخيول لحاملي البريد، وأمر بتقديم التسهيلات اللازمة لهم من قبل أمراء وقادة المهدية في المناطق المختلفة التي يمر عبرها البريد، وأعطاهم أوامر مكتوبة تُسهم في تَسهيل مهمتهم في حالة احتاج الواحد منهم لتقديم خدمة من حاكم المنطقة المحددة أو من عامة الناس.
كلَّف الخليفة عبد الله أربعة من الكتبة للقيام بتحرير رسائله وخطاباته المختلفة للعملاء والقادة والأمراء والمشايخ، وقد أطلق عليهم اسم (المخصوصين) أي الكُتاب الخاصِّين بكتابة خطابات الخليفة عبد الله، ولأهمية البريد لدى الخليفة كان يخصص وقتاً محدداً في صباح كل يوم للاطلاع على الرسائل الواردة من العمالات، والتي كان يصحبها تقرير شفهي من حامل البريد، وهو تقرير مُكمِّل لما احتوته الرسالة، وقد كان الخليفة يعتمد على التقرير الشفاهي بجانب المكتوب في اتخاذ قراراته، وذلك بسبب عدم تمكن الخليفة من زيارة أقاليم الدولة المختلفة. إضافةً لكَتَبَة الرسائل عند الخليفة عبد الله، كان هناك كَتبة محددين للأمير يعقوب (جراب الرأي) الرجل الثاني في الدولة بعد الخليفة، وأيضاً كان لكلّ أمير أو عامل عمالة عدد من الكتبة، وأيضاً كان لقادة الجيش والرايات المختلفة عدد من الكَتَبة، وحتى يتم اعتماد الخطابات والرسائل في الدولة المهدية كان لابد من أن تكون مختومة بختم صاحبها، حيث أن الختم دليلٌ على صحّة ما وَرَد في الرسالة، لذلك ظهرت الأختام في الدولة المهدية حيث كان للإمام المهدي أربعة أختام، نُقِشَ على الأول منها عبارة "لا إله إلا الله محمد رسول الله محمد أحمد المهدي عبد الله ١٢٩٢هـ"، ويُعتبر هذا الختم أول أختام الإمام المهدي. وقد كان ختم الخليفة عبد الله بيضاوي الشكل نُقِشَت عليه عبارة "حسبنا الله ونعم الوكيل". وبإلاضافة للمهدي والخليفة عبد الله، كان لكل أمير وقائد وعامل في الدولة المهدية ختمه الخاص، ولا يُسمح له باستبداله أو عمل واحدٍ آخر في حالة ضياعه إلا بإذن مكتوب من الخليفة عبد الله.
ولكي تستمر الدولة المهدية في إنجاز مهامّها الكتابية، كان الاعتماد في الكتابة على الورق الذي تحصَّلت عليه المهدية الباشوية والخديوية السابقة في السودان، ولكن على الرغم من الكمّيات الكبيرة من الورق، إلا أن الدولة واجهت مشكلة شُحٍّ واضحةٍ في الورق، لذلك صدرت الأوامر من الخليفة عبد الله والأمير يعقوب لجميع الأمراء والقادة والعمال في العمالات المختلفة، تأمرهم بترشيد استخدام الورق وعدم الكتابة على الورق إلا في الأمور المهمة والتي تحتاج لورق.
من خلال تتبع نظام البريد في الدولة المهدية، نجد أن هناك مجموعات من الأفراد ينتمون لقبائل محددة قد عملوا في خدمة البريد؛ منهم العبابدة، والجعليين والتعايشة والهدندوة، ولتطوير هذا الجهاز المهم والحساس في الدولة المهدية قدَّم أمين بيت المال إبراهيم ود عدلان (١٣٠٢-١٣٠٧ه/١٨٨٥-١٨٨٩م) مقترحاً مهماً يستهدف تطوير وزيادة فاعلية نظام البريد في الدولة، ولكن مقترحه لم يجد القبول من قبل الخليفة عبد الله الذي فضَّل الاستمرار في النظام التقليدي للبريد.
عموماً هناك عدد من المهام التي نجح البريد في إنجازها في الدولة المهدية بصورة عملية منها:
- ربط أقاليم الدولة المختلفة بالعاصمة أم درمان.
- سهَّل على الخليفة عبد الله الحصول على المعلومة بطرق مختلفة، ومكَّنه من متابعة الأمراء والقادة والعمال في عمالاتهم.
- زيادة فاعلية النظام الاستخباراتي في الدولة المهدية.
لوحة الغلاف من تصميم هند عبد الباقي

الدولة المهدية
(١٣٠٢-١٣١٦ ه /١٨٨٥-١٨٩٨م )
عَرِف السودان البريد ونُظُمه الحديثة خلال حكم الباشوية والخديوية، حيث وجَدَ هذا المرفق المهم والحساس عناية كبيرة من قبل محمد علي باشا وخلفائه الذين تعاقبوا على حكم السودان منذ العام ١٨٢١م، وحتى تحرير الخرطوم في ٢٦ يناير ١٨٨٥م. ومن العوامل المهمة التي أسهمت في تطور نظام البريد في السودان اتساع رقعة البلاد في عهد الخديوي إسماعيل، والذي يمكن أن نُطلق عليه رائد التحديث في السودان، حيث عمل على ربط جميع مناطق السودان في ذلك الوقت بشبكة من البريد والتلغراف الحديث، كما ربط جميع موانئ البحر الأحمر -مثل زيلع وبربرة وهرر ومصوع- بسواكن التي كانت تمثِّل مركزَ وحاضرة تلك الموانئ بالإسكندرية والقاهرة. وبالنسبة للمناطق الداخلية، تم ربط جميع أقاليم السودان المختلفة بشبكة من التلغراف، مثل إقليم دارفور وبحر الغزال والاستوائية وشرق السودان، بالعاصمة الخرطوم، ومنها إلى القاهرة كأطول خطوط تلغراف في القارة في ذلك الوقت. وبالإضافة للتلغراف كانت الحاجة كبيرة إلى ربط أجزاء السودان بخدمة البريد والتي لَعِبَت الجمال، والخيول، والسفن النهرية والمراكب؛ دوراً مهماً في تفعيلها ونجاحها طوال حكم الباشوية والخديوية في السودان. ونتيجة لذلك انتشرت نقاط التلغراف في العديد من المدن والحواضر مثل حلفا ودنقلا وبربر والخرطوم وكسلا وسواكن والقضارف والأبيض والفاشر وواو وغيرها من المدن الكبيرة في ذلك الوقت، ووجدت خدمة البريد اهتماماً كبيراً من قبل الحكمداريين الذين تعاقبوا على حكم السودان، لأنها كانت تُمثّل لهم إحدى الوسائل المهمة والضرورية في نقل أخبار التجارة والتجار والأجانب والمعاملات الحكومية اليومية المختلفة، وقد أسهمت هذه الخدمة في تسهيل وربط أجزاء السودان المختلفة.
بعد تحرير الخرطوم بتاريخ ٢ يناير ١٨٨٥م على يد قوات الإمام المهدي، اهتمَّت الدولة المهدية بخدمة البريد وذلك لدورها المهم والفاعل في إدارة الدولة وإيصال المحررات والخطابات للعمالات المختلفة، وما يدلّ على اهتمام الخليفة عبد الله بأمر البريد أنه خصص كَتَبَةً مُحددين مع كل أمير، وأطلق عليه اسم (كَتَبَة السر)، وعمل أيضاً على اختيار أفضل الرجال الذين يمتازون بالصدق والأمانة وكتم الأسرار في نقل بريد الدولة لأطرافها المختلفة، وكذلك عمل على تخصيص أفضل الهجن والخيول لحاملي البريد، وأمر بتقديم التسهيلات اللازمة لهم من قبل أمراء وقادة المهدية في المناطق المختلفة التي يمر عبرها البريد، وأعطاهم أوامر مكتوبة تُسهم في تَسهيل مهمتهم في حالة احتاج الواحد منهم لتقديم خدمة من حاكم المنطقة المحددة أو من عامة الناس.
كلَّف الخليفة عبد الله أربعة من الكتبة للقيام بتحرير رسائله وخطاباته المختلفة للعملاء والقادة والأمراء والمشايخ، وقد أطلق عليهم اسم (المخصوصين) أي الكُتاب الخاصِّين بكتابة خطابات الخليفة عبد الله، ولأهمية البريد لدى الخليفة كان يخصص وقتاً محدداً في صباح كل يوم للاطلاع على الرسائل الواردة من العمالات، والتي كان يصحبها تقرير شفهي من حامل البريد، وهو تقرير مُكمِّل لما احتوته الرسالة، وقد كان الخليفة يعتمد على التقرير الشفاهي بجانب المكتوب في اتخاذ قراراته، وذلك بسبب عدم تمكن الخليفة من زيارة أقاليم الدولة المختلفة. إضافةً لكَتَبَة الرسائل عند الخليفة عبد الله، كان هناك كَتبة محددين للأمير يعقوب (جراب الرأي) الرجل الثاني في الدولة بعد الخليفة، وأيضاً كان لكلّ أمير أو عامل عمالة عدد من الكتبة، وأيضاً كان لقادة الجيش والرايات المختلفة عدد من الكَتَبة، وحتى يتم اعتماد الخطابات والرسائل في الدولة المهدية كان لابد من أن تكون مختومة بختم صاحبها، حيث أن الختم دليلٌ على صحّة ما وَرَد في الرسالة، لذلك ظهرت الأختام في الدولة المهدية حيث كان للإمام المهدي أربعة أختام، نُقِشَ على الأول منها عبارة "لا إله إلا الله محمد رسول الله محمد أحمد المهدي عبد الله ١٢٩٢هـ"، ويُعتبر هذا الختم أول أختام الإمام المهدي. وقد كان ختم الخليفة عبد الله بيضاوي الشكل نُقِشَت عليه عبارة "حسبنا الله ونعم الوكيل". وبإلاضافة للمهدي والخليفة عبد الله، كان لكل أمير وقائد وعامل في الدولة المهدية ختمه الخاص، ولا يُسمح له باستبداله أو عمل واحدٍ آخر في حالة ضياعه إلا بإذن مكتوب من الخليفة عبد الله.
ولكي تستمر الدولة المهدية في إنجاز مهامّها الكتابية، كان الاعتماد في الكتابة على الورق الذي تحصَّلت عليه المهدية الباشوية والخديوية السابقة في السودان، ولكن على الرغم من الكمّيات الكبيرة من الورق، إلا أن الدولة واجهت مشكلة شُحٍّ واضحةٍ في الورق، لذلك صدرت الأوامر من الخليفة عبد الله والأمير يعقوب لجميع الأمراء والقادة والعمال في العمالات المختلفة، تأمرهم بترشيد استخدام الورق وعدم الكتابة على الورق إلا في الأمور المهمة والتي تحتاج لورق.
من خلال تتبع نظام البريد في الدولة المهدية، نجد أن هناك مجموعات من الأفراد ينتمون لقبائل محددة قد عملوا في خدمة البريد؛ منهم العبابدة، والجعليين والتعايشة والهدندوة، ولتطوير هذا الجهاز المهم والحساس في الدولة المهدية قدَّم أمين بيت المال إبراهيم ود عدلان (١٣٠٢-١٣٠٧ه/١٨٨٥-١٨٨٩م) مقترحاً مهماً يستهدف تطوير وزيادة فاعلية نظام البريد في الدولة، ولكن مقترحه لم يجد القبول من قبل الخليفة عبد الله الذي فضَّل الاستمرار في النظام التقليدي للبريد.
عموماً هناك عدد من المهام التي نجح البريد في إنجازها في الدولة المهدية بصورة عملية منها:
- ربط أقاليم الدولة المختلفة بالعاصمة أم درمان.
- سهَّل على الخليفة عبد الله الحصول على المعلومة بطرق مختلفة، ومكَّنه من متابعة الأمراء والقادة والعمال في عمالاتهم.
- زيادة فاعلية النظام الاستخباراتي في الدولة المهدية.
لوحة الغلاف من تصميم هند عبد الباقي

مطبعة الحجر في السودان

مطبعة الحجر في السودان
تُعدّ الطباعة من أعظم الاختراعات التي أبدع الإنسان في ابتكارها وإنجازها طوال تاريخه، وذلك لأهميتها في حركة نقل المعلومة وترجمتها وانتشارها، وقد أسهمت المطبعة بأشكالها المختلفة في نموّ وتطوّر العديد من الحضارات في أوروبا والشرق الأقصى والعالم العربي، ومن هذه المناطق الثلاث انتشرت الطباعة إلى بقية أنحاء العالم، لتصبح واحدة من أدوات التثقيف والنقل والترجمة.
وبالنسبة للسودان، فقد ارتبط دخول المطبعة بمصر خلال حكم محمد علي باشا، وأول مطبعة دخلت السودان قبل العام ١٨٤٢م كمطبعة صغيرة، عُرفت بالمطبعة الأميريَّة (مطبَعة الحَجَر) ، ويرُجَّح أيضاً أنها فرنسية المنشأ، ذلك لأن جميع المطابع الحجرية ذات الأحرف التي دخلت مصر في تلك الفترة كانت فرنسية. وحتى تقوم المطبعة الجديدة في الخرطوم بعملها على أكمل وجه، تمَّ إرسال فريق متخصص معها إلى السودان، على رأسهم إبراهيم أفندي أحمد ومعه مجموعة من الفنيين المصريين، وبعد وفاته خلفه ابنه حسن بك المطبعجي؛ وأسرة المطبعجي من الأسر المعروفة الآن في السودان.
نجحت المطبعة الأميرية (مطبعة الحَجَر) في تغطية احتياجات مدرسة الخرطوم والمؤسسات الحكومية المختلفة في البلاد، وقد أسهمت أيضاً في تغطية كل احتياجات الحكمدارية في الخرطوم من الورق والدمغة التي لا تتم الإجراءات الحكومية إلا بها، وكذلك الدفاتر والمتعّلقات الورقية الأخرى. وقد تم وضع المطبعة ضمن مبنى الترسانة الحربية في الخرطوم، وهو مبنى المساحة السودانية الحالي والذي يقع بالقرب من مبنى الحكمدارية في ذلك الوقت (القصر الجمهوري الحالي)، وقد تم إلحاق مصنعٍ صغير للورق بالمطبعة لكي يُسهم في تغطية احتياجات البلاد من الورق، وقد نجح في ذلك بصورة كبيرة، حتى أن التجار في الخرطوم وغيرها من المدن السودانية كانوا يتحصّلون احتياجاتهم من الورق عبر هذا المصنع، وقد نجحت المطبعة بصورة كبيرة في أداء مهمّتها على أكمل وجه. كما تمَّ استخدام مطبعة الحجر من قبل غردون باشا في إصدار سندات مالية عُرفت باسم "سندات غردون" في العام ١٨٨٤م، وذلك عندما تمكَّنت قوات الثورة المهدية من فرض حصارها على المدينة، وأصبح هناك شُحٌّ في العملة، وكانت هذه الطريقة هي الوسيلة الوحيدة لتغطية مرتبات الجنود المحاصرين داخل الخرطوم، وفي نهاية الأمر تمكَّنت قوات الأنصار بقيادة الإمام محمد أحمد المهدي من بسط سيطرتها على الخرطوم في ٢٦ يناير ١٨٨٥م، ومن بين أهم المقتنيات التي وضعت المهدية يدها عليها كانت مطبعة الحجر.
وقد وَجَدت مطبعة الحجر عناية كبيرة من قبل الخليفة عبد الله ود تورشين خليفة الإمام المهدي، والذي أصدر قراره بنقل المطبعة من مقرّها في الترسانة الحربية بالخرطوم إلى أم درمان العاصمة الجديدة للدولة، ولضمان استمرار المطبعة في أداء مهامّها أمرَ الخليفة بأن تكون تابعة لبيت المال المركزي بأم درمان، وأن تكون ضمن وحدات الترسانة الحربية، وبعد ذلك قام الخليفة عبد الله باستدعاء الأشخاص الذين لهم علاقة مباشرة بالطباعة والمطبعة خلال حكم الباشوية والخديوية المصرية في السودان ليكونوا ضمن فريق العمل الجديد، وفعلاً نجح الخليفة في جمع عدد كبير من أصحاب الخبرة في هذا المجال، وبدأ عمل المطبعة من جديد في ظل الدولة المهدية هذه المرة. تمَّ تكليف الأمير مختار بادي -وهو من دناقلة مدينة بارا بكردفان- ليصبح أميناً على المطبعة، وكان يعاونه شخص يُدعى حسن ساتي، وتمت الاستعانة أيضاً بعدد من الأقباط والكَتَبة الذين كانوا يعملون خلال حكم الباشوية والخديوية في السودان، ومن الأشخاص الذين تمّت الاستفادة من خبرتهم في عمل المطبعة: محمد ذهني، حسن سالة، محمد الأمين، عمر الأزهري، وإبراهيم المطبعجي.

وفي شهر شعبان من العام ١٣٠٣ه بدأ تدشين عمل المطبعة لتقوم بإنتاج العديد من الرسائل والكُتب والخطابات الداخلية والخارجية، والمتتبع لهيكل المطبعة الإداري يجد أن على رأس الإدارة فيها أمين للمطبعة بدرجة أمير، بالإضافة للمدققين اللغويين، وهناك أيضاً المشرفين على إعداد النصوص ومراجعتها واعتمادها لتذهب للمطبعة، ومن هؤلاء أبو القاسم أحمد هاشم، والمدثر إبراهيم الحجاز، وهناك أيضاً أمين مخزن المطبعة، ومن خلال هذا الهيكل الإداري البسيط نجحت المطبعة في طباعة العديد من المنشورات والرسائل والخطابات والكتب بأنواعها المختلفة، وعلى الرغم من المطبوعات المختلفة التي تمت طباعتها في مطبعة الحجر، والتي كانت أوامر طباعتها تأتي مباشرة من قبل الخليفة عبد الله، إلا أنها واجهت عدداً من الصعوبات والمشاكل، من أهمها شحّ الورق، وذلك لأن الدولة المهدية لم تعمل على استيراد أي ورق من الخارج بسبب الحصار المضروب عليها من قبل بريطانيا، كما أن كميات الورق التي غَنمتها الدولة قد تقلَّصت بصورة كبيرة، وذلك بسبب الاستهلاك اليومي، الأمر الذي دعى الأمير يعقوب (جراب الرأي) إلى تقليص كميات الورق التي تُصرف للعمالات (الأقاليم) والأمراء والوحدات المختلفة في الدولة، والمشكلة الثانية التي واجهت المطبعة تمرّد عدد من عمالها على سلطة الخليفة، وذلك من خلال إتلاف الورق والأحبار وأدوات الطباعة بغرض حرمان الدولة من الاستفادة من الخدمة الجليلة التي تقوم بها المطبعة.
بعد أن بَسَطت القوات الإنجليزية سيطرتها على البلاد عقبَ هزيمتها لقوات المهدية في معركة كرري بتاريخ 2 ديسمبر ١٨٩٨م، تمكن الإنجليز من الاستحواذ على مطبعة الحجر، وتمت طباعة أولى الأعداد من صحيفة "الغازيتة"، وكذلك نص الاتفاقية المشتركة بين بريطانيا ومصر بخصوص السودان.
من خلال هذا السرد التاريخي لمطبعة الحجر في السودان، نجد أنها قد لَعِبَت دوراً مهماً في ثلاث فترات تاريخية مختلفة شهدها السودان، وقامت بدورها على أكمل وجه، ومن أهم ما أنجزته مطبعة الحجر في السودان:
- طباعة جميع احتياجات الحكمدارية في السودان.
- طباعة الدفاتر للتجار في الخرطوم والمدن السودانية.
- طباعة محررات الإمام المهدي والخليفة عبد الله وعدد من الكتب المختلفة خلال فترة المهدية.
- طباعة اتفاقية ١٨٩٩م بين بريطانيا ومصر بخصوص السودان، وكذلك أوامر وتوجيهات المستعمر للسودانيين في أيامه الأولى.
لوحة الغلاف من تصميم هند عبد الباقي
تُعدّ الطباعة من أعظم الاختراعات التي أبدع الإنسان في ابتكارها وإنجازها طوال تاريخه، وذلك لأهميتها في حركة نقل المعلومة وترجمتها وانتشارها، وقد أسهمت المطبعة بأشكالها المختلفة في نموّ وتطوّر العديد من الحضارات في أوروبا والشرق الأقصى والعالم العربي، ومن هذه المناطق الثلاث انتشرت الطباعة إلى بقية أنحاء العالم، لتصبح واحدة من أدوات التثقيف والنقل والترجمة.
وبالنسبة للسودان، فقد ارتبط دخول المطبعة بمصر خلال حكم محمد علي باشا، وأول مطبعة دخلت السودان قبل العام ١٨٤٢م كمطبعة صغيرة، عُرفت بالمطبعة الأميريَّة (مطبَعة الحَجَر) ، ويرُجَّح أيضاً أنها فرنسية المنشأ، ذلك لأن جميع المطابع الحجرية ذات الأحرف التي دخلت مصر في تلك الفترة كانت فرنسية. وحتى تقوم المطبعة الجديدة في الخرطوم بعملها على أكمل وجه، تمَّ إرسال فريق متخصص معها إلى السودان، على رأسهم إبراهيم أفندي أحمد ومعه مجموعة من الفنيين المصريين، وبعد وفاته خلفه ابنه حسن بك المطبعجي؛ وأسرة المطبعجي من الأسر المعروفة الآن في السودان.
نجحت المطبعة الأميرية (مطبعة الحَجَر) في تغطية احتياجات مدرسة الخرطوم والمؤسسات الحكومية المختلفة في البلاد، وقد أسهمت أيضاً في تغطية كل احتياجات الحكمدارية في الخرطوم من الورق والدمغة التي لا تتم الإجراءات الحكومية إلا بها، وكذلك الدفاتر والمتعّلقات الورقية الأخرى. وقد تم وضع المطبعة ضمن مبنى الترسانة الحربية في الخرطوم، وهو مبنى المساحة السودانية الحالي والذي يقع بالقرب من مبنى الحكمدارية في ذلك الوقت (القصر الجمهوري الحالي)، وقد تم إلحاق مصنعٍ صغير للورق بالمطبعة لكي يُسهم في تغطية احتياجات البلاد من الورق، وقد نجح في ذلك بصورة كبيرة، حتى أن التجار في الخرطوم وغيرها من المدن السودانية كانوا يتحصّلون احتياجاتهم من الورق عبر هذا المصنع، وقد نجحت المطبعة بصورة كبيرة في أداء مهمّتها على أكمل وجه. كما تمَّ استخدام مطبعة الحجر من قبل غردون باشا في إصدار سندات مالية عُرفت باسم "سندات غردون" في العام ١٨٨٤م، وذلك عندما تمكَّنت قوات الثورة المهدية من فرض حصارها على المدينة، وأصبح هناك شُحٌّ في العملة، وكانت هذه الطريقة هي الوسيلة الوحيدة لتغطية مرتبات الجنود المحاصرين داخل الخرطوم، وفي نهاية الأمر تمكَّنت قوات الأنصار بقيادة الإمام محمد أحمد المهدي من بسط سيطرتها على الخرطوم في ٢٦ يناير ١٨٨٥م، ومن بين أهم المقتنيات التي وضعت المهدية يدها عليها كانت مطبعة الحجر.
وقد وَجَدت مطبعة الحجر عناية كبيرة من قبل الخليفة عبد الله ود تورشين خليفة الإمام المهدي، والذي أصدر قراره بنقل المطبعة من مقرّها في الترسانة الحربية بالخرطوم إلى أم درمان العاصمة الجديدة للدولة، ولضمان استمرار المطبعة في أداء مهامّها أمرَ الخليفة بأن تكون تابعة لبيت المال المركزي بأم درمان، وأن تكون ضمن وحدات الترسانة الحربية، وبعد ذلك قام الخليفة عبد الله باستدعاء الأشخاص الذين لهم علاقة مباشرة بالطباعة والمطبعة خلال حكم الباشوية والخديوية المصرية في السودان ليكونوا ضمن فريق العمل الجديد، وفعلاً نجح الخليفة في جمع عدد كبير من أصحاب الخبرة في هذا المجال، وبدأ عمل المطبعة من جديد في ظل الدولة المهدية هذه المرة. تمَّ تكليف الأمير مختار بادي -وهو من دناقلة مدينة بارا بكردفان- ليصبح أميناً على المطبعة، وكان يعاونه شخص يُدعى حسن ساتي، وتمت الاستعانة أيضاً بعدد من الأقباط والكَتَبة الذين كانوا يعملون خلال حكم الباشوية والخديوية في السودان، ومن الأشخاص الذين تمّت الاستفادة من خبرتهم في عمل المطبعة: محمد ذهني، حسن سالة، محمد الأمين، عمر الأزهري، وإبراهيم المطبعجي.

وفي شهر شعبان من العام ١٣٠٣ه بدأ تدشين عمل المطبعة لتقوم بإنتاج العديد من الرسائل والكُتب والخطابات الداخلية والخارجية، والمتتبع لهيكل المطبعة الإداري يجد أن على رأس الإدارة فيها أمين للمطبعة بدرجة أمير، بالإضافة للمدققين اللغويين، وهناك أيضاً المشرفين على إعداد النصوص ومراجعتها واعتمادها لتذهب للمطبعة، ومن هؤلاء أبو القاسم أحمد هاشم، والمدثر إبراهيم الحجاز، وهناك أيضاً أمين مخزن المطبعة، ومن خلال هذا الهيكل الإداري البسيط نجحت المطبعة في طباعة العديد من المنشورات والرسائل والخطابات والكتب بأنواعها المختلفة، وعلى الرغم من المطبوعات المختلفة التي تمت طباعتها في مطبعة الحجر، والتي كانت أوامر طباعتها تأتي مباشرة من قبل الخليفة عبد الله، إلا أنها واجهت عدداً من الصعوبات والمشاكل، من أهمها شحّ الورق، وذلك لأن الدولة المهدية لم تعمل على استيراد أي ورق من الخارج بسبب الحصار المضروب عليها من قبل بريطانيا، كما أن كميات الورق التي غَنمتها الدولة قد تقلَّصت بصورة كبيرة، وذلك بسبب الاستهلاك اليومي، الأمر الذي دعى الأمير يعقوب (جراب الرأي) إلى تقليص كميات الورق التي تُصرف للعمالات (الأقاليم) والأمراء والوحدات المختلفة في الدولة، والمشكلة الثانية التي واجهت المطبعة تمرّد عدد من عمالها على سلطة الخليفة، وذلك من خلال إتلاف الورق والأحبار وأدوات الطباعة بغرض حرمان الدولة من الاستفادة من الخدمة الجليلة التي تقوم بها المطبعة.
بعد أن بَسَطت القوات الإنجليزية سيطرتها على البلاد عقبَ هزيمتها لقوات المهدية في معركة كرري بتاريخ 2 ديسمبر ١٨٩٨م، تمكن الإنجليز من الاستحواذ على مطبعة الحجر، وتمت طباعة أولى الأعداد من صحيفة "الغازيتة"، وكذلك نص الاتفاقية المشتركة بين بريطانيا ومصر بخصوص السودان.
من خلال هذا السرد التاريخي لمطبعة الحجر في السودان، نجد أنها قد لَعِبَت دوراً مهماً في ثلاث فترات تاريخية مختلفة شهدها السودان، وقامت بدورها على أكمل وجه، ومن أهم ما أنجزته مطبعة الحجر في السودان:
- طباعة جميع احتياجات الحكمدارية في السودان.
- طباعة الدفاتر للتجار في الخرطوم والمدن السودانية.
- طباعة محررات الإمام المهدي والخليفة عبد الله وعدد من الكتب المختلفة خلال فترة المهدية.
- طباعة اتفاقية ١٨٩٩م بين بريطانيا ومصر بخصوص السودان، وكذلك أوامر وتوجيهات المستعمر للسودانيين في أيامه الأولى.
لوحة الغلاف من تصميم هند عبد الباقي

تُعدّ الطباعة من أعظم الاختراعات التي أبدع الإنسان في ابتكارها وإنجازها طوال تاريخه، وذلك لأهميتها في حركة نقل المعلومة وترجمتها وانتشارها، وقد أسهمت المطبعة بأشكالها المختلفة في نموّ وتطوّر العديد من الحضارات في أوروبا والشرق الأقصى والعالم العربي، ومن هذه المناطق الثلاث انتشرت الطباعة إلى بقية أنحاء العالم، لتصبح واحدة من أدوات التثقيف والنقل والترجمة.
وبالنسبة للسودان، فقد ارتبط دخول المطبعة بمصر خلال حكم محمد علي باشا، وأول مطبعة دخلت السودان قبل العام ١٨٤٢م كمطبعة صغيرة، عُرفت بالمطبعة الأميريَّة (مطبَعة الحَجَر) ، ويرُجَّح أيضاً أنها فرنسية المنشأ، ذلك لأن جميع المطابع الحجرية ذات الأحرف التي دخلت مصر في تلك الفترة كانت فرنسية. وحتى تقوم المطبعة الجديدة في الخرطوم بعملها على أكمل وجه، تمَّ إرسال فريق متخصص معها إلى السودان، على رأسهم إبراهيم أفندي أحمد ومعه مجموعة من الفنيين المصريين، وبعد وفاته خلفه ابنه حسن بك المطبعجي؛ وأسرة المطبعجي من الأسر المعروفة الآن في السودان.
نجحت المطبعة الأميرية (مطبعة الحَجَر) في تغطية احتياجات مدرسة الخرطوم والمؤسسات الحكومية المختلفة في البلاد، وقد أسهمت أيضاً في تغطية كل احتياجات الحكمدارية في الخرطوم من الورق والدمغة التي لا تتم الإجراءات الحكومية إلا بها، وكذلك الدفاتر والمتعّلقات الورقية الأخرى. وقد تم وضع المطبعة ضمن مبنى الترسانة الحربية في الخرطوم، وهو مبنى المساحة السودانية الحالي والذي يقع بالقرب من مبنى الحكمدارية في ذلك الوقت (القصر الجمهوري الحالي)، وقد تم إلحاق مصنعٍ صغير للورق بالمطبعة لكي يُسهم في تغطية احتياجات البلاد من الورق، وقد نجح في ذلك بصورة كبيرة، حتى أن التجار في الخرطوم وغيرها من المدن السودانية كانوا يتحصّلون احتياجاتهم من الورق عبر هذا المصنع، وقد نجحت المطبعة بصورة كبيرة في أداء مهمّتها على أكمل وجه. كما تمَّ استخدام مطبعة الحجر من قبل غردون باشا في إصدار سندات مالية عُرفت باسم "سندات غردون" في العام ١٨٨٤م، وذلك عندما تمكَّنت قوات الثورة المهدية من فرض حصارها على المدينة، وأصبح هناك شُحٌّ في العملة، وكانت هذه الطريقة هي الوسيلة الوحيدة لتغطية مرتبات الجنود المحاصرين داخل الخرطوم، وفي نهاية الأمر تمكَّنت قوات الأنصار بقيادة الإمام محمد أحمد المهدي من بسط سيطرتها على الخرطوم في ٢٦ يناير ١٨٨٥م، ومن بين أهم المقتنيات التي وضعت المهدية يدها عليها كانت مطبعة الحجر.
وقد وَجَدت مطبعة الحجر عناية كبيرة من قبل الخليفة عبد الله ود تورشين خليفة الإمام المهدي، والذي أصدر قراره بنقل المطبعة من مقرّها في الترسانة الحربية بالخرطوم إلى أم درمان العاصمة الجديدة للدولة، ولضمان استمرار المطبعة في أداء مهامّها أمرَ الخليفة بأن تكون تابعة لبيت المال المركزي بأم درمان، وأن تكون ضمن وحدات الترسانة الحربية، وبعد ذلك قام الخليفة عبد الله باستدعاء الأشخاص الذين لهم علاقة مباشرة بالطباعة والمطبعة خلال حكم الباشوية والخديوية المصرية في السودان ليكونوا ضمن فريق العمل الجديد، وفعلاً نجح الخليفة في جمع عدد كبير من أصحاب الخبرة في هذا المجال، وبدأ عمل المطبعة من جديد في ظل الدولة المهدية هذه المرة. تمَّ تكليف الأمير مختار بادي -وهو من دناقلة مدينة بارا بكردفان- ليصبح أميناً على المطبعة، وكان يعاونه شخص يُدعى حسن ساتي، وتمت الاستعانة أيضاً بعدد من الأقباط والكَتَبة الذين كانوا يعملون خلال حكم الباشوية والخديوية في السودان، ومن الأشخاص الذين تمّت الاستفادة من خبرتهم في عمل المطبعة: محمد ذهني، حسن سالة، محمد الأمين، عمر الأزهري، وإبراهيم المطبعجي.

وفي شهر شعبان من العام ١٣٠٣ه بدأ تدشين عمل المطبعة لتقوم بإنتاج العديد من الرسائل والكُتب والخطابات الداخلية والخارجية، والمتتبع لهيكل المطبعة الإداري يجد أن على رأس الإدارة فيها أمين للمطبعة بدرجة أمير، بالإضافة للمدققين اللغويين، وهناك أيضاً المشرفين على إعداد النصوص ومراجعتها واعتمادها لتذهب للمطبعة، ومن هؤلاء أبو القاسم أحمد هاشم، والمدثر إبراهيم الحجاز، وهناك أيضاً أمين مخزن المطبعة، ومن خلال هذا الهيكل الإداري البسيط نجحت المطبعة في طباعة العديد من المنشورات والرسائل والخطابات والكتب بأنواعها المختلفة، وعلى الرغم من المطبوعات المختلفة التي تمت طباعتها في مطبعة الحجر، والتي كانت أوامر طباعتها تأتي مباشرة من قبل الخليفة عبد الله، إلا أنها واجهت عدداً من الصعوبات والمشاكل، من أهمها شحّ الورق، وذلك لأن الدولة المهدية لم تعمل على استيراد أي ورق من الخارج بسبب الحصار المضروب عليها من قبل بريطانيا، كما أن كميات الورق التي غَنمتها الدولة قد تقلَّصت بصورة كبيرة، وذلك بسبب الاستهلاك اليومي، الأمر الذي دعى الأمير يعقوب (جراب الرأي) إلى تقليص كميات الورق التي تُصرف للعمالات (الأقاليم) والأمراء والوحدات المختلفة في الدولة، والمشكلة الثانية التي واجهت المطبعة تمرّد عدد من عمالها على سلطة الخليفة، وذلك من خلال إتلاف الورق والأحبار وأدوات الطباعة بغرض حرمان الدولة من الاستفادة من الخدمة الجليلة التي تقوم بها المطبعة.
بعد أن بَسَطت القوات الإنجليزية سيطرتها على البلاد عقبَ هزيمتها لقوات المهدية في معركة كرري بتاريخ 2 ديسمبر ١٨٩٨م، تمكن الإنجليز من الاستحواذ على مطبعة الحجر، وتمت طباعة أولى الأعداد من صحيفة "الغازيتة"، وكذلك نص الاتفاقية المشتركة بين بريطانيا ومصر بخصوص السودان.
من خلال هذا السرد التاريخي لمطبعة الحجر في السودان، نجد أنها قد لَعِبَت دوراً مهماً في ثلاث فترات تاريخية مختلفة شهدها السودان، وقامت بدورها على أكمل وجه، ومن أهم ما أنجزته مطبعة الحجر في السودان:
- طباعة جميع احتياجات الحكمدارية في السودان.
- طباعة الدفاتر للتجار في الخرطوم والمدن السودانية.
- طباعة محررات الإمام المهدي والخليفة عبد الله وعدد من الكتب المختلفة خلال فترة المهدية.
- طباعة اتفاقية ١٨٩٩م بين بريطانيا ومصر بخصوص السودان، وكذلك أوامر وتوجيهات المستعمر للسودانيين في أيامه الأولى.
لوحة الغلاف من تصميم هند عبد الباقي

مطبعة الحجر

مطبعة الحجر
فترة المهدية ١٨٩٨
مطبعة من النوع الذي أُدخل في عهد تركيا (١٨٢١-١٨٨٥)، ولكن هذه المطبعة كانت تستخدم خلال فترة المهديّة، لطباعة راتب المهدي وجميع الخطابات الرسمية، كخطابات الدعوة التي أرسلها الإمام المهدي لأقاليم السودان المختلفة، وإلى مصر وبلاد شنقيط ونيجيريا وإسطنبول، والإنذارات التي أرسلها الخليفة عبد الله لملكة بريطانيا ووالي مصر والسلطان العثمانيّ.
متحف بيت خليفة
فترة المهدية ١٨٩٨
مطبعة من النوع الذي أُدخل في عهد تركيا (١٨٢١-١٨٨٥)، ولكن هذه المطبعة كانت تستخدم خلال فترة المهديّة، لطباعة راتب المهدي وجميع الخطابات الرسمية، كخطابات الدعوة التي أرسلها الإمام المهدي لأقاليم السودان المختلفة، وإلى مصر وبلاد شنقيط ونيجيريا وإسطنبول، والإنذارات التي أرسلها الخليفة عبد الله لملكة بريطانيا ووالي مصر والسلطان العثمانيّ.
متحف بيت خليفة

فترة المهدية ١٨٩٨
مطبعة من النوع الذي أُدخل في عهد تركيا (١٨٢١-١٨٨٥)، ولكن هذه المطبعة كانت تستخدم خلال فترة المهديّة، لطباعة راتب المهدي وجميع الخطابات الرسمية، كخطابات الدعوة التي أرسلها الإمام المهدي لأقاليم السودان المختلفة، وإلى مصر وبلاد شنقيط ونيجيريا وإسطنبول، والإنذارات التي أرسلها الخليفة عبد الله لملكة بريطانيا ووالي مصر والسلطان العثمانيّ.
متحف بيت خليفة

الطوابع

الطوابع
المجموعة التالية من الطوابع هي من المجموعات الشخصية لإسماعيل عبد الله محمد يوسف. إسماعيل، مدرس وصحفي، عاش في أم درمان وحول منزله إلى متحف للمجتمع. كما شارك بشكل متكرر في المهرجانات والمعارض لعرض مجموعته التي تضم أكثر من ١٠٠٠ مجلة، يعود تاريخ العديد منها إلى الخمسينيات والسبعينيات، وأكثر من ١٠٠٠ قطعة بالإضافة للصحف والطوابع تضم المجموعة أشياء مثل المجوهرات وأدوات المطبخ العتيقة والجرامافون وأجهزة عرض الأفلام وغير ذلك الكثير.
هذه الطوابع، فضلاً عن العديد من العناصر في مجموعته، منشورة على موقع ذاكرة السودان.

يتمتع السودان بتاريخ طويل من الطوابع يعود إلى ما قبل الاستقلال وتصميم ساعي البريد الذي يمتطي جملاً الشهير. حصلت الطوابع التي تحيي ذكرى الأحداث المهمة مثل استقلال البلاد عن الحكم البريطاني على مكانة رئيسية في وسائل الإعلام. "الحكومة المشكلة حديثًا تعقد اجتماعها الأول. "طوابع تذكارية لاستقلال السودان تُطرح للبيع"، هذا هو عنوان صحيفة السودان تايمز عام ١٩٥٦ (مجموعة الصحف لدار الوثائق الوطنية على موقع ذاكرة السودان). ومنذ ذلك الحين، أصبحت الطوابع سجلاً لتفسيرات الهوية الوطنية المختلفة عبر تاريخ السودان.
صورة الغلاف © طوابع سودانية تخلد ذكرى مرور مائة عام على معركة كرري - ١٥٠ دينارًا. (مجموعة المخطوطات لدار الوثائق الوطنية على موقع ذاكرة السودان).
المجموعة التالية من الطوابع هي من المجموعات الشخصية لإسماعيل عبد الله محمد يوسف. إسماعيل، مدرس وصحفي، عاش في أم درمان وحول منزله إلى متحف للمجتمع. كما شارك بشكل متكرر في المهرجانات والمعارض لعرض مجموعته التي تضم أكثر من ١٠٠٠ مجلة، يعود تاريخ العديد منها إلى الخمسينيات والسبعينيات، وأكثر من ١٠٠٠ قطعة بالإضافة للصحف والطوابع تضم المجموعة أشياء مثل المجوهرات وأدوات المطبخ العتيقة والجرامافون وأجهزة عرض الأفلام وغير ذلك الكثير.
هذه الطوابع، فضلاً عن العديد من العناصر في مجموعته، منشورة على موقع ذاكرة السودان.

يتمتع السودان بتاريخ طويل من الطوابع يعود إلى ما قبل الاستقلال وتصميم ساعي البريد الذي يمتطي جملاً الشهير. حصلت الطوابع التي تحيي ذكرى الأحداث المهمة مثل استقلال البلاد عن الحكم البريطاني على مكانة رئيسية في وسائل الإعلام. "الحكومة المشكلة حديثًا تعقد اجتماعها الأول. "طوابع تذكارية لاستقلال السودان تُطرح للبيع"، هذا هو عنوان صحيفة السودان تايمز عام ١٩٥٦ (مجموعة الصحف لدار الوثائق الوطنية على موقع ذاكرة السودان). ومنذ ذلك الحين، أصبحت الطوابع سجلاً لتفسيرات الهوية الوطنية المختلفة عبر تاريخ السودان.
صورة الغلاف © طوابع سودانية تخلد ذكرى مرور مائة عام على معركة كرري - ١٥٠ دينارًا. (مجموعة المخطوطات لدار الوثائق الوطنية على موقع ذاكرة السودان).

المجموعة التالية من الطوابع هي من المجموعات الشخصية لإسماعيل عبد الله محمد يوسف. إسماعيل، مدرس وصحفي، عاش في أم درمان وحول منزله إلى متحف للمجتمع. كما شارك بشكل متكرر في المهرجانات والمعارض لعرض مجموعته التي تضم أكثر من ١٠٠٠ مجلة، يعود تاريخ العديد منها إلى الخمسينيات والسبعينيات، وأكثر من ١٠٠٠ قطعة بالإضافة للصحف والطوابع تضم المجموعة أشياء مثل المجوهرات وأدوات المطبخ العتيقة والجرامافون وأجهزة عرض الأفلام وغير ذلك الكثير.
هذه الطوابع، فضلاً عن العديد من العناصر في مجموعته، منشورة على موقع ذاكرة السودان.

يتمتع السودان بتاريخ طويل من الطوابع يعود إلى ما قبل الاستقلال وتصميم ساعي البريد الذي يمتطي جملاً الشهير. حصلت الطوابع التي تحيي ذكرى الأحداث المهمة مثل استقلال البلاد عن الحكم البريطاني على مكانة رئيسية في وسائل الإعلام. "الحكومة المشكلة حديثًا تعقد اجتماعها الأول. "طوابع تذكارية لاستقلال السودان تُطرح للبيع"، هذا هو عنوان صحيفة السودان تايمز عام ١٩٥٦ (مجموعة الصحف لدار الوثائق الوطنية على موقع ذاكرة السودان). ومنذ ذلك الحين، أصبحت الطوابع سجلاً لتفسيرات الهوية الوطنية المختلفة عبر تاريخ السودان.
صورة الغلاف © طوابع سودانية تخلد ذكرى مرور مائة عام على معركة كرري - ١٥٠ دينارًا. (مجموعة المخطوطات لدار الوثائق الوطنية على موقع ذاكرة السودان).