مطابخ الشفاء
الشاي بالنعناع لعلاج آلام المعدة، والحرجل أو الحلبة لعلاج الغثيان، وجرعة غزيرة من زيت السمسم تُفرك بقوة على الجذع لعلاج آلام الصدر. كانت هذه العلاجات جزءاً لا يتجزَّأ من "خزانة الأدوية" الخاصة بالأم السودانية -موجودة في مطبخها- محفوظة في أكياس بلاستيكية موضوعة بين برطمانات الأعشاب في الجزء الخلفي من حجرة المؤن
/ الاجابات
في السنوات الأخيرة، أصبح من الشائع على نحو متزايد رؤية الباعة المتجولين يجلسون على الأرض الغبراء بمحاذاة الطرق في أسواق السودان المزدحمة. يفرشون قطعًا من البلاستيك بجانبهم، مغطاة بأكوام من الأحواض والأنابيب والأكياس الصغيرة الملأى بما يُسمَّى بالعلاجات التقليدية. من السرطان إلى الإيدز،ومن ارتفاع ضغط الدم إلى العجز الجنسي، يصرخ الباعة الذين نَصَّبُوا أنفسهم معالجين لجذب المارة، ويطلقون وعوداً بشفاءٍ يشبه المعجزات. وبسبب الصعوبات الاقتصادية المتزايدة، غالباً ما يتوقف العديد من الأشخاص المرهقين أمام التجار لمناقشة هذه العلاجات أو شرائها، متعجبين من تكلفتها المنخفضة بالمقارنة بتكلفة الأدوية الصيدلانية واستشارات الأطباء الباهظة. وحتى لو لم يكونوا مقتنعين تماماً بفعاليتها، فإنهم يُقنِعُون أنفسهم بأنها تستحق المحاولة.
يُعدّ الاستخدام التجاري الحالي للأعشاب والجرعات التقليدية بعيداً كلّ البعد عن كيفية استخدام وتوزيع هذه العلاجات في الماضي. كاستخدام الشاي بالنعناع لعلاج آلام المعدة، والحرجل أو الحلبة لعلاج الغثيان، وجرعة غزيرة من زيت السمسم تُفرك بقوة على الجذع لعلاج آلام الصدر. كانت هذه العلاجات جزءاً لا يتجزَّأ من "خزانة الأدوية" الخاصة بالأم السودانية -موجودة في مطبخها- محفوظة في أكياس بلاستيكية موضوعة بين برطمانات الأعشاب في الجزء الخلفي من حجرة المؤن،أو تحت شريحة الليمون في حجرة البيض في رفٍّ بباب الثلاجة. معرفة أي عشب أو ورقة أو زيت أو دخان ضرورية لعلاج المرض الذي ينتقل من الأم إلى الإبنة أو بين نساء الحي. خلال جائحة الكورونا عام ٢٠١٩ م، لجأ العديد من السودانيين إلى حرق قرون القَرَضْ (السنط العربي) كشكل من أشكال الوقاية والعلاج من المرض، حسب اعتقادهم.كانت هذه الممارسة مبنية على الحكمة المتوارثة القائلة بأن القَرَضْ يُعالج مشاكل الجهاز التنفسي.
وتتميَّز العلاجات التقليدية أيضاً بطريقة إعدادها وإعطائها بصبرٍ وعناية، والتي تُعدُّ جزءاً لا يتجزأ من عملية التعافي بأكملها. وهكذا، يتم تحضير مغلي زهور نبات الكركديه الدافئ لعلاج نزلات البرد والأنفلونزا، أو يُقدَّم كمشروب بارد لخفض ضغط الدم، وأوراق شجرة الجوافة لوقف الإسهال، ويتم إعطاؤهم تحت مراقبة الأم حتى يتعافى الطفل. كان هذا العلاج الشخصي تقريباً هو الملاذ الأول عندما يصاب الطفل بالمرض، ولا يتم طلب آراء الأطباء وزيارات المستشفى إلا إذا استمرت المشكلة. ويلعب الإيمان بفعالية هذه العلاجات دوراً مهماً في استخدام الأدوية التقليدية، مقروناً بطريقة الرعاية الشخصية التي تقدمها الأمهات، فلا عجب أن تستمر هذه المعرفة.
واليوم، أصبحت المعرفة بالأدوية التقليدية -التي تم تناقلها بصورة طبيعية- معرضةً لخطر الفقدان والضياع. إن النزوح الجماعي للناس في جميع أنحاء السودان يعني احتمالية تعطل شبكات نقل المعرفة. علاوة على ذلك، قد لاتكون الأعشاب والأوراق والزيوت المستخدمة تقليدياً متاحة في الأماكن التي اضطر الناس للانتقال إليها. ومع ذلك، فإن الأمر المؤكد هو أن مرونة الأمهات أينما وجدت،ستكون قادرة على تكييف المكونات الطبيعية المحلية كعلاجات لأمراض أطفالهن.
في السنوات الأخيرة، أصبح من الشائع على نحو متزايد رؤية الباعة المتجولين يجلسون على الأرض الغبراء بمحاذاة الطرق في أسواق السودان المزدحمة. يفرشون قطعًا من البلاستيك بجانبهم، مغطاة بأكوام من الأحواض والأنابيب والأكياس الصغيرة الملأى بما يُسمَّى بالعلاجات التقليدية. من السرطان إلى الإيدز،ومن ارتفاع ضغط الدم إلى العجز الجنسي، يصرخ الباعة الذين نَصَّبُوا أنفسهم معالجين لجذب المارة، ويطلقون وعوداً بشفاءٍ يشبه المعجزات. وبسبب الصعوبات الاقتصادية المتزايدة، غالباً ما يتوقف العديد من الأشخاص المرهقين أمام التجار لمناقشة هذه العلاجات أو شرائها، متعجبين من تكلفتها المنخفضة بالمقارنة بتكلفة الأدوية الصيدلانية واستشارات الأطباء الباهظة. وحتى لو لم يكونوا مقتنعين تماماً بفعاليتها، فإنهم يُقنِعُون أنفسهم بأنها تستحق المحاولة.
يُعدّ الاستخدام التجاري الحالي للأعشاب والجرعات التقليدية بعيداً كلّ البعد عن كيفية استخدام وتوزيع هذه العلاجات في الماضي. كاستخدام الشاي بالنعناع لعلاج آلام المعدة، والحرجل أو الحلبة لعلاج الغثيان، وجرعة غزيرة من زيت السمسم تُفرك بقوة على الجذع لعلاج آلام الصدر. كانت هذه العلاجات جزءاً لا يتجزَّأ من "خزانة الأدوية" الخاصة بالأم السودانية -موجودة في مطبخها- محفوظة في أكياس بلاستيكية موضوعة بين برطمانات الأعشاب في الجزء الخلفي من حجرة المؤن،أو تحت شريحة الليمون في حجرة البيض في رفٍّ بباب الثلاجة. معرفة أي عشب أو ورقة أو زيت أو دخان ضرورية لعلاج المرض الذي ينتقل من الأم إلى الإبنة أو بين نساء الحي. خلال جائحة الكورونا عام ٢٠١٩ م، لجأ العديد من السودانيين إلى حرق قرون القَرَضْ (السنط العربي) كشكل من أشكال الوقاية والعلاج من المرض، حسب اعتقادهم.كانت هذه الممارسة مبنية على الحكمة المتوارثة القائلة بأن القَرَضْ يُعالج مشاكل الجهاز التنفسي.
وتتميَّز العلاجات التقليدية أيضاً بطريقة إعدادها وإعطائها بصبرٍ وعناية، والتي تُعدُّ جزءاً لا يتجزأ من عملية التعافي بأكملها. وهكذا، يتم تحضير مغلي زهور نبات الكركديه الدافئ لعلاج نزلات البرد والأنفلونزا، أو يُقدَّم كمشروب بارد لخفض ضغط الدم، وأوراق شجرة الجوافة لوقف الإسهال، ويتم إعطاؤهم تحت مراقبة الأم حتى يتعافى الطفل. كان هذا العلاج الشخصي تقريباً هو الملاذ الأول عندما يصاب الطفل بالمرض، ولا يتم طلب آراء الأطباء وزيارات المستشفى إلا إذا استمرت المشكلة. ويلعب الإيمان بفعالية هذه العلاجات دوراً مهماً في استخدام الأدوية التقليدية، مقروناً بطريقة الرعاية الشخصية التي تقدمها الأمهات، فلا عجب أن تستمر هذه المعرفة.
واليوم، أصبحت المعرفة بالأدوية التقليدية -التي تم تناقلها بصورة طبيعية- معرضةً لخطر الفقدان والضياع. إن النزوح الجماعي للناس في جميع أنحاء السودان يعني احتمالية تعطل شبكات نقل المعرفة. علاوة على ذلك، قد لاتكون الأعشاب والأوراق والزيوت المستخدمة تقليدياً متاحة في الأماكن التي اضطر الناس للانتقال إليها. ومع ذلك، فإن الأمر المؤكد هو أن مرونة الأمهات أينما وجدت،ستكون قادرة على تكييف المكونات الطبيعية المحلية كعلاجات لأمراض أطفالهن.