فلم المحطة، مثال على السينما البيئية السودانية

بينما يستدعي مصطلح السينما البيئية عادةً أفلام الطبيعة والحياة البرية، يمكن القول إن المحطة تتناسب أيضًا مع هذه الفئة من خلال تقديم نقد للتأثيرات الاجتماعية والبيئية لصناعة النفط في السودان خلال ازدهارها في أواخر الثمانينيات.

اقرأ المزيد
معرض الصور
No items found.
Pointing at Speaker
نُشر بتاريخ
10/3/25
المؤلف:
سارة النقر
المحرر:
المحرر:
مأمون التلب
المترجم:
خالدة محمد نور
المترجم:
النتيجة

  /  

العب مرة أخرى

  /   الاجابات

المحطة، فيلم تجريبي من إنتاج عام ١٩٨٩ للمخرج السوداني الطيب مهدي، يمكن اعتباره مثالًا على السينما البيئية، وهو نوع من الأفلام الذي يثير النقاش والتحرك حول القضايا البيئية، غالبًا ما يسلط الضوء على العلاقة بين الإنسان و الطبيعة. بينما يستدعي مصطلح السينما البيئية عادةً أفلام الطبيعة والحياة البرية، يمكن القول إن المحطة تتناسب أيضًا مع هذه الفئة من خلال تقديم نقد للتأثيرات الاجتماعية والبيئية لصناعة النفط في السودان خلال ازدهارها في أواخر الثمانينيات. يمكن تناول الفيلم، على الرغم من إنتاجه قبل الاعتراف الواسع بالمسؤولية البشرية عن الكارثة المناخية، من منظور نقدي بيئي يركز على العلاقات بين البشر والبيئة، لا سيما من خلال الصراع بين أنماط الحياة التقليدية والحداثوية.

المحطة هي مشهد التقاء بين وسط السودان وساحل البحر الأحمر، مع سرد يدور حول الناس والحيوانات و ناقلات النفط والشاحنات الكبيرة التي تتردَّد على المكان. تمثل الناقلات وسائقيها قوى صناعية، مما يشوش البيئة الطبيعية بآلاتهم الثقيلة والدخان والغبار، وتوضح تباينًا حادًا مع السكان المحليين الفقراء الذين يعيشون على هامش الصناعة الجديدة.

من زاوية أخرى، تم تصوير السكان المحليين، الذين يعتمدون في معيشتهم على وظائف بسيطة وضيعة، على أنهم صبورون وصامدون ومتّصلون بعمق ببيئتهم القاسية. يتم التأكيد على هذا التباين بصريًا من خلال اختلاف الملابس: يرتدي الناس المحليون الزي السوداني التقليدي، الذي يتكيف مع المناخ الصحراوي، بينما يرتدي سائقو الشاحنات والشخصيات الأغنى الملابس الغربية، مما يميزهم كجزء من عالم حديث وغريب.

في المشهد الافتتاحي للفيلم، حيث تدخل قافلة من الجمال إلى طريق أسفلتي جديد تم بناؤه حديثًا يقطع الصحراء، حيث يحدد هذا المشهد نبرة السرد البيئي النقدي للفيلم. الجِمال، كجزء من البيئة الطبيعية، مُجبَرة على التكيف مع التغيُّرات التي صنعها الإنسان، مما يرمز إلى الاضطراب الكبير الذي تسبِّبه صناعة النفط للبيئة.

تسليط الضوء على هذا التباين بين الطبيعة والصناعة يُبرز التدهور البيئي الناجم عن النشاط البشري، حيث إن الناقلات التي تسير على الطريق تُلوِّث محيطها.

في المحطة، غالبًا ما يتداخل الخط الفاصل بين البشر والحيوانات. تصوير الفيلم لمجموعة من الرجال يسيرون ببطء على جانب الطريق، وهم يرتدون جلابيات تقليدية متطابقة ويصور معهم أيضاً قافلة من الإبل، مما يُبرز بيئتهم المشتركة واعتمادهم المتبادل. يظهر الناس والحيوانات، على الرغم من كونهم أنواعًا مختلفة، كرفاق شركاء يتحملون نفس الظروف القاسية. هذا "التشبيه" يوحي بأن حياة البشر ومحيطهم من بيئة و حيوان مترابطة، لا سيما في خضوعهم المتبادل للقوى الصناعية.

الظلم الاجتماعي هو موضوع رئيسي آخر في الفيلم، يتم التأكيد عليه من خلال الفجوة بين الثروة المتداولة في صناعة النفط وفقر أولئك الذين يعيشون في محيطها. يتجلى ذلك في مشاهد تصور رزم من النقود في صناديق القفازات لسائقي الشاحنات مقابل الأوراق النقدية الفردية التي يتبادلها التجار، مثل طفل ينظف الأحذية أو امرأة تبيع الشاي. العلاقة بين السكان المحليين وصناعة النفط، في هذا السياق، هي علاقة طفيليّة: فهم يعيشون على الفتات من نظام يستغل أراضيهم بينما يقدم لهم القليل في المقابل.

تقدم المشاهد الختامية من "المحطة"، التي تُصوّر الأطفال يلعبون بشاحنات مصنوعة من مواد مهملة، رؤية تشاؤمية لمستقبل السودان. يطمح الأطفال إلى الثراء، لكن الفيلم يقترح أنه ما لم تحدث تغييرات جذرية، ستظل أحلامهم المستقبلية غير مُحقَّقة. تبرز هذه الرسالة بقوة اليوم، حيث تواصل التكاليف البيئية والاجتماعية للصناعات الاستخراجية تشكيل حاضر السودان ومستقبل شعبه. رسالة الفيلم نبوئية، تتنبأ بصناعات السودان المستقبلية الاستخراجية، مثل تعدين الذهب، التي لها تأثيرات مدمرة مشابهة على البيئة والمجتمعات المحلية. في نهاية المطاف، يتناسب "المحطة" ضمن فئة السينما البيئية لأنه يدفع المشاهد للتفكير النقدي ومناقشة المشاكل البيئية والاجتماعية التي تواجه السودان.

صورة الغلاف والمعرض: لقطات شاشة لفيلم المحطة © أرسينال

No items found.
نُشر بتاريخ
10/3/25
المؤلف:
سارة النقر
Editor
المحرر:
مأمون التلب
المترجم:
خالدة محمد نور
Translator

المحطة، فيلم تجريبي من إنتاج عام ١٩٨٩ للمخرج السوداني الطيب مهدي، يمكن اعتباره مثالًا على السينما البيئية، وهو نوع من الأفلام الذي يثير النقاش والتحرك حول القضايا البيئية، غالبًا ما يسلط الضوء على العلاقة بين الإنسان و الطبيعة. بينما يستدعي مصطلح السينما البيئية عادةً أفلام الطبيعة والحياة البرية، يمكن القول إن المحطة تتناسب أيضًا مع هذه الفئة من خلال تقديم نقد للتأثيرات الاجتماعية والبيئية لصناعة النفط في السودان خلال ازدهارها في أواخر الثمانينيات. يمكن تناول الفيلم، على الرغم من إنتاجه قبل الاعتراف الواسع بالمسؤولية البشرية عن الكارثة المناخية، من منظور نقدي بيئي يركز على العلاقات بين البشر والبيئة، لا سيما من خلال الصراع بين أنماط الحياة التقليدية والحداثوية.

المحطة هي مشهد التقاء بين وسط السودان وساحل البحر الأحمر، مع سرد يدور حول الناس والحيوانات و ناقلات النفط والشاحنات الكبيرة التي تتردَّد على المكان. تمثل الناقلات وسائقيها قوى صناعية، مما يشوش البيئة الطبيعية بآلاتهم الثقيلة والدخان والغبار، وتوضح تباينًا حادًا مع السكان المحليين الفقراء الذين يعيشون على هامش الصناعة الجديدة.

من زاوية أخرى، تم تصوير السكان المحليين، الذين يعتمدون في معيشتهم على وظائف بسيطة وضيعة، على أنهم صبورون وصامدون ومتّصلون بعمق ببيئتهم القاسية. يتم التأكيد على هذا التباين بصريًا من خلال اختلاف الملابس: يرتدي الناس المحليون الزي السوداني التقليدي، الذي يتكيف مع المناخ الصحراوي، بينما يرتدي سائقو الشاحنات والشخصيات الأغنى الملابس الغربية، مما يميزهم كجزء من عالم حديث وغريب.

في المشهد الافتتاحي للفيلم، حيث تدخل قافلة من الجمال إلى طريق أسفلتي جديد تم بناؤه حديثًا يقطع الصحراء، حيث يحدد هذا المشهد نبرة السرد البيئي النقدي للفيلم. الجِمال، كجزء من البيئة الطبيعية، مُجبَرة على التكيف مع التغيُّرات التي صنعها الإنسان، مما يرمز إلى الاضطراب الكبير الذي تسبِّبه صناعة النفط للبيئة.

تسليط الضوء على هذا التباين بين الطبيعة والصناعة يُبرز التدهور البيئي الناجم عن النشاط البشري، حيث إن الناقلات التي تسير على الطريق تُلوِّث محيطها.

في المحطة، غالبًا ما يتداخل الخط الفاصل بين البشر والحيوانات. تصوير الفيلم لمجموعة من الرجال يسيرون ببطء على جانب الطريق، وهم يرتدون جلابيات تقليدية متطابقة ويصور معهم أيضاً قافلة من الإبل، مما يُبرز بيئتهم المشتركة واعتمادهم المتبادل. يظهر الناس والحيوانات، على الرغم من كونهم أنواعًا مختلفة، كرفاق شركاء يتحملون نفس الظروف القاسية. هذا "التشبيه" يوحي بأن حياة البشر ومحيطهم من بيئة و حيوان مترابطة، لا سيما في خضوعهم المتبادل للقوى الصناعية.

الظلم الاجتماعي هو موضوع رئيسي آخر في الفيلم، يتم التأكيد عليه من خلال الفجوة بين الثروة المتداولة في صناعة النفط وفقر أولئك الذين يعيشون في محيطها. يتجلى ذلك في مشاهد تصور رزم من النقود في صناديق القفازات لسائقي الشاحنات مقابل الأوراق النقدية الفردية التي يتبادلها التجار، مثل طفل ينظف الأحذية أو امرأة تبيع الشاي. العلاقة بين السكان المحليين وصناعة النفط، في هذا السياق، هي علاقة طفيليّة: فهم يعيشون على الفتات من نظام يستغل أراضيهم بينما يقدم لهم القليل في المقابل.

تقدم المشاهد الختامية من "المحطة"، التي تُصوّر الأطفال يلعبون بشاحنات مصنوعة من مواد مهملة، رؤية تشاؤمية لمستقبل السودان. يطمح الأطفال إلى الثراء، لكن الفيلم يقترح أنه ما لم تحدث تغييرات جذرية، ستظل أحلامهم المستقبلية غير مُحقَّقة. تبرز هذه الرسالة بقوة اليوم، حيث تواصل التكاليف البيئية والاجتماعية للصناعات الاستخراجية تشكيل حاضر السودان ومستقبل شعبه. رسالة الفيلم نبوئية، تتنبأ بصناعات السودان المستقبلية الاستخراجية، مثل تعدين الذهب، التي لها تأثيرات مدمرة مشابهة على البيئة والمجتمعات المحلية. في نهاية المطاف، يتناسب "المحطة" ضمن فئة السينما البيئية لأنه يدفع المشاهد للتفكير النقدي ومناقشة المشاكل البيئية والاجتماعية التي تواجه السودان.

صورة الغلاف والمعرض: لقطات شاشة لفيلم المحطة © أرسينال