الأرض المتحركة
ماذا تعني المدينة؟ كيف يمكن أن تتحرك الأرض؟ ماذا يمكننا أن نتعلم من نمط الحياة البدوي؟
/ answered
ماذا تعني المدينة؟ عندما سألنا أحد سكان حي الحاج يوسف القديم عما إذا كان يعتبر حيَّهُ مدينةً، قال نعم. سألناه عن السبب، فقال إن السبب هو أن مجموعة كبيرة من الأجانب قد انتقلت الآن إلى الحي. كان الحاج يوسف في الأصل قرية تقع إلى الشمال من الخرطوم واختفت بسبب التوسع العمراني للمدينة. طَرَحتُ السؤال نفسه على أحد سكان قرية الشقيلاب، وهي قرية أخرى امتدت إليها المدينة في السنوات الأخيرة. كانت إجابته أن تغير معيشة السكان وإعادة تخطيط قريتهم جعلها مدينة. للحكومات أيضاً طرقها الخاصة في تحديد ماهية المدينة. فعادةً ما يكون عدد السكان في منطقة ما من الأرض هو المؤشر الرئيسي؛ وأحياناً يكون المؤشر هو أنواع الخدمات في المنطقة وحجمها، والتي تحددها أيضاً الكثافة السكانية لمنطقة جغرافية معينة لأن الخدمات يتم تحديدها لخدمة منطقة تجمع سكاني معين. ومع ذلك، فإن المفهوم المتفق عليه للمدينة هو أنها قطعة أرض ثابتة تتوسع وتنمو وتتغير لأسباب مختلفة، بما في ذلك التغيرات الاجتماعية والسياسية.
إن أحداث عام ٢٠٢٣ في السودان قد غيَّرت قواعد اللعبة. بحلول أبريل/نيسان ٢٠٢٤ أي بعد عام واحد بالضبط من بداية الحرب، كان قد نزح أكثر من عشرة ملايين شخص، أي ما يقرب من ربع سكان السودان بالكامل، وفقاً لتقديرات المنظمة الدولية للهجرة. هذا هو حجم سكان ما يُسمَّى "المدينة الضخمة" أو نحو عشرين مدينة عادية الحجم. إن استخدام المدينة كمقياس أمر بالغ الأهمية هنا، حيث أن وجود المدن واستدامتها يتطلب مستوى معين من البنية التحتية والقدرات والحوكمة وإنتاج الغذاء والخدمات الأساسية. لا يزال أكثر من ٨٠% من النازحين داخل السودان، حيث أنهم اندمجوا في قرى وبلدات ومدن صغيرة أخرى كانت ضعيفة التطور أصلاً. هذا العدد الكبير من السكان الجدد قد أرهق قدرة هذه المستوطنات وبالتالي يهدد البلاد بأكملها بأكبر أزمة إنسانية في العالم، وحالة حرجة من الأمن الغذائي والمجاعة.
لننظر الآن إلى نفس المشكلة من زاوية مختلفة. غالبية السكان النازحين هم من سكان المدن، كانوا قد نزحوا من ثلاث من أكبر المدن في السودان: الخرطوم وود مدني ونيالا. ومع ذلك، فإن معظم سكان السودان هم في الواقع من سكان الريف؛ مثل المزارعين والرعاة. هذه المجتمعات أيضاً تأثَّرت بالنزاع، حيث عطَّلت الحرب سبل عيشهم وأنماط حياتهم وطرق تنقلهم. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى المقارنة بين نمط حياة البدو الرحل، الذي ينطوي على التنقل الطوعي، والتنقل الناجم عن النزاع.
يتنقل البدو الرحل بأعداد كبيرة، وغالباً ما يكونون مصحوبين بمواشيهم التي يمكن أن تغطي مساحة مستوطنات صغيرة. وعلى غرار النازحين الحاليين، يمكن اعتبار السكان البدو الرحل قِطَعَاً متنقِّلة من الأرض. الرعاة يجوبون الأرض منذ قرون، إن لم يكن منذ آلاف السنين. وهم يعملون إلى حدٍّ كبير مثل المستوطنات الثابتة المنتظمة، حيث يَنمُون ويتقلص حجمهم. ولديهم خدمات متنقلة كاملة تلبّي احتياجات هذا العدد من الناس والحيوانات، على الرغم من أن نوع البنية التحتية المطلوبة للبدو الرحَّل تَختلف بوضوح عن المستوطنة المستقرة. فلا يزال لديهم خبراء طبيون وبيئيون، وطرق للتنقل والسكن وأنظمة حوكمة.
تُعتَبَر قوانين الأراضي المجتمعية والعرفية مسألة معقدة للغاية، لذا لن يكون من المجدي إدراجها في هذا النص. ومع ذلك، فإن الحاجة للأرض المطلوبة لإيواء جميع احتياجات البدو الرحل ستكون موجودة دائماً. إذا أخذنا استخدام الأرض أو الحق في شغل الأرض لفترات زمنية معينة كشكل من أشكال الملكية المؤقتة، فإن هذه الملكية الموسمية التي تحدث كل عام لسنوات تخلق حدوداً بين الاتفاقات العرفية والتعديات. إن الاستخدام المعني وكيفية تقاسم الموارد هي بعض من الأسباب العديدة التي تنشأ عنها الخلافات. لكن هذه الأطر تحمل أيضاً إجابات محتملة للمشاكل الحالية. ويمكن لاستعارة هذه الأطر في أن تساعد في معالجة قضايا النزوح الحالية. كيف تتحرَّك المدن؟ ما الذي يمكن أن يجعل للمدينة أربعة أرجل؟ ماذا لو استمر الناس في التنقل؟ كيف يمكن للخبراء الحضريين التعلم من الريف؟
ماذا تعني المدينة؟ عندما سألنا أحد سكان حي الحاج يوسف القديم عما إذا كان يعتبر حيَّهُ مدينةً، قال نعم. سألناه عن السبب، فقال إن السبب هو أن مجموعة كبيرة من الأجانب قد انتقلت الآن إلى الحي. كان الحاج يوسف في الأصل قرية تقع إلى الشمال من الخرطوم واختفت بسبب التوسع العمراني للمدينة. طَرَحتُ السؤال نفسه على أحد سكان قرية الشقيلاب، وهي قرية أخرى امتدت إليها المدينة في السنوات الأخيرة. كانت إجابته أن تغير معيشة السكان وإعادة تخطيط قريتهم جعلها مدينة. للحكومات أيضاً طرقها الخاصة في تحديد ماهية المدينة. فعادةً ما يكون عدد السكان في منطقة ما من الأرض هو المؤشر الرئيسي؛ وأحياناً يكون المؤشر هو أنواع الخدمات في المنطقة وحجمها، والتي تحددها أيضاً الكثافة السكانية لمنطقة جغرافية معينة لأن الخدمات يتم تحديدها لخدمة منطقة تجمع سكاني معين. ومع ذلك، فإن المفهوم المتفق عليه للمدينة هو أنها قطعة أرض ثابتة تتوسع وتنمو وتتغير لأسباب مختلفة، بما في ذلك التغيرات الاجتماعية والسياسية.
إن أحداث عام ٢٠٢٣ في السودان قد غيَّرت قواعد اللعبة. بحلول أبريل/نيسان ٢٠٢٤ أي بعد عام واحد بالضبط من بداية الحرب، كان قد نزح أكثر من عشرة ملايين شخص، أي ما يقرب من ربع سكان السودان بالكامل، وفقاً لتقديرات المنظمة الدولية للهجرة. هذا هو حجم سكان ما يُسمَّى "المدينة الضخمة" أو نحو عشرين مدينة عادية الحجم. إن استخدام المدينة كمقياس أمر بالغ الأهمية هنا، حيث أن وجود المدن واستدامتها يتطلب مستوى معين من البنية التحتية والقدرات والحوكمة وإنتاج الغذاء والخدمات الأساسية. لا يزال أكثر من ٨٠% من النازحين داخل السودان، حيث أنهم اندمجوا في قرى وبلدات ومدن صغيرة أخرى كانت ضعيفة التطور أصلاً. هذا العدد الكبير من السكان الجدد قد أرهق قدرة هذه المستوطنات وبالتالي يهدد البلاد بأكملها بأكبر أزمة إنسانية في العالم، وحالة حرجة من الأمن الغذائي والمجاعة.
لننظر الآن إلى نفس المشكلة من زاوية مختلفة. غالبية السكان النازحين هم من سكان المدن، كانوا قد نزحوا من ثلاث من أكبر المدن في السودان: الخرطوم وود مدني ونيالا. ومع ذلك، فإن معظم سكان السودان هم في الواقع من سكان الريف؛ مثل المزارعين والرعاة. هذه المجتمعات أيضاً تأثَّرت بالنزاع، حيث عطَّلت الحرب سبل عيشهم وأنماط حياتهم وطرق تنقلهم. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى المقارنة بين نمط حياة البدو الرحل، الذي ينطوي على التنقل الطوعي، والتنقل الناجم عن النزاع.
يتنقل البدو الرحل بأعداد كبيرة، وغالباً ما يكونون مصحوبين بمواشيهم التي يمكن أن تغطي مساحة مستوطنات صغيرة. وعلى غرار النازحين الحاليين، يمكن اعتبار السكان البدو الرحل قِطَعَاً متنقِّلة من الأرض. الرعاة يجوبون الأرض منذ قرون، إن لم يكن منذ آلاف السنين. وهم يعملون إلى حدٍّ كبير مثل المستوطنات الثابتة المنتظمة، حيث يَنمُون ويتقلص حجمهم. ولديهم خدمات متنقلة كاملة تلبّي احتياجات هذا العدد من الناس والحيوانات، على الرغم من أن نوع البنية التحتية المطلوبة للبدو الرحَّل تَختلف بوضوح عن المستوطنة المستقرة. فلا يزال لديهم خبراء طبيون وبيئيون، وطرق للتنقل والسكن وأنظمة حوكمة.
تُعتَبَر قوانين الأراضي المجتمعية والعرفية مسألة معقدة للغاية، لذا لن يكون من المجدي إدراجها في هذا النص. ومع ذلك، فإن الحاجة للأرض المطلوبة لإيواء جميع احتياجات البدو الرحل ستكون موجودة دائماً. إذا أخذنا استخدام الأرض أو الحق في شغل الأرض لفترات زمنية معينة كشكل من أشكال الملكية المؤقتة، فإن هذه الملكية الموسمية التي تحدث كل عام لسنوات تخلق حدوداً بين الاتفاقات العرفية والتعديات. إن الاستخدام المعني وكيفية تقاسم الموارد هي بعض من الأسباب العديدة التي تنشأ عنها الخلافات. لكن هذه الأطر تحمل أيضاً إجابات محتملة للمشاكل الحالية. ويمكن لاستعارة هذه الأطر في أن تساعد في معالجة قضايا النزوح الحالية. كيف تتحرَّك المدن؟ ما الذي يمكن أن يجعل للمدينة أربعة أرجل؟ ماذا لو استمر الناس في التنقل؟ كيف يمكن للخبراء الحضريين التعلم من الريف؟