/ الاجابات
مُقدّمة
في دِرَاساتنا نُفَرِّق بين (قبائل) السودان و(شُعُوبه). فألفاظ (قبيلة - قبائل) تُطلَق -لغوياً وتاريخياً- على العرب فقط. وألفاظ (شعب - شعوب)، تُطلَق على غير العرب. ذلك في قياس ثنائية الهُوِيَّة في السودان بين الأفارقة والعرب. على ذلك فالفور شعب من شعوب السودان، في جنوبه الغربي.
تَعَرَّفنا على شعب الفور بعد هجرة النوبيين لسهل أرض البطانة. كان مشروع حلفا الجديدة الزراعي قد قام في عام ١٩٦٣م تقريباً. للعمل في هذا المشروع هاجر كثيرون إليه من غرب السودان ومنهم الفور. عملوا كعمال أولاً، ثم مؤجري حواشات١، وسكنوا داخل المشروع. دخلوا بيوتنا ودخلنا بيوتهم وعرفناهم عن قُرب، وشاركناهم طعامهم وشرابهم.
حَوَّاشَات المشروع تَجِد فيه الفئرانُ أماكنَ طَيِّبة لهم في شُقُوق أرضها. فئرانٌ كبيرةُ الحجم. يصطادها الفور بأساليب عديدة. ومن كَثَرَتِها يَكُون للواحد منهم عدداً مُعتَبَراً يوميّاً، بعد اصطيادها نجد للواحد منهم حبلاً يمتدُّ في راكوبته٢ تُعلَّق فيه الفئران من أذنانها مسلوخةً حتى تنشف. هنا تُدَقُّ في مَدَقٍّ ثم يُخَزَّن حرزٍ حريز، فهو لحمٌ نافعٌ في الطعام.
طعامهم من الذرة فقط يصنعون منها العصيدة، عرفنا منهم العصيدة، وحمام الشقوق والمولاص. العصيدة من الذرة، دقيقهاً يُعجَن ويُوضَع في إناء يوضع على نار. تحركه المرأة حتى تتلبك وتتماسك، ثم يُضاف لها مسحوق لحم وعظام الفئران الهَشَّان. وهذا هو مسحوق (حَمام الشقوق) اسماً للفئران عندهم، ومع الملح يأتي هذا الطعام ليس مثله طعام، أبداً.
المولاص moˉlaˉs بإمالة الميم واللام، طعام وشراب. فإذا خَرَج الرجل للعمل في الحوَّاشة زوَّدته زوجته به في إناء غير صغير. ذَكَرَهُ الباحث الزاكي عبد الحميد أحمد في كتابٍ له وأخطأ. قال: (المريسة نقع الشيء كالتمر والعجين في الماء ثم تحريكه حتى يَنمَاص، والعجين الذي يُمَاص ويُصفَّى هو المريسة٣. هذا هو المولاص لا المريسة التي سنأتي لسيرتها. قلتُ إن المولاص تزوِّد به الزوجة زوجها، وهو من الذرة فقط.
يخرج الجميع إلى الحوَّاشة: الرجل والمرأة والأولاد والبنات للعمل، هذا ديدنهم حتى في (الجُبرَاكَات) في بلادهم٤، والمولاص هنا طعامهم وشرابهم طول يوم عملهم. ولا يقرب الفور القمح رغم أنهم يزرعونه في المشروع، ويزعم النوبيون والعرب في حلفا الجديدة أنه من النادر جداً أن تَجِدَ مريضاً منهم في مستشفاها، فطعامهم -كما يرون- الذرة والدخن والعصيدة مع مسحوق حمام الشقوق اللذيذ الطاعم.
***
ما قُلناه من قبل، كان للفور في مشروع حلفا للجديدة فحسب. وكُنَّا شهوداً له، أما في بلادهم، الآن، فقد لخَّصه المؤرخ محمد بن عمر التونسي في كتابه (تشحيذ الأذهان بسيرة بلاد السودان) أو (بسيرة بلاد العرب والسودان). قال ما قال، داخلاً إلى الموضوع مَدخَلاً وقفنا عنده كثيراً. قال: (ومعيشتهم في غاية الانحطاط، لو تناول منها أحد من بلادنا مرةً واحدةً لذَهَبَ منه النشاط لأنَّ أَكثَر مأكلهم إما مُرَّةٌ أو مُتَعَفِّنة، ويرون أن هذه هي النعمة المُستَحسَنَة)٥: وهو يعني بلفظ بلادنا (تونس). فهو منها.
كان التونسيّ هذا قريباً من سلطان دارفور، وقد عاف ما يأكل أهل دارفور، خاصة الويكة weka بإمالة الواو وفَتح الكاف. شأنه في ذلك شأن الغريب العربي الحكيم المُتدَيِّن الذي يُكرِّمه أهل البلاد، لكن، أن يعاف طعام البلد الذي صَار فيه، ليس من الدين في شيء. لكن مستضيفوه كانوا يتخيَّرون له طعاماً غير طعامهم٦.
وهو -التونسي- قد ذَكَر (الويكة). وهي في الأصل البامية الناشفة، يدقُّونها في مدقٍّ ويغربلونها ويستخدمونها إداماً للعصيدة. لكن هناك أنواع أخرى من الويكة عنده:
- ويكة الهجليج
- ويكة الدودري doˉdari.
ويكة الهجليج تؤخذ من صَفَق شجر الهجليج أو ثمرها. يجب أن يكون الصفق (الورق) طريّاً وجديداً، يدقّونه كما هو ويوضع في قدرٍ على النار مع تحريكه بالمِسوَاط حتى يمتزج مع ما فيه من الماء والدهن. وإن كانت الويكة من الثمر، ينقعون الثمر في الماء ويصفُّونَه في قِدرٍ فيُضاف عليها لحم ثم يكون إداماً للعصيدة.
وويكة الدودري تُؤخد من عظام الغنم والبقر وسائر الحيوانات، خاصة عظم الرُكبة والصدر، يُجَرِّدونها من اللّحم ويضعون العظام في ماعونٍ يقفلونه لزمن، ثم يهرسون ما في الماعون مع اللحم ويصنعون منه كُرات في حجم البرتقال ويأكلونه.
وإذا أرادوا طبخة، أخذوا من هذه الكرات ما أرادوا، وذوَّبوها في الماء وصفُّوها ورَفَعُوها على النار مع زيادة البصل والسمن والملح والفلفل، وهذا طعامٌ طَيِّب عندهم. من طعام المُوسرين.
غالب طعام الفور من النباتات في بلادهم. يزرعون الدخن. وهو أساس في إدام العصيدة به أو يصنعون منه العصيدة ذاتها. كما يزرعون الذرة. وفي معقلهم في جبل مَرَّة، المعروفة بكل فواكه الدنيا، يزرعون القمح ولا يأكلول منه بل يُصدِّرُونه لأسواقٍ أخرى. وأشجار الفواكه في جبل مرة تتجدَّد مع توافر الماء وجريانه. للفور أسماء لبعض مكوّنات طعامهم، مثل:
• نيلمو: niyalmo. وهو ورق شجر الهجليج الطريّ.
عنقلو: angalo، وهو ثمر الهجليج الأخضر.
كَوَل: Kawal، ويكون تكويراً لنباتات عفنة، تُدفَن في الأرض لزمنٍ يسودّ لونها ومسحوقه يُرَشُّ في الطعام كبهار.
كنبو: Kanbo. وهو رماد يُستَخدم في الطعام بدلاً عن الملح لنُدرته عندهم.
***
فيما يختصّ بالصيد والقنص -لتوفير اللحوم لأنفسهم وللآخرين- ينقسم الفور إلى قسمين:
ا - صَيَّادون قَنَّاصة.
- صيادون محترفون.
الصيادون القناصة من يخرجون فرادى للصيد والقنص معتمدين على قدراتهم الخاصة وشجاعتهم ومعرفتهم بأمور الحيوانات بالخبرة، سواءً كانت وحشيةً أو غير وحشية. والصيادون المحترفون من يخرجون جماعةً يدعوهم للخروج كل يوم سبت الوَرنَانِيح warnanih، وهو القائد ضارب طَبْل مخصوص يَجمعهم.
يقول محمد بن عمر التونسي في صيدهم: (منهم من يصطاد ذوات الأربع، كالغزال وبقر الوحش والجاموس والفيل والضباع والسباع والخرتيت وحيد القرن، والأرانب وأبو الحصين (الثعالب)٧.
الغزلان والأرانب يصطادونها بالكلاب (كلاب الصيد المُربَّاة للصيد)، ومنهم من يصطادها بالسَفَرُوق safarug٨. وفي مناطق السافنا الغنية، دَرَج الناس على الصيد -صيد هذه الحيوانات بطُرق مختلفة:
* الفيل دائماً - في جماعة تَرِد الماء. يحفرون حفرةً واسعة عميقة في مسارها، هذه الحفرة سقفها من الحشائش ونَثرٌ قليلٌ من التراب. ويغرزون في قَعْر الحُفرة عَصا سنينة قائمة طوليَّاً. قَطعَاً يقع الفيل في الحفرة، ويأتي الأفراد أصحاب الحفرة، يقتلونه بالحراب، وبِرفعه بالحبال يخلّصونه من العصا السنينة المُنغَرزة في لحمه. وهكذا صيد السباع وبقر الوحش والجاموس والخرتيت. يجعلون من لَحمِهَا شَرَامِيط٩ يأكلونها نيِّئةً وناشفة، ويبيعون منها لمن أراد.
ومن صيد الفور الطيور. وأهمها الحبارى. وفيهم من هو مُتَخَصِّصٌ في صيدها. وطُعم صيدها دود أو حشرات. ومن جنس الطيور عندهم ما يسمونه أبو منظرة، أكبر من الحبارى. ولصيدهما يعقدون تيلاً كحبل، ويضعون في عقدته دوداً أو حشرة يراها الطائر من بعيد، فيسرع إليها ليبتلعها بعقدتها، ثم يُقبض عليهما، ولحمهما من اللحوم المستطابة عندهم.
و يصطادون الطيور الصغيرة بشباك في أركانها عِصِي مستقيمة تصيرُ بها مربعة أو مستطيلة. الشبكة تُرفَع مسنودةً بعصا في رأسها حبل، ينشرون الحَب في ظِلها والحبل في يد الصائد بعيداً، عندما تتجمَّع الطيور في ظل الشبكة لتأكل الحَب، يجذب الصائد الحبل فتقع الشبكة على الطيور فقد اصطادها. يزيلون عنها الريش ثم يَشوونَها على النار ويأكلونها لحماً هَشَّاً لذيذاً١٠١٠.
لِمَعلومات عن أكل الفور لحوم الأفيال والضباع والسباع والخرتيت وغيرها من الحيوانات الوحشية، جلسنا مع رجل منهم هو محمد آدم صالح محمد في وادي حلفا، هل يأكلون لحومها كما قال التونسي؟ كانت إجابته: قد يأكلها بعضهم كالدرامدة daramda والفقراء. لكن الآخرين يأخذون منها جلودها كسياط (مفردها سوط) ومن يصنعون من جلودها أحذية والدرق (مفردها دَرَقَة) يبيعونها للعساكر والدواس١١١١. والفاشر عاصمة دارفور مشهورة بالأحذية الفاشرية من جلود النمور وغيرها)١٢.
***
المريسة marisa عند الفور طعام وشراب، الشراب للسُّكر والاجتماع مع الندامى الأصدقاء والطعام للطاقة والنشاط. وهي من الذرة. يوضع تيراب الذرة زراعةً ويُغطّى بجوال مبلول بالماء، وفي حدود ثلاثة أيام تنبُت الذرة. وتُسَمَّى هنا الذرِّيعة. تنشف الذريعة وتُطحَن وتُوضَع مع الماء في مواعين نظيفة كبيرة حتى تعلوها الرغوة. فَتَسُوغ للشراب. ومقدار شرب الفرد منها عَبَار abar. ولمن أراد السكر عباران وأكثر. ولمن أراد الطاقة والنشاط عبار يَشرَبه على عجل ويذهب نشيطاً، وعلى الرغم من أنها مسكرة، فإنها ليست حراماً فيما يرون.
صورة الغلاف: أدوات الطبخ © متحف المرأة، نيالا
[١] الحَوَّاشة: قطعة أرض مساحتها ٣ أفدنة للمزارع لدورة زراعية مُتَتَابِعة طول العام في مشروع حلفا الجديدة الزراعي.
[٢] الرَاكُوبة: سقفٌ من القَش، يرتاح المزارع تحته وقد يسكن فيه.
[٣] هنا تعرف المريسة خطأ، وتعريفها يأتي لاحقاً.
[٤] الجُبرَاكَة: قطعة أرض عائلية في ديار الفور في السودان.
[٥] محمد بن عمر التونسي - تشحيذ الأذهان بسيرة بلاد السودان والعرب – تحقيق د.خليل محمود عساكر ود.مصطفى محمد مُسعَد- القاهرة – الدار المصريّة للتأليف والترجمة – ص ٢٨٣.
[٦] نفسه – ص ٢٨٤.
[٧] نفسه – ص ٢٨٦ – ٢٨٧.
[٨] سَفَرُوق: عَصَا معكوفة، رميُها على الحيوانات، كالغزلان والأرانب، يشلُّ أَرجُلَها.
[٩] الشراميط: (مفردها شرموط) شرائح اللحم مُعَلَّقة في الرواكيب والبيوت حتى تنشف، تُدَقّ ويُوضَع نِثَارُها في العصيدة.
[١٠] محمد بن عمر التونسي - مصدر سابق - ص ٠٢٩١
[١١] الدُوَاس: الحرب، وحروب الفور كثيرة مشهورة.
[١٢] محمد آدم صالح محمد -لاجئ في وادي حلفا- ٥٧ سنة، كانت الجلسة معه -بعد إعلامه- في ٢٠٢٤/٦/٢٨ في سوق وادي حلفا. من معارف الباحث.
مُقدّمة
في دِرَاساتنا نُفَرِّق بين (قبائل) السودان و(شُعُوبه). فألفاظ (قبيلة - قبائل) تُطلَق -لغوياً وتاريخياً- على العرب فقط. وألفاظ (شعب - شعوب)، تُطلَق على غير العرب. ذلك في قياس ثنائية الهُوِيَّة في السودان بين الأفارقة والعرب. على ذلك فالفور شعب من شعوب السودان، في جنوبه الغربي.
تَعَرَّفنا على شعب الفور بعد هجرة النوبيين لسهل أرض البطانة. كان مشروع حلفا الجديدة الزراعي قد قام في عام ١٩٦٣م تقريباً. للعمل في هذا المشروع هاجر كثيرون إليه من غرب السودان ومنهم الفور. عملوا كعمال أولاً، ثم مؤجري حواشات١، وسكنوا داخل المشروع. دخلوا بيوتنا ودخلنا بيوتهم وعرفناهم عن قُرب، وشاركناهم طعامهم وشرابهم.
حَوَّاشَات المشروع تَجِد فيه الفئرانُ أماكنَ طَيِّبة لهم في شُقُوق أرضها. فئرانٌ كبيرةُ الحجم. يصطادها الفور بأساليب عديدة. ومن كَثَرَتِها يَكُون للواحد منهم عدداً مُعتَبَراً يوميّاً، بعد اصطيادها نجد للواحد منهم حبلاً يمتدُّ في راكوبته٢ تُعلَّق فيه الفئران من أذنانها مسلوخةً حتى تنشف. هنا تُدَقُّ في مَدَقٍّ ثم يُخَزَّن حرزٍ حريز، فهو لحمٌ نافعٌ في الطعام.
طعامهم من الذرة فقط يصنعون منها العصيدة، عرفنا منهم العصيدة، وحمام الشقوق والمولاص. العصيدة من الذرة، دقيقهاً يُعجَن ويُوضَع في إناء يوضع على نار. تحركه المرأة حتى تتلبك وتتماسك، ثم يُضاف لها مسحوق لحم وعظام الفئران الهَشَّان. وهذا هو مسحوق (حَمام الشقوق) اسماً للفئران عندهم، ومع الملح يأتي هذا الطعام ليس مثله طعام، أبداً.
المولاص moˉlaˉs بإمالة الميم واللام، طعام وشراب. فإذا خَرَج الرجل للعمل في الحوَّاشة زوَّدته زوجته به في إناء غير صغير. ذَكَرَهُ الباحث الزاكي عبد الحميد أحمد في كتابٍ له وأخطأ. قال: (المريسة نقع الشيء كالتمر والعجين في الماء ثم تحريكه حتى يَنمَاص، والعجين الذي يُمَاص ويُصفَّى هو المريسة٣. هذا هو المولاص لا المريسة التي سنأتي لسيرتها. قلتُ إن المولاص تزوِّد به الزوجة زوجها، وهو من الذرة فقط.
يخرج الجميع إلى الحوَّاشة: الرجل والمرأة والأولاد والبنات للعمل، هذا ديدنهم حتى في (الجُبرَاكَات) في بلادهم٤، والمولاص هنا طعامهم وشرابهم طول يوم عملهم. ولا يقرب الفور القمح رغم أنهم يزرعونه في المشروع، ويزعم النوبيون والعرب في حلفا الجديدة أنه من النادر جداً أن تَجِدَ مريضاً منهم في مستشفاها، فطعامهم -كما يرون- الذرة والدخن والعصيدة مع مسحوق حمام الشقوق اللذيذ الطاعم.
***
ما قُلناه من قبل، كان للفور في مشروع حلفا للجديدة فحسب. وكُنَّا شهوداً له، أما في بلادهم، الآن، فقد لخَّصه المؤرخ محمد بن عمر التونسي في كتابه (تشحيذ الأذهان بسيرة بلاد السودان) أو (بسيرة بلاد العرب والسودان). قال ما قال، داخلاً إلى الموضوع مَدخَلاً وقفنا عنده كثيراً. قال: (ومعيشتهم في غاية الانحطاط، لو تناول منها أحد من بلادنا مرةً واحدةً لذَهَبَ منه النشاط لأنَّ أَكثَر مأكلهم إما مُرَّةٌ أو مُتَعَفِّنة، ويرون أن هذه هي النعمة المُستَحسَنَة)٥: وهو يعني بلفظ بلادنا (تونس). فهو منها.
كان التونسيّ هذا قريباً من سلطان دارفور، وقد عاف ما يأكل أهل دارفور، خاصة الويكة weka بإمالة الواو وفَتح الكاف. شأنه في ذلك شأن الغريب العربي الحكيم المُتدَيِّن الذي يُكرِّمه أهل البلاد، لكن، أن يعاف طعام البلد الذي صَار فيه، ليس من الدين في شيء. لكن مستضيفوه كانوا يتخيَّرون له طعاماً غير طعامهم٦.
وهو -التونسي- قد ذَكَر (الويكة). وهي في الأصل البامية الناشفة، يدقُّونها في مدقٍّ ويغربلونها ويستخدمونها إداماً للعصيدة. لكن هناك أنواع أخرى من الويكة عنده:
- ويكة الهجليج
- ويكة الدودري doˉdari.
ويكة الهجليج تؤخذ من صَفَق شجر الهجليج أو ثمرها. يجب أن يكون الصفق (الورق) طريّاً وجديداً، يدقّونه كما هو ويوضع في قدرٍ على النار مع تحريكه بالمِسوَاط حتى يمتزج مع ما فيه من الماء والدهن. وإن كانت الويكة من الثمر، ينقعون الثمر في الماء ويصفُّونَه في قِدرٍ فيُضاف عليها لحم ثم يكون إداماً للعصيدة.
وويكة الدودري تُؤخد من عظام الغنم والبقر وسائر الحيوانات، خاصة عظم الرُكبة والصدر، يُجَرِّدونها من اللّحم ويضعون العظام في ماعونٍ يقفلونه لزمن، ثم يهرسون ما في الماعون مع اللحم ويصنعون منه كُرات في حجم البرتقال ويأكلونه.
وإذا أرادوا طبخة، أخذوا من هذه الكرات ما أرادوا، وذوَّبوها في الماء وصفُّوها ورَفَعُوها على النار مع زيادة البصل والسمن والملح والفلفل، وهذا طعامٌ طَيِّب عندهم. من طعام المُوسرين.
غالب طعام الفور من النباتات في بلادهم. يزرعون الدخن. وهو أساس في إدام العصيدة به أو يصنعون منه العصيدة ذاتها. كما يزرعون الذرة. وفي معقلهم في جبل مَرَّة، المعروفة بكل فواكه الدنيا، يزرعون القمح ولا يأكلول منه بل يُصدِّرُونه لأسواقٍ أخرى. وأشجار الفواكه في جبل مرة تتجدَّد مع توافر الماء وجريانه. للفور أسماء لبعض مكوّنات طعامهم، مثل:
• نيلمو: niyalmo. وهو ورق شجر الهجليج الطريّ.
عنقلو: angalo، وهو ثمر الهجليج الأخضر.
كَوَل: Kawal، ويكون تكويراً لنباتات عفنة، تُدفَن في الأرض لزمنٍ يسودّ لونها ومسحوقه يُرَشُّ في الطعام كبهار.
كنبو: Kanbo. وهو رماد يُستَخدم في الطعام بدلاً عن الملح لنُدرته عندهم.
***
فيما يختصّ بالصيد والقنص -لتوفير اللحوم لأنفسهم وللآخرين- ينقسم الفور إلى قسمين:
ا - صَيَّادون قَنَّاصة.
- صيادون محترفون.
الصيادون القناصة من يخرجون فرادى للصيد والقنص معتمدين على قدراتهم الخاصة وشجاعتهم ومعرفتهم بأمور الحيوانات بالخبرة، سواءً كانت وحشيةً أو غير وحشية. والصيادون المحترفون من يخرجون جماعةً يدعوهم للخروج كل يوم سبت الوَرنَانِيح warnanih، وهو القائد ضارب طَبْل مخصوص يَجمعهم.
يقول محمد بن عمر التونسي في صيدهم: (منهم من يصطاد ذوات الأربع، كالغزال وبقر الوحش والجاموس والفيل والضباع والسباع والخرتيت وحيد القرن، والأرانب وأبو الحصين (الثعالب)٧.
الغزلان والأرانب يصطادونها بالكلاب (كلاب الصيد المُربَّاة للصيد)، ومنهم من يصطادها بالسَفَرُوق safarug٨. وفي مناطق السافنا الغنية، دَرَج الناس على الصيد -صيد هذه الحيوانات بطُرق مختلفة:
* الفيل دائماً - في جماعة تَرِد الماء. يحفرون حفرةً واسعة عميقة في مسارها، هذه الحفرة سقفها من الحشائش ونَثرٌ قليلٌ من التراب. ويغرزون في قَعْر الحُفرة عَصا سنينة قائمة طوليَّاً. قَطعَاً يقع الفيل في الحفرة، ويأتي الأفراد أصحاب الحفرة، يقتلونه بالحراب، وبِرفعه بالحبال يخلّصونه من العصا السنينة المُنغَرزة في لحمه. وهكذا صيد السباع وبقر الوحش والجاموس والخرتيت. يجعلون من لَحمِهَا شَرَامِيط٩ يأكلونها نيِّئةً وناشفة، ويبيعون منها لمن أراد.
ومن صيد الفور الطيور. وأهمها الحبارى. وفيهم من هو مُتَخَصِّصٌ في صيدها. وطُعم صيدها دود أو حشرات. ومن جنس الطيور عندهم ما يسمونه أبو منظرة، أكبر من الحبارى. ولصيدهما يعقدون تيلاً كحبل، ويضعون في عقدته دوداً أو حشرة يراها الطائر من بعيد، فيسرع إليها ليبتلعها بعقدتها، ثم يُقبض عليهما، ولحمهما من اللحوم المستطابة عندهم.
و يصطادون الطيور الصغيرة بشباك في أركانها عِصِي مستقيمة تصيرُ بها مربعة أو مستطيلة. الشبكة تُرفَع مسنودةً بعصا في رأسها حبل، ينشرون الحَب في ظِلها والحبل في يد الصائد بعيداً، عندما تتجمَّع الطيور في ظل الشبكة لتأكل الحَب، يجذب الصائد الحبل فتقع الشبكة على الطيور فقد اصطادها. يزيلون عنها الريش ثم يَشوونَها على النار ويأكلونها لحماً هَشَّاً لذيذاً١٠١٠.
لِمَعلومات عن أكل الفور لحوم الأفيال والضباع والسباع والخرتيت وغيرها من الحيوانات الوحشية، جلسنا مع رجل منهم هو محمد آدم صالح محمد في وادي حلفا، هل يأكلون لحومها كما قال التونسي؟ كانت إجابته: قد يأكلها بعضهم كالدرامدة daramda والفقراء. لكن الآخرين يأخذون منها جلودها كسياط (مفردها سوط) ومن يصنعون من جلودها أحذية والدرق (مفردها دَرَقَة) يبيعونها للعساكر والدواس١١١١. والفاشر عاصمة دارفور مشهورة بالأحذية الفاشرية من جلود النمور وغيرها)١٢.
***
المريسة marisa عند الفور طعام وشراب، الشراب للسُّكر والاجتماع مع الندامى الأصدقاء والطعام للطاقة والنشاط. وهي من الذرة. يوضع تيراب الذرة زراعةً ويُغطّى بجوال مبلول بالماء، وفي حدود ثلاثة أيام تنبُت الذرة. وتُسَمَّى هنا الذرِّيعة. تنشف الذريعة وتُطحَن وتُوضَع مع الماء في مواعين نظيفة كبيرة حتى تعلوها الرغوة. فَتَسُوغ للشراب. ومقدار شرب الفرد منها عَبَار abar. ولمن أراد السكر عباران وأكثر. ولمن أراد الطاقة والنشاط عبار يَشرَبه على عجل ويذهب نشيطاً، وعلى الرغم من أنها مسكرة، فإنها ليست حراماً فيما يرون.
صورة الغلاف: أدوات الطبخ © متحف المرأة، نيالا
[١] الحَوَّاشة: قطعة أرض مساحتها ٣ أفدنة للمزارع لدورة زراعية مُتَتَابِعة طول العام في مشروع حلفا الجديدة الزراعي.
[٢] الرَاكُوبة: سقفٌ من القَش، يرتاح المزارع تحته وقد يسكن فيه.
[٣] هنا تعرف المريسة خطأ، وتعريفها يأتي لاحقاً.
[٤] الجُبرَاكَة: قطعة أرض عائلية في ديار الفور في السودان.
[٥] محمد بن عمر التونسي - تشحيذ الأذهان بسيرة بلاد السودان والعرب – تحقيق د.خليل محمود عساكر ود.مصطفى محمد مُسعَد- القاهرة – الدار المصريّة للتأليف والترجمة – ص ٢٨٣.
[٦] نفسه – ص ٢٨٤.
[٧] نفسه – ص ٢٨٦ – ٢٨٧.
[٨] سَفَرُوق: عَصَا معكوفة، رميُها على الحيوانات، كالغزلان والأرانب، يشلُّ أَرجُلَها.
[٩] الشراميط: (مفردها شرموط) شرائح اللحم مُعَلَّقة في الرواكيب والبيوت حتى تنشف، تُدَقّ ويُوضَع نِثَارُها في العصيدة.
[١٠] محمد بن عمر التونسي - مصدر سابق - ص ٠٢٩١
[١١] الدُوَاس: الحرب، وحروب الفور كثيرة مشهورة.
[١٢] محمد آدم صالح محمد -لاجئ في وادي حلفا- ٥٧ سنة، كانت الجلسة معه -بعد إعلامه- في ٢٠٢٤/٦/٢٨ في سوق وادي حلفا. من معارف الباحث.