مدينة داخل مدينة
كنت أشعر دوماً بأننا في مدينة داخل المدينة، وكأنهم أعادوا إنشاء مجتمعٍ جديد، يتماسَك خلال السلع التقليدية في ثقافتهم كمحاولة للبقاء في أرضٍ جديدة وفي الغالب مؤقتة.
/ الاجابات
قبل أيام، كنت أتصفَّح جهاز الكمبيوتر الشخصي وملفات الصور الكثيرة المخزنة بها، ووقعتُ على ملفٍّ ذكرني بحياة أصدقائي الأثيوبيين والإرتريين في الخرطوم. الصور كانت قد أُخِذَت خلال زياراتي المتعدِّدة لهم في كلٍّ من حي الصحافة والجريف، وهي أحياء في الخرطوم معروفة بوجود جالية كبيرة من المهاجرين الإثيوبيين والإريتريين. بينما كنا نتجول في حي الجريف وسط المحلات والمطاعم ذات اللافتات المكتوبة بحروف كبيرة بلغة الأمهرة، والتي كانت تبيع منتجاتهم من طعام وملابس وعطور ومستحضرات الشعر، كنت أشعر دوماً بأننا في مدينة داخل المدينة، وكأنهم أعادوا إنشاء مجتمعٍ جديد، يتماسَك خلال السلع التقليدية في ثقافتهم كمحاولة للبقاء في أرضٍ جديدة وفي الغالب مؤقتة.
وأغلب الإثيوبيين والإرتريين الذين قابلتهم داخل وخارج البلاد لديهم حبٌّ كبير لأوطانهم، وهم ينحدرون من نفس القبائل على طول الشريط الحدودي المشترك الذي يعبرونه في رحلة محفوفة بالمخاطر، بحثاً عن حياة أفضل في أوربا أو أمريكا، وبعضهم يلحق بعائلاتهم المسقرة في الخرطوم.
بينما كانت علاقاتهم جيدة مع المواطنين السودانيين، كان أصدقائي كثيراً ما يشكون مضايقات أفراد الشرطة، واستغلالهم تحت ذريعة تطبيق قانون المهاجرين.
تذكَّرت أجراس وإنشاد الكنيسة الأرثودكسية لساعات أيام الأحاد في الخرطوم 2، مع كل ذاك الزحام، وتلك الضجّة من المصلين، بثيابهم البيضاء والبدلات وأطفالهم. وكان الباعة الإثيوبيين يصطفون خارج الكنيسة بمنتجاتهم التقليدية من توابل وحبوب والعديد المنتجات بطيفٍ من الألوان معروضة في الشارع، وأيضاً جالت بذاكرتي ترانيم الكنيسة البروتستانتية الأكثر تقشفاً، وهو مبنىً كانوا يتشاركونه مع البروتستنتات السودانيين من جبال النوبة.
هذه جالية خَلَقَت لنفسها مساحة تربطها بالوطن، ومع هذا، كانت منفتحة على مُضيفتها؛ حيث أصبَحَت أطباقهم التقليدية، مثل الزغني والإنجيرا، معروفة لدى السودانيين. كما إن طقوس القهوة الإثيوبية، بأبخرة بخورها ومقبّلاتها ومستلزماتها، من أواني ومقاعد وطاولات منخفضة؛ أصبح مظهراً مألوفاً في الخرطوم.
منذ اندلاع الحرب، أُجبِرَ هؤلاء المهاجرين على النزوح لولايات آمنة، مثلما اضطر أغلب السكان، أو العودة لأوطانهم.
فكرة مدينة داخل المدينة، حيث يخلق الوافدون لأنفسهم مساحات تربطهم بأوطانهم، ويمارسون فيها عاداتهم الموروثة، هي عملية انسيابية، لا تحدث بمعزل من الناس. والمكان الذي احتواهم، حيث أن الوافد يأتي بمفرده وبمعزل عن جذوره التي كانت مغروسة في أرضه، مما يقتضي عليه التكيُّف مع البيئة الجديدة التي قامت باحتوائه. هذه المدن الداخلية هي بمثابة مكان يطمئنون إليه، ويمارسون به ارتباطهم بالوطن، وهي تظهر الاختلاف بينهم وبين مضيفيهم، ولكن أيضاً تظهر الأشياء المشتركة التي تُعزِّز الترابط.
صورة الغلاف © سارة النقر، تُظهر مقبرة إثيوبية وإريترية في الصحافة
قبل أيام، كنت أتصفَّح جهاز الكمبيوتر الشخصي وملفات الصور الكثيرة المخزنة بها، ووقعتُ على ملفٍّ ذكرني بحياة أصدقائي الأثيوبيين والإرتريين في الخرطوم. الصور كانت قد أُخِذَت خلال زياراتي المتعدِّدة لهم في كلٍّ من حي الصحافة والجريف، وهي أحياء في الخرطوم معروفة بوجود جالية كبيرة من المهاجرين الإثيوبيين والإريتريين. بينما كنا نتجول في حي الجريف وسط المحلات والمطاعم ذات اللافتات المكتوبة بحروف كبيرة بلغة الأمهرة، والتي كانت تبيع منتجاتهم من طعام وملابس وعطور ومستحضرات الشعر، كنت أشعر دوماً بأننا في مدينة داخل المدينة، وكأنهم أعادوا إنشاء مجتمعٍ جديد، يتماسَك خلال السلع التقليدية في ثقافتهم كمحاولة للبقاء في أرضٍ جديدة وفي الغالب مؤقتة.
وأغلب الإثيوبيين والإرتريين الذين قابلتهم داخل وخارج البلاد لديهم حبٌّ كبير لأوطانهم، وهم ينحدرون من نفس القبائل على طول الشريط الحدودي المشترك الذي يعبرونه في رحلة محفوفة بالمخاطر، بحثاً عن حياة أفضل في أوربا أو أمريكا، وبعضهم يلحق بعائلاتهم المسقرة في الخرطوم.
بينما كانت علاقاتهم جيدة مع المواطنين السودانيين، كان أصدقائي كثيراً ما يشكون مضايقات أفراد الشرطة، واستغلالهم تحت ذريعة تطبيق قانون المهاجرين.
تذكَّرت أجراس وإنشاد الكنيسة الأرثودكسية لساعات أيام الأحاد في الخرطوم 2، مع كل ذاك الزحام، وتلك الضجّة من المصلين، بثيابهم البيضاء والبدلات وأطفالهم. وكان الباعة الإثيوبيين يصطفون خارج الكنيسة بمنتجاتهم التقليدية من توابل وحبوب والعديد المنتجات بطيفٍ من الألوان معروضة في الشارع، وأيضاً جالت بذاكرتي ترانيم الكنيسة البروتستانتية الأكثر تقشفاً، وهو مبنىً كانوا يتشاركونه مع البروتستنتات السودانيين من جبال النوبة.
هذه جالية خَلَقَت لنفسها مساحة تربطها بالوطن، ومع هذا، كانت منفتحة على مُضيفتها؛ حيث أصبَحَت أطباقهم التقليدية، مثل الزغني والإنجيرا، معروفة لدى السودانيين. كما إن طقوس القهوة الإثيوبية، بأبخرة بخورها ومقبّلاتها ومستلزماتها، من أواني ومقاعد وطاولات منخفضة؛ أصبح مظهراً مألوفاً في الخرطوم.
منذ اندلاع الحرب، أُجبِرَ هؤلاء المهاجرين على النزوح لولايات آمنة، مثلما اضطر أغلب السكان، أو العودة لأوطانهم.
فكرة مدينة داخل المدينة، حيث يخلق الوافدون لأنفسهم مساحات تربطهم بأوطانهم، ويمارسون فيها عاداتهم الموروثة، هي عملية انسيابية، لا تحدث بمعزل من الناس. والمكان الذي احتواهم، حيث أن الوافد يأتي بمفرده وبمعزل عن جذوره التي كانت مغروسة في أرضه، مما يقتضي عليه التكيُّف مع البيئة الجديدة التي قامت باحتوائه. هذه المدن الداخلية هي بمثابة مكان يطمئنون إليه، ويمارسون به ارتباطهم بالوطن، وهي تظهر الاختلاف بينهم وبين مضيفيهم، ولكن أيضاً تظهر الأشياء المشتركة التي تُعزِّز الترابط.
صورة الغلاف © سارة النقر، تُظهر مقبرة إثيوبية وإريترية في الصحافة