نحن نعيش بالطعام
نحن ما نأكله. الطعام هو انعكاس لبيئتنا وهويتنا. نستخدمه للطب والراحة.
طرق حفظ الطعام
طرق حفظ الطعام
يتميز السودان بتنوع مناخه واختلاف تضاريسه، ومع ذلك فإن أكبر مساحات البلاد تقع في مناطق جافة وشبه جافة، مما يجعل حفظ الطعام، خاصة المحاصيل الموسمية، ضرورة تحدد إلى حد كبير أسلوب الطبخ السوداني. حتى أن حامد أحمد ضرار في كتابه "الأطعمة المخمرة المحلية في السودان: دراسة في الطعام والتغذية الإفريقية" وصف السودان بأنه عاصمة العالم للأطعمة المخمرة.
أشهر أشكال الحفظ هي: التخمير، التمليح، والتجفيف.
في السودان، يُستخدم التخمير لوصف مجموعة متنوعة من تقنيات الطهي الأخرى وليس فقط إضافة الخميرة أو انتظار الطعام حتى يصبح حامضاً، حيث يتم استخدام التخمير لتحضير منتجات الألبان لصنع الجبن. والتخليل هو إعداد الطعام باستخدام المحلول الملحي، أي الماء المملح.
صورة الغلاف © آية سنادة، الجزيرة
تصميم زينب جعفر
يتميز السودان بتنوع مناخه واختلاف تضاريسه، ومع ذلك فإن أكبر مساحات البلاد تقع في مناطق جافة وشبه جافة، مما يجعل حفظ الطعام، خاصة المحاصيل الموسمية، ضرورة تحدد إلى حد كبير أسلوب الطبخ السوداني. حتى أن حامد أحمد ضرار في كتابه "الأطعمة المخمرة المحلية في السودان: دراسة في الطعام والتغذية الإفريقية" وصف السودان بأنه عاصمة العالم للأطعمة المخمرة.
أشهر أشكال الحفظ هي: التخمير، التمليح، والتجفيف.
في السودان، يُستخدم التخمير لوصف مجموعة متنوعة من تقنيات الطهي الأخرى وليس فقط إضافة الخميرة أو انتظار الطعام حتى يصبح حامضاً، حيث يتم استخدام التخمير لتحضير منتجات الألبان لصنع الجبن. والتخليل هو إعداد الطعام باستخدام المحلول الملحي، أي الماء المملح.
صورة الغلاف © آية سنادة، الجزيرة
تصميم زينب جعفر
يتميز السودان بتنوع مناخه واختلاف تضاريسه، ومع ذلك فإن أكبر مساحات البلاد تقع في مناطق جافة وشبه جافة، مما يجعل حفظ الطعام، خاصة المحاصيل الموسمية، ضرورة تحدد إلى حد كبير أسلوب الطبخ السوداني. حتى أن حامد أحمد ضرار في كتابه "الأطعمة المخمرة المحلية في السودان: دراسة في الطعام والتغذية الإفريقية" وصف السودان بأنه عاصمة العالم للأطعمة المخمرة.
أشهر أشكال الحفظ هي: التخمير، التمليح، والتجفيف.
في السودان، يُستخدم التخمير لوصف مجموعة متنوعة من تقنيات الطهي الأخرى وليس فقط إضافة الخميرة أو انتظار الطعام حتى يصبح حامضاً، حيث يتم استخدام التخمير لتحضير منتجات الألبان لصنع الجبن. والتخليل هو إعداد الطعام باستخدام المحلول الملحي، أي الماء المملح.
صورة الغلاف © آية سنادة، الجزيرة
تصميم زينب جعفر
سوق الأبيض للمحاصيل
سوق الأبيض للمحاصيل
سوق المحاصيل أو البورصة بالأبيض، هو أحد معالم المدينة الاقتصادية الأساسية، ويُعتبر البورصة الأكبر عالمياً لتصدير الصمغ العربي (الهشاب). تم إنشاء السوق في العام ١٩٠٧ بعد أن أصبح الصمغ العربي سلعة مرغوبة في الصناعات المختلفة. في بداياته كان السوق منطقة مفتوحة ومحاطة بسور من الشوك، حالياً يوجد بالقرب من السكة حديد، إلا أن موقعه القديم تشغره الآن سينما كردفان وبنك الخرطوم وبعض الأسواق المختلفة.
أما على نطاق السودان فسوق المحاصيل بكردفان هو واحد من أكبر أسواق المحاصيل في غرب السودان، وتُباع فيه مختلف المحاصيل الزراعية والغابية والبستانية، التي يؤتى بها من مختلف المناطق المناخية.
في هذا الفيديو الوثائقي الذي أُنتج في ستينات القرن الماضي، تظهر رحلة نبتة الكركديه من الأرض حتى أن تصل لسوق المحاصيل والمزاد. تم عرض هذا الفيديو في برنامج الذاكرة الذهبية والذي كان يُبثّ من قناة السودان.
غير الكركديه والصمغ العربي والمحاصيل الزراعية الأخرى التي تُباع في السوق هنالك الفول السوداني، والسمسم الأبيض والأحمر وحب البطيخ (التسالي) والدخن والكركدي واللوبيا والويكة والأسماك. أما المنتجات الغابية فهي العرديب (التمر هندي) واللالوب (الهجليلة) والدوم والنبق (شجرة السدر) والقنقليز (التبلدي) وأبو ليلة والقضيم. أما المحاصيل البستانية في الفواكه مثل المانجو والجوافة والخضر بأنواعها؛ الطماطم والعجور والتبش، وتُزرع في مناطق قريبة مثل البان جديد والرهد (تردة الرهد وهي بحيرة مائية). وتُباع أيضاً في السوق بعض الأطعمة المعلّبة مثل الزيوت والصلصة وزبدة الفول السوداني والطحنية.
سوق المحاصيل أو البورصة بالأبيض، هو أحد معالم المدينة الاقتصادية الأساسية، ويُعتبر البورصة الأكبر عالمياً لتصدير الصمغ العربي (الهشاب). تم إنشاء السوق في العام ١٩٠٧ بعد أن أصبح الصمغ العربي سلعة مرغوبة في الصناعات المختلفة. في بداياته كان السوق منطقة مفتوحة ومحاطة بسور من الشوك، حالياً يوجد بالقرب من السكة حديد، إلا أن موقعه القديم تشغره الآن سينما كردفان وبنك الخرطوم وبعض الأسواق المختلفة.
أما على نطاق السودان فسوق المحاصيل بكردفان هو واحد من أكبر أسواق المحاصيل في غرب السودان، وتُباع فيه مختلف المحاصيل الزراعية والغابية والبستانية، التي يؤتى بها من مختلف المناطق المناخية.
في هذا الفيديو الوثائقي الذي أُنتج في ستينات القرن الماضي، تظهر رحلة نبتة الكركديه من الأرض حتى أن تصل لسوق المحاصيل والمزاد. تم عرض هذا الفيديو في برنامج الذاكرة الذهبية والذي كان يُبثّ من قناة السودان.
غير الكركديه والصمغ العربي والمحاصيل الزراعية الأخرى التي تُباع في السوق هنالك الفول السوداني، والسمسم الأبيض والأحمر وحب البطيخ (التسالي) والدخن والكركدي واللوبيا والويكة والأسماك. أما المنتجات الغابية فهي العرديب (التمر هندي) واللالوب (الهجليلة) والدوم والنبق (شجرة السدر) والقنقليز (التبلدي) وأبو ليلة والقضيم. أما المحاصيل البستانية في الفواكه مثل المانجو والجوافة والخضر بأنواعها؛ الطماطم والعجور والتبش، وتُزرع في مناطق قريبة مثل البان جديد والرهد (تردة الرهد وهي بحيرة مائية). وتُباع أيضاً في السوق بعض الأطعمة المعلّبة مثل الزيوت والصلصة وزبدة الفول السوداني والطحنية.
سوق المحاصيل أو البورصة بالأبيض، هو أحد معالم المدينة الاقتصادية الأساسية، ويُعتبر البورصة الأكبر عالمياً لتصدير الصمغ العربي (الهشاب). تم إنشاء السوق في العام ١٩٠٧ بعد أن أصبح الصمغ العربي سلعة مرغوبة في الصناعات المختلفة. في بداياته كان السوق منطقة مفتوحة ومحاطة بسور من الشوك، حالياً يوجد بالقرب من السكة حديد، إلا أن موقعه القديم تشغره الآن سينما كردفان وبنك الخرطوم وبعض الأسواق المختلفة.
أما على نطاق السودان فسوق المحاصيل بكردفان هو واحد من أكبر أسواق المحاصيل في غرب السودان، وتُباع فيه مختلف المحاصيل الزراعية والغابية والبستانية، التي يؤتى بها من مختلف المناطق المناخية.
في هذا الفيديو الوثائقي الذي أُنتج في ستينات القرن الماضي، تظهر رحلة نبتة الكركديه من الأرض حتى أن تصل لسوق المحاصيل والمزاد. تم عرض هذا الفيديو في برنامج الذاكرة الذهبية والذي كان يُبثّ من قناة السودان.
غير الكركديه والصمغ العربي والمحاصيل الزراعية الأخرى التي تُباع في السوق هنالك الفول السوداني، والسمسم الأبيض والأحمر وحب البطيخ (التسالي) والدخن والكركدي واللوبيا والويكة والأسماك. أما المنتجات الغابية فهي العرديب (التمر هندي) واللالوب (الهجليلة) والدوم والنبق (شجرة السدر) والقنقليز (التبلدي) وأبو ليلة والقضيم. أما المحاصيل البستانية في الفواكه مثل المانجو والجوافة والخضر بأنواعها؛ الطماطم والعجور والتبش، وتُزرع في مناطق قريبة مثل البان جديد والرهد (تردة الرهد وهي بحيرة مائية). وتُباع أيضاً في السوق بعض الأطعمة المعلّبة مثل الزيوت والصلصة وزبدة الفول السوداني والطحنية.
الطعام الخارٍق
الطعام الخارٍق
يُعد العامل المشترك بين الأطعمة الخارقة والنباتات الطبيّة هو محتواها من العناصر المفيدة للصحة العامة. بينما تُعرف الأطعمة الخارقة بفوائدها الغذائية كجزءٍ من النظام الغذائي اليوميّ، تتميَّز النباتات الطبيَّة بآثارها العلاجية الملموسة. لكن في كثير من الأحايين يكون الفرق غير واضح؛ حيث أن العديد من الأطعمة والنباتات تؤدي أغراضًاً غذائية وطبّية على حدٍّ سواء، مما يُساهِم في الصحة العامة والوقاية من الأمراض وعلاجها.
إن مصطلح الأطعمة الخارقة جديداً، وهي وسيلة ترويجيَّة للتسويق أكثر من كونها مصطلحاً أو تصنيفاً علميَّاً. لا يمكن أن يُوفِّر طعامٌ واحد جميع العناصر الغذائية اللازمة للصحة الجيدة أيَّاً كان، ومن الضروري اتباع نظام غذائي متوازن يشمل مجموعة متنوِّعة من الأطعمة. ومع ذلك، من المثير للاهتمام ملاحظة أنه عندما ننظر إلى بعض المكونات الرئيسية للطعام السوداني، يمكننا أن نرى كيف يتم تصنيفها في الغرب كـ"أطعمة خارقة"، أو أطعمة يُعتقد أنها تُعزِّز الجهاز المناعي. ومن الأمثلة على ذلك شاي الكركديه الذي يُعرف بإمكانيَّاته في خفض ضغط الدم، ودقيق الذرة البيضاء -وهو غذاء أساسي في جميع أنحاء السودان- يُعتقد أنه مفيد للهضم، والبامية التي يُقال إنها تساعد في التحكّم في مستويات السكر في الدم، والحِلبَة التي تُضاف إلى الحليب ويُعتقد أنها تساعد في الهضم، والتمر الغني بالطاقة، ويُعرف بأنه جيّد للقلب. علاوةً على ذلك، يتكوَّن جزء كبير من النظام الغذائي السوداني من الأطعمة المُخَمَّرة، وهو إحدى طرق تحضير الطعام التي يتم الترويج لها حالياً باعتبارها ضرورية للبكتيريا النافعة في الأمعاء، بسبب غنى الأطعمة المُخَمَّرة بالبروبيوتيك التي تتغذى عليها البكتيريا.
كثيرٌ من هذه الأطعمة والنباتات تُستخدم في السودان منذ القدم لأغراض علاجية، بالأخص نبتة تسمى محلياً بالقرض، واسمها العلمي أكاشيا نيلوتيكا (السنط النيلي)، وهي معروفة جداً في السودان وقد أثارت جدلاً كبيراً في فترة انتشار فيروس كورونا؛ حيث كان البعض يؤمن بقدرة أبخرة دخان القرض على توفير وقاية من الفيروس، بينما كان المختصون في الحقل الطبي يَحذرون من التأثيرات السلبية للدخان على الأشخاص المصابين بالحساسية أو مشاكل التنفس. الاعتقاد في الصفات الطبية للقرض له جذور بعيدة؛ فقد وَرَد ذكره في المخطوطات الطبية اليونانية القديمة، واستُخدِمَ أيضاً لقرون في إفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا. تم استخدامه للاعقاد في قدرته على التخفيف والعلاج من العديد من الأمراض المعدية. وعلى المستوى المحلي، استخدمه المعالجون التقليديون في السودان ووادي النيل وكذلك في مصر القديمة لعلاج الجروح كمُطَهِّر، كما استُخدِمَ أيضاً كمضادّ للالتهاب ومُسَكِّن للألم.
إلى يومنا هذا يُستخدم القرض (السنط) على نطاق واسع في السودان، بما في ذلك أوراق الشجرة ولحائها، ونظراً لتَنَوُّع استخدامها وفوائدها العلاجية من خصائصها المضادة للميكروبات والالتهابات والأكسدة، وكمطَهِّرة، ومضادَّة للسكريّ، مما يجعله مكوّناً قيِّماً للطب التقليدي لعلاج مختلف الأمراض. ومع أن هذه الاستخدامات التقليدية مدعومة ببعض الأبحاث العلمية، إلا أن هناك حاجة إلى مزيد من الدراسات للتحقُّق الكامل من فعاليَّته وسلامته من منظور الطبّ الحديث.
صورة العنوان © ساري عمر، ود حجام، جنوب جنوب دارفور
يُعد العامل المشترك بين الأطعمة الخارقة والنباتات الطبيّة هو محتواها من العناصر المفيدة للصحة العامة. بينما تُعرف الأطعمة الخارقة بفوائدها الغذائية كجزءٍ من النظام الغذائي اليوميّ، تتميَّز النباتات الطبيَّة بآثارها العلاجية الملموسة. لكن في كثير من الأحايين يكون الفرق غير واضح؛ حيث أن العديد من الأطعمة والنباتات تؤدي أغراضًاً غذائية وطبّية على حدٍّ سواء، مما يُساهِم في الصحة العامة والوقاية من الأمراض وعلاجها.
إن مصطلح الأطعمة الخارقة جديداً، وهي وسيلة ترويجيَّة للتسويق أكثر من كونها مصطلحاً أو تصنيفاً علميَّاً. لا يمكن أن يُوفِّر طعامٌ واحد جميع العناصر الغذائية اللازمة للصحة الجيدة أيَّاً كان، ومن الضروري اتباع نظام غذائي متوازن يشمل مجموعة متنوِّعة من الأطعمة. ومع ذلك، من المثير للاهتمام ملاحظة أنه عندما ننظر إلى بعض المكونات الرئيسية للطعام السوداني، يمكننا أن نرى كيف يتم تصنيفها في الغرب كـ"أطعمة خارقة"، أو أطعمة يُعتقد أنها تُعزِّز الجهاز المناعي. ومن الأمثلة على ذلك شاي الكركديه الذي يُعرف بإمكانيَّاته في خفض ضغط الدم، ودقيق الذرة البيضاء -وهو غذاء أساسي في جميع أنحاء السودان- يُعتقد أنه مفيد للهضم، والبامية التي يُقال إنها تساعد في التحكّم في مستويات السكر في الدم، والحِلبَة التي تُضاف إلى الحليب ويُعتقد أنها تساعد في الهضم، والتمر الغني بالطاقة، ويُعرف بأنه جيّد للقلب. علاوةً على ذلك، يتكوَّن جزء كبير من النظام الغذائي السوداني من الأطعمة المُخَمَّرة، وهو إحدى طرق تحضير الطعام التي يتم الترويج لها حالياً باعتبارها ضرورية للبكتيريا النافعة في الأمعاء، بسبب غنى الأطعمة المُخَمَّرة بالبروبيوتيك التي تتغذى عليها البكتيريا.
كثيرٌ من هذه الأطعمة والنباتات تُستخدم في السودان منذ القدم لأغراض علاجية، بالأخص نبتة تسمى محلياً بالقرض، واسمها العلمي أكاشيا نيلوتيكا (السنط النيلي)، وهي معروفة جداً في السودان وقد أثارت جدلاً كبيراً في فترة انتشار فيروس كورونا؛ حيث كان البعض يؤمن بقدرة أبخرة دخان القرض على توفير وقاية من الفيروس، بينما كان المختصون في الحقل الطبي يَحذرون من التأثيرات السلبية للدخان على الأشخاص المصابين بالحساسية أو مشاكل التنفس. الاعتقاد في الصفات الطبية للقرض له جذور بعيدة؛ فقد وَرَد ذكره في المخطوطات الطبية اليونانية القديمة، واستُخدِمَ أيضاً لقرون في إفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا. تم استخدامه للاعقاد في قدرته على التخفيف والعلاج من العديد من الأمراض المعدية. وعلى المستوى المحلي، استخدمه المعالجون التقليديون في السودان ووادي النيل وكذلك في مصر القديمة لعلاج الجروح كمُطَهِّر، كما استُخدِمَ أيضاً كمضادّ للالتهاب ومُسَكِّن للألم.
إلى يومنا هذا يُستخدم القرض (السنط) على نطاق واسع في السودان، بما في ذلك أوراق الشجرة ولحائها، ونظراً لتَنَوُّع استخدامها وفوائدها العلاجية من خصائصها المضادة للميكروبات والالتهابات والأكسدة، وكمطَهِّرة، ومضادَّة للسكريّ، مما يجعله مكوّناً قيِّماً للطب التقليدي لعلاج مختلف الأمراض. ومع أن هذه الاستخدامات التقليدية مدعومة ببعض الأبحاث العلمية، إلا أن هناك حاجة إلى مزيد من الدراسات للتحقُّق الكامل من فعاليَّته وسلامته من منظور الطبّ الحديث.
صورة العنوان © ساري عمر، ود حجام، جنوب جنوب دارفور
يُعد العامل المشترك بين الأطعمة الخارقة والنباتات الطبيّة هو محتواها من العناصر المفيدة للصحة العامة. بينما تُعرف الأطعمة الخارقة بفوائدها الغذائية كجزءٍ من النظام الغذائي اليوميّ، تتميَّز النباتات الطبيَّة بآثارها العلاجية الملموسة. لكن في كثير من الأحايين يكون الفرق غير واضح؛ حيث أن العديد من الأطعمة والنباتات تؤدي أغراضًاً غذائية وطبّية على حدٍّ سواء، مما يُساهِم في الصحة العامة والوقاية من الأمراض وعلاجها.
إن مصطلح الأطعمة الخارقة جديداً، وهي وسيلة ترويجيَّة للتسويق أكثر من كونها مصطلحاً أو تصنيفاً علميَّاً. لا يمكن أن يُوفِّر طعامٌ واحد جميع العناصر الغذائية اللازمة للصحة الجيدة أيَّاً كان، ومن الضروري اتباع نظام غذائي متوازن يشمل مجموعة متنوِّعة من الأطعمة. ومع ذلك، من المثير للاهتمام ملاحظة أنه عندما ننظر إلى بعض المكونات الرئيسية للطعام السوداني، يمكننا أن نرى كيف يتم تصنيفها في الغرب كـ"أطعمة خارقة"، أو أطعمة يُعتقد أنها تُعزِّز الجهاز المناعي. ومن الأمثلة على ذلك شاي الكركديه الذي يُعرف بإمكانيَّاته في خفض ضغط الدم، ودقيق الذرة البيضاء -وهو غذاء أساسي في جميع أنحاء السودان- يُعتقد أنه مفيد للهضم، والبامية التي يُقال إنها تساعد في التحكّم في مستويات السكر في الدم، والحِلبَة التي تُضاف إلى الحليب ويُعتقد أنها تساعد في الهضم، والتمر الغني بالطاقة، ويُعرف بأنه جيّد للقلب. علاوةً على ذلك، يتكوَّن جزء كبير من النظام الغذائي السوداني من الأطعمة المُخَمَّرة، وهو إحدى طرق تحضير الطعام التي يتم الترويج لها حالياً باعتبارها ضرورية للبكتيريا النافعة في الأمعاء، بسبب غنى الأطعمة المُخَمَّرة بالبروبيوتيك التي تتغذى عليها البكتيريا.
كثيرٌ من هذه الأطعمة والنباتات تُستخدم في السودان منذ القدم لأغراض علاجية، بالأخص نبتة تسمى محلياً بالقرض، واسمها العلمي أكاشيا نيلوتيكا (السنط النيلي)، وهي معروفة جداً في السودان وقد أثارت جدلاً كبيراً في فترة انتشار فيروس كورونا؛ حيث كان البعض يؤمن بقدرة أبخرة دخان القرض على توفير وقاية من الفيروس، بينما كان المختصون في الحقل الطبي يَحذرون من التأثيرات السلبية للدخان على الأشخاص المصابين بالحساسية أو مشاكل التنفس. الاعتقاد في الصفات الطبية للقرض له جذور بعيدة؛ فقد وَرَد ذكره في المخطوطات الطبية اليونانية القديمة، واستُخدِمَ أيضاً لقرون في إفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا. تم استخدامه للاعقاد في قدرته على التخفيف والعلاج من العديد من الأمراض المعدية. وعلى المستوى المحلي، استخدمه المعالجون التقليديون في السودان ووادي النيل وكذلك في مصر القديمة لعلاج الجروح كمُطَهِّر، كما استُخدِمَ أيضاً كمضادّ للالتهاب ومُسَكِّن للألم.
إلى يومنا هذا يُستخدم القرض (السنط) على نطاق واسع في السودان، بما في ذلك أوراق الشجرة ولحائها، ونظراً لتَنَوُّع استخدامها وفوائدها العلاجية من خصائصها المضادة للميكروبات والالتهابات والأكسدة، وكمطَهِّرة، ومضادَّة للسكريّ، مما يجعله مكوّناً قيِّماً للطب التقليدي لعلاج مختلف الأمراض. ومع أن هذه الاستخدامات التقليدية مدعومة ببعض الأبحاث العلمية، إلا أن هناك حاجة إلى مزيد من الدراسات للتحقُّق الكامل من فعاليَّته وسلامته من منظور الطبّ الحديث.
صورة العنوان © ساري عمر، ود حجام، جنوب جنوب دارفور
عن الحكيم
عن الحكيم
عرض لكتاب دكتور أحمد الصافي: الحكيم، من أجل أطباء أعمق فهماً لمهنتهم ولثقافات مجتمعاتهم وأكثر وعياً ببيئتهم وأحوال أهلهم. بقلم: بروفيسور فدوى عبد الرحمن علي طه
صدر كتاب “الحكيم” عام ٢٠١٣ عن شركة مطابع السودان للعملة المحدودة، في ٥٩٤ صفحة. ويأخذك الكتاب الذي استغرق إعداده أكثر من أربعة عقود من الزمان في سياحة تاريخية شيقة ومثيرة ، فقد توافرت للمؤلف خصال الصبر والأناة، صفات يتوجب توافرها في الباحث الأكاديمي المدقق. قدم للكتاب بروفيسور عبد الله علي إبراهيم بتقديم عنونه “المرض علاجاً وثقافة”.
يشمل الكتاب التصدير، ومقدمة وتسعة فصول:
١. صحة السودان عبر القرون
٢. العقد بين الطبيب والمريض والمجتمع
٣. مفاهيم الصحة والمرض
٤. أسباب المرض والإصابة
٥. وسائل تشخيص المرض والإصابة
٦. المعالجون وطرق العلاج والوقاية
٧. العلاجات والممارسات الشعبية
٨. حصاد السنين
٩. الأفعال الطبية الضارة والطبابة الرشيدة،
وجاء في خلاصة الكتاب سرداً لما يحتويه. وذيل الكتاب بملاحق حوت أسماء الشهور السودانية، العامية الطبية وما يقابلها بالإنجليزية، معجم أهم النباتات المستعملة في الطب الشعبي، بعض الأدوية الحديثة ذات الأصول النباتية، بعض الأطباء الأجانب الذين خدموا في السودان، أهم القوانين الصحية السارية في السودان.
بدأ المؤلف في تصدير الكتاب بحديث شيق ممتع عن نفسه، رابطاً ذلك الحديث بما جرب فيه من عادات وتقاليد وطب شعبي خلال طفولته وشبابه. وتحدث في المقدمة عن أنواع ونماذج الطب، نماذج الطب البيولوجي والطب الشمولي والطب الشعبي. وأفرد الفصل الأول لصحة السودان عبر القرون اعتمد فيه على ما ورد في كتب الرحالة والجغرافيين والمستكشفين الأوائل، وفي كتب السيرة وكتابات بعض علماء الدين والمؤرخين وأطباء ومنسوبي جيوش الاحتلال التركي المصري والإنجليزي المصري وعلماء الأجناس وما جاء في كتب ومخطوطات الطب الشعبي المحلية. وقدم نماذج لكتابات الرحالة والعلماء تحديداً ما ذكروه عن الطب والصحة، مثل جون لويس بوركهارت الذي وصف صحة السودان وأمراضه، وجورج هوسكنز عالم الآثار الإنجليزي الذي زار السودان عام 1833م. وأورد المؤلف مقتطفات من الكتب التاريخية مثل كتاب نعوم شقير “جغرافية وتاريخ السودان” الذي يصفه الكاتب بأنه مصدر لا غنى عنه للباحثين في شئون صحة السودان في القرن التاسع عشر. وبهذا يورد أهمية أخرى لهذا الكتاب أغفلتُ الإشارة إليها في تعدادي لمواطن أهمية هذا الكتاب في تقديمي للطبعة التي صدرت عن دار عزة للنشر عام 2006.
أفُرد فصل للعقد بين الطبيب والمريض والمجتمع تحدث فيه المؤلف ضمن ما تحدث عنه عن أخلاقيات المهنة، وأن الأخلاقيات الطبية علم عملي وفرع من فروع فلسفة الأخلاق وفرع من فروع علم الطب وجزء أصيل من الممارسة الطبية الجيدة. وأن مهنة الطب هي المهنة الوحيدة التي كان لها منذ فجر التاريخ وبداية حضارة الإنسان آداب للممارسة تبلورت في إطار قسم يلتزم المعالجون بأدائه قبل أن يسمح لهم بالاقتراب من المرضى هو قسم أبقراط. وأمن فيه على ضرورة تواضع الطبيب والبعد عن حب الظهور.
تناول الفصل الثالث مفاهيم الصحة والمرض وتعرض للطب في ذهن العامة وفي اللغة ومفهوم المرض في الذهن الشعبي والطقوس، والرموز التي على الطبيب أن يكون ملماً بها وكيف أن الطقوس تحتل حيزاً هاماً في نسيج أي مجتمع.
بيِّن الفصل الرابع أسباب المرض والإصابة وارتباط ذلك بعوامل البيئة الطبيعة وظواهرها وعادات الناس. وتحدث عن مغزى كسوف الشمس عند الناس، وعن قوى ما بعد الطبيعة والجن والشياطين والزار وأصله والسحر والعين الحارة.
خصص الفصل الخامس لوسائل تشخيص المرض والإصابة وأوضح الفرق بين تشخيص الطبيب الحديث للمرض الذي يعتمد فيه على طرق مبنية ومستندة على البراهين العلمية، وعند عامة الناس الذين استندوا في تشخيص المرض في أغلب الأحيان على استجداء قوى الغيب وطلب عونها. ولم يترك المؤلف في هذا الفصل شيئاً لم يذكره مثلا: خت الودع وخط الرمل والرؤى الصادقة والمكاشفة والاستخارة وتفسير الأحلام والتنجيم.
أشار الفصل السادس: المعالجون وطرق العلاج والوقاية إلى أن قائمة المعالجين الذين يعنون بصحة الناس طويلة وأن لكل جماعة عرقية في السودان طبيبها أو حكيمها، وأن السودانيين عرفوا عدداً كبيراً من المعالجين الشعبيين الماهرين واستنجدوا بهم مثل الفقرا والفكيا والشيوخ والأوليا. وأعطى أمثلة لأنواع العلاج مثل الرقية والبخرة والمحاية. ولم يفت على المؤلف في هذا الفصل أن يذكر دور ربة البيت كمعاونة صحية واجتماعية ترعى أغلب شئون الأسرة بكفاءة واقتدار، وكيف أن أدوار المرأة كمعاون اجتماعي في الأسرة عديدة.
تحدث الفصل السابع: العلاجات والممارسات الشعبية عن الجراحة الشعبية ومخاطرها وختان الإناث بأنواعه والحجامة والوشم والفصد والأطراف الصناعية الشعبية وعن علي ود قيامة الذي كان طبيباً بلدياً بشرياً وبيطرياً ومنجماً، وعلاج الجروح والتخدير والحمل والولادة والأدوية الشعبية والصيدلية الشعبية التي حوت وصفات مختلفة استخدمها الناس في علاج الأمراض. والطعام والاعتقادات الخاطئة التي أثرت على صحة الناس خصوصاً الأطفال.
يتحدث المؤلف في الفصل الثامن الذي عنونه، حصاد السنين، عن مسيرة السودانيين في رعاية صحتهم خلال النصف الثاني من القرن العشرين ويرسم صورة قاتمة مبيناً فشل السودان منذ الاستقلال في إنجاز خطة تنمية شاملة ومستدامة تحقق النهضة والتقدم وتلبي حاجات الإنسان الأساسية والمادية وغير المادية، وتواصل الارتقاء بصحة البلاد. ويبين الفصل أن ازدياد عدد الأطباء والكوادر الطبية المساعدة لم يفد كثيراً لأن معدلات هجرتهم خارج البلاد كانت كبيرة ومن تبقى في الداخل هاجر للقطاع الخاص. وانتقد سياسة الإنفاق على الصحة من قبل الدولة والتي تضع الصحة في ذيل أولوياتها وأمن على ضرورة رفعها إلى أعلى القائمة إن كان الإنسان هو ما تستثمر فيه.
تحدث الفصل الثامن أيضاً عن شح الأدبيات الطبية التي يمكن أن يرجع إليها الباحث في تاريخ الطب وتراث السودان، وأن العلماء السودانيين عموماً والأطباء خصوصاً عازفون عن توثيق أعمالهم ومحجمون عن توثيق تاريخ الطب في السودان، مما نتج عن ذلك من قلة في الدراسات الطبية التاريخية والاجتماعية. لاحظ أيضاً أن التدريس في أغلب كليات الطب ما زال منبتاً لا يربط ممارسة الطب بتاريخ السودان الممتد عبر القرون ولا بموروثاته الطبية. وأن واحداً من أسباب هذا القصور هو قلة المادة الموثقة التي تعين المدرس والتلميذ. وينبه المؤلف بذلك إلى ضعف الحس الوثائقي السائد عندنا في السودان، وإهمال أوعية حفظ المعلومات الذي ضرب له المؤلف مثلاً بتآكل مكتبة المعمل القومي الصحي ومكتبة معامل استاك وتبعثر كتبها ومجلاتها التي بدأ جمعها في ١٩٠٢ وهدم المتحف التصويري في ١٩٦٣ ؟ ١٩٦٤ الذي افتتح عام ١٩٤٤. وأبان المؤلف ضرورة حفظ سجلات المهنة وتوثيق تراثها.
يتناول الفصل التاسع الأفعال الطبية الضارة والطبابة الرشيدة شرح المؤلف فيه أنواع الأفعال الطبية الضارة وما هو الفعل الطبي الضار واحتمال حدوث الفعل الطبي الضار، وأن الأفعال الطبية الضارة من علامات وأعراض مرض النظام الصحي، ومؤشر لعيوب وثغرات في النظام الصحي بأكمله، وأن إصلاح النظام الصحي يحتاج ضمن ما ذكره المؤلف لجهد متكامل مترابط ولقيادات مقنعة ومؤهلة في كل مستوى ولوعي وثقافة جديدة. أن السودان في تقدير المؤلف لن يستطيع أن يجعل حدوث الفعل الطبي الضار أقرب للمستحيل إلا بتبني واتباع نهج الطبابة الرشيدة التي شرح المؤلف معناها وبرنامجها الذي يتكون من ثلاثة محاور.
يؤكد الكتاب ما توصل إليه العالم عن ترابط العلوم الإنسانية مع العلوم التطبيقية فهو مقدم لكل مقدمي الخدمات الطبية ولطلاب العلوم الإنسانية لا سيما والاجتماع والفولكلور ، ويشير إلى ما نبه إليه عالِمنا التيجاني الماحي لأهمية دراسة تاريخ الطب، وتأكيده أن للعلوم الإنسانية دور مهم في دراسة الصحة والمرض. فالمعارف التي تقدمها العلوم الإنسانية تربط الطبيب بمريضه وتربط ممارسته للطب بتاريخ السودان الاجتماعي الممتد عبر القرون وبموروثاته الطبية والصحية، وتربط الطب البيولوجي عامة وعلومه بجذورها وتياراتها التاريخية. المؤلف لا يريد للتدريس في كليات الطب أن يستمر منبتاً لا يربط ممارسة الطب بتاريخ السودان الممتد عبر القرون ولا بموروثاته الطبية والصحية، ولا يربط علومه بجذورها وتياراتها التاريخية والاجتماعية.
مساهمة أحمد لا تقتصر فقط على تأليف هذا الكتاب الذي أتى من تجربة، فقد بادر وأسهم في دراسات الطب الشعبي فقام معهد أبحاث الطب الشعبي بالمجلس القومي للبحوث في العام ١٩٨٢ بمبادرة منه، وذلك بغرض دراسة التراث الطبي بطريقة منهجية منظمة. وتقديرا وتثميناً لهذا الجهد وافقت منظمة الصحة العالمية على تخصيصه مركزا متعاونا معها في العام ١٩٤٨ تحت اسم (مركز منظمة الصحة العالمية المتعاون في أبحاث الطب الشعبي). كما أسس في العام ٢٠٠٤ (المؤسسة السودانية للتراث الطبي) كمنظمة أهلية تعنى بأبحاث نظم الطب وتاريخ الطب والمحافظة على التراث الصحي ورصد تطور الخدمات الطبية في السودان. وينبع اهتمامه من حقيقة أكدها في مؤلفه هي أن الطب الشعبي واسع الانتشار في الدول النامية ومنها السودان بسبب ارتفاع فاتورة العلاج في المستشفيات، ولابد من تنظيم عمل الممارسون الشعبيون. ويتواصل هم واهتمامه أحمد بطرحه في ٢٠٠٥ مشروعاً توثيقياً أسماه ثلاثية الصحة في السودان يشتمل على ثلاثة أجزاء: تاريخ الطب وسير الرواد في السودان، موسوعة الأطباء السودانيين، ببلوغرافيا الدراسات الطبية السودانية في القرن العشرين.
ومما يلفت النظر في هذا الكتاب غزارة المادة التي اعتمد عليها الكتاب، فقد زار أحمد خلال العقود الأربعة الماضية التي استغرقها تأليف الكتاب أغلب مراكز العلاج الشعبي في السودان، وراجع كل ما يمكن مراجعته من الأدبيات المتاحة مسموعة أو مكتوبة أو مرئية. ورُصدتْ ٣٥ صفحة للمصادر والمراجع التي اعتمد عليها الكتاب. ولم يترك المؤلف معلومة دون توثيقها عند ذكرها.
تسمية الكتاب “الحكيم” اختيرت بعناية فائقة، فالكلمة التي يذكر المؤلف أنها في أغلب الظن جاءت إلينا من المصريين في عهد الحكم التركي المصري جاذبة جدا. فالمصطلح لم يطلق فقط على الطبيب الخريج بل على معظم من يداوي. يأخذني المؤلف بهذا الاسم بعيداً إلى ذكريات الطفولة و “حسن الحكيم” كما كان يعرف المساعد الطبي “حسن” الذي جاء لمداواة الناس من أقصى الشمال في ناوا إلى أربجي في الجزيرة. وأناشيد لعب الطفولة “أنا حكيم بداوي الناس من الحمى ووجع الراس”. ويضرب الكتاب على وتر حساس هو العافية “ومن حلف بالعافية ما خلى شي)، ولأهميتها فقد حاول الناس كل ما هو ممكن للطبابة وهو ما يفصل فيه الكتاب.
كتاب “الحكيم” الذي يصفه المؤلف في تواضع جم بأنه مقدمة في التاريخ الاجتماعي للطب والصحة في السودان، موسوعي وشمولي التناول، ويأتي عصارة لجهد متعاظم وشائك. هنيئا للدكتور أحمد الصافي بهذا الإنجاز الضخم الفخم الذي رفد المكتبة السودانية بسفر مرجعي أكاديمي رصين كانت تفتقده وتتعطش إليه.
صورة الغلاف: غلاف كتب الدكتور أحمد الصافي الرقمية © الدكتور أحمد الصافي، يمكن شراء الكتب على موقع أمازون
عرض لكتاب دكتور أحمد الصافي: الحكيم، من أجل أطباء أعمق فهماً لمهنتهم ولثقافات مجتمعاتهم وأكثر وعياً ببيئتهم وأحوال أهلهم. بقلم: بروفيسور فدوى عبد الرحمن علي طه
صدر كتاب “الحكيم” عام ٢٠١٣ عن شركة مطابع السودان للعملة المحدودة، في ٥٩٤ صفحة. ويأخذك الكتاب الذي استغرق إعداده أكثر من أربعة عقود من الزمان في سياحة تاريخية شيقة ومثيرة ، فقد توافرت للمؤلف خصال الصبر والأناة، صفات يتوجب توافرها في الباحث الأكاديمي المدقق. قدم للكتاب بروفيسور عبد الله علي إبراهيم بتقديم عنونه “المرض علاجاً وثقافة”.
يشمل الكتاب التصدير، ومقدمة وتسعة فصول:
١. صحة السودان عبر القرون
٢. العقد بين الطبيب والمريض والمجتمع
٣. مفاهيم الصحة والمرض
٤. أسباب المرض والإصابة
٥. وسائل تشخيص المرض والإصابة
٦. المعالجون وطرق العلاج والوقاية
٧. العلاجات والممارسات الشعبية
٨. حصاد السنين
٩. الأفعال الطبية الضارة والطبابة الرشيدة،
وجاء في خلاصة الكتاب سرداً لما يحتويه. وذيل الكتاب بملاحق حوت أسماء الشهور السودانية، العامية الطبية وما يقابلها بالإنجليزية، معجم أهم النباتات المستعملة في الطب الشعبي، بعض الأدوية الحديثة ذات الأصول النباتية، بعض الأطباء الأجانب الذين خدموا في السودان، أهم القوانين الصحية السارية في السودان.
بدأ المؤلف في تصدير الكتاب بحديث شيق ممتع عن نفسه، رابطاً ذلك الحديث بما جرب فيه من عادات وتقاليد وطب شعبي خلال طفولته وشبابه. وتحدث في المقدمة عن أنواع ونماذج الطب، نماذج الطب البيولوجي والطب الشمولي والطب الشعبي. وأفرد الفصل الأول لصحة السودان عبر القرون اعتمد فيه على ما ورد في كتب الرحالة والجغرافيين والمستكشفين الأوائل، وفي كتب السيرة وكتابات بعض علماء الدين والمؤرخين وأطباء ومنسوبي جيوش الاحتلال التركي المصري والإنجليزي المصري وعلماء الأجناس وما جاء في كتب ومخطوطات الطب الشعبي المحلية. وقدم نماذج لكتابات الرحالة والعلماء تحديداً ما ذكروه عن الطب والصحة، مثل جون لويس بوركهارت الذي وصف صحة السودان وأمراضه، وجورج هوسكنز عالم الآثار الإنجليزي الذي زار السودان عام 1833م. وأورد المؤلف مقتطفات من الكتب التاريخية مثل كتاب نعوم شقير “جغرافية وتاريخ السودان” الذي يصفه الكاتب بأنه مصدر لا غنى عنه للباحثين في شئون صحة السودان في القرن التاسع عشر. وبهذا يورد أهمية أخرى لهذا الكتاب أغفلتُ الإشارة إليها في تعدادي لمواطن أهمية هذا الكتاب في تقديمي للطبعة التي صدرت عن دار عزة للنشر عام 2006.
أفُرد فصل للعقد بين الطبيب والمريض والمجتمع تحدث فيه المؤلف ضمن ما تحدث عنه عن أخلاقيات المهنة، وأن الأخلاقيات الطبية علم عملي وفرع من فروع فلسفة الأخلاق وفرع من فروع علم الطب وجزء أصيل من الممارسة الطبية الجيدة. وأن مهنة الطب هي المهنة الوحيدة التي كان لها منذ فجر التاريخ وبداية حضارة الإنسان آداب للممارسة تبلورت في إطار قسم يلتزم المعالجون بأدائه قبل أن يسمح لهم بالاقتراب من المرضى هو قسم أبقراط. وأمن فيه على ضرورة تواضع الطبيب والبعد عن حب الظهور.
تناول الفصل الثالث مفاهيم الصحة والمرض وتعرض للطب في ذهن العامة وفي اللغة ومفهوم المرض في الذهن الشعبي والطقوس، والرموز التي على الطبيب أن يكون ملماً بها وكيف أن الطقوس تحتل حيزاً هاماً في نسيج أي مجتمع.
بيِّن الفصل الرابع أسباب المرض والإصابة وارتباط ذلك بعوامل البيئة الطبيعة وظواهرها وعادات الناس. وتحدث عن مغزى كسوف الشمس عند الناس، وعن قوى ما بعد الطبيعة والجن والشياطين والزار وأصله والسحر والعين الحارة.
خصص الفصل الخامس لوسائل تشخيص المرض والإصابة وأوضح الفرق بين تشخيص الطبيب الحديث للمرض الذي يعتمد فيه على طرق مبنية ومستندة على البراهين العلمية، وعند عامة الناس الذين استندوا في تشخيص المرض في أغلب الأحيان على استجداء قوى الغيب وطلب عونها. ولم يترك المؤلف في هذا الفصل شيئاً لم يذكره مثلا: خت الودع وخط الرمل والرؤى الصادقة والمكاشفة والاستخارة وتفسير الأحلام والتنجيم.
أشار الفصل السادس: المعالجون وطرق العلاج والوقاية إلى أن قائمة المعالجين الذين يعنون بصحة الناس طويلة وأن لكل جماعة عرقية في السودان طبيبها أو حكيمها، وأن السودانيين عرفوا عدداً كبيراً من المعالجين الشعبيين الماهرين واستنجدوا بهم مثل الفقرا والفكيا والشيوخ والأوليا. وأعطى أمثلة لأنواع العلاج مثل الرقية والبخرة والمحاية. ولم يفت على المؤلف في هذا الفصل أن يذكر دور ربة البيت كمعاونة صحية واجتماعية ترعى أغلب شئون الأسرة بكفاءة واقتدار، وكيف أن أدوار المرأة كمعاون اجتماعي في الأسرة عديدة.
تحدث الفصل السابع: العلاجات والممارسات الشعبية عن الجراحة الشعبية ومخاطرها وختان الإناث بأنواعه والحجامة والوشم والفصد والأطراف الصناعية الشعبية وعن علي ود قيامة الذي كان طبيباً بلدياً بشرياً وبيطرياً ومنجماً، وعلاج الجروح والتخدير والحمل والولادة والأدوية الشعبية والصيدلية الشعبية التي حوت وصفات مختلفة استخدمها الناس في علاج الأمراض. والطعام والاعتقادات الخاطئة التي أثرت على صحة الناس خصوصاً الأطفال.
يتحدث المؤلف في الفصل الثامن الذي عنونه، حصاد السنين، عن مسيرة السودانيين في رعاية صحتهم خلال النصف الثاني من القرن العشرين ويرسم صورة قاتمة مبيناً فشل السودان منذ الاستقلال في إنجاز خطة تنمية شاملة ومستدامة تحقق النهضة والتقدم وتلبي حاجات الإنسان الأساسية والمادية وغير المادية، وتواصل الارتقاء بصحة البلاد. ويبين الفصل أن ازدياد عدد الأطباء والكوادر الطبية المساعدة لم يفد كثيراً لأن معدلات هجرتهم خارج البلاد كانت كبيرة ومن تبقى في الداخل هاجر للقطاع الخاص. وانتقد سياسة الإنفاق على الصحة من قبل الدولة والتي تضع الصحة في ذيل أولوياتها وأمن على ضرورة رفعها إلى أعلى القائمة إن كان الإنسان هو ما تستثمر فيه.
تحدث الفصل الثامن أيضاً عن شح الأدبيات الطبية التي يمكن أن يرجع إليها الباحث في تاريخ الطب وتراث السودان، وأن العلماء السودانيين عموماً والأطباء خصوصاً عازفون عن توثيق أعمالهم ومحجمون عن توثيق تاريخ الطب في السودان، مما نتج عن ذلك من قلة في الدراسات الطبية التاريخية والاجتماعية. لاحظ أيضاً أن التدريس في أغلب كليات الطب ما زال منبتاً لا يربط ممارسة الطب بتاريخ السودان الممتد عبر القرون ولا بموروثاته الطبية. وأن واحداً من أسباب هذا القصور هو قلة المادة الموثقة التي تعين المدرس والتلميذ. وينبه المؤلف بذلك إلى ضعف الحس الوثائقي السائد عندنا في السودان، وإهمال أوعية حفظ المعلومات الذي ضرب له المؤلف مثلاً بتآكل مكتبة المعمل القومي الصحي ومكتبة معامل استاك وتبعثر كتبها ومجلاتها التي بدأ جمعها في ١٩٠٢ وهدم المتحف التصويري في ١٩٦٣ ؟ ١٩٦٤ الذي افتتح عام ١٩٤٤. وأبان المؤلف ضرورة حفظ سجلات المهنة وتوثيق تراثها.
يتناول الفصل التاسع الأفعال الطبية الضارة والطبابة الرشيدة شرح المؤلف فيه أنواع الأفعال الطبية الضارة وما هو الفعل الطبي الضار واحتمال حدوث الفعل الطبي الضار، وأن الأفعال الطبية الضارة من علامات وأعراض مرض النظام الصحي، ومؤشر لعيوب وثغرات في النظام الصحي بأكمله، وأن إصلاح النظام الصحي يحتاج ضمن ما ذكره المؤلف لجهد متكامل مترابط ولقيادات مقنعة ومؤهلة في كل مستوى ولوعي وثقافة جديدة. أن السودان في تقدير المؤلف لن يستطيع أن يجعل حدوث الفعل الطبي الضار أقرب للمستحيل إلا بتبني واتباع نهج الطبابة الرشيدة التي شرح المؤلف معناها وبرنامجها الذي يتكون من ثلاثة محاور.
يؤكد الكتاب ما توصل إليه العالم عن ترابط العلوم الإنسانية مع العلوم التطبيقية فهو مقدم لكل مقدمي الخدمات الطبية ولطلاب العلوم الإنسانية لا سيما والاجتماع والفولكلور ، ويشير إلى ما نبه إليه عالِمنا التيجاني الماحي لأهمية دراسة تاريخ الطب، وتأكيده أن للعلوم الإنسانية دور مهم في دراسة الصحة والمرض. فالمعارف التي تقدمها العلوم الإنسانية تربط الطبيب بمريضه وتربط ممارسته للطب بتاريخ السودان الاجتماعي الممتد عبر القرون وبموروثاته الطبية والصحية، وتربط الطب البيولوجي عامة وعلومه بجذورها وتياراتها التاريخية. المؤلف لا يريد للتدريس في كليات الطب أن يستمر منبتاً لا يربط ممارسة الطب بتاريخ السودان الممتد عبر القرون ولا بموروثاته الطبية والصحية، ولا يربط علومه بجذورها وتياراتها التاريخية والاجتماعية.
مساهمة أحمد لا تقتصر فقط على تأليف هذا الكتاب الذي أتى من تجربة، فقد بادر وأسهم في دراسات الطب الشعبي فقام معهد أبحاث الطب الشعبي بالمجلس القومي للبحوث في العام ١٩٨٢ بمبادرة منه، وذلك بغرض دراسة التراث الطبي بطريقة منهجية منظمة. وتقديرا وتثميناً لهذا الجهد وافقت منظمة الصحة العالمية على تخصيصه مركزا متعاونا معها في العام ١٩٤٨ تحت اسم (مركز منظمة الصحة العالمية المتعاون في أبحاث الطب الشعبي). كما أسس في العام ٢٠٠٤ (المؤسسة السودانية للتراث الطبي) كمنظمة أهلية تعنى بأبحاث نظم الطب وتاريخ الطب والمحافظة على التراث الصحي ورصد تطور الخدمات الطبية في السودان. وينبع اهتمامه من حقيقة أكدها في مؤلفه هي أن الطب الشعبي واسع الانتشار في الدول النامية ومنها السودان بسبب ارتفاع فاتورة العلاج في المستشفيات، ولابد من تنظيم عمل الممارسون الشعبيون. ويتواصل هم واهتمامه أحمد بطرحه في ٢٠٠٥ مشروعاً توثيقياً أسماه ثلاثية الصحة في السودان يشتمل على ثلاثة أجزاء: تاريخ الطب وسير الرواد في السودان، موسوعة الأطباء السودانيين، ببلوغرافيا الدراسات الطبية السودانية في القرن العشرين.
ومما يلفت النظر في هذا الكتاب غزارة المادة التي اعتمد عليها الكتاب، فقد زار أحمد خلال العقود الأربعة الماضية التي استغرقها تأليف الكتاب أغلب مراكز العلاج الشعبي في السودان، وراجع كل ما يمكن مراجعته من الأدبيات المتاحة مسموعة أو مكتوبة أو مرئية. ورُصدتْ ٣٥ صفحة للمصادر والمراجع التي اعتمد عليها الكتاب. ولم يترك المؤلف معلومة دون توثيقها عند ذكرها.
تسمية الكتاب “الحكيم” اختيرت بعناية فائقة، فالكلمة التي يذكر المؤلف أنها في أغلب الظن جاءت إلينا من المصريين في عهد الحكم التركي المصري جاذبة جدا. فالمصطلح لم يطلق فقط على الطبيب الخريج بل على معظم من يداوي. يأخذني المؤلف بهذا الاسم بعيداً إلى ذكريات الطفولة و “حسن الحكيم” كما كان يعرف المساعد الطبي “حسن” الذي جاء لمداواة الناس من أقصى الشمال في ناوا إلى أربجي في الجزيرة. وأناشيد لعب الطفولة “أنا حكيم بداوي الناس من الحمى ووجع الراس”. ويضرب الكتاب على وتر حساس هو العافية “ومن حلف بالعافية ما خلى شي)، ولأهميتها فقد حاول الناس كل ما هو ممكن للطبابة وهو ما يفصل فيه الكتاب.
كتاب “الحكيم” الذي يصفه المؤلف في تواضع جم بأنه مقدمة في التاريخ الاجتماعي للطب والصحة في السودان، موسوعي وشمولي التناول، ويأتي عصارة لجهد متعاظم وشائك. هنيئا للدكتور أحمد الصافي بهذا الإنجاز الضخم الفخم الذي رفد المكتبة السودانية بسفر مرجعي أكاديمي رصين كانت تفتقده وتتعطش إليه.
صورة الغلاف: غلاف كتب الدكتور أحمد الصافي الرقمية © الدكتور أحمد الصافي، يمكن شراء الكتب على موقع أمازون
عرض لكتاب دكتور أحمد الصافي: الحكيم، من أجل أطباء أعمق فهماً لمهنتهم ولثقافات مجتمعاتهم وأكثر وعياً ببيئتهم وأحوال أهلهم. بقلم: بروفيسور فدوى عبد الرحمن علي طه
صدر كتاب “الحكيم” عام ٢٠١٣ عن شركة مطابع السودان للعملة المحدودة، في ٥٩٤ صفحة. ويأخذك الكتاب الذي استغرق إعداده أكثر من أربعة عقود من الزمان في سياحة تاريخية شيقة ومثيرة ، فقد توافرت للمؤلف خصال الصبر والأناة، صفات يتوجب توافرها في الباحث الأكاديمي المدقق. قدم للكتاب بروفيسور عبد الله علي إبراهيم بتقديم عنونه “المرض علاجاً وثقافة”.
يشمل الكتاب التصدير، ومقدمة وتسعة فصول:
١. صحة السودان عبر القرون
٢. العقد بين الطبيب والمريض والمجتمع
٣. مفاهيم الصحة والمرض
٤. أسباب المرض والإصابة
٥. وسائل تشخيص المرض والإصابة
٦. المعالجون وطرق العلاج والوقاية
٧. العلاجات والممارسات الشعبية
٨. حصاد السنين
٩. الأفعال الطبية الضارة والطبابة الرشيدة،
وجاء في خلاصة الكتاب سرداً لما يحتويه. وذيل الكتاب بملاحق حوت أسماء الشهور السودانية، العامية الطبية وما يقابلها بالإنجليزية، معجم أهم النباتات المستعملة في الطب الشعبي، بعض الأدوية الحديثة ذات الأصول النباتية، بعض الأطباء الأجانب الذين خدموا في السودان، أهم القوانين الصحية السارية في السودان.
بدأ المؤلف في تصدير الكتاب بحديث شيق ممتع عن نفسه، رابطاً ذلك الحديث بما جرب فيه من عادات وتقاليد وطب شعبي خلال طفولته وشبابه. وتحدث في المقدمة عن أنواع ونماذج الطب، نماذج الطب البيولوجي والطب الشمولي والطب الشعبي. وأفرد الفصل الأول لصحة السودان عبر القرون اعتمد فيه على ما ورد في كتب الرحالة والجغرافيين والمستكشفين الأوائل، وفي كتب السيرة وكتابات بعض علماء الدين والمؤرخين وأطباء ومنسوبي جيوش الاحتلال التركي المصري والإنجليزي المصري وعلماء الأجناس وما جاء في كتب ومخطوطات الطب الشعبي المحلية. وقدم نماذج لكتابات الرحالة والعلماء تحديداً ما ذكروه عن الطب والصحة، مثل جون لويس بوركهارت الذي وصف صحة السودان وأمراضه، وجورج هوسكنز عالم الآثار الإنجليزي الذي زار السودان عام 1833م. وأورد المؤلف مقتطفات من الكتب التاريخية مثل كتاب نعوم شقير “جغرافية وتاريخ السودان” الذي يصفه الكاتب بأنه مصدر لا غنى عنه للباحثين في شئون صحة السودان في القرن التاسع عشر. وبهذا يورد أهمية أخرى لهذا الكتاب أغفلتُ الإشارة إليها في تعدادي لمواطن أهمية هذا الكتاب في تقديمي للطبعة التي صدرت عن دار عزة للنشر عام 2006.
أفُرد فصل للعقد بين الطبيب والمريض والمجتمع تحدث فيه المؤلف ضمن ما تحدث عنه عن أخلاقيات المهنة، وأن الأخلاقيات الطبية علم عملي وفرع من فروع فلسفة الأخلاق وفرع من فروع علم الطب وجزء أصيل من الممارسة الطبية الجيدة. وأن مهنة الطب هي المهنة الوحيدة التي كان لها منذ فجر التاريخ وبداية حضارة الإنسان آداب للممارسة تبلورت في إطار قسم يلتزم المعالجون بأدائه قبل أن يسمح لهم بالاقتراب من المرضى هو قسم أبقراط. وأمن فيه على ضرورة تواضع الطبيب والبعد عن حب الظهور.
تناول الفصل الثالث مفاهيم الصحة والمرض وتعرض للطب في ذهن العامة وفي اللغة ومفهوم المرض في الذهن الشعبي والطقوس، والرموز التي على الطبيب أن يكون ملماً بها وكيف أن الطقوس تحتل حيزاً هاماً في نسيج أي مجتمع.
بيِّن الفصل الرابع أسباب المرض والإصابة وارتباط ذلك بعوامل البيئة الطبيعة وظواهرها وعادات الناس. وتحدث عن مغزى كسوف الشمس عند الناس، وعن قوى ما بعد الطبيعة والجن والشياطين والزار وأصله والسحر والعين الحارة.
خصص الفصل الخامس لوسائل تشخيص المرض والإصابة وأوضح الفرق بين تشخيص الطبيب الحديث للمرض الذي يعتمد فيه على طرق مبنية ومستندة على البراهين العلمية، وعند عامة الناس الذين استندوا في تشخيص المرض في أغلب الأحيان على استجداء قوى الغيب وطلب عونها. ولم يترك المؤلف في هذا الفصل شيئاً لم يذكره مثلا: خت الودع وخط الرمل والرؤى الصادقة والمكاشفة والاستخارة وتفسير الأحلام والتنجيم.
أشار الفصل السادس: المعالجون وطرق العلاج والوقاية إلى أن قائمة المعالجين الذين يعنون بصحة الناس طويلة وأن لكل جماعة عرقية في السودان طبيبها أو حكيمها، وأن السودانيين عرفوا عدداً كبيراً من المعالجين الشعبيين الماهرين واستنجدوا بهم مثل الفقرا والفكيا والشيوخ والأوليا. وأعطى أمثلة لأنواع العلاج مثل الرقية والبخرة والمحاية. ولم يفت على المؤلف في هذا الفصل أن يذكر دور ربة البيت كمعاونة صحية واجتماعية ترعى أغلب شئون الأسرة بكفاءة واقتدار، وكيف أن أدوار المرأة كمعاون اجتماعي في الأسرة عديدة.
تحدث الفصل السابع: العلاجات والممارسات الشعبية عن الجراحة الشعبية ومخاطرها وختان الإناث بأنواعه والحجامة والوشم والفصد والأطراف الصناعية الشعبية وعن علي ود قيامة الذي كان طبيباً بلدياً بشرياً وبيطرياً ومنجماً، وعلاج الجروح والتخدير والحمل والولادة والأدوية الشعبية والصيدلية الشعبية التي حوت وصفات مختلفة استخدمها الناس في علاج الأمراض. والطعام والاعتقادات الخاطئة التي أثرت على صحة الناس خصوصاً الأطفال.
يتحدث المؤلف في الفصل الثامن الذي عنونه، حصاد السنين، عن مسيرة السودانيين في رعاية صحتهم خلال النصف الثاني من القرن العشرين ويرسم صورة قاتمة مبيناً فشل السودان منذ الاستقلال في إنجاز خطة تنمية شاملة ومستدامة تحقق النهضة والتقدم وتلبي حاجات الإنسان الأساسية والمادية وغير المادية، وتواصل الارتقاء بصحة البلاد. ويبين الفصل أن ازدياد عدد الأطباء والكوادر الطبية المساعدة لم يفد كثيراً لأن معدلات هجرتهم خارج البلاد كانت كبيرة ومن تبقى في الداخل هاجر للقطاع الخاص. وانتقد سياسة الإنفاق على الصحة من قبل الدولة والتي تضع الصحة في ذيل أولوياتها وأمن على ضرورة رفعها إلى أعلى القائمة إن كان الإنسان هو ما تستثمر فيه.
تحدث الفصل الثامن أيضاً عن شح الأدبيات الطبية التي يمكن أن يرجع إليها الباحث في تاريخ الطب وتراث السودان، وأن العلماء السودانيين عموماً والأطباء خصوصاً عازفون عن توثيق أعمالهم ومحجمون عن توثيق تاريخ الطب في السودان، مما نتج عن ذلك من قلة في الدراسات الطبية التاريخية والاجتماعية. لاحظ أيضاً أن التدريس في أغلب كليات الطب ما زال منبتاً لا يربط ممارسة الطب بتاريخ السودان الممتد عبر القرون ولا بموروثاته الطبية. وأن واحداً من أسباب هذا القصور هو قلة المادة الموثقة التي تعين المدرس والتلميذ. وينبه المؤلف بذلك إلى ضعف الحس الوثائقي السائد عندنا في السودان، وإهمال أوعية حفظ المعلومات الذي ضرب له المؤلف مثلاً بتآكل مكتبة المعمل القومي الصحي ومكتبة معامل استاك وتبعثر كتبها ومجلاتها التي بدأ جمعها في ١٩٠٢ وهدم المتحف التصويري في ١٩٦٣ ؟ ١٩٦٤ الذي افتتح عام ١٩٤٤. وأبان المؤلف ضرورة حفظ سجلات المهنة وتوثيق تراثها.
يتناول الفصل التاسع الأفعال الطبية الضارة والطبابة الرشيدة شرح المؤلف فيه أنواع الأفعال الطبية الضارة وما هو الفعل الطبي الضار واحتمال حدوث الفعل الطبي الضار، وأن الأفعال الطبية الضارة من علامات وأعراض مرض النظام الصحي، ومؤشر لعيوب وثغرات في النظام الصحي بأكمله، وأن إصلاح النظام الصحي يحتاج ضمن ما ذكره المؤلف لجهد متكامل مترابط ولقيادات مقنعة ومؤهلة في كل مستوى ولوعي وثقافة جديدة. أن السودان في تقدير المؤلف لن يستطيع أن يجعل حدوث الفعل الطبي الضار أقرب للمستحيل إلا بتبني واتباع نهج الطبابة الرشيدة التي شرح المؤلف معناها وبرنامجها الذي يتكون من ثلاثة محاور.
يؤكد الكتاب ما توصل إليه العالم عن ترابط العلوم الإنسانية مع العلوم التطبيقية فهو مقدم لكل مقدمي الخدمات الطبية ولطلاب العلوم الإنسانية لا سيما والاجتماع والفولكلور ، ويشير إلى ما نبه إليه عالِمنا التيجاني الماحي لأهمية دراسة تاريخ الطب، وتأكيده أن للعلوم الإنسانية دور مهم في دراسة الصحة والمرض. فالمعارف التي تقدمها العلوم الإنسانية تربط الطبيب بمريضه وتربط ممارسته للطب بتاريخ السودان الاجتماعي الممتد عبر القرون وبموروثاته الطبية والصحية، وتربط الطب البيولوجي عامة وعلومه بجذورها وتياراتها التاريخية. المؤلف لا يريد للتدريس في كليات الطب أن يستمر منبتاً لا يربط ممارسة الطب بتاريخ السودان الممتد عبر القرون ولا بموروثاته الطبية والصحية، ولا يربط علومه بجذورها وتياراتها التاريخية والاجتماعية.
مساهمة أحمد لا تقتصر فقط على تأليف هذا الكتاب الذي أتى من تجربة، فقد بادر وأسهم في دراسات الطب الشعبي فقام معهد أبحاث الطب الشعبي بالمجلس القومي للبحوث في العام ١٩٨٢ بمبادرة منه، وذلك بغرض دراسة التراث الطبي بطريقة منهجية منظمة. وتقديرا وتثميناً لهذا الجهد وافقت منظمة الصحة العالمية على تخصيصه مركزا متعاونا معها في العام ١٩٤٨ تحت اسم (مركز منظمة الصحة العالمية المتعاون في أبحاث الطب الشعبي). كما أسس في العام ٢٠٠٤ (المؤسسة السودانية للتراث الطبي) كمنظمة أهلية تعنى بأبحاث نظم الطب وتاريخ الطب والمحافظة على التراث الصحي ورصد تطور الخدمات الطبية في السودان. وينبع اهتمامه من حقيقة أكدها في مؤلفه هي أن الطب الشعبي واسع الانتشار في الدول النامية ومنها السودان بسبب ارتفاع فاتورة العلاج في المستشفيات، ولابد من تنظيم عمل الممارسون الشعبيون. ويتواصل هم واهتمامه أحمد بطرحه في ٢٠٠٥ مشروعاً توثيقياً أسماه ثلاثية الصحة في السودان يشتمل على ثلاثة أجزاء: تاريخ الطب وسير الرواد في السودان، موسوعة الأطباء السودانيين، ببلوغرافيا الدراسات الطبية السودانية في القرن العشرين.
ومما يلفت النظر في هذا الكتاب غزارة المادة التي اعتمد عليها الكتاب، فقد زار أحمد خلال العقود الأربعة الماضية التي استغرقها تأليف الكتاب أغلب مراكز العلاج الشعبي في السودان، وراجع كل ما يمكن مراجعته من الأدبيات المتاحة مسموعة أو مكتوبة أو مرئية. ورُصدتْ ٣٥ صفحة للمصادر والمراجع التي اعتمد عليها الكتاب. ولم يترك المؤلف معلومة دون توثيقها عند ذكرها.
تسمية الكتاب “الحكيم” اختيرت بعناية فائقة، فالكلمة التي يذكر المؤلف أنها في أغلب الظن جاءت إلينا من المصريين في عهد الحكم التركي المصري جاذبة جدا. فالمصطلح لم يطلق فقط على الطبيب الخريج بل على معظم من يداوي. يأخذني المؤلف بهذا الاسم بعيداً إلى ذكريات الطفولة و “حسن الحكيم” كما كان يعرف المساعد الطبي “حسن” الذي جاء لمداواة الناس من أقصى الشمال في ناوا إلى أربجي في الجزيرة. وأناشيد لعب الطفولة “أنا حكيم بداوي الناس من الحمى ووجع الراس”. ويضرب الكتاب على وتر حساس هو العافية “ومن حلف بالعافية ما خلى شي)، ولأهميتها فقد حاول الناس كل ما هو ممكن للطبابة وهو ما يفصل فيه الكتاب.
كتاب “الحكيم” الذي يصفه المؤلف في تواضع جم بأنه مقدمة في التاريخ الاجتماعي للطب والصحة في السودان، موسوعي وشمولي التناول، ويأتي عصارة لجهد متعاظم وشائك. هنيئا للدكتور أحمد الصافي بهذا الإنجاز الضخم الفخم الذي رفد المكتبة السودانية بسفر مرجعي أكاديمي رصين كانت تفتقده وتتعطش إليه.
صورة الغلاف: غلاف كتب الدكتور أحمد الصافي الرقمية © الدكتور أحمد الصافي، يمكن شراء الكتب على موقع أمازون
أَطعِمَة وأَشرِبَة النوبيِّين
أَطعِمَة وأَشرِبَة النوبيِّين
أطعمة وأشربة أهل بطن الحجر:
أطعمة أهل بطن الحجر:
طعامهم من الذرة والقمح وأكثره من الذرة، مناطق زراعتهم ضَيِّقة في شاطئ النيل. سَمَحت لهم الحكومة الإنجليزية بزراعة ضرب من التبغ يُسمَّى (قَمْشَه) gamsha، يبيعونها جنوباً و شمالاً واقتصادهم منها. إضافة إلى النخيل. من طعامهم:
- كابد Kabid: وهو القراصة المشهورة في السودان، يديرونها على الدوكة من عجين الذرة، إن نَضِجت صفحة قلبوها لنضج الصفحة الأخرى. وإن استَوَت رسموا فيها الصليب تبرُّكاً به. وإدامها (مُلاحها) ما هو موجود من إتِّر (ittir)، وهو صفق اللوبيا بنوعيها، أو مَرَق السمك أو اللبن أو السمن بالسكر أو الرجلة أو غيرها، والقُرّاصة غالبها من الذرة.
- شدِّي shaddi: وهو الكِسرَة kisra عند السودانين. من الذرة فقط. وإدامها مما تَوَافر.
- سلاَّبيه sallabiyya: من القمح، يضعونها رقيقةً على الدّوكة، وغالباً ما يأكلونها باللبن أو أي تَملِيح آخر.
- الترمس – Turmus: يتم غَسله ويوضع في جوال في النيل لثلاثة أيام لإزالة مرارته. ويأكل الجميع منه، وهو نافع للعظام كما يرون.
- البلح: ولكلّ عائلة نخليها المعروفة. يتم تَلقِيح النخيل الإناث بإفرازٍ من الذكور ambi. ومنه ما يُخزِّنونه في (قُسِّي) gusse. وهو ماعون كبير من الطين في شكل برميل. وقد يكون للعائلة منها غير واحد. وتُقفَل حتى لا يدخل فيها حتى الهواء أعلى. وله منفذ أَسفله لسحب البلح مقفولٌ بقماش. والبلح هنا لا يُصَاب بالسوس١.
- السمك: يصطادونه بأمورٍ شتَّى، بالشباك أو السنانير متى أرادوا. ومرقه إدام ولحمه ممتاز لأنه سمك نيل.
- فنتي شُربا fenti shorba: وهو مديدة البلح للمرأة النفساء غالباً.
- اللحوم عموماً: أهل بطن الحجر هم الذين حافظوا على:
- الغنم النوبي The Nubian goat.
- الجمل النوبي The Nubian Kamel.
وقد استخدموا الجِمَال النوبيَّة في أسفارهم لبيع القَمشَة جنوباً وشمالاً، وكلّ عائلة كان لها جملها. ولها غنمها وضأنها. وذبحهم منهما كثير. والضأن النوبي صغير الحجم، يصبر على الجوع والعطش ولحمه طيب. وكذلك الجمال النوبية أصغر من الجمال الأخرى، قوية في حُمُولها، سريعة في السير، وإذا شاخ الجمل ذبحوه، وتقاسموا لحمه. ويتركون لبنها لصغارها، ولبنهم من الماعز والضأن.
ومن طعامهم كل ما في النيل من الأسماك والتماسيح والسلاحف والورل، وقد يصطادون الأرانب بحيل لا يعرفها غيرهم. كما يصطادون الطيور كالقمري والطيور المهاجرة إلى ديارهم في فصل الشتاء، وهذا شغل صغارهم.
- ترکين Tarkīñ: حرف (ñ) هنا هو الذي مخرجه بين النون والجيم كما قلنا من قبل، وهو المُلُوحة عند سائر أهل السودان. يُؤتى بالسمك الصغار ويوضع في ماعون كبير. يُرَصُّ السمك تَعلُوه طبقة من الملح. وهكذا إلى أن يمتلئ الماعون. يوضع الماعون على النار حتى يَنهَرِس السّمك. قد يكون فيه دود يَتَوَالد، لا بأس. بعد الغليان يُسَاط خليط السمك بِعَصَا لمدة ثلاثة أيام تقريباً، ويُؤخذ منه ما يراد ويُطبَخ بالزيت والبصل والبهارات. وهو إدام (ملاح) لقراصة القمح، وأكله محبوب٢.
أَشربة أهل بطن الحجر
- الدَكَّاي dakkay: وهو خمر يصنعوها في ينهض بها النساء. وقد يرفض الشباب زواج الفتاة التي لا تُجيد صنعها. يؤتَى بالبلح، ويضعونه في برمة كبيرة. يُخمَّر البلح. وفي ثلاثة أيام تقريباً يصل الدكَّاي إلى كمال تَعَتُّقِه، وقد يطلب الرجل أصدقاءه لشربه، ويا حبذا إذا صادف شُربه ذبيحة.
- النبيت Nebit: يُؤتَى ببلح مختار بعناية. ويُوضع في برمة أكبر، وصناعته وشربه في فصل الشتاء حيث برودة الصحراء الشديدة. يشربها الرجل صباحاً ليكون قادراً على خوض الماء في الساقية، حيث النبيت يدعم جسده بحرارة عالية. وقد يجمع الرجل أصدقاءه لشربه. وتُدفَن بُرمة النبيت في الأرض لمدة طويلة أقصرها تسعة أيام، ثم يُشرَب هنيئاً مريئاً، وذلك بعد نضجه في نار حامية.
- الخمور الأخرى:
ومن أهمها العرقي. وهم يستوردونها من دنقلا، وأهل دنقلا يصنعونه باحترافية عالية على أيدي نسائهم.
أطعمة وأشربة أهل السكوت:
أَطعِمَة أهل السكوت:
- تركين Tarkīñ: وهو الملوحة كما قدمنا، ويأكلونه بالقراصة من القمح جماعة.
- کداد Koddad: وهو (ملاح الورق) عند سائر أهل السودان. يؤخذ من أوراق نباتات القرطم واللوبيا بأنواعها والجرجير. أي من تلك الأوراق تُوضع على ماعون فترة طويلة على النار، وتضاف إليه البهارات مع البصل والثوم ويؤكل بالكسرة.
- كوشين كُلُب Koshen Kulub: من حبوب القرطم، تُحمَّس أولاً وتُطحَن وتُغَربَل ثمَّ يُطبخ على النار.
- فُتِّي futte: وهو الدخن، تُطحَن حبوبه وتُستَخدَم كإدام حيث تنضج على النار.
- قُرّاصة الذرة باللبن الرائب.
- بليله belilah: وهناك بليلة القمح والذرة واللوبيا، تُطبخ على النار مع الملح، وتؤكل باليد.
- قراصة من السمسم مخلوطاً مع عجين القمح، وأكلها بما تَيَسَّر من الأملحة.
- قروب gurub: من البلح والقمح أو الذرة، البلح يؤخذ النوى منه، ويُقطَّع إلى قِطَع صغيرة، ويُخلَط مع عجين القمح أو الذرة، ويُوضَع في الدوكة (الساج) حتى يستوي، ويُؤكل بلا إدام.
- . بُجِي boje: ينضف القرع البلدي ويؤخذ ما بداخله وهو boje، هش يميل إلى الحلاوة، يُغلى على النار ويؤكل بما تيسر من الطعام كسرة كان أو قمحاً أو ذرة كقراصات.
- بليلة من الفول المصري: وهو أخضر. يُغلى الفول الأخضر على النار مع الملح ويؤكل باليد.
- قراصة من دقيق الترمس، يُطحن الترمس الناشف ويُغلى مع الملح والبهارات ويؤكل بالملوخية.
- عسل البلح: يؤخذ من البلح الجيد كالقنديله والبركاوي. يوضع في ماعون كبير على النار، مدة طويلة، ويُصفَّى عندما يَبرد، و يُغلى ثانية ثم يُصفَّى مرة ثانية لإزالة النوى الذي ربما سقط من التصفية الأولى، ويؤكل بالقراصة أو غيرها.
- مديدة: من الدخن أو التمر للمرأة النفساء باعتبارها من المُقَوِّيات.
- البلح: وهو متوافر عندهم كما عند الآخرين من أهل بطن الحجر والمحس وندقلا. يأكلونه متى شاؤوا.
أَشرِبَة أهل السكّوت
استخرج مواطنوها الخمور من محاصيلهم المحلية، وشربوها في أوقات الفراغ خاصة في المساء، وكان -ومازال- لكلّ فصل نوع معين من الخمر؛ النبيت في الشتاء، والدكَّاي في الصيف. وقد تحدّثنا -في أشربة أهل بطن الحجر- كيفية صنع النبيت والدكاي.
وقد ينهض جماعة من الشباب لعمل العرقي على شاطئ النيل. يستفيدون من برودة شاطئ النيل. يكون البلح مُخمَّراً لثلاثة أيام تقريباً. يُوضع البلح المُخَمَّر على ماعون يرفع على النار. ولو وصل إلى مرحلة الغليان أزالوا من تحته الوقود، فكلّما قلَّ الوقود هبط الغليان. هنا يؤتى بخرطوش مُخصَّص يُلَفّ على ماسورة الماعون بشرط أن يوضع ثلج أو ماء بارد في مسار الخرطوش لغرض التَكَثُّف والسّيولة. وهناك زجاجات جاهزة لاستقبال ما يَسِيل. وأدوات صناعة العرقي يصنعها الشباب عند الحدادين.
صورة الغلاف: حجر الطحن "محراكة" © متحف دارفور، نيالا
أطعمة وأشربة أهل بطن الحجر:
أطعمة أهل بطن الحجر:
طعامهم من الذرة والقمح وأكثره من الذرة، مناطق زراعتهم ضَيِّقة في شاطئ النيل. سَمَحت لهم الحكومة الإنجليزية بزراعة ضرب من التبغ يُسمَّى (قَمْشَه) gamsha، يبيعونها جنوباً و شمالاً واقتصادهم منها. إضافة إلى النخيل. من طعامهم:
- كابد Kabid: وهو القراصة المشهورة في السودان، يديرونها على الدوكة من عجين الذرة، إن نَضِجت صفحة قلبوها لنضج الصفحة الأخرى. وإن استَوَت رسموا فيها الصليب تبرُّكاً به. وإدامها (مُلاحها) ما هو موجود من إتِّر (ittir)، وهو صفق اللوبيا بنوعيها، أو مَرَق السمك أو اللبن أو السمن بالسكر أو الرجلة أو غيرها، والقُرّاصة غالبها من الذرة.
- شدِّي shaddi: وهو الكِسرَة kisra عند السودانين. من الذرة فقط. وإدامها مما تَوَافر.
- سلاَّبيه sallabiyya: من القمح، يضعونها رقيقةً على الدّوكة، وغالباً ما يأكلونها باللبن أو أي تَملِيح آخر.
- الترمس – Turmus: يتم غَسله ويوضع في جوال في النيل لثلاثة أيام لإزالة مرارته. ويأكل الجميع منه، وهو نافع للعظام كما يرون.
- البلح: ولكلّ عائلة نخليها المعروفة. يتم تَلقِيح النخيل الإناث بإفرازٍ من الذكور ambi. ومنه ما يُخزِّنونه في (قُسِّي) gusse. وهو ماعون كبير من الطين في شكل برميل. وقد يكون للعائلة منها غير واحد. وتُقفَل حتى لا يدخل فيها حتى الهواء أعلى. وله منفذ أَسفله لسحب البلح مقفولٌ بقماش. والبلح هنا لا يُصَاب بالسوس١.
- السمك: يصطادونه بأمورٍ شتَّى، بالشباك أو السنانير متى أرادوا. ومرقه إدام ولحمه ممتاز لأنه سمك نيل.
- فنتي شُربا fenti shorba: وهو مديدة البلح للمرأة النفساء غالباً.
- اللحوم عموماً: أهل بطن الحجر هم الذين حافظوا على:
- الغنم النوبي The Nubian goat.
- الجمل النوبي The Nubian Kamel.
وقد استخدموا الجِمَال النوبيَّة في أسفارهم لبيع القَمشَة جنوباً وشمالاً، وكلّ عائلة كان لها جملها. ولها غنمها وضأنها. وذبحهم منهما كثير. والضأن النوبي صغير الحجم، يصبر على الجوع والعطش ولحمه طيب. وكذلك الجمال النوبية أصغر من الجمال الأخرى، قوية في حُمُولها، سريعة في السير، وإذا شاخ الجمل ذبحوه، وتقاسموا لحمه. ويتركون لبنها لصغارها، ولبنهم من الماعز والضأن.
ومن طعامهم كل ما في النيل من الأسماك والتماسيح والسلاحف والورل، وقد يصطادون الأرانب بحيل لا يعرفها غيرهم. كما يصطادون الطيور كالقمري والطيور المهاجرة إلى ديارهم في فصل الشتاء، وهذا شغل صغارهم.
- ترکين Tarkīñ: حرف (ñ) هنا هو الذي مخرجه بين النون والجيم كما قلنا من قبل، وهو المُلُوحة عند سائر أهل السودان. يُؤتى بالسمك الصغار ويوضع في ماعون كبير. يُرَصُّ السمك تَعلُوه طبقة من الملح. وهكذا إلى أن يمتلئ الماعون. يوضع الماعون على النار حتى يَنهَرِس السّمك. قد يكون فيه دود يَتَوَالد، لا بأس. بعد الغليان يُسَاط خليط السمك بِعَصَا لمدة ثلاثة أيام تقريباً، ويُؤخذ منه ما يراد ويُطبَخ بالزيت والبصل والبهارات. وهو إدام (ملاح) لقراصة القمح، وأكله محبوب٢.
أَشربة أهل بطن الحجر
- الدَكَّاي dakkay: وهو خمر يصنعوها في ينهض بها النساء. وقد يرفض الشباب زواج الفتاة التي لا تُجيد صنعها. يؤتَى بالبلح، ويضعونه في برمة كبيرة. يُخمَّر البلح. وفي ثلاثة أيام تقريباً يصل الدكَّاي إلى كمال تَعَتُّقِه، وقد يطلب الرجل أصدقاءه لشربه، ويا حبذا إذا صادف شُربه ذبيحة.
- النبيت Nebit: يُؤتَى ببلح مختار بعناية. ويُوضع في برمة أكبر، وصناعته وشربه في فصل الشتاء حيث برودة الصحراء الشديدة. يشربها الرجل صباحاً ليكون قادراً على خوض الماء في الساقية، حيث النبيت يدعم جسده بحرارة عالية. وقد يجمع الرجل أصدقاءه لشربه. وتُدفَن بُرمة النبيت في الأرض لمدة طويلة أقصرها تسعة أيام، ثم يُشرَب هنيئاً مريئاً، وذلك بعد نضجه في نار حامية.
- الخمور الأخرى:
ومن أهمها العرقي. وهم يستوردونها من دنقلا، وأهل دنقلا يصنعونه باحترافية عالية على أيدي نسائهم.
أطعمة وأشربة أهل السكوت:
أَطعِمَة أهل السكوت:
- تركين Tarkīñ: وهو الملوحة كما قدمنا، ويأكلونه بالقراصة من القمح جماعة.
- کداد Koddad: وهو (ملاح الورق) عند سائر أهل السودان. يؤخذ من أوراق نباتات القرطم واللوبيا بأنواعها والجرجير. أي من تلك الأوراق تُوضع على ماعون فترة طويلة على النار، وتضاف إليه البهارات مع البصل والثوم ويؤكل بالكسرة.
- كوشين كُلُب Koshen Kulub: من حبوب القرطم، تُحمَّس أولاً وتُطحَن وتُغَربَل ثمَّ يُطبخ على النار.
- فُتِّي futte: وهو الدخن، تُطحَن حبوبه وتُستَخدَم كإدام حيث تنضج على النار.
- قُرّاصة الذرة باللبن الرائب.
- بليله belilah: وهناك بليلة القمح والذرة واللوبيا، تُطبخ على النار مع الملح، وتؤكل باليد.
- قراصة من السمسم مخلوطاً مع عجين القمح، وأكلها بما تَيَسَّر من الأملحة.
- قروب gurub: من البلح والقمح أو الذرة، البلح يؤخذ النوى منه، ويُقطَّع إلى قِطَع صغيرة، ويُخلَط مع عجين القمح أو الذرة، ويُوضَع في الدوكة (الساج) حتى يستوي، ويُؤكل بلا إدام.
- . بُجِي boje: ينضف القرع البلدي ويؤخذ ما بداخله وهو boje، هش يميل إلى الحلاوة، يُغلى على النار ويؤكل بما تيسر من الطعام كسرة كان أو قمحاً أو ذرة كقراصات.
- بليلة من الفول المصري: وهو أخضر. يُغلى الفول الأخضر على النار مع الملح ويؤكل باليد.
- قراصة من دقيق الترمس، يُطحن الترمس الناشف ويُغلى مع الملح والبهارات ويؤكل بالملوخية.
- عسل البلح: يؤخذ من البلح الجيد كالقنديله والبركاوي. يوضع في ماعون كبير على النار، مدة طويلة، ويُصفَّى عندما يَبرد، و يُغلى ثانية ثم يُصفَّى مرة ثانية لإزالة النوى الذي ربما سقط من التصفية الأولى، ويؤكل بالقراصة أو غيرها.
- مديدة: من الدخن أو التمر للمرأة النفساء باعتبارها من المُقَوِّيات.
- البلح: وهو متوافر عندهم كما عند الآخرين من أهل بطن الحجر والمحس وندقلا. يأكلونه متى شاؤوا.
أَشرِبَة أهل السكّوت
استخرج مواطنوها الخمور من محاصيلهم المحلية، وشربوها في أوقات الفراغ خاصة في المساء، وكان -ومازال- لكلّ فصل نوع معين من الخمر؛ النبيت في الشتاء، والدكَّاي في الصيف. وقد تحدّثنا -في أشربة أهل بطن الحجر- كيفية صنع النبيت والدكاي.
وقد ينهض جماعة من الشباب لعمل العرقي على شاطئ النيل. يستفيدون من برودة شاطئ النيل. يكون البلح مُخمَّراً لثلاثة أيام تقريباً. يُوضع البلح المُخَمَّر على ماعون يرفع على النار. ولو وصل إلى مرحلة الغليان أزالوا من تحته الوقود، فكلّما قلَّ الوقود هبط الغليان. هنا يؤتى بخرطوش مُخصَّص يُلَفّ على ماسورة الماعون بشرط أن يوضع ثلج أو ماء بارد في مسار الخرطوش لغرض التَكَثُّف والسّيولة. وهناك زجاجات جاهزة لاستقبال ما يَسِيل. وأدوات صناعة العرقي يصنعها الشباب عند الحدادين.
صورة الغلاف: حجر الطحن "محراكة" © متحف دارفور، نيالا
أطعمة وأشربة أهل بطن الحجر:
أطعمة أهل بطن الحجر:
طعامهم من الذرة والقمح وأكثره من الذرة، مناطق زراعتهم ضَيِّقة في شاطئ النيل. سَمَحت لهم الحكومة الإنجليزية بزراعة ضرب من التبغ يُسمَّى (قَمْشَه) gamsha، يبيعونها جنوباً و شمالاً واقتصادهم منها. إضافة إلى النخيل. من طعامهم:
- كابد Kabid: وهو القراصة المشهورة في السودان، يديرونها على الدوكة من عجين الذرة، إن نَضِجت صفحة قلبوها لنضج الصفحة الأخرى. وإن استَوَت رسموا فيها الصليب تبرُّكاً به. وإدامها (مُلاحها) ما هو موجود من إتِّر (ittir)، وهو صفق اللوبيا بنوعيها، أو مَرَق السمك أو اللبن أو السمن بالسكر أو الرجلة أو غيرها، والقُرّاصة غالبها من الذرة.
- شدِّي shaddi: وهو الكِسرَة kisra عند السودانين. من الذرة فقط. وإدامها مما تَوَافر.
- سلاَّبيه sallabiyya: من القمح، يضعونها رقيقةً على الدّوكة، وغالباً ما يأكلونها باللبن أو أي تَملِيح آخر.
- الترمس – Turmus: يتم غَسله ويوضع في جوال في النيل لثلاثة أيام لإزالة مرارته. ويأكل الجميع منه، وهو نافع للعظام كما يرون.
- البلح: ولكلّ عائلة نخليها المعروفة. يتم تَلقِيح النخيل الإناث بإفرازٍ من الذكور ambi. ومنه ما يُخزِّنونه في (قُسِّي) gusse. وهو ماعون كبير من الطين في شكل برميل. وقد يكون للعائلة منها غير واحد. وتُقفَل حتى لا يدخل فيها حتى الهواء أعلى. وله منفذ أَسفله لسحب البلح مقفولٌ بقماش. والبلح هنا لا يُصَاب بالسوس١.
- السمك: يصطادونه بأمورٍ شتَّى، بالشباك أو السنانير متى أرادوا. ومرقه إدام ولحمه ممتاز لأنه سمك نيل.
- فنتي شُربا fenti shorba: وهو مديدة البلح للمرأة النفساء غالباً.
- اللحوم عموماً: أهل بطن الحجر هم الذين حافظوا على:
- الغنم النوبي The Nubian goat.
- الجمل النوبي The Nubian Kamel.
وقد استخدموا الجِمَال النوبيَّة في أسفارهم لبيع القَمشَة جنوباً وشمالاً، وكلّ عائلة كان لها جملها. ولها غنمها وضأنها. وذبحهم منهما كثير. والضأن النوبي صغير الحجم، يصبر على الجوع والعطش ولحمه طيب. وكذلك الجمال النوبية أصغر من الجمال الأخرى، قوية في حُمُولها، سريعة في السير، وإذا شاخ الجمل ذبحوه، وتقاسموا لحمه. ويتركون لبنها لصغارها، ولبنهم من الماعز والضأن.
ومن طعامهم كل ما في النيل من الأسماك والتماسيح والسلاحف والورل، وقد يصطادون الأرانب بحيل لا يعرفها غيرهم. كما يصطادون الطيور كالقمري والطيور المهاجرة إلى ديارهم في فصل الشتاء، وهذا شغل صغارهم.
- ترکين Tarkīñ: حرف (ñ) هنا هو الذي مخرجه بين النون والجيم كما قلنا من قبل، وهو المُلُوحة عند سائر أهل السودان. يُؤتى بالسمك الصغار ويوضع في ماعون كبير. يُرَصُّ السمك تَعلُوه طبقة من الملح. وهكذا إلى أن يمتلئ الماعون. يوضع الماعون على النار حتى يَنهَرِس السّمك. قد يكون فيه دود يَتَوَالد، لا بأس. بعد الغليان يُسَاط خليط السمك بِعَصَا لمدة ثلاثة أيام تقريباً، ويُؤخذ منه ما يراد ويُطبَخ بالزيت والبصل والبهارات. وهو إدام (ملاح) لقراصة القمح، وأكله محبوب٢.
أَشربة أهل بطن الحجر
- الدَكَّاي dakkay: وهو خمر يصنعوها في ينهض بها النساء. وقد يرفض الشباب زواج الفتاة التي لا تُجيد صنعها. يؤتَى بالبلح، ويضعونه في برمة كبيرة. يُخمَّر البلح. وفي ثلاثة أيام تقريباً يصل الدكَّاي إلى كمال تَعَتُّقِه، وقد يطلب الرجل أصدقاءه لشربه، ويا حبذا إذا صادف شُربه ذبيحة.
- النبيت Nebit: يُؤتَى ببلح مختار بعناية. ويُوضع في برمة أكبر، وصناعته وشربه في فصل الشتاء حيث برودة الصحراء الشديدة. يشربها الرجل صباحاً ليكون قادراً على خوض الماء في الساقية، حيث النبيت يدعم جسده بحرارة عالية. وقد يجمع الرجل أصدقاءه لشربه. وتُدفَن بُرمة النبيت في الأرض لمدة طويلة أقصرها تسعة أيام، ثم يُشرَب هنيئاً مريئاً، وذلك بعد نضجه في نار حامية.
- الخمور الأخرى:
ومن أهمها العرقي. وهم يستوردونها من دنقلا، وأهل دنقلا يصنعونه باحترافية عالية على أيدي نسائهم.
أطعمة وأشربة أهل السكوت:
أَطعِمَة أهل السكوت:
- تركين Tarkīñ: وهو الملوحة كما قدمنا، ويأكلونه بالقراصة من القمح جماعة.
- کداد Koddad: وهو (ملاح الورق) عند سائر أهل السودان. يؤخذ من أوراق نباتات القرطم واللوبيا بأنواعها والجرجير. أي من تلك الأوراق تُوضع على ماعون فترة طويلة على النار، وتضاف إليه البهارات مع البصل والثوم ويؤكل بالكسرة.
- كوشين كُلُب Koshen Kulub: من حبوب القرطم، تُحمَّس أولاً وتُطحَن وتُغَربَل ثمَّ يُطبخ على النار.
- فُتِّي futte: وهو الدخن، تُطحَن حبوبه وتُستَخدَم كإدام حيث تنضج على النار.
- قُرّاصة الذرة باللبن الرائب.
- بليله belilah: وهناك بليلة القمح والذرة واللوبيا، تُطبخ على النار مع الملح، وتؤكل باليد.
- قراصة من السمسم مخلوطاً مع عجين القمح، وأكلها بما تَيَسَّر من الأملحة.
- قروب gurub: من البلح والقمح أو الذرة، البلح يؤخذ النوى منه، ويُقطَّع إلى قِطَع صغيرة، ويُخلَط مع عجين القمح أو الذرة، ويُوضَع في الدوكة (الساج) حتى يستوي، ويُؤكل بلا إدام.
- . بُجِي boje: ينضف القرع البلدي ويؤخذ ما بداخله وهو boje، هش يميل إلى الحلاوة، يُغلى على النار ويؤكل بما تيسر من الطعام كسرة كان أو قمحاً أو ذرة كقراصات.
- بليلة من الفول المصري: وهو أخضر. يُغلى الفول الأخضر على النار مع الملح ويؤكل باليد.
- قراصة من دقيق الترمس، يُطحن الترمس الناشف ويُغلى مع الملح والبهارات ويؤكل بالملوخية.
- عسل البلح: يؤخذ من البلح الجيد كالقنديله والبركاوي. يوضع في ماعون كبير على النار، مدة طويلة، ويُصفَّى عندما يَبرد، و يُغلى ثانية ثم يُصفَّى مرة ثانية لإزالة النوى الذي ربما سقط من التصفية الأولى، ويؤكل بالقراصة أو غيرها.
- مديدة: من الدخن أو التمر للمرأة النفساء باعتبارها من المُقَوِّيات.
- البلح: وهو متوافر عندهم كما عند الآخرين من أهل بطن الحجر والمحس وندقلا. يأكلونه متى شاؤوا.
أَشرِبَة أهل السكّوت
استخرج مواطنوها الخمور من محاصيلهم المحلية، وشربوها في أوقات الفراغ خاصة في المساء، وكان -ومازال- لكلّ فصل نوع معين من الخمر؛ النبيت في الشتاء، والدكَّاي في الصيف. وقد تحدّثنا -في أشربة أهل بطن الحجر- كيفية صنع النبيت والدكاي.
وقد ينهض جماعة من الشباب لعمل العرقي على شاطئ النيل. يستفيدون من برودة شاطئ النيل. يكون البلح مُخمَّراً لثلاثة أيام تقريباً. يُوضع البلح المُخَمَّر على ماعون يرفع على النار. ولو وصل إلى مرحلة الغليان أزالوا من تحته الوقود، فكلّما قلَّ الوقود هبط الغليان. هنا يؤتى بخرطوش مُخصَّص يُلَفّ على ماسورة الماعون بشرط أن يوضع ثلج أو ماء بارد في مسار الخرطوش لغرض التَكَثُّف والسّيولة. وهناك زجاجات جاهزة لاستقبال ما يَسِيل. وأدوات صناعة العرقي يصنعها الشباب عند الحدادين.
صورة الغلاف: حجر الطحن "محراكة" © متحف دارفور، نيالا
أَطعِمَة وأَشرِبَة الفُور
أَطعِمَة وأَشرِبَة الفُور
مُقدّمة
في دِرَاساتنا نُفَرِّق بين (قبائل) السودان و(شُعُوبه). فألفاظ (قبيلة - قبائل) تُطلَق -لغوياً وتاريخياً- على العرب فقط. وألفاظ (شعب - شعوب)، تُطلَق على غير العرب. ذلك في قياس ثنائية الهُوِيَّة في السودان بين الأفارقة والعرب. على ذلك فالفور شعب من شعوب السودان، في جنوبه الغربي.
تَعَرَّفنا على شعب الفور بعد هجرة النوبيين لسهل أرض البطانة. كان مشروع حلفا الجديدة الزراعي قد قام في عام ١٩٦٣م تقريباً. للعمل في هذا المشروع هاجر كثيرون إليه من غرب السودان ومنهم الفور. عملوا كعمال أولاً، ثم مؤجري حواشات١، وسكنوا داخل المشروع. دخلوا بيوتنا ودخلنا بيوتهم وعرفناهم عن قُرب، وشاركناهم طعامهم وشرابهم.
حَوَّاشَات المشروع تَجِد فيه الفئرانُ أماكنَ طَيِّبة لهم في شُقُوق أرضها. فئرانٌ كبيرةُ الحجم. يصطادها الفور بأساليب عديدة. ومن كَثَرَتِها يَكُون للواحد منهم عدداً مُعتَبَراً يوميّاً، بعد اصطيادها نجد للواحد منهم حبلاً يمتدُّ في راكوبته٢ تُعلَّق فيه الفئران من أذنانها مسلوخةً حتى تنشف. هنا تُدَقُّ في مَدَقٍّ ثم يُخَزَّن حرزٍ حريز، فهو لحمٌ نافعٌ في الطعام.
طعامهم من الذرة فقط يصنعون منها العصيدة، عرفنا منهم العصيدة، وحمام الشقوق والمولاص. العصيدة من الذرة، دقيقهاً يُعجَن ويُوضَع في إناء يوضع على نار. تحركه المرأة حتى تتلبك وتتماسك، ثم يُضاف لها مسحوق لحم وعظام الفئران الهَشَّان. وهذا هو مسحوق (حَمام الشقوق) اسماً للفئران عندهم، ومع الملح يأتي هذا الطعام ليس مثله طعام، أبداً.
المولاص moˉlaˉs بإمالة الميم واللام، طعام وشراب. فإذا خَرَج الرجل للعمل في الحوَّاشة زوَّدته زوجته به في إناء غير صغير. ذَكَرَهُ الباحث الزاكي عبد الحميد أحمد في كتابٍ له وأخطأ. قال: (المريسة نقع الشيء كالتمر والعجين في الماء ثم تحريكه حتى يَنمَاص، والعجين الذي يُمَاص ويُصفَّى هو المريسة٣. هذا هو المولاص لا المريسة التي سنأتي لسيرتها. قلتُ إن المولاص تزوِّد به الزوجة زوجها، وهو من الذرة فقط.
يخرج الجميع إلى الحوَّاشة: الرجل والمرأة والأولاد والبنات للعمل، هذا ديدنهم حتى في (الجُبرَاكَات) في بلادهم٤، والمولاص هنا طعامهم وشرابهم طول يوم عملهم. ولا يقرب الفور القمح رغم أنهم يزرعونه في المشروع، ويزعم النوبيون والعرب في حلفا الجديدة أنه من النادر جداً أن تَجِدَ مريضاً منهم في مستشفاها، فطعامهم -كما يرون- الذرة والدخن والعصيدة مع مسحوق حمام الشقوق اللذيذ الطاعم.
***
ما قُلناه من قبل، كان للفور في مشروع حلفا للجديدة فحسب. وكُنَّا شهوداً له، أما في بلادهم، الآن، فقد لخَّصه المؤرخ محمد بن عمر التونسي في كتابه (تشحيذ الأذهان بسيرة بلاد السودان) أو (بسيرة بلاد العرب والسودان). قال ما قال، داخلاً إلى الموضوع مَدخَلاً وقفنا عنده كثيراً. قال: (ومعيشتهم في غاية الانحطاط، لو تناول منها أحد من بلادنا مرةً واحدةً لذَهَبَ منه النشاط لأنَّ أَكثَر مأكلهم إما مُرَّةٌ أو مُتَعَفِّنة، ويرون أن هذه هي النعمة المُستَحسَنَة)٥: وهو يعني بلفظ بلادنا (تونس). فهو منها.
كان التونسيّ هذا قريباً من سلطان دارفور، وقد عاف ما يأكل أهل دارفور، خاصة الويكة weka بإمالة الواو وفَتح الكاف. شأنه في ذلك شأن الغريب العربي الحكيم المُتدَيِّن الذي يُكرِّمه أهل البلاد، لكن، أن يعاف طعام البلد الذي صَار فيه، ليس من الدين في شيء. لكن مستضيفوه كانوا يتخيَّرون له طعاماً غير طعامهم٦.
وهو -التونسي- قد ذَكَر (الويكة). وهي في الأصل البامية الناشفة، يدقُّونها في مدقٍّ ويغربلونها ويستخدمونها إداماً للعصيدة. لكن هناك أنواع أخرى من الويكة عنده:
- ويكة الهجليج
- ويكة الدودري doˉdari.
ويكة الهجليج تؤخذ من صَفَق شجر الهجليج أو ثمرها. يجب أن يكون الصفق (الورق) طريّاً وجديداً، يدقّونه كما هو ويوضع في قدرٍ على النار مع تحريكه بالمِسوَاط حتى يمتزج مع ما فيه من الماء والدهن. وإن كانت الويكة من الثمر، ينقعون الثمر في الماء ويصفُّونَه في قِدرٍ فيُضاف عليها لحم ثم يكون إداماً للعصيدة.
وويكة الدودري تُؤخد من عظام الغنم والبقر وسائر الحيوانات، خاصة عظم الرُكبة والصدر، يُجَرِّدونها من اللّحم ويضعون العظام في ماعونٍ يقفلونه لزمن، ثم يهرسون ما في الماعون مع اللحم ويصنعون منه كُرات في حجم البرتقال ويأكلونه.
وإذا أرادوا طبخة، أخذوا من هذه الكرات ما أرادوا، وذوَّبوها في الماء وصفُّوها ورَفَعُوها على النار مع زيادة البصل والسمن والملح والفلفل، وهذا طعامٌ طَيِّب عندهم. من طعام المُوسرين.
غالب طعام الفور من النباتات في بلادهم. يزرعون الدخن. وهو أساس في إدام العصيدة به أو يصنعون منه العصيدة ذاتها. كما يزرعون الذرة. وفي معقلهم في جبل مَرَّة، المعروفة بكل فواكه الدنيا، يزرعون القمح ولا يأكلول منه بل يُصدِّرُونه لأسواقٍ أخرى. وأشجار الفواكه في جبل مرة تتجدَّد مع توافر الماء وجريانه. للفور أسماء لبعض مكوّنات طعامهم، مثل:
• نيلمو: niyalmo. وهو ورق شجر الهجليج الطريّ.
عنقلو: angalo، وهو ثمر الهجليج الأخضر.
كَوَل: Kawal، ويكون تكويراً لنباتات عفنة، تُدفَن في الأرض لزمنٍ يسودّ لونها ومسحوقه يُرَشُّ في الطعام كبهار.
كنبو: Kanbo. وهو رماد يُستَخدم في الطعام بدلاً عن الملح لنُدرته عندهم.
***
فيما يختصّ بالصيد والقنص -لتوفير اللحوم لأنفسهم وللآخرين- ينقسم الفور إلى قسمين:
ا - صَيَّادون قَنَّاصة.
- صيادون محترفون.
الصيادون القناصة من يخرجون فرادى للصيد والقنص معتمدين على قدراتهم الخاصة وشجاعتهم ومعرفتهم بأمور الحيوانات بالخبرة، سواءً كانت وحشيةً أو غير وحشية. والصيادون المحترفون من يخرجون جماعةً يدعوهم للخروج كل يوم سبت الوَرنَانِيح warnanih، وهو القائد ضارب طَبْل مخصوص يَجمعهم.
يقول محمد بن عمر التونسي في صيدهم: (منهم من يصطاد ذوات الأربع، كالغزال وبقر الوحش والجاموس والفيل والضباع والسباع والخرتيت وحيد القرن، والأرانب وأبو الحصين (الثعالب)٧.
الغزلان والأرانب يصطادونها بالكلاب (كلاب الصيد المُربَّاة للصيد)، ومنهم من يصطادها بالسَفَرُوق safarug٨. وفي مناطق السافنا الغنية، دَرَج الناس على الصيد -صيد هذه الحيوانات بطُرق مختلفة:
* الفيل دائماً - في جماعة تَرِد الماء. يحفرون حفرةً واسعة عميقة في مسارها، هذه الحفرة سقفها من الحشائش ونَثرٌ قليلٌ من التراب. ويغرزون في قَعْر الحُفرة عَصا سنينة قائمة طوليَّاً. قَطعَاً يقع الفيل في الحفرة، ويأتي الأفراد أصحاب الحفرة، يقتلونه بالحراب، وبِرفعه بالحبال يخلّصونه من العصا السنينة المُنغَرزة في لحمه. وهكذا صيد السباع وبقر الوحش والجاموس والخرتيت. يجعلون من لَحمِهَا شَرَامِيط٩ يأكلونها نيِّئةً وناشفة، ويبيعون منها لمن أراد.
ومن صيد الفور الطيور. وأهمها الحبارى. وفيهم من هو مُتَخَصِّصٌ في صيدها. وطُعم صيدها دود أو حشرات. ومن جنس الطيور عندهم ما يسمونه أبو منظرة، أكبر من الحبارى. ولصيدهما يعقدون تيلاً كحبل، ويضعون في عقدته دوداً أو حشرة يراها الطائر من بعيد، فيسرع إليها ليبتلعها بعقدتها، ثم يُقبض عليهما، ولحمهما من اللحوم المستطابة عندهم.
و يصطادون الطيور الصغيرة بشباك في أركانها عِصِي مستقيمة تصيرُ بها مربعة أو مستطيلة. الشبكة تُرفَع مسنودةً بعصا في رأسها حبل، ينشرون الحَب في ظِلها والحبل في يد الصائد بعيداً، عندما تتجمَّع الطيور في ظل الشبكة لتأكل الحَب، يجذب الصائد الحبل فتقع الشبكة على الطيور فقد اصطادها. يزيلون عنها الريش ثم يَشوونَها على النار ويأكلونها لحماً هَشَّاً لذيذاً١٠١٠.
لِمَعلومات عن أكل الفور لحوم الأفيال والضباع والسباع والخرتيت وغيرها من الحيوانات الوحشية، جلسنا مع رجل منهم هو محمد آدم صالح محمد في وادي حلفا، هل يأكلون لحومها كما قال التونسي؟ كانت إجابته: قد يأكلها بعضهم كالدرامدة daramda والفقراء. لكن الآخرين يأخذون منها جلودها كسياط (مفردها سوط) ومن يصنعون من جلودها أحذية والدرق (مفردها دَرَقَة) يبيعونها للعساكر والدواس١١١١. والفاشر عاصمة دارفور مشهورة بالأحذية الفاشرية من جلود النمور وغيرها)١٢.
***
المريسة marisa عند الفور طعام وشراب، الشراب للسُّكر والاجتماع مع الندامى الأصدقاء والطعام للطاقة والنشاط. وهي من الذرة. يوضع تيراب الذرة زراعةً ويُغطّى بجوال مبلول بالماء، وفي حدود ثلاثة أيام تنبُت الذرة. وتُسَمَّى هنا الذرِّيعة. تنشف الذريعة وتُطحَن وتُوضَع مع الماء في مواعين نظيفة كبيرة حتى تعلوها الرغوة. فَتَسُوغ للشراب. ومقدار شرب الفرد منها عَبَار abar. ولمن أراد السكر عباران وأكثر. ولمن أراد الطاقة والنشاط عبار يَشرَبه على عجل ويذهب نشيطاً، وعلى الرغم من أنها مسكرة، فإنها ليست حراماً فيما يرون.
صورة الغلاف: أدوات الطبخ © متحف المرأة، نيالا
مُقدّمة
في دِرَاساتنا نُفَرِّق بين (قبائل) السودان و(شُعُوبه). فألفاظ (قبيلة - قبائل) تُطلَق -لغوياً وتاريخياً- على العرب فقط. وألفاظ (شعب - شعوب)، تُطلَق على غير العرب. ذلك في قياس ثنائية الهُوِيَّة في السودان بين الأفارقة والعرب. على ذلك فالفور شعب من شعوب السودان، في جنوبه الغربي.
تَعَرَّفنا على شعب الفور بعد هجرة النوبيين لسهل أرض البطانة. كان مشروع حلفا الجديدة الزراعي قد قام في عام ١٩٦٣م تقريباً. للعمل في هذا المشروع هاجر كثيرون إليه من غرب السودان ومنهم الفور. عملوا كعمال أولاً، ثم مؤجري حواشات١، وسكنوا داخل المشروع. دخلوا بيوتنا ودخلنا بيوتهم وعرفناهم عن قُرب، وشاركناهم طعامهم وشرابهم.
حَوَّاشَات المشروع تَجِد فيه الفئرانُ أماكنَ طَيِّبة لهم في شُقُوق أرضها. فئرانٌ كبيرةُ الحجم. يصطادها الفور بأساليب عديدة. ومن كَثَرَتِها يَكُون للواحد منهم عدداً مُعتَبَراً يوميّاً، بعد اصطيادها نجد للواحد منهم حبلاً يمتدُّ في راكوبته٢ تُعلَّق فيه الفئران من أذنانها مسلوخةً حتى تنشف. هنا تُدَقُّ في مَدَقٍّ ثم يُخَزَّن حرزٍ حريز، فهو لحمٌ نافعٌ في الطعام.
طعامهم من الذرة فقط يصنعون منها العصيدة، عرفنا منهم العصيدة، وحمام الشقوق والمولاص. العصيدة من الذرة، دقيقهاً يُعجَن ويُوضَع في إناء يوضع على نار. تحركه المرأة حتى تتلبك وتتماسك، ثم يُضاف لها مسحوق لحم وعظام الفئران الهَشَّان. وهذا هو مسحوق (حَمام الشقوق) اسماً للفئران عندهم، ومع الملح يأتي هذا الطعام ليس مثله طعام، أبداً.
المولاص moˉlaˉs بإمالة الميم واللام، طعام وشراب. فإذا خَرَج الرجل للعمل في الحوَّاشة زوَّدته زوجته به في إناء غير صغير. ذَكَرَهُ الباحث الزاكي عبد الحميد أحمد في كتابٍ له وأخطأ. قال: (المريسة نقع الشيء كالتمر والعجين في الماء ثم تحريكه حتى يَنمَاص، والعجين الذي يُمَاص ويُصفَّى هو المريسة٣. هذا هو المولاص لا المريسة التي سنأتي لسيرتها. قلتُ إن المولاص تزوِّد به الزوجة زوجها، وهو من الذرة فقط.
يخرج الجميع إلى الحوَّاشة: الرجل والمرأة والأولاد والبنات للعمل، هذا ديدنهم حتى في (الجُبرَاكَات) في بلادهم٤، والمولاص هنا طعامهم وشرابهم طول يوم عملهم. ولا يقرب الفور القمح رغم أنهم يزرعونه في المشروع، ويزعم النوبيون والعرب في حلفا الجديدة أنه من النادر جداً أن تَجِدَ مريضاً منهم في مستشفاها، فطعامهم -كما يرون- الذرة والدخن والعصيدة مع مسحوق حمام الشقوق اللذيذ الطاعم.
***
ما قُلناه من قبل، كان للفور في مشروع حلفا للجديدة فحسب. وكُنَّا شهوداً له، أما في بلادهم، الآن، فقد لخَّصه المؤرخ محمد بن عمر التونسي في كتابه (تشحيذ الأذهان بسيرة بلاد السودان) أو (بسيرة بلاد العرب والسودان). قال ما قال، داخلاً إلى الموضوع مَدخَلاً وقفنا عنده كثيراً. قال: (ومعيشتهم في غاية الانحطاط، لو تناول منها أحد من بلادنا مرةً واحدةً لذَهَبَ منه النشاط لأنَّ أَكثَر مأكلهم إما مُرَّةٌ أو مُتَعَفِّنة، ويرون أن هذه هي النعمة المُستَحسَنَة)٥: وهو يعني بلفظ بلادنا (تونس). فهو منها.
كان التونسيّ هذا قريباً من سلطان دارفور، وقد عاف ما يأكل أهل دارفور، خاصة الويكة weka بإمالة الواو وفَتح الكاف. شأنه في ذلك شأن الغريب العربي الحكيم المُتدَيِّن الذي يُكرِّمه أهل البلاد، لكن، أن يعاف طعام البلد الذي صَار فيه، ليس من الدين في شيء. لكن مستضيفوه كانوا يتخيَّرون له طعاماً غير طعامهم٦.
وهو -التونسي- قد ذَكَر (الويكة). وهي في الأصل البامية الناشفة، يدقُّونها في مدقٍّ ويغربلونها ويستخدمونها إداماً للعصيدة. لكن هناك أنواع أخرى من الويكة عنده:
- ويكة الهجليج
- ويكة الدودري doˉdari.
ويكة الهجليج تؤخذ من صَفَق شجر الهجليج أو ثمرها. يجب أن يكون الصفق (الورق) طريّاً وجديداً، يدقّونه كما هو ويوضع في قدرٍ على النار مع تحريكه بالمِسوَاط حتى يمتزج مع ما فيه من الماء والدهن. وإن كانت الويكة من الثمر، ينقعون الثمر في الماء ويصفُّونَه في قِدرٍ فيُضاف عليها لحم ثم يكون إداماً للعصيدة.
وويكة الدودري تُؤخد من عظام الغنم والبقر وسائر الحيوانات، خاصة عظم الرُكبة والصدر، يُجَرِّدونها من اللّحم ويضعون العظام في ماعونٍ يقفلونه لزمن، ثم يهرسون ما في الماعون مع اللحم ويصنعون منه كُرات في حجم البرتقال ويأكلونه.
وإذا أرادوا طبخة، أخذوا من هذه الكرات ما أرادوا، وذوَّبوها في الماء وصفُّوها ورَفَعُوها على النار مع زيادة البصل والسمن والملح والفلفل، وهذا طعامٌ طَيِّب عندهم. من طعام المُوسرين.
غالب طعام الفور من النباتات في بلادهم. يزرعون الدخن. وهو أساس في إدام العصيدة به أو يصنعون منه العصيدة ذاتها. كما يزرعون الذرة. وفي معقلهم في جبل مَرَّة، المعروفة بكل فواكه الدنيا، يزرعون القمح ولا يأكلول منه بل يُصدِّرُونه لأسواقٍ أخرى. وأشجار الفواكه في جبل مرة تتجدَّد مع توافر الماء وجريانه. للفور أسماء لبعض مكوّنات طعامهم، مثل:
• نيلمو: niyalmo. وهو ورق شجر الهجليج الطريّ.
عنقلو: angalo، وهو ثمر الهجليج الأخضر.
كَوَل: Kawal، ويكون تكويراً لنباتات عفنة، تُدفَن في الأرض لزمنٍ يسودّ لونها ومسحوقه يُرَشُّ في الطعام كبهار.
كنبو: Kanbo. وهو رماد يُستَخدم في الطعام بدلاً عن الملح لنُدرته عندهم.
***
فيما يختصّ بالصيد والقنص -لتوفير اللحوم لأنفسهم وللآخرين- ينقسم الفور إلى قسمين:
ا - صَيَّادون قَنَّاصة.
- صيادون محترفون.
الصيادون القناصة من يخرجون فرادى للصيد والقنص معتمدين على قدراتهم الخاصة وشجاعتهم ومعرفتهم بأمور الحيوانات بالخبرة، سواءً كانت وحشيةً أو غير وحشية. والصيادون المحترفون من يخرجون جماعةً يدعوهم للخروج كل يوم سبت الوَرنَانِيح warnanih، وهو القائد ضارب طَبْل مخصوص يَجمعهم.
يقول محمد بن عمر التونسي في صيدهم: (منهم من يصطاد ذوات الأربع، كالغزال وبقر الوحش والجاموس والفيل والضباع والسباع والخرتيت وحيد القرن، والأرانب وأبو الحصين (الثعالب)٧.
الغزلان والأرانب يصطادونها بالكلاب (كلاب الصيد المُربَّاة للصيد)، ومنهم من يصطادها بالسَفَرُوق safarug٨. وفي مناطق السافنا الغنية، دَرَج الناس على الصيد -صيد هذه الحيوانات بطُرق مختلفة:
* الفيل دائماً - في جماعة تَرِد الماء. يحفرون حفرةً واسعة عميقة في مسارها، هذه الحفرة سقفها من الحشائش ونَثرٌ قليلٌ من التراب. ويغرزون في قَعْر الحُفرة عَصا سنينة قائمة طوليَّاً. قَطعَاً يقع الفيل في الحفرة، ويأتي الأفراد أصحاب الحفرة، يقتلونه بالحراب، وبِرفعه بالحبال يخلّصونه من العصا السنينة المُنغَرزة في لحمه. وهكذا صيد السباع وبقر الوحش والجاموس والخرتيت. يجعلون من لَحمِهَا شَرَامِيط٩ يأكلونها نيِّئةً وناشفة، ويبيعون منها لمن أراد.
ومن صيد الفور الطيور. وأهمها الحبارى. وفيهم من هو مُتَخَصِّصٌ في صيدها. وطُعم صيدها دود أو حشرات. ومن جنس الطيور عندهم ما يسمونه أبو منظرة، أكبر من الحبارى. ولصيدهما يعقدون تيلاً كحبل، ويضعون في عقدته دوداً أو حشرة يراها الطائر من بعيد، فيسرع إليها ليبتلعها بعقدتها، ثم يُقبض عليهما، ولحمهما من اللحوم المستطابة عندهم.
و يصطادون الطيور الصغيرة بشباك في أركانها عِصِي مستقيمة تصيرُ بها مربعة أو مستطيلة. الشبكة تُرفَع مسنودةً بعصا في رأسها حبل، ينشرون الحَب في ظِلها والحبل في يد الصائد بعيداً، عندما تتجمَّع الطيور في ظل الشبكة لتأكل الحَب، يجذب الصائد الحبل فتقع الشبكة على الطيور فقد اصطادها. يزيلون عنها الريش ثم يَشوونَها على النار ويأكلونها لحماً هَشَّاً لذيذاً١٠١٠.
لِمَعلومات عن أكل الفور لحوم الأفيال والضباع والسباع والخرتيت وغيرها من الحيوانات الوحشية، جلسنا مع رجل منهم هو محمد آدم صالح محمد في وادي حلفا، هل يأكلون لحومها كما قال التونسي؟ كانت إجابته: قد يأكلها بعضهم كالدرامدة daramda والفقراء. لكن الآخرين يأخذون منها جلودها كسياط (مفردها سوط) ومن يصنعون من جلودها أحذية والدرق (مفردها دَرَقَة) يبيعونها للعساكر والدواس١١١١. والفاشر عاصمة دارفور مشهورة بالأحذية الفاشرية من جلود النمور وغيرها)١٢.
***
المريسة marisa عند الفور طعام وشراب، الشراب للسُّكر والاجتماع مع الندامى الأصدقاء والطعام للطاقة والنشاط. وهي من الذرة. يوضع تيراب الذرة زراعةً ويُغطّى بجوال مبلول بالماء، وفي حدود ثلاثة أيام تنبُت الذرة. وتُسَمَّى هنا الذرِّيعة. تنشف الذريعة وتُطحَن وتُوضَع مع الماء في مواعين نظيفة كبيرة حتى تعلوها الرغوة. فَتَسُوغ للشراب. ومقدار شرب الفرد منها عَبَار abar. ولمن أراد السكر عباران وأكثر. ولمن أراد الطاقة والنشاط عبار يَشرَبه على عجل ويذهب نشيطاً، وعلى الرغم من أنها مسكرة، فإنها ليست حراماً فيما يرون.
صورة الغلاف: أدوات الطبخ © متحف المرأة، نيالا
مُقدّمة
في دِرَاساتنا نُفَرِّق بين (قبائل) السودان و(شُعُوبه). فألفاظ (قبيلة - قبائل) تُطلَق -لغوياً وتاريخياً- على العرب فقط. وألفاظ (شعب - شعوب)، تُطلَق على غير العرب. ذلك في قياس ثنائية الهُوِيَّة في السودان بين الأفارقة والعرب. على ذلك فالفور شعب من شعوب السودان، في جنوبه الغربي.
تَعَرَّفنا على شعب الفور بعد هجرة النوبيين لسهل أرض البطانة. كان مشروع حلفا الجديدة الزراعي قد قام في عام ١٩٦٣م تقريباً. للعمل في هذا المشروع هاجر كثيرون إليه من غرب السودان ومنهم الفور. عملوا كعمال أولاً، ثم مؤجري حواشات١، وسكنوا داخل المشروع. دخلوا بيوتنا ودخلنا بيوتهم وعرفناهم عن قُرب، وشاركناهم طعامهم وشرابهم.
حَوَّاشَات المشروع تَجِد فيه الفئرانُ أماكنَ طَيِّبة لهم في شُقُوق أرضها. فئرانٌ كبيرةُ الحجم. يصطادها الفور بأساليب عديدة. ومن كَثَرَتِها يَكُون للواحد منهم عدداً مُعتَبَراً يوميّاً، بعد اصطيادها نجد للواحد منهم حبلاً يمتدُّ في راكوبته٢ تُعلَّق فيه الفئران من أذنانها مسلوخةً حتى تنشف. هنا تُدَقُّ في مَدَقٍّ ثم يُخَزَّن حرزٍ حريز، فهو لحمٌ نافعٌ في الطعام.
طعامهم من الذرة فقط يصنعون منها العصيدة، عرفنا منهم العصيدة، وحمام الشقوق والمولاص. العصيدة من الذرة، دقيقهاً يُعجَن ويُوضَع في إناء يوضع على نار. تحركه المرأة حتى تتلبك وتتماسك، ثم يُضاف لها مسحوق لحم وعظام الفئران الهَشَّان. وهذا هو مسحوق (حَمام الشقوق) اسماً للفئران عندهم، ومع الملح يأتي هذا الطعام ليس مثله طعام، أبداً.
المولاص moˉlaˉs بإمالة الميم واللام، طعام وشراب. فإذا خَرَج الرجل للعمل في الحوَّاشة زوَّدته زوجته به في إناء غير صغير. ذَكَرَهُ الباحث الزاكي عبد الحميد أحمد في كتابٍ له وأخطأ. قال: (المريسة نقع الشيء كالتمر والعجين في الماء ثم تحريكه حتى يَنمَاص، والعجين الذي يُمَاص ويُصفَّى هو المريسة٣. هذا هو المولاص لا المريسة التي سنأتي لسيرتها. قلتُ إن المولاص تزوِّد به الزوجة زوجها، وهو من الذرة فقط.
يخرج الجميع إلى الحوَّاشة: الرجل والمرأة والأولاد والبنات للعمل، هذا ديدنهم حتى في (الجُبرَاكَات) في بلادهم٤، والمولاص هنا طعامهم وشرابهم طول يوم عملهم. ولا يقرب الفور القمح رغم أنهم يزرعونه في المشروع، ويزعم النوبيون والعرب في حلفا الجديدة أنه من النادر جداً أن تَجِدَ مريضاً منهم في مستشفاها، فطعامهم -كما يرون- الذرة والدخن والعصيدة مع مسحوق حمام الشقوق اللذيذ الطاعم.
***
ما قُلناه من قبل، كان للفور في مشروع حلفا للجديدة فحسب. وكُنَّا شهوداً له، أما في بلادهم، الآن، فقد لخَّصه المؤرخ محمد بن عمر التونسي في كتابه (تشحيذ الأذهان بسيرة بلاد السودان) أو (بسيرة بلاد العرب والسودان). قال ما قال، داخلاً إلى الموضوع مَدخَلاً وقفنا عنده كثيراً. قال: (ومعيشتهم في غاية الانحطاط، لو تناول منها أحد من بلادنا مرةً واحدةً لذَهَبَ منه النشاط لأنَّ أَكثَر مأكلهم إما مُرَّةٌ أو مُتَعَفِّنة، ويرون أن هذه هي النعمة المُستَحسَنَة)٥: وهو يعني بلفظ بلادنا (تونس). فهو منها.
كان التونسيّ هذا قريباً من سلطان دارفور، وقد عاف ما يأكل أهل دارفور، خاصة الويكة weka بإمالة الواو وفَتح الكاف. شأنه في ذلك شأن الغريب العربي الحكيم المُتدَيِّن الذي يُكرِّمه أهل البلاد، لكن، أن يعاف طعام البلد الذي صَار فيه، ليس من الدين في شيء. لكن مستضيفوه كانوا يتخيَّرون له طعاماً غير طعامهم٦.
وهو -التونسي- قد ذَكَر (الويكة). وهي في الأصل البامية الناشفة، يدقُّونها في مدقٍّ ويغربلونها ويستخدمونها إداماً للعصيدة. لكن هناك أنواع أخرى من الويكة عنده:
- ويكة الهجليج
- ويكة الدودري doˉdari.
ويكة الهجليج تؤخذ من صَفَق شجر الهجليج أو ثمرها. يجب أن يكون الصفق (الورق) طريّاً وجديداً، يدقّونه كما هو ويوضع في قدرٍ على النار مع تحريكه بالمِسوَاط حتى يمتزج مع ما فيه من الماء والدهن. وإن كانت الويكة من الثمر، ينقعون الثمر في الماء ويصفُّونَه في قِدرٍ فيُضاف عليها لحم ثم يكون إداماً للعصيدة.
وويكة الدودري تُؤخد من عظام الغنم والبقر وسائر الحيوانات، خاصة عظم الرُكبة والصدر، يُجَرِّدونها من اللّحم ويضعون العظام في ماعونٍ يقفلونه لزمن، ثم يهرسون ما في الماعون مع اللحم ويصنعون منه كُرات في حجم البرتقال ويأكلونه.
وإذا أرادوا طبخة، أخذوا من هذه الكرات ما أرادوا، وذوَّبوها في الماء وصفُّوها ورَفَعُوها على النار مع زيادة البصل والسمن والملح والفلفل، وهذا طعامٌ طَيِّب عندهم. من طعام المُوسرين.
غالب طعام الفور من النباتات في بلادهم. يزرعون الدخن. وهو أساس في إدام العصيدة به أو يصنعون منه العصيدة ذاتها. كما يزرعون الذرة. وفي معقلهم في جبل مَرَّة، المعروفة بكل فواكه الدنيا، يزرعون القمح ولا يأكلول منه بل يُصدِّرُونه لأسواقٍ أخرى. وأشجار الفواكه في جبل مرة تتجدَّد مع توافر الماء وجريانه. للفور أسماء لبعض مكوّنات طعامهم، مثل:
• نيلمو: niyalmo. وهو ورق شجر الهجليج الطريّ.
عنقلو: angalo، وهو ثمر الهجليج الأخضر.
كَوَل: Kawal، ويكون تكويراً لنباتات عفنة، تُدفَن في الأرض لزمنٍ يسودّ لونها ومسحوقه يُرَشُّ في الطعام كبهار.
كنبو: Kanbo. وهو رماد يُستَخدم في الطعام بدلاً عن الملح لنُدرته عندهم.
***
فيما يختصّ بالصيد والقنص -لتوفير اللحوم لأنفسهم وللآخرين- ينقسم الفور إلى قسمين:
ا - صَيَّادون قَنَّاصة.
- صيادون محترفون.
الصيادون القناصة من يخرجون فرادى للصيد والقنص معتمدين على قدراتهم الخاصة وشجاعتهم ومعرفتهم بأمور الحيوانات بالخبرة، سواءً كانت وحشيةً أو غير وحشية. والصيادون المحترفون من يخرجون جماعةً يدعوهم للخروج كل يوم سبت الوَرنَانِيح warnanih، وهو القائد ضارب طَبْل مخصوص يَجمعهم.
يقول محمد بن عمر التونسي في صيدهم: (منهم من يصطاد ذوات الأربع، كالغزال وبقر الوحش والجاموس والفيل والضباع والسباع والخرتيت وحيد القرن، والأرانب وأبو الحصين (الثعالب)٧.
الغزلان والأرانب يصطادونها بالكلاب (كلاب الصيد المُربَّاة للصيد)، ومنهم من يصطادها بالسَفَرُوق safarug٨. وفي مناطق السافنا الغنية، دَرَج الناس على الصيد -صيد هذه الحيوانات بطُرق مختلفة:
* الفيل دائماً - في جماعة تَرِد الماء. يحفرون حفرةً واسعة عميقة في مسارها، هذه الحفرة سقفها من الحشائش ونَثرٌ قليلٌ من التراب. ويغرزون في قَعْر الحُفرة عَصا سنينة قائمة طوليَّاً. قَطعَاً يقع الفيل في الحفرة، ويأتي الأفراد أصحاب الحفرة، يقتلونه بالحراب، وبِرفعه بالحبال يخلّصونه من العصا السنينة المُنغَرزة في لحمه. وهكذا صيد السباع وبقر الوحش والجاموس والخرتيت. يجعلون من لَحمِهَا شَرَامِيط٩ يأكلونها نيِّئةً وناشفة، ويبيعون منها لمن أراد.
ومن صيد الفور الطيور. وأهمها الحبارى. وفيهم من هو مُتَخَصِّصٌ في صيدها. وطُعم صيدها دود أو حشرات. ومن جنس الطيور عندهم ما يسمونه أبو منظرة، أكبر من الحبارى. ولصيدهما يعقدون تيلاً كحبل، ويضعون في عقدته دوداً أو حشرة يراها الطائر من بعيد، فيسرع إليها ليبتلعها بعقدتها، ثم يُقبض عليهما، ولحمهما من اللحوم المستطابة عندهم.
و يصطادون الطيور الصغيرة بشباك في أركانها عِصِي مستقيمة تصيرُ بها مربعة أو مستطيلة. الشبكة تُرفَع مسنودةً بعصا في رأسها حبل، ينشرون الحَب في ظِلها والحبل في يد الصائد بعيداً، عندما تتجمَّع الطيور في ظل الشبكة لتأكل الحَب، يجذب الصائد الحبل فتقع الشبكة على الطيور فقد اصطادها. يزيلون عنها الريش ثم يَشوونَها على النار ويأكلونها لحماً هَشَّاً لذيذاً١٠١٠.
لِمَعلومات عن أكل الفور لحوم الأفيال والضباع والسباع والخرتيت وغيرها من الحيوانات الوحشية، جلسنا مع رجل منهم هو محمد آدم صالح محمد في وادي حلفا، هل يأكلون لحومها كما قال التونسي؟ كانت إجابته: قد يأكلها بعضهم كالدرامدة daramda والفقراء. لكن الآخرين يأخذون منها جلودها كسياط (مفردها سوط) ومن يصنعون من جلودها أحذية والدرق (مفردها دَرَقَة) يبيعونها للعساكر والدواس١١١١. والفاشر عاصمة دارفور مشهورة بالأحذية الفاشرية من جلود النمور وغيرها)١٢.
***
المريسة marisa عند الفور طعام وشراب، الشراب للسُّكر والاجتماع مع الندامى الأصدقاء والطعام للطاقة والنشاط. وهي من الذرة. يوضع تيراب الذرة زراعةً ويُغطّى بجوال مبلول بالماء، وفي حدود ثلاثة أيام تنبُت الذرة. وتُسَمَّى هنا الذرِّيعة. تنشف الذريعة وتُطحَن وتُوضَع مع الماء في مواعين نظيفة كبيرة حتى تعلوها الرغوة. فَتَسُوغ للشراب. ومقدار شرب الفرد منها عَبَار abar. ولمن أراد السكر عباران وأكثر. ولمن أراد الطاقة والنشاط عبار يَشرَبه على عجل ويذهب نشيطاً، وعلى الرغم من أنها مسكرة، فإنها ليست حراماً فيما يرون.
صورة الغلاف: أدوات الطبخ © متحف المرأة، نيالا
عن مَصيدة القمح
عن مَصيدة القمح
يَتتبَّع الفيلم الوثائقي "مصيدة القمح" للمخرج محمد فاوي، ومن إنتاج قناة العربي التلفزيونية، حياة العديد من المزارعين وأسرهم في قرية "الكمر الجعليين"، وهي جزء من مشروع الجزيرة الزراعي في وسط السودان. تم تصوير الفيلم على خلفية تدهور الظروف الاقتصادية بسبب نقص الوقود والخبز وعدم الاستقرار السياسي. كما يُصوّر الفيلم الاحتجاجات المناهضة للحكومة والتي بلغت ذروتها في ثورة ٢٠١٩م التي أطاحت بعمر البشير، والتي اندلعت بسبب احتجاج في عطبرة بسبب زيادة أسعار الخبز.
الموضوع الرئيسي لفيلم "مصيدة القمح" هو التساؤل عن كيفية ولماذا ابتعد السودانيون عن الأطعمة التقليدية مثل الكسرة والعصيدة المصنوعة من الذرة الرفيعة والدخن، إلى أرغفة الخبز المصنوعة من القمح. غالبًا ما تتم الإشارة إلى أهمية الأطعمة التقليدية في الماضي. وتنتشر في القرية حكايات وروايات مثل كيف كانت الشابات في الماضي لا يُعتَبَرنَ مؤهلات للزواج إلا إذا كن قادرات على صنع كومة كبيرة من الكسرة ذات النوعية الجيدة، واليوم، لا تستمر في هذه العادة سوى النساء الأكبر سناً في القرية. وتقول إحدى النساء عن زوجها، وهي تجلس بالقرب من طبق صاج ساخن وتسكب عليه مغرفة من عجينة الكسرة: "أستيقظ مبكراً في الصباح، حتى لو كان ذلك في الساعة السادسة صباحاً لصنع الكسرة، وأقول له إذا لم تأكل فلن أسمح لك بالخروج".
أثناء الغداء وتناول كومة الكسرة الطازجة والملاح الساخن، يناقش الرجال الأسباب التي تجعلهم يعتقدون أن الناس أصبحوا يبتعدون بشكل متزايد عن الحياة "البسيطة" في الماضي لصالح القمح والخبز. ويقول أحد المزارعين إن المنح المجانية من القمح والسلع الأساسية الأخرى التي قدمتها إدارة المعونة الأمريكية في أواخر الخمسينيات، والتي تم إرسالها "كرمز للصداقة"، كانت تعني انتشار شهية أرغفة الخبز المصنوعة من القمح إلى المناطق الريفية. ويؤكد المزارع أن هذا التحول الاجتماعي في تفضيل المجتمع للقمح هو أداة "الاستعمار الحديث". ويصف المصيدة، الموجودة في عنوان الفيلم، بعادة الاستهلاك التي تطورت نتيجة للقمح المجاني وفقدان الشهية للحبوب التقليدية مثل الذرة الرفيعة والدخن.
ويشرح مزارع آخر كيف أن أنماط الحياة المتغيرة، مع اختيار الفتيات والنساء لمواصلة تعليمهن والحصول على وظائف، يعني أنهنَّ لم يعد لديهن الوقت لإعداد وصنع الكسرة والعصيدة لكل وجبة. وبدلاً من ذلك، أصبح من الأسهل بكثير شراء الخبز الجاهز من المخابز بينما تحظى المنتجات الجديدة، مثل البيتزا والمعجنات المصنوعة من القمح، بشعبية كبيرة أيضاً. ويوضّح أن المزارعين أنفسهم تحولوا إلى المحاصيل النقدية مع مثال أن محصول فدانين من البصل أكثر ربحية من زراعة الذرة الرفيعة غير المرغوب فيها.
منذ الاستيراد المجاني في الماضي، كانت الواردات التجارية من القمح في ارتفاعٍ مستمر، خاصَّةً وأن مناخ السودان أقل ملاءمة لزراعة القمح مقارنة بالذرة الرفيعة. ولقد وجدت الحكومات السودانية نفسها دائماً في موقف محاولة الحفاظ على أسعار معقولة من خلال الدعم المتزايد باستمرار. وفي الفيلم، يتحول المزارعون في مشروع الجزيرة تدريجيَّاً إلى زراعة القمح كمنتج أكثر ربحية، لكن السودان لا يزال يستورد حوالي ستين في المائة من احتياجاته من القمح.
وتنتهي الخيوط التي تجري عبر الفيلم في المشاهد الأخيرة. ففي حين كان حصاد القمح سخيَّاً وسُمِحَ لأحد المزارعين أخيراً بالزواج من خطيبته، يرفض المحتجون في موقع الاعتصام أمام مقر الجيش -أثناء الثورة- قبول التبرعات التي قدمتها الدول الأجنبية لدعم المخيم. وتشير اللقطة الختامية إلى أن الشكل الأول من المساعدات التي قدمتها الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر للمجلس العسكري، الذي تولى السلطة بعد عزل البشير، كان يتكون من القمح.
صور المعرض من فيلم مصيدة القمح، جميع الحقوق محفوظة لمحمد فاوي.
يَتتبَّع الفيلم الوثائقي "مصيدة القمح" للمخرج محمد فاوي، ومن إنتاج قناة العربي التلفزيونية، حياة العديد من المزارعين وأسرهم في قرية "الكمر الجعليين"، وهي جزء من مشروع الجزيرة الزراعي في وسط السودان. تم تصوير الفيلم على خلفية تدهور الظروف الاقتصادية بسبب نقص الوقود والخبز وعدم الاستقرار السياسي. كما يُصوّر الفيلم الاحتجاجات المناهضة للحكومة والتي بلغت ذروتها في ثورة ٢٠١٩م التي أطاحت بعمر البشير، والتي اندلعت بسبب احتجاج في عطبرة بسبب زيادة أسعار الخبز.
الموضوع الرئيسي لفيلم "مصيدة القمح" هو التساؤل عن كيفية ولماذا ابتعد السودانيون عن الأطعمة التقليدية مثل الكسرة والعصيدة المصنوعة من الذرة الرفيعة والدخن، إلى أرغفة الخبز المصنوعة من القمح. غالبًا ما تتم الإشارة إلى أهمية الأطعمة التقليدية في الماضي. وتنتشر في القرية حكايات وروايات مثل كيف كانت الشابات في الماضي لا يُعتَبَرنَ مؤهلات للزواج إلا إذا كن قادرات على صنع كومة كبيرة من الكسرة ذات النوعية الجيدة، واليوم، لا تستمر في هذه العادة سوى النساء الأكبر سناً في القرية. وتقول إحدى النساء عن زوجها، وهي تجلس بالقرب من طبق صاج ساخن وتسكب عليه مغرفة من عجينة الكسرة: "أستيقظ مبكراً في الصباح، حتى لو كان ذلك في الساعة السادسة صباحاً لصنع الكسرة، وأقول له إذا لم تأكل فلن أسمح لك بالخروج".
أثناء الغداء وتناول كومة الكسرة الطازجة والملاح الساخن، يناقش الرجال الأسباب التي تجعلهم يعتقدون أن الناس أصبحوا يبتعدون بشكل متزايد عن الحياة "البسيطة" في الماضي لصالح القمح والخبز. ويقول أحد المزارعين إن المنح المجانية من القمح والسلع الأساسية الأخرى التي قدمتها إدارة المعونة الأمريكية في أواخر الخمسينيات، والتي تم إرسالها "كرمز للصداقة"، كانت تعني انتشار شهية أرغفة الخبز المصنوعة من القمح إلى المناطق الريفية. ويؤكد المزارع أن هذا التحول الاجتماعي في تفضيل المجتمع للقمح هو أداة "الاستعمار الحديث". ويصف المصيدة، الموجودة في عنوان الفيلم، بعادة الاستهلاك التي تطورت نتيجة للقمح المجاني وفقدان الشهية للحبوب التقليدية مثل الذرة الرفيعة والدخن.
ويشرح مزارع آخر كيف أن أنماط الحياة المتغيرة، مع اختيار الفتيات والنساء لمواصلة تعليمهن والحصول على وظائف، يعني أنهنَّ لم يعد لديهن الوقت لإعداد وصنع الكسرة والعصيدة لكل وجبة. وبدلاً من ذلك، أصبح من الأسهل بكثير شراء الخبز الجاهز من المخابز بينما تحظى المنتجات الجديدة، مثل البيتزا والمعجنات المصنوعة من القمح، بشعبية كبيرة أيضاً. ويوضّح أن المزارعين أنفسهم تحولوا إلى المحاصيل النقدية مع مثال أن محصول فدانين من البصل أكثر ربحية من زراعة الذرة الرفيعة غير المرغوب فيها.
منذ الاستيراد المجاني في الماضي، كانت الواردات التجارية من القمح في ارتفاعٍ مستمر، خاصَّةً وأن مناخ السودان أقل ملاءمة لزراعة القمح مقارنة بالذرة الرفيعة. ولقد وجدت الحكومات السودانية نفسها دائماً في موقف محاولة الحفاظ على أسعار معقولة من خلال الدعم المتزايد باستمرار. وفي الفيلم، يتحول المزارعون في مشروع الجزيرة تدريجيَّاً إلى زراعة القمح كمنتج أكثر ربحية، لكن السودان لا يزال يستورد حوالي ستين في المائة من احتياجاته من القمح.
وتنتهي الخيوط التي تجري عبر الفيلم في المشاهد الأخيرة. ففي حين كان حصاد القمح سخيَّاً وسُمِحَ لأحد المزارعين أخيراً بالزواج من خطيبته، يرفض المحتجون في موقع الاعتصام أمام مقر الجيش -أثناء الثورة- قبول التبرعات التي قدمتها الدول الأجنبية لدعم المخيم. وتشير اللقطة الختامية إلى أن الشكل الأول من المساعدات التي قدمتها الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر للمجلس العسكري، الذي تولى السلطة بعد عزل البشير، كان يتكون من القمح.
صور المعرض من فيلم مصيدة القمح، جميع الحقوق محفوظة لمحمد فاوي.
يَتتبَّع الفيلم الوثائقي "مصيدة القمح" للمخرج محمد فاوي، ومن إنتاج قناة العربي التلفزيونية، حياة العديد من المزارعين وأسرهم في قرية "الكمر الجعليين"، وهي جزء من مشروع الجزيرة الزراعي في وسط السودان. تم تصوير الفيلم على خلفية تدهور الظروف الاقتصادية بسبب نقص الوقود والخبز وعدم الاستقرار السياسي. كما يُصوّر الفيلم الاحتجاجات المناهضة للحكومة والتي بلغت ذروتها في ثورة ٢٠١٩م التي أطاحت بعمر البشير، والتي اندلعت بسبب احتجاج في عطبرة بسبب زيادة أسعار الخبز.
الموضوع الرئيسي لفيلم "مصيدة القمح" هو التساؤل عن كيفية ولماذا ابتعد السودانيون عن الأطعمة التقليدية مثل الكسرة والعصيدة المصنوعة من الذرة الرفيعة والدخن، إلى أرغفة الخبز المصنوعة من القمح. غالبًا ما تتم الإشارة إلى أهمية الأطعمة التقليدية في الماضي. وتنتشر في القرية حكايات وروايات مثل كيف كانت الشابات في الماضي لا يُعتَبَرنَ مؤهلات للزواج إلا إذا كن قادرات على صنع كومة كبيرة من الكسرة ذات النوعية الجيدة، واليوم، لا تستمر في هذه العادة سوى النساء الأكبر سناً في القرية. وتقول إحدى النساء عن زوجها، وهي تجلس بالقرب من طبق صاج ساخن وتسكب عليه مغرفة من عجينة الكسرة: "أستيقظ مبكراً في الصباح، حتى لو كان ذلك في الساعة السادسة صباحاً لصنع الكسرة، وأقول له إذا لم تأكل فلن أسمح لك بالخروج".
أثناء الغداء وتناول كومة الكسرة الطازجة والملاح الساخن، يناقش الرجال الأسباب التي تجعلهم يعتقدون أن الناس أصبحوا يبتعدون بشكل متزايد عن الحياة "البسيطة" في الماضي لصالح القمح والخبز. ويقول أحد المزارعين إن المنح المجانية من القمح والسلع الأساسية الأخرى التي قدمتها إدارة المعونة الأمريكية في أواخر الخمسينيات، والتي تم إرسالها "كرمز للصداقة"، كانت تعني انتشار شهية أرغفة الخبز المصنوعة من القمح إلى المناطق الريفية. ويؤكد المزارع أن هذا التحول الاجتماعي في تفضيل المجتمع للقمح هو أداة "الاستعمار الحديث". ويصف المصيدة، الموجودة في عنوان الفيلم، بعادة الاستهلاك التي تطورت نتيجة للقمح المجاني وفقدان الشهية للحبوب التقليدية مثل الذرة الرفيعة والدخن.
ويشرح مزارع آخر كيف أن أنماط الحياة المتغيرة، مع اختيار الفتيات والنساء لمواصلة تعليمهن والحصول على وظائف، يعني أنهنَّ لم يعد لديهن الوقت لإعداد وصنع الكسرة والعصيدة لكل وجبة. وبدلاً من ذلك، أصبح من الأسهل بكثير شراء الخبز الجاهز من المخابز بينما تحظى المنتجات الجديدة، مثل البيتزا والمعجنات المصنوعة من القمح، بشعبية كبيرة أيضاً. ويوضّح أن المزارعين أنفسهم تحولوا إلى المحاصيل النقدية مع مثال أن محصول فدانين من البصل أكثر ربحية من زراعة الذرة الرفيعة غير المرغوب فيها.
منذ الاستيراد المجاني في الماضي، كانت الواردات التجارية من القمح في ارتفاعٍ مستمر، خاصَّةً وأن مناخ السودان أقل ملاءمة لزراعة القمح مقارنة بالذرة الرفيعة. ولقد وجدت الحكومات السودانية نفسها دائماً في موقف محاولة الحفاظ على أسعار معقولة من خلال الدعم المتزايد باستمرار. وفي الفيلم، يتحول المزارعون في مشروع الجزيرة تدريجيَّاً إلى زراعة القمح كمنتج أكثر ربحية، لكن السودان لا يزال يستورد حوالي ستين في المائة من احتياجاته من القمح.
وتنتهي الخيوط التي تجري عبر الفيلم في المشاهد الأخيرة. ففي حين كان حصاد القمح سخيَّاً وسُمِحَ لأحد المزارعين أخيراً بالزواج من خطيبته، يرفض المحتجون في موقع الاعتصام أمام مقر الجيش -أثناء الثورة- قبول التبرعات التي قدمتها الدول الأجنبية لدعم المخيم. وتشير اللقطة الختامية إلى أن الشكل الأول من المساعدات التي قدمتها الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر للمجلس العسكري، الذي تولى السلطة بعد عزل البشير، كان يتكون من القمح.
صور المعرض من فيلم مصيدة القمح، جميع الحقوق محفوظة لمحمد فاوي.
نحن نعيش بالطعام
نحن ما نأكله. الطعام هو انعكاس لبيئتنا وهويتنا. نستخدمه للطب والراحة.
طرق حفظ الطعام
طرق حفظ الطعام
يتميز السودان بتنوع مناخه واختلاف تضاريسه، ومع ذلك فإن أكبر مساحات البلاد تقع في مناطق جافة وشبه جافة، مما يجعل حفظ الطعام، خاصة المحاصيل الموسمية، ضرورة تحدد إلى حد كبير أسلوب الطبخ السوداني. حتى أن حامد أحمد ضرار في كتابه "الأطعمة المخمرة المحلية في السودان: دراسة في الطعام والتغذية الإفريقية" وصف السودان بأنه عاصمة العالم للأطعمة المخمرة.
أشهر أشكال الحفظ هي: التخمير، التمليح، والتجفيف.
في السودان، يُستخدم التخمير لوصف مجموعة متنوعة من تقنيات الطهي الأخرى وليس فقط إضافة الخميرة أو انتظار الطعام حتى يصبح حامضاً، حيث يتم استخدام التخمير لتحضير منتجات الألبان لصنع الجبن. والتخليل هو إعداد الطعام باستخدام المحلول الملحي، أي الماء المملح.
صورة الغلاف © آية سنادة، الجزيرة
تصميم زينب جعفر
يتميز السودان بتنوع مناخه واختلاف تضاريسه، ومع ذلك فإن أكبر مساحات البلاد تقع في مناطق جافة وشبه جافة، مما يجعل حفظ الطعام، خاصة المحاصيل الموسمية، ضرورة تحدد إلى حد كبير أسلوب الطبخ السوداني. حتى أن حامد أحمد ضرار في كتابه "الأطعمة المخمرة المحلية في السودان: دراسة في الطعام والتغذية الإفريقية" وصف السودان بأنه عاصمة العالم للأطعمة المخمرة.
أشهر أشكال الحفظ هي: التخمير، التمليح، والتجفيف.
في السودان، يُستخدم التخمير لوصف مجموعة متنوعة من تقنيات الطهي الأخرى وليس فقط إضافة الخميرة أو انتظار الطعام حتى يصبح حامضاً، حيث يتم استخدام التخمير لتحضير منتجات الألبان لصنع الجبن. والتخليل هو إعداد الطعام باستخدام المحلول الملحي، أي الماء المملح.
صورة الغلاف © آية سنادة، الجزيرة
تصميم زينب جعفر
يتميز السودان بتنوع مناخه واختلاف تضاريسه، ومع ذلك فإن أكبر مساحات البلاد تقع في مناطق جافة وشبه جافة، مما يجعل حفظ الطعام، خاصة المحاصيل الموسمية، ضرورة تحدد إلى حد كبير أسلوب الطبخ السوداني. حتى أن حامد أحمد ضرار في كتابه "الأطعمة المخمرة المحلية في السودان: دراسة في الطعام والتغذية الإفريقية" وصف السودان بأنه عاصمة العالم للأطعمة المخمرة.
أشهر أشكال الحفظ هي: التخمير، التمليح، والتجفيف.
في السودان، يُستخدم التخمير لوصف مجموعة متنوعة من تقنيات الطهي الأخرى وليس فقط إضافة الخميرة أو انتظار الطعام حتى يصبح حامضاً، حيث يتم استخدام التخمير لتحضير منتجات الألبان لصنع الجبن. والتخليل هو إعداد الطعام باستخدام المحلول الملحي، أي الماء المملح.
صورة الغلاف © آية سنادة، الجزيرة
تصميم زينب جعفر
سوق الأبيض للمحاصيل
سوق الأبيض للمحاصيل
سوق المحاصيل أو البورصة بالأبيض، هو أحد معالم المدينة الاقتصادية الأساسية، ويُعتبر البورصة الأكبر عالمياً لتصدير الصمغ العربي (الهشاب). تم إنشاء السوق في العام ١٩٠٧ بعد أن أصبح الصمغ العربي سلعة مرغوبة في الصناعات المختلفة. في بداياته كان السوق منطقة مفتوحة ومحاطة بسور من الشوك، حالياً يوجد بالقرب من السكة حديد، إلا أن موقعه القديم تشغره الآن سينما كردفان وبنك الخرطوم وبعض الأسواق المختلفة.
أما على نطاق السودان فسوق المحاصيل بكردفان هو واحد من أكبر أسواق المحاصيل في غرب السودان، وتُباع فيه مختلف المحاصيل الزراعية والغابية والبستانية، التي يؤتى بها من مختلف المناطق المناخية.
في هذا الفيديو الوثائقي الذي أُنتج في ستينات القرن الماضي، تظهر رحلة نبتة الكركديه من الأرض حتى أن تصل لسوق المحاصيل والمزاد. تم عرض هذا الفيديو في برنامج الذاكرة الذهبية والذي كان يُبثّ من قناة السودان.
غير الكركديه والصمغ العربي والمحاصيل الزراعية الأخرى التي تُباع في السوق هنالك الفول السوداني، والسمسم الأبيض والأحمر وحب البطيخ (التسالي) والدخن والكركدي واللوبيا والويكة والأسماك. أما المنتجات الغابية فهي العرديب (التمر هندي) واللالوب (الهجليلة) والدوم والنبق (شجرة السدر) والقنقليز (التبلدي) وأبو ليلة والقضيم. أما المحاصيل البستانية في الفواكه مثل المانجو والجوافة والخضر بأنواعها؛ الطماطم والعجور والتبش، وتُزرع في مناطق قريبة مثل البان جديد والرهد (تردة الرهد وهي بحيرة مائية). وتُباع أيضاً في السوق بعض الأطعمة المعلّبة مثل الزيوت والصلصة وزبدة الفول السوداني والطحنية.
سوق المحاصيل أو البورصة بالأبيض، هو أحد معالم المدينة الاقتصادية الأساسية، ويُعتبر البورصة الأكبر عالمياً لتصدير الصمغ العربي (الهشاب). تم إنشاء السوق في العام ١٩٠٧ بعد أن أصبح الصمغ العربي سلعة مرغوبة في الصناعات المختلفة. في بداياته كان السوق منطقة مفتوحة ومحاطة بسور من الشوك، حالياً يوجد بالقرب من السكة حديد، إلا أن موقعه القديم تشغره الآن سينما كردفان وبنك الخرطوم وبعض الأسواق المختلفة.
أما على نطاق السودان فسوق المحاصيل بكردفان هو واحد من أكبر أسواق المحاصيل في غرب السودان، وتُباع فيه مختلف المحاصيل الزراعية والغابية والبستانية، التي يؤتى بها من مختلف المناطق المناخية.
في هذا الفيديو الوثائقي الذي أُنتج في ستينات القرن الماضي، تظهر رحلة نبتة الكركديه من الأرض حتى أن تصل لسوق المحاصيل والمزاد. تم عرض هذا الفيديو في برنامج الذاكرة الذهبية والذي كان يُبثّ من قناة السودان.
غير الكركديه والصمغ العربي والمحاصيل الزراعية الأخرى التي تُباع في السوق هنالك الفول السوداني، والسمسم الأبيض والأحمر وحب البطيخ (التسالي) والدخن والكركدي واللوبيا والويكة والأسماك. أما المنتجات الغابية فهي العرديب (التمر هندي) واللالوب (الهجليلة) والدوم والنبق (شجرة السدر) والقنقليز (التبلدي) وأبو ليلة والقضيم. أما المحاصيل البستانية في الفواكه مثل المانجو والجوافة والخضر بأنواعها؛ الطماطم والعجور والتبش، وتُزرع في مناطق قريبة مثل البان جديد والرهد (تردة الرهد وهي بحيرة مائية). وتُباع أيضاً في السوق بعض الأطعمة المعلّبة مثل الزيوت والصلصة وزبدة الفول السوداني والطحنية.
سوق المحاصيل أو البورصة بالأبيض، هو أحد معالم المدينة الاقتصادية الأساسية، ويُعتبر البورصة الأكبر عالمياً لتصدير الصمغ العربي (الهشاب). تم إنشاء السوق في العام ١٩٠٧ بعد أن أصبح الصمغ العربي سلعة مرغوبة في الصناعات المختلفة. في بداياته كان السوق منطقة مفتوحة ومحاطة بسور من الشوك، حالياً يوجد بالقرب من السكة حديد، إلا أن موقعه القديم تشغره الآن سينما كردفان وبنك الخرطوم وبعض الأسواق المختلفة.
أما على نطاق السودان فسوق المحاصيل بكردفان هو واحد من أكبر أسواق المحاصيل في غرب السودان، وتُباع فيه مختلف المحاصيل الزراعية والغابية والبستانية، التي يؤتى بها من مختلف المناطق المناخية.
في هذا الفيديو الوثائقي الذي أُنتج في ستينات القرن الماضي، تظهر رحلة نبتة الكركديه من الأرض حتى أن تصل لسوق المحاصيل والمزاد. تم عرض هذا الفيديو في برنامج الذاكرة الذهبية والذي كان يُبثّ من قناة السودان.
غير الكركديه والصمغ العربي والمحاصيل الزراعية الأخرى التي تُباع في السوق هنالك الفول السوداني، والسمسم الأبيض والأحمر وحب البطيخ (التسالي) والدخن والكركدي واللوبيا والويكة والأسماك. أما المنتجات الغابية فهي العرديب (التمر هندي) واللالوب (الهجليلة) والدوم والنبق (شجرة السدر) والقنقليز (التبلدي) وأبو ليلة والقضيم. أما المحاصيل البستانية في الفواكه مثل المانجو والجوافة والخضر بأنواعها؛ الطماطم والعجور والتبش، وتُزرع في مناطق قريبة مثل البان جديد والرهد (تردة الرهد وهي بحيرة مائية). وتُباع أيضاً في السوق بعض الأطعمة المعلّبة مثل الزيوت والصلصة وزبدة الفول السوداني والطحنية.
الطعام الخارٍق
الطعام الخارٍق
يُعد العامل المشترك بين الأطعمة الخارقة والنباتات الطبيّة هو محتواها من العناصر المفيدة للصحة العامة. بينما تُعرف الأطعمة الخارقة بفوائدها الغذائية كجزءٍ من النظام الغذائي اليوميّ، تتميَّز النباتات الطبيَّة بآثارها العلاجية الملموسة. لكن في كثير من الأحايين يكون الفرق غير واضح؛ حيث أن العديد من الأطعمة والنباتات تؤدي أغراضًاً غذائية وطبّية على حدٍّ سواء، مما يُساهِم في الصحة العامة والوقاية من الأمراض وعلاجها.
إن مصطلح الأطعمة الخارقة جديداً، وهي وسيلة ترويجيَّة للتسويق أكثر من كونها مصطلحاً أو تصنيفاً علميَّاً. لا يمكن أن يُوفِّر طعامٌ واحد جميع العناصر الغذائية اللازمة للصحة الجيدة أيَّاً كان، ومن الضروري اتباع نظام غذائي متوازن يشمل مجموعة متنوِّعة من الأطعمة. ومع ذلك، من المثير للاهتمام ملاحظة أنه عندما ننظر إلى بعض المكونات الرئيسية للطعام السوداني، يمكننا أن نرى كيف يتم تصنيفها في الغرب كـ"أطعمة خارقة"، أو أطعمة يُعتقد أنها تُعزِّز الجهاز المناعي. ومن الأمثلة على ذلك شاي الكركديه الذي يُعرف بإمكانيَّاته في خفض ضغط الدم، ودقيق الذرة البيضاء -وهو غذاء أساسي في جميع أنحاء السودان- يُعتقد أنه مفيد للهضم، والبامية التي يُقال إنها تساعد في التحكّم في مستويات السكر في الدم، والحِلبَة التي تُضاف إلى الحليب ويُعتقد أنها تساعد في الهضم، والتمر الغني بالطاقة، ويُعرف بأنه جيّد للقلب. علاوةً على ذلك، يتكوَّن جزء كبير من النظام الغذائي السوداني من الأطعمة المُخَمَّرة، وهو إحدى طرق تحضير الطعام التي يتم الترويج لها حالياً باعتبارها ضرورية للبكتيريا النافعة في الأمعاء، بسبب غنى الأطعمة المُخَمَّرة بالبروبيوتيك التي تتغذى عليها البكتيريا.
كثيرٌ من هذه الأطعمة والنباتات تُستخدم في السودان منذ القدم لأغراض علاجية، بالأخص نبتة تسمى محلياً بالقرض، واسمها العلمي أكاشيا نيلوتيكا (السنط النيلي)، وهي معروفة جداً في السودان وقد أثارت جدلاً كبيراً في فترة انتشار فيروس كورونا؛ حيث كان البعض يؤمن بقدرة أبخرة دخان القرض على توفير وقاية من الفيروس، بينما كان المختصون في الحقل الطبي يَحذرون من التأثيرات السلبية للدخان على الأشخاص المصابين بالحساسية أو مشاكل التنفس. الاعتقاد في الصفات الطبية للقرض له جذور بعيدة؛ فقد وَرَد ذكره في المخطوطات الطبية اليونانية القديمة، واستُخدِمَ أيضاً لقرون في إفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا. تم استخدامه للاعقاد في قدرته على التخفيف والعلاج من العديد من الأمراض المعدية. وعلى المستوى المحلي، استخدمه المعالجون التقليديون في السودان ووادي النيل وكذلك في مصر القديمة لعلاج الجروح كمُطَهِّر، كما استُخدِمَ أيضاً كمضادّ للالتهاب ومُسَكِّن للألم.
إلى يومنا هذا يُستخدم القرض (السنط) على نطاق واسع في السودان، بما في ذلك أوراق الشجرة ولحائها، ونظراً لتَنَوُّع استخدامها وفوائدها العلاجية من خصائصها المضادة للميكروبات والالتهابات والأكسدة، وكمطَهِّرة، ومضادَّة للسكريّ، مما يجعله مكوّناً قيِّماً للطب التقليدي لعلاج مختلف الأمراض. ومع أن هذه الاستخدامات التقليدية مدعومة ببعض الأبحاث العلمية، إلا أن هناك حاجة إلى مزيد من الدراسات للتحقُّق الكامل من فعاليَّته وسلامته من منظور الطبّ الحديث.
صورة العنوان © ساري عمر، ود حجام، جنوب جنوب دارفور
يُعد العامل المشترك بين الأطعمة الخارقة والنباتات الطبيّة هو محتواها من العناصر المفيدة للصحة العامة. بينما تُعرف الأطعمة الخارقة بفوائدها الغذائية كجزءٍ من النظام الغذائي اليوميّ، تتميَّز النباتات الطبيَّة بآثارها العلاجية الملموسة. لكن في كثير من الأحايين يكون الفرق غير واضح؛ حيث أن العديد من الأطعمة والنباتات تؤدي أغراضًاً غذائية وطبّية على حدٍّ سواء، مما يُساهِم في الصحة العامة والوقاية من الأمراض وعلاجها.
إن مصطلح الأطعمة الخارقة جديداً، وهي وسيلة ترويجيَّة للتسويق أكثر من كونها مصطلحاً أو تصنيفاً علميَّاً. لا يمكن أن يُوفِّر طعامٌ واحد جميع العناصر الغذائية اللازمة للصحة الجيدة أيَّاً كان، ومن الضروري اتباع نظام غذائي متوازن يشمل مجموعة متنوِّعة من الأطعمة. ومع ذلك، من المثير للاهتمام ملاحظة أنه عندما ننظر إلى بعض المكونات الرئيسية للطعام السوداني، يمكننا أن نرى كيف يتم تصنيفها في الغرب كـ"أطعمة خارقة"، أو أطعمة يُعتقد أنها تُعزِّز الجهاز المناعي. ومن الأمثلة على ذلك شاي الكركديه الذي يُعرف بإمكانيَّاته في خفض ضغط الدم، ودقيق الذرة البيضاء -وهو غذاء أساسي في جميع أنحاء السودان- يُعتقد أنه مفيد للهضم، والبامية التي يُقال إنها تساعد في التحكّم في مستويات السكر في الدم، والحِلبَة التي تُضاف إلى الحليب ويُعتقد أنها تساعد في الهضم، والتمر الغني بالطاقة، ويُعرف بأنه جيّد للقلب. علاوةً على ذلك، يتكوَّن جزء كبير من النظام الغذائي السوداني من الأطعمة المُخَمَّرة، وهو إحدى طرق تحضير الطعام التي يتم الترويج لها حالياً باعتبارها ضرورية للبكتيريا النافعة في الأمعاء، بسبب غنى الأطعمة المُخَمَّرة بالبروبيوتيك التي تتغذى عليها البكتيريا.
كثيرٌ من هذه الأطعمة والنباتات تُستخدم في السودان منذ القدم لأغراض علاجية، بالأخص نبتة تسمى محلياً بالقرض، واسمها العلمي أكاشيا نيلوتيكا (السنط النيلي)، وهي معروفة جداً في السودان وقد أثارت جدلاً كبيراً في فترة انتشار فيروس كورونا؛ حيث كان البعض يؤمن بقدرة أبخرة دخان القرض على توفير وقاية من الفيروس، بينما كان المختصون في الحقل الطبي يَحذرون من التأثيرات السلبية للدخان على الأشخاص المصابين بالحساسية أو مشاكل التنفس. الاعتقاد في الصفات الطبية للقرض له جذور بعيدة؛ فقد وَرَد ذكره في المخطوطات الطبية اليونانية القديمة، واستُخدِمَ أيضاً لقرون في إفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا. تم استخدامه للاعقاد في قدرته على التخفيف والعلاج من العديد من الأمراض المعدية. وعلى المستوى المحلي، استخدمه المعالجون التقليديون في السودان ووادي النيل وكذلك في مصر القديمة لعلاج الجروح كمُطَهِّر، كما استُخدِمَ أيضاً كمضادّ للالتهاب ومُسَكِّن للألم.
إلى يومنا هذا يُستخدم القرض (السنط) على نطاق واسع في السودان، بما في ذلك أوراق الشجرة ولحائها، ونظراً لتَنَوُّع استخدامها وفوائدها العلاجية من خصائصها المضادة للميكروبات والالتهابات والأكسدة، وكمطَهِّرة، ومضادَّة للسكريّ، مما يجعله مكوّناً قيِّماً للطب التقليدي لعلاج مختلف الأمراض. ومع أن هذه الاستخدامات التقليدية مدعومة ببعض الأبحاث العلمية، إلا أن هناك حاجة إلى مزيد من الدراسات للتحقُّق الكامل من فعاليَّته وسلامته من منظور الطبّ الحديث.
صورة العنوان © ساري عمر، ود حجام، جنوب جنوب دارفور
يُعد العامل المشترك بين الأطعمة الخارقة والنباتات الطبيّة هو محتواها من العناصر المفيدة للصحة العامة. بينما تُعرف الأطعمة الخارقة بفوائدها الغذائية كجزءٍ من النظام الغذائي اليوميّ، تتميَّز النباتات الطبيَّة بآثارها العلاجية الملموسة. لكن في كثير من الأحايين يكون الفرق غير واضح؛ حيث أن العديد من الأطعمة والنباتات تؤدي أغراضًاً غذائية وطبّية على حدٍّ سواء، مما يُساهِم في الصحة العامة والوقاية من الأمراض وعلاجها.
إن مصطلح الأطعمة الخارقة جديداً، وهي وسيلة ترويجيَّة للتسويق أكثر من كونها مصطلحاً أو تصنيفاً علميَّاً. لا يمكن أن يُوفِّر طعامٌ واحد جميع العناصر الغذائية اللازمة للصحة الجيدة أيَّاً كان، ومن الضروري اتباع نظام غذائي متوازن يشمل مجموعة متنوِّعة من الأطعمة. ومع ذلك، من المثير للاهتمام ملاحظة أنه عندما ننظر إلى بعض المكونات الرئيسية للطعام السوداني، يمكننا أن نرى كيف يتم تصنيفها في الغرب كـ"أطعمة خارقة"، أو أطعمة يُعتقد أنها تُعزِّز الجهاز المناعي. ومن الأمثلة على ذلك شاي الكركديه الذي يُعرف بإمكانيَّاته في خفض ضغط الدم، ودقيق الذرة البيضاء -وهو غذاء أساسي في جميع أنحاء السودان- يُعتقد أنه مفيد للهضم، والبامية التي يُقال إنها تساعد في التحكّم في مستويات السكر في الدم، والحِلبَة التي تُضاف إلى الحليب ويُعتقد أنها تساعد في الهضم، والتمر الغني بالطاقة، ويُعرف بأنه جيّد للقلب. علاوةً على ذلك، يتكوَّن جزء كبير من النظام الغذائي السوداني من الأطعمة المُخَمَّرة، وهو إحدى طرق تحضير الطعام التي يتم الترويج لها حالياً باعتبارها ضرورية للبكتيريا النافعة في الأمعاء، بسبب غنى الأطعمة المُخَمَّرة بالبروبيوتيك التي تتغذى عليها البكتيريا.
كثيرٌ من هذه الأطعمة والنباتات تُستخدم في السودان منذ القدم لأغراض علاجية، بالأخص نبتة تسمى محلياً بالقرض، واسمها العلمي أكاشيا نيلوتيكا (السنط النيلي)، وهي معروفة جداً في السودان وقد أثارت جدلاً كبيراً في فترة انتشار فيروس كورونا؛ حيث كان البعض يؤمن بقدرة أبخرة دخان القرض على توفير وقاية من الفيروس، بينما كان المختصون في الحقل الطبي يَحذرون من التأثيرات السلبية للدخان على الأشخاص المصابين بالحساسية أو مشاكل التنفس. الاعتقاد في الصفات الطبية للقرض له جذور بعيدة؛ فقد وَرَد ذكره في المخطوطات الطبية اليونانية القديمة، واستُخدِمَ أيضاً لقرون في إفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا. تم استخدامه للاعقاد في قدرته على التخفيف والعلاج من العديد من الأمراض المعدية. وعلى المستوى المحلي، استخدمه المعالجون التقليديون في السودان ووادي النيل وكذلك في مصر القديمة لعلاج الجروح كمُطَهِّر، كما استُخدِمَ أيضاً كمضادّ للالتهاب ومُسَكِّن للألم.
إلى يومنا هذا يُستخدم القرض (السنط) على نطاق واسع في السودان، بما في ذلك أوراق الشجرة ولحائها، ونظراً لتَنَوُّع استخدامها وفوائدها العلاجية من خصائصها المضادة للميكروبات والالتهابات والأكسدة، وكمطَهِّرة، ومضادَّة للسكريّ، مما يجعله مكوّناً قيِّماً للطب التقليدي لعلاج مختلف الأمراض. ومع أن هذه الاستخدامات التقليدية مدعومة ببعض الأبحاث العلمية، إلا أن هناك حاجة إلى مزيد من الدراسات للتحقُّق الكامل من فعاليَّته وسلامته من منظور الطبّ الحديث.
صورة العنوان © ساري عمر، ود حجام، جنوب جنوب دارفور
عن الحكيم
عن الحكيم
عرض لكتاب دكتور أحمد الصافي: الحكيم، من أجل أطباء أعمق فهماً لمهنتهم ولثقافات مجتمعاتهم وأكثر وعياً ببيئتهم وأحوال أهلهم. بقلم: بروفيسور فدوى عبد الرحمن علي طه
صدر كتاب “الحكيم” عام ٢٠١٣ عن شركة مطابع السودان للعملة المحدودة، في ٥٩٤ صفحة. ويأخذك الكتاب الذي استغرق إعداده أكثر من أربعة عقود من الزمان في سياحة تاريخية شيقة ومثيرة ، فقد توافرت للمؤلف خصال الصبر والأناة، صفات يتوجب توافرها في الباحث الأكاديمي المدقق. قدم للكتاب بروفيسور عبد الله علي إبراهيم بتقديم عنونه “المرض علاجاً وثقافة”.
يشمل الكتاب التصدير، ومقدمة وتسعة فصول:
١. صحة السودان عبر القرون
٢. العقد بين الطبيب والمريض والمجتمع
٣. مفاهيم الصحة والمرض
٤. أسباب المرض والإصابة
٥. وسائل تشخيص المرض والإصابة
٦. المعالجون وطرق العلاج والوقاية
٧. العلاجات والممارسات الشعبية
٨. حصاد السنين
٩. الأفعال الطبية الضارة والطبابة الرشيدة،
وجاء في خلاصة الكتاب سرداً لما يحتويه. وذيل الكتاب بملاحق حوت أسماء الشهور السودانية، العامية الطبية وما يقابلها بالإنجليزية، معجم أهم النباتات المستعملة في الطب الشعبي، بعض الأدوية الحديثة ذات الأصول النباتية، بعض الأطباء الأجانب الذين خدموا في السودان، أهم القوانين الصحية السارية في السودان.
بدأ المؤلف في تصدير الكتاب بحديث شيق ممتع عن نفسه، رابطاً ذلك الحديث بما جرب فيه من عادات وتقاليد وطب شعبي خلال طفولته وشبابه. وتحدث في المقدمة عن أنواع ونماذج الطب، نماذج الطب البيولوجي والطب الشمولي والطب الشعبي. وأفرد الفصل الأول لصحة السودان عبر القرون اعتمد فيه على ما ورد في كتب الرحالة والجغرافيين والمستكشفين الأوائل، وفي كتب السيرة وكتابات بعض علماء الدين والمؤرخين وأطباء ومنسوبي جيوش الاحتلال التركي المصري والإنجليزي المصري وعلماء الأجناس وما جاء في كتب ومخطوطات الطب الشعبي المحلية. وقدم نماذج لكتابات الرحالة والعلماء تحديداً ما ذكروه عن الطب والصحة، مثل جون لويس بوركهارت الذي وصف صحة السودان وأمراضه، وجورج هوسكنز عالم الآثار الإنجليزي الذي زار السودان عام 1833م. وأورد المؤلف مقتطفات من الكتب التاريخية مثل كتاب نعوم شقير “جغرافية وتاريخ السودان” الذي يصفه الكاتب بأنه مصدر لا غنى عنه للباحثين في شئون صحة السودان في القرن التاسع عشر. وبهذا يورد أهمية أخرى لهذا الكتاب أغفلتُ الإشارة إليها في تعدادي لمواطن أهمية هذا الكتاب في تقديمي للطبعة التي صدرت عن دار عزة للنشر عام 2006.
أفُرد فصل للعقد بين الطبيب والمريض والمجتمع تحدث فيه المؤلف ضمن ما تحدث عنه عن أخلاقيات المهنة، وأن الأخلاقيات الطبية علم عملي وفرع من فروع فلسفة الأخلاق وفرع من فروع علم الطب وجزء أصيل من الممارسة الطبية الجيدة. وأن مهنة الطب هي المهنة الوحيدة التي كان لها منذ فجر التاريخ وبداية حضارة الإنسان آداب للممارسة تبلورت في إطار قسم يلتزم المعالجون بأدائه قبل أن يسمح لهم بالاقتراب من المرضى هو قسم أبقراط. وأمن فيه على ضرورة تواضع الطبيب والبعد عن حب الظهور.
تناول الفصل الثالث مفاهيم الصحة والمرض وتعرض للطب في ذهن العامة وفي اللغة ومفهوم المرض في الذهن الشعبي والطقوس، والرموز التي على الطبيب أن يكون ملماً بها وكيف أن الطقوس تحتل حيزاً هاماً في نسيج أي مجتمع.
بيِّن الفصل الرابع أسباب المرض والإصابة وارتباط ذلك بعوامل البيئة الطبيعة وظواهرها وعادات الناس. وتحدث عن مغزى كسوف الشمس عند الناس، وعن قوى ما بعد الطبيعة والجن والشياطين والزار وأصله والسحر والعين الحارة.
خصص الفصل الخامس لوسائل تشخيص المرض والإصابة وأوضح الفرق بين تشخيص الطبيب الحديث للمرض الذي يعتمد فيه على طرق مبنية ومستندة على البراهين العلمية، وعند عامة الناس الذين استندوا في تشخيص المرض في أغلب الأحيان على استجداء قوى الغيب وطلب عونها. ولم يترك المؤلف في هذا الفصل شيئاً لم يذكره مثلا: خت الودع وخط الرمل والرؤى الصادقة والمكاشفة والاستخارة وتفسير الأحلام والتنجيم.
أشار الفصل السادس: المعالجون وطرق العلاج والوقاية إلى أن قائمة المعالجين الذين يعنون بصحة الناس طويلة وأن لكل جماعة عرقية في السودان طبيبها أو حكيمها، وأن السودانيين عرفوا عدداً كبيراً من المعالجين الشعبيين الماهرين واستنجدوا بهم مثل الفقرا والفكيا والشيوخ والأوليا. وأعطى أمثلة لأنواع العلاج مثل الرقية والبخرة والمحاية. ولم يفت على المؤلف في هذا الفصل أن يذكر دور ربة البيت كمعاونة صحية واجتماعية ترعى أغلب شئون الأسرة بكفاءة واقتدار، وكيف أن أدوار المرأة كمعاون اجتماعي في الأسرة عديدة.
تحدث الفصل السابع: العلاجات والممارسات الشعبية عن الجراحة الشعبية ومخاطرها وختان الإناث بأنواعه والحجامة والوشم والفصد والأطراف الصناعية الشعبية وعن علي ود قيامة الذي كان طبيباً بلدياً بشرياً وبيطرياً ومنجماً، وعلاج الجروح والتخدير والحمل والولادة والأدوية الشعبية والصيدلية الشعبية التي حوت وصفات مختلفة استخدمها الناس في علاج الأمراض. والطعام والاعتقادات الخاطئة التي أثرت على صحة الناس خصوصاً الأطفال.
يتحدث المؤلف في الفصل الثامن الذي عنونه، حصاد السنين، عن مسيرة السودانيين في رعاية صحتهم خلال النصف الثاني من القرن العشرين ويرسم صورة قاتمة مبيناً فشل السودان منذ الاستقلال في إنجاز خطة تنمية شاملة ومستدامة تحقق النهضة والتقدم وتلبي حاجات الإنسان الأساسية والمادية وغير المادية، وتواصل الارتقاء بصحة البلاد. ويبين الفصل أن ازدياد عدد الأطباء والكوادر الطبية المساعدة لم يفد كثيراً لأن معدلات هجرتهم خارج البلاد كانت كبيرة ومن تبقى في الداخل هاجر للقطاع الخاص. وانتقد سياسة الإنفاق على الصحة من قبل الدولة والتي تضع الصحة في ذيل أولوياتها وأمن على ضرورة رفعها إلى أعلى القائمة إن كان الإنسان هو ما تستثمر فيه.
تحدث الفصل الثامن أيضاً عن شح الأدبيات الطبية التي يمكن أن يرجع إليها الباحث في تاريخ الطب وتراث السودان، وأن العلماء السودانيين عموماً والأطباء خصوصاً عازفون عن توثيق أعمالهم ومحجمون عن توثيق تاريخ الطب في السودان، مما نتج عن ذلك من قلة في الدراسات الطبية التاريخية والاجتماعية. لاحظ أيضاً أن التدريس في أغلب كليات الطب ما زال منبتاً لا يربط ممارسة الطب بتاريخ السودان الممتد عبر القرون ولا بموروثاته الطبية. وأن واحداً من أسباب هذا القصور هو قلة المادة الموثقة التي تعين المدرس والتلميذ. وينبه المؤلف بذلك إلى ضعف الحس الوثائقي السائد عندنا في السودان، وإهمال أوعية حفظ المعلومات الذي ضرب له المؤلف مثلاً بتآكل مكتبة المعمل القومي الصحي ومكتبة معامل استاك وتبعثر كتبها ومجلاتها التي بدأ جمعها في ١٩٠٢ وهدم المتحف التصويري في ١٩٦٣ ؟ ١٩٦٤ الذي افتتح عام ١٩٤٤. وأبان المؤلف ضرورة حفظ سجلات المهنة وتوثيق تراثها.
يتناول الفصل التاسع الأفعال الطبية الضارة والطبابة الرشيدة شرح المؤلف فيه أنواع الأفعال الطبية الضارة وما هو الفعل الطبي الضار واحتمال حدوث الفعل الطبي الضار، وأن الأفعال الطبية الضارة من علامات وأعراض مرض النظام الصحي، ومؤشر لعيوب وثغرات في النظام الصحي بأكمله، وأن إصلاح النظام الصحي يحتاج ضمن ما ذكره المؤلف لجهد متكامل مترابط ولقيادات مقنعة ومؤهلة في كل مستوى ولوعي وثقافة جديدة. أن السودان في تقدير المؤلف لن يستطيع أن يجعل حدوث الفعل الطبي الضار أقرب للمستحيل إلا بتبني واتباع نهج الطبابة الرشيدة التي شرح المؤلف معناها وبرنامجها الذي يتكون من ثلاثة محاور.
يؤكد الكتاب ما توصل إليه العالم عن ترابط العلوم الإنسانية مع العلوم التطبيقية فهو مقدم لكل مقدمي الخدمات الطبية ولطلاب العلوم الإنسانية لا سيما والاجتماع والفولكلور ، ويشير إلى ما نبه إليه عالِمنا التيجاني الماحي لأهمية دراسة تاريخ الطب، وتأكيده أن للعلوم الإنسانية دور مهم في دراسة الصحة والمرض. فالمعارف التي تقدمها العلوم الإنسانية تربط الطبيب بمريضه وتربط ممارسته للطب بتاريخ السودان الاجتماعي الممتد عبر القرون وبموروثاته الطبية والصحية، وتربط الطب البيولوجي عامة وعلومه بجذورها وتياراتها التاريخية. المؤلف لا يريد للتدريس في كليات الطب أن يستمر منبتاً لا يربط ممارسة الطب بتاريخ السودان الممتد عبر القرون ولا بموروثاته الطبية والصحية، ولا يربط علومه بجذورها وتياراتها التاريخية والاجتماعية.
مساهمة أحمد لا تقتصر فقط على تأليف هذا الكتاب الذي أتى من تجربة، فقد بادر وأسهم في دراسات الطب الشعبي فقام معهد أبحاث الطب الشعبي بالمجلس القومي للبحوث في العام ١٩٨٢ بمبادرة منه، وذلك بغرض دراسة التراث الطبي بطريقة منهجية منظمة. وتقديرا وتثميناً لهذا الجهد وافقت منظمة الصحة العالمية على تخصيصه مركزا متعاونا معها في العام ١٩٤٨ تحت اسم (مركز منظمة الصحة العالمية المتعاون في أبحاث الطب الشعبي). كما أسس في العام ٢٠٠٤ (المؤسسة السودانية للتراث الطبي) كمنظمة أهلية تعنى بأبحاث نظم الطب وتاريخ الطب والمحافظة على التراث الصحي ورصد تطور الخدمات الطبية في السودان. وينبع اهتمامه من حقيقة أكدها في مؤلفه هي أن الطب الشعبي واسع الانتشار في الدول النامية ومنها السودان بسبب ارتفاع فاتورة العلاج في المستشفيات، ولابد من تنظيم عمل الممارسون الشعبيون. ويتواصل هم واهتمامه أحمد بطرحه في ٢٠٠٥ مشروعاً توثيقياً أسماه ثلاثية الصحة في السودان يشتمل على ثلاثة أجزاء: تاريخ الطب وسير الرواد في السودان، موسوعة الأطباء السودانيين، ببلوغرافيا الدراسات الطبية السودانية في القرن العشرين.
ومما يلفت النظر في هذا الكتاب غزارة المادة التي اعتمد عليها الكتاب، فقد زار أحمد خلال العقود الأربعة الماضية التي استغرقها تأليف الكتاب أغلب مراكز العلاج الشعبي في السودان، وراجع كل ما يمكن مراجعته من الأدبيات المتاحة مسموعة أو مكتوبة أو مرئية. ورُصدتْ ٣٥ صفحة للمصادر والمراجع التي اعتمد عليها الكتاب. ولم يترك المؤلف معلومة دون توثيقها عند ذكرها.
تسمية الكتاب “الحكيم” اختيرت بعناية فائقة، فالكلمة التي يذكر المؤلف أنها في أغلب الظن جاءت إلينا من المصريين في عهد الحكم التركي المصري جاذبة جدا. فالمصطلح لم يطلق فقط على الطبيب الخريج بل على معظم من يداوي. يأخذني المؤلف بهذا الاسم بعيداً إلى ذكريات الطفولة و “حسن الحكيم” كما كان يعرف المساعد الطبي “حسن” الذي جاء لمداواة الناس من أقصى الشمال في ناوا إلى أربجي في الجزيرة. وأناشيد لعب الطفولة “أنا حكيم بداوي الناس من الحمى ووجع الراس”. ويضرب الكتاب على وتر حساس هو العافية “ومن حلف بالعافية ما خلى شي)، ولأهميتها فقد حاول الناس كل ما هو ممكن للطبابة وهو ما يفصل فيه الكتاب.
كتاب “الحكيم” الذي يصفه المؤلف في تواضع جم بأنه مقدمة في التاريخ الاجتماعي للطب والصحة في السودان، موسوعي وشمولي التناول، ويأتي عصارة لجهد متعاظم وشائك. هنيئا للدكتور أحمد الصافي بهذا الإنجاز الضخم الفخم الذي رفد المكتبة السودانية بسفر مرجعي أكاديمي رصين كانت تفتقده وتتعطش إليه.
صورة الغلاف: غلاف كتب الدكتور أحمد الصافي الرقمية © الدكتور أحمد الصافي، يمكن شراء الكتب على موقع أمازون
عرض لكتاب دكتور أحمد الصافي: الحكيم، من أجل أطباء أعمق فهماً لمهنتهم ولثقافات مجتمعاتهم وأكثر وعياً ببيئتهم وأحوال أهلهم. بقلم: بروفيسور فدوى عبد الرحمن علي طه
صدر كتاب “الحكيم” عام ٢٠١٣ عن شركة مطابع السودان للعملة المحدودة، في ٥٩٤ صفحة. ويأخذك الكتاب الذي استغرق إعداده أكثر من أربعة عقود من الزمان في سياحة تاريخية شيقة ومثيرة ، فقد توافرت للمؤلف خصال الصبر والأناة، صفات يتوجب توافرها في الباحث الأكاديمي المدقق. قدم للكتاب بروفيسور عبد الله علي إبراهيم بتقديم عنونه “المرض علاجاً وثقافة”.
يشمل الكتاب التصدير، ومقدمة وتسعة فصول:
١. صحة السودان عبر القرون
٢. العقد بين الطبيب والمريض والمجتمع
٣. مفاهيم الصحة والمرض
٤. أسباب المرض والإصابة
٥. وسائل تشخيص المرض والإصابة
٦. المعالجون وطرق العلاج والوقاية
٧. العلاجات والممارسات الشعبية
٨. حصاد السنين
٩. الأفعال الطبية الضارة والطبابة الرشيدة،
وجاء في خلاصة الكتاب سرداً لما يحتويه. وذيل الكتاب بملاحق حوت أسماء الشهور السودانية، العامية الطبية وما يقابلها بالإنجليزية، معجم أهم النباتات المستعملة في الطب الشعبي، بعض الأدوية الحديثة ذات الأصول النباتية، بعض الأطباء الأجانب الذين خدموا في السودان، أهم القوانين الصحية السارية في السودان.
بدأ المؤلف في تصدير الكتاب بحديث شيق ممتع عن نفسه، رابطاً ذلك الحديث بما جرب فيه من عادات وتقاليد وطب شعبي خلال طفولته وشبابه. وتحدث في المقدمة عن أنواع ونماذج الطب، نماذج الطب البيولوجي والطب الشمولي والطب الشعبي. وأفرد الفصل الأول لصحة السودان عبر القرون اعتمد فيه على ما ورد في كتب الرحالة والجغرافيين والمستكشفين الأوائل، وفي كتب السيرة وكتابات بعض علماء الدين والمؤرخين وأطباء ومنسوبي جيوش الاحتلال التركي المصري والإنجليزي المصري وعلماء الأجناس وما جاء في كتب ومخطوطات الطب الشعبي المحلية. وقدم نماذج لكتابات الرحالة والعلماء تحديداً ما ذكروه عن الطب والصحة، مثل جون لويس بوركهارت الذي وصف صحة السودان وأمراضه، وجورج هوسكنز عالم الآثار الإنجليزي الذي زار السودان عام 1833م. وأورد المؤلف مقتطفات من الكتب التاريخية مثل كتاب نعوم شقير “جغرافية وتاريخ السودان” الذي يصفه الكاتب بأنه مصدر لا غنى عنه للباحثين في شئون صحة السودان في القرن التاسع عشر. وبهذا يورد أهمية أخرى لهذا الكتاب أغفلتُ الإشارة إليها في تعدادي لمواطن أهمية هذا الكتاب في تقديمي للطبعة التي صدرت عن دار عزة للنشر عام 2006.
أفُرد فصل للعقد بين الطبيب والمريض والمجتمع تحدث فيه المؤلف ضمن ما تحدث عنه عن أخلاقيات المهنة، وأن الأخلاقيات الطبية علم عملي وفرع من فروع فلسفة الأخلاق وفرع من فروع علم الطب وجزء أصيل من الممارسة الطبية الجيدة. وأن مهنة الطب هي المهنة الوحيدة التي كان لها منذ فجر التاريخ وبداية حضارة الإنسان آداب للممارسة تبلورت في إطار قسم يلتزم المعالجون بأدائه قبل أن يسمح لهم بالاقتراب من المرضى هو قسم أبقراط. وأمن فيه على ضرورة تواضع الطبيب والبعد عن حب الظهور.
تناول الفصل الثالث مفاهيم الصحة والمرض وتعرض للطب في ذهن العامة وفي اللغة ومفهوم المرض في الذهن الشعبي والطقوس، والرموز التي على الطبيب أن يكون ملماً بها وكيف أن الطقوس تحتل حيزاً هاماً في نسيج أي مجتمع.
بيِّن الفصل الرابع أسباب المرض والإصابة وارتباط ذلك بعوامل البيئة الطبيعة وظواهرها وعادات الناس. وتحدث عن مغزى كسوف الشمس عند الناس، وعن قوى ما بعد الطبيعة والجن والشياطين والزار وأصله والسحر والعين الحارة.
خصص الفصل الخامس لوسائل تشخيص المرض والإصابة وأوضح الفرق بين تشخيص الطبيب الحديث للمرض الذي يعتمد فيه على طرق مبنية ومستندة على البراهين العلمية، وعند عامة الناس الذين استندوا في تشخيص المرض في أغلب الأحيان على استجداء قوى الغيب وطلب عونها. ولم يترك المؤلف في هذا الفصل شيئاً لم يذكره مثلا: خت الودع وخط الرمل والرؤى الصادقة والمكاشفة والاستخارة وتفسير الأحلام والتنجيم.
أشار الفصل السادس: المعالجون وطرق العلاج والوقاية إلى أن قائمة المعالجين الذين يعنون بصحة الناس طويلة وأن لكل جماعة عرقية في السودان طبيبها أو حكيمها، وأن السودانيين عرفوا عدداً كبيراً من المعالجين الشعبيين الماهرين واستنجدوا بهم مثل الفقرا والفكيا والشيوخ والأوليا. وأعطى أمثلة لأنواع العلاج مثل الرقية والبخرة والمحاية. ولم يفت على المؤلف في هذا الفصل أن يذكر دور ربة البيت كمعاونة صحية واجتماعية ترعى أغلب شئون الأسرة بكفاءة واقتدار، وكيف أن أدوار المرأة كمعاون اجتماعي في الأسرة عديدة.
تحدث الفصل السابع: العلاجات والممارسات الشعبية عن الجراحة الشعبية ومخاطرها وختان الإناث بأنواعه والحجامة والوشم والفصد والأطراف الصناعية الشعبية وعن علي ود قيامة الذي كان طبيباً بلدياً بشرياً وبيطرياً ومنجماً، وعلاج الجروح والتخدير والحمل والولادة والأدوية الشعبية والصيدلية الشعبية التي حوت وصفات مختلفة استخدمها الناس في علاج الأمراض. والطعام والاعتقادات الخاطئة التي أثرت على صحة الناس خصوصاً الأطفال.
يتحدث المؤلف في الفصل الثامن الذي عنونه، حصاد السنين، عن مسيرة السودانيين في رعاية صحتهم خلال النصف الثاني من القرن العشرين ويرسم صورة قاتمة مبيناً فشل السودان منذ الاستقلال في إنجاز خطة تنمية شاملة ومستدامة تحقق النهضة والتقدم وتلبي حاجات الإنسان الأساسية والمادية وغير المادية، وتواصل الارتقاء بصحة البلاد. ويبين الفصل أن ازدياد عدد الأطباء والكوادر الطبية المساعدة لم يفد كثيراً لأن معدلات هجرتهم خارج البلاد كانت كبيرة ومن تبقى في الداخل هاجر للقطاع الخاص. وانتقد سياسة الإنفاق على الصحة من قبل الدولة والتي تضع الصحة في ذيل أولوياتها وأمن على ضرورة رفعها إلى أعلى القائمة إن كان الإنسان هو ما تستثمر فيه.
تحدث الفصل الثامن أيضاً عن شح الأدبيات الطبية التي يمكن أن يرجع إليها الباحث في تاريخ الطب وتراث السودان، وأن العلماء السودانيين عموماً والأطباء خصوصاً عازفون عن توثيق أعمالهم ومحجمون عن توثيق تاريخ الطب في السودان، مما نتج عن ذلك من قلة في الدراسات الطبية التاريخية والاجتماعية. لاحظ أيضاً أن التدريس في أغلب كليات الطب ما زال منبتاً لا يربط ممارسة الطب بتاريخ السودان الممتد عبر القرون ولا بموروثاته الطبية. وأن واحداً من أسباب هذا القصور هو قلة المادة الموثقة التي تعين المدرس والتلميذ. وينبه المؤلف بذلك إلى ضعف الحس الوثائقي السائد عندنا في السودان، وإهمال أوعية حفظ المعلومات الذي ضرب له المؤلف مثلاً بتآكل مكتبة المعمل القومي الصحي ومكتبة معامل استاك وتبعثر كتبها ومجلاتها التي بدأ جمعها في ١٩٠٢ وهدم المتحف التصويري في ١٩٦٣ ؟ ١٩٦٤ الذي افتتح عام ١٩٤٤. وأبان المؤلف ضرورة حفظ سجلات المهنة وتوثيق تراثها.
يتناول الفصل التاسع الأفعال الطبية الضارة والطبابة الرشيدة شرح المؤلف فيه أنواع الأفعال الطبية الضارة وما هو الفعل الطبي الضار واحتمال حدوث الفعل الطبي الضار، وأن الأفعال الطبية الضارة من علامات وأعراض مرض النظام الصحي، ومؤشر لعيوب وثغرات في النظام الصحي بأكمله، وأن إصلاح النظام الصحي يحتاج ضمن ما ذكره المؤلف لجهد متكامل مترابط ولقيادات مقنعة ومؤهلة في كل مستوى ولوعي وثقافة جديدة. أن السودان في تقدير المؤلف لن يستطيع أن يجعل حدوث الفعل الطبي الضار أقرب للمستحيل إلا بتبني واتباع نهج الطبابة الرشيدة التي شرح المؤلف معناها وبرنامجها الذي يتكون من ثلاثة محاور.
يؤكد الكتاب ما توصل إليه العالم عن ترابط العلوم الإنسانية مع العلوم التطبيقية فهو مقدم لكل مقدمي الخدمات الطبية ولطلاب العلوم الإنسانية لا سيما والاجتماع والفولكلور ، ويشير إلى ما نبه إليه عالِمنا التيجاني الماحي لأهمية دراسة تاريخ الطب، وتأكيده أن للعلوم الإنسانية دور مهم في دراسة الصحة والمرض. فالمعارف التي تقدمها العلوم الإنسانية تربط الطبيب بمريضه وتربط ممارسته للطب بتاريخ السودان الاجتماعي الممتد عبر القرون وبموروثاته الطبية والصحية، وتربط الطب البيولوجي عامة وعلومه بجذورها وتياراتها التاريخية. المؤلف لا يريد للتدريس في كليات الطب أن يستمر منبتاً لا يربط ممارسة الطب بتاريخ السودان الممتد عبر القرون ولا بموروثاته الطبية والصحية، ولا يربط علومه بجذورها وتياراتها التاريخية والاجتماعية.
مساهمة أحمد لا تقتصر فقط على تأليف هذا الكتاب الذي أتى من تجربة، فقد بادر وأسهم في دراسات الطب الشعبي فقام معهد أبحاث الطب الشعبي بالمجلس القومي للبحوث في العام ١٩٨٢ بمبادرة منه، وذلك بغرض دراسة التراث الطبي بطريقة منهجية منظمة. وتقديرا وتثميناً لهذا الجهد وافقت منظمة الصحة العالمية على تخصيصه مركزا متعاونا معها في العام ١٩٤٨ تحت اسم (مركز منظمة الصحة العالمية المتعاون في أبحاث الطب الشعبي). كما أسس في العام ٢٠٠٤ (المؤسسة السودانية للتراث الطبي) كمنظمة أهلية تعنى بأبحاث نظم الطب وتاريخ الطب والمحافظة على التراث الصحي ورصد تطور الخدمات الطبية في السودان. وينبع اهتمامه من حقيقة أكدها في مؤلفه هي أن الطب الشعبي واسع الانتشار في الدول النامية ومنها السودان بسبب ارتفاع فاتورة العلاج في المستشفيات، ولابد من تنظيم عمل الممارسون الشعبيون. ويتواصل هم واهتمامه أحمد بطرحه في ٢٠٠٥ مشروعاً توثيقياً أسماه ثلاثية الصحة في السودان يشتمل على ثلاثة أجزاء: تاريخ الطب وسير الرواد في السودان، موسوعة الأطباء السودانيين، ببلوغرافيا الدراسات الطبية السودانية في القرن العشرين.
ومما يلفت النظر في هذا الكتاب غزارة المادة التي اعتمد عليها الكتاب، فقد زار أحمد خلال العقود الأربعة الماضية التي استغرقها تأليف الكتاب أغلب مراكز العلاج الشعبي في السودان، وراجع كل ما يمكن مراجعته من الأدبيات المتاحة مسموعة أو مكتوبة أو مرئية. ورُصدتْ ٣٥ صفحة للمصادر والمراجع التي اعتمد عليها الكتاب. ولم يترك المؤلف معلومة دون توثيقها عند ذكرها.
تسمية الكتاب “الحكيم” اختيرت بعناية فائقة، فالكلمة التي يذكر المؤلف أنها في أغلب الظن جاءت إلينا من المصريين في عهد الحكم التركي المصري جاذبة جدا. فالمصطلح لم يطلق فقط على الطبيب الخريج بل على معظم من يداوي. يأخذني المؤلف بهذا الاسم بعيداً إلى ذكريات الطفولة و “حسن الحكيم” كما كان يعرف المساعد الطبي “حسن” الذي جاء لمداواة الناس من أقصى الشمال في ناوا إلى أربجي في الجزيرة. وأناشيد لعب الطفولة “أنا حكيم بداوي الناس من الحمى ووجع الراس”. ويضرب الكتاب على وتر حساس هو العافية “ومن حلف بالعافية ما خلى شي)، ولأهميتها فقد حاول الناس كل ما هو ممكن للطبابة وهو ما يفصل فيه الكتاب.
كتاب “الحكيم” الذي يصفه المؤلف في تواضع جم بأنه مقدمة في التاريخ الاجتماعي للطب والصحة في السودان، موسوعي وشمولي التناول، ويأتي عصارة لجهد متعاظم وشائك. هنيئا للدكتور أحمد الصافي بهذا الإنجاز الضخم الفخم الذي رفد المكتبة السودانية بسفر مرجعي أكاديمي رصين كانت تفتقده وتتعطش إليه.
صورة الغلاف: غلاف كتب الدكتور أحمد الصافي الرقمية © الدكتور أحمد الصافي، يمكن شراء الكتب على موقع أمازون
عرض لكتاب دكتور أحمد الصافي: الحكيم، من أجل أطباء أعمق فهماً لمهنتهم ولثقافات مجتمعاتهم وأكثر وعياً ببيئتهم وأحوال أهلهم. بقلم: بروفيسور فدوى عبد الرحمن علي طه
صدر كتاب “الحكيم” عام ٢٠١٣ عن شركة مطابع السودان للعملة المحدودة، في ٥٩٤ صفحة. ويأخذك الكتاب الذي استغرق إعداده أكثر من أربعة عقود من الزمان في سياحة تاريخية شيقة ومثيرة ، فقد توافرت للمؤلف خصال الصبر والأناة، صفات يتوجب توافرها في الباحث الأكاديمي المدقق. قدم للكتاب بروفيسور عبد الله علي إبراهيم بتقديم عنونه “المرض علاجاً وثقافة”.
يشمل الكتاب التصدير، ومقدمة وتسعة فصول:
١. صحة السودان عبر القرون
٢. العقد بين الطبيب والمريض والمجتمع
٣. مفاهيم الصحة والمرض
٤. أسباب المرض والإصابة
٥. وسائل تشخيص المرض والإصابة
٦. المعالجون وطرق العلاج والوقاية
٧. العلاجات والممارسات الشعبية
٨. حصاد السنين
٩. الأفعال الطبية الضارة والطبابة الرشيدة،
وجاء في خلاصة الكتاب سرداً لما يحتويه. وذيل الكتاب بملاحق حوت أسماء الشهور السودانية، العامية الطبية وما يقابلها بالإنجليزية، معجم أهم النباتات المستعملة في الطب الشعبي، بعض الأدوية الحديثة ذات الأصول النباتية، بعض الأطباء الأجانب الذين خدموا في السودان، أهم القوانين الصحية السارية في السودان.
بدأ المؤلف في تصدير الكتاب بحديث شيق ممتع عن نفسه، رابطاً ذلك الحديث بما جرب فيه من عادات وتقاليد وطب شعبي خلال طفولته وشبابه. وتحدث في المقدمة عن أنواع ونماذج الطب، نماذج الطب البيولوجي والطب الشمولي والطب الشعبي. وأفرد الفصل الأول لصحة السودان عبر القرون اعتمد فيه على ما ورد في كتب الرحالة والجغرافيين والمستكشفين الأوائل، وفي كتب السيرة وكتابات بعض علماء الدين والمؤرخين وأطباء ومنسوبي جيوش الاحتلال التركي المصري والإنجليزي المصري وعلماء الأجناس وما جاء في كتب ومخطوطات الطب الشعبي المحلية. وقدم نماذج لكتابات الرحالة والعلماء تحديداً ما ذكروه عن الطب والصحة، مثل جون لويس بوركهارت الذي وصف صحة السودان وأمراضه، وجورج هوسكنز عالم الآثار الإنجليزي الذي زار السودان عام 1833م. وأورد المؤلف مقتطفات من الكتب التاريخية مثل كتاب نعوم شقير “جغرافية وتاريخ السودان” الذي يصفه الكاتب بأنه مصدر لا غنى عنه للباحثين في شئون صحة السودان في القرن التاسع عشر. وبهذا يورد أهمية أخرى لهذا الكتاب أغفلتُ الإشارة إليها في تعدادي لمواطن أهمية هذا الكتاب في تقديمي للطبعة التي صدرت عن دار عزة للنشر عام 2006.
أفُرد فصل للعقد بين الطبيب والمريض والمجتمع تحدث فيه المؤلف ضمن ما تحدث عنه عن أخلاقيات المهنة، وأن الأخلاقيات الطبية علم عملي وفرع من فروع فلسفة الأخلاق وفرع من فروع علم الطب وجزء أصيل من الممارسة الطبية الجيدة. وأن مهنة الطب هي المهنة الوحيدة التي كان لها منذ فجر التاريخ وبداية حضارة الإنسان آداب للممارسة تبلورت في إطار قسم يلتزم المعالجون بأدائه قبل أن يسمح لهم بالاقتراب من المرضى هو قسم أبقراط. وأمن فيه على ضرورة تواضع الطبيب والبعد عن حب الظهور.
تناول الفصل الثالث مفاهيم الصحة والمرض وتعرض للطب في ذهن العامة وفي اللغة ومفهوم المرض في الذهن الشعبي والطقوس، والرموز التي على الطبيب أن يكون ملماً بها وكيف أن الطقوس تحتل حيزاً هاماً في نسيج أي مجتمع.
بيِّن الفصل الرابع أسباب المرض والإصابة وارتباط ذلك بعوامل البيئة الطبيعة وظواهرها وعادات الناس. وتحدث عن مغزى كسوف الشمس عند الناس، وعن قوى ما بعد الطبيعة والجن والشياطين والزار وأصله والسحر والعين الحارة.
خصص الفصل الخامس لوسائل تشخيص المرض والإصابة وأوضح الفرق بين تشخيص الطبيب الحديث للمرض الذي يعتمد فيه على طرق مبنية ومستندة على البراهين العلمية، وعند عامة الناس الذين استندوا في تشخيص المرض في أغلب الأحيان على استجداء قوى الغيب وطلب عونها. ولم يترك المؤلف في هذا الفصل شيئاً لم يذكره مثلا: خت الودع وخط الرمل والرؤى الصادقة والمكاشفة والاستخارة وتفسير الأحلام والتنجيم.
أشار الفصل السادس: المعالجون وطرق العلاج والوقاية إلى أن قائمة المعالجين الذين يعنون بصحة الناس طويلة وأن لكل جماعة عرقية في السودان طبيبها أو حكيمها، وأن السودانيين عرفوا عدداً كبيراً من المعالجين الشعبيين الماهرين واستنجدوا بهم مثل الفقرا والفكيا والشيوخ والأوليا. وأعطى أمثلة لأنواع العلاج مثل الرقية والبخرة والمحاية. ولم يفت على المؤلف في هذا الفصل أن يذكر دور ربة البيت كمعاونة صحية واجتماعية ترعى أغلب شئون الأسرة بكفاءة واقتدار، وكيف أن أدوار المرأة كمعاون اجتماعي في الأسرة عديدة.
تحدث الفصل السابع: العلاجات والممارسات الشعبية عن الجراحة الشعبية ومخاطرها وختان الإناث بأنواعه والحجامة والوشم والفصد والأطراف الصناعية الشعبية وعن علي ود قيامة الذي كان طبيباً بلدياً بشرياً وبيطرياً ومنجماً، وعلاج الجروح والتخدير والحمل والولادة والأدوية الشعبية والصيدلية الشعبية التي حوت وصفات مختلفة استخدمها الناس في علاج الأمراض. والطعام والاعتقادات الخاطئة التي أثرت على صحة الناس خصوصاً الأطفال.
يتحدث المؤلف في الفصل الثامن الذي عنونه، حصاد السنين، عن مسيرة السودانيين في رعاية صحتهم خلال النصف الثاني من القرن العشرين ويرسم صورة قاتمة مبيناً فشل السودان منذ الاستقلال في إنجاز خطة تنمية شاملة ومستدامة تحقق النهضة والتقدم وتلبي حاجات الإنسان الأساسية والمادية وغير المادية، وتواصل الارتقاء بصحة البلاد. ويبين الفصل أن ازدياد عدد الأطباء والكوادر الطبية المساعدة لم يفد كثيراً لأن معدلات هجرتهم خارج البلاد كانت كبيرة ومن تبقى في الداخل هاجر للقطاع الخاص. وانتقد سياسة الإنفاق على الصحة من قبل الدولة والتي تضع الصحة في ذيل أولوياتها وأمن على ضرورة رفعها إلى أعلى القائمة إن كان الإنسان هو ما تستثمر فيه.
تحدث الفصل الثامن أيضاً عن شح الأدبيات الطبية التي يمكن أن يرجع إليها الباحث في تاريخ الطب وتراث السودان، وأن العلماء السودانيين عموماً والأطباء خصوصاً عازفون عن توثيق أعمالهم ومحجمون عن توثيق تاريخ الطب في السودان، مما نتج عن ذلك من قلة في الدراسات الطبية التاريخية والاجتماعية. لاحظ أيضاً أن التدريس في أغلب كليات الطب ما زال منبتاً لا يربط ممارسة الطب بتاريخ السودان الممتد عبر القرون ولا بموروثاته الطبية. وأن واحداً من أسباب هذا القصور هو قلة المادة الموثقة التي تعين المدرس والتلميذ. وينبه المؤلف بذلك إلى ضعف الحس الوثائقي السائد عندنا في السودان، وإهمال أوعية حفظ المعلومات الذي ضرب له المؤلف مثلاً بتآكل مكتبة المعمل القومي الصحي ومكتبة معامل استاك وتبعثر كتبها ومجلاتها التي بدأ جمعها في ١٩٠٢ وهدم المتحف التصويري في ١٩٦٣ ؟ ١٩٦٤ الذي افتتح عام ١٩٤٤. وأبان المؤلف ضرورة حفظ سجلات المهنة وتوثيق تراثها.
يتناول الفصل التاسع الأفعال الطبية الضارة والطبابة الرشيدة شرح المؤلف فيه أنواع الأفعال الطبية الضارة وما هو الفعل الطبي الضار واحتمال حدوث الفعل الطبي الضار، وأن الأفعال الطبية الضارة من علامات وأعراض مرض النظام الصحي، ومؤشر لعيوب وثغرات في النظام الصحي بأكمله، وأن إصلاح النظام الصحي يحتاج ضمن ما ذكره المؤلف لجهد متكامل مترابط ولقيادات مقنعة ومؤهلة في كل مستوى ولوعي وثقافة جديدة. أن السودان في تقدير المؤلف لن يستطيع أن يجعل حدوث الفعل الطبي الضار أقرب للمستحيل إلا بتبني واتباع نهج الطبابة الرشيدة التي شرح المؤلف معناها وبرنامجها الذي يتكون من ثلاثة محاور.
يؤكد الكتاب ما توصل إليه العالم عن ترابط العلوم الإنسانية مع العلوم التطبيقية فهو مقدم لكل مقدمي الخدمات الطبية ولطلاب العلوم الإنسانية لا سيما والاجتماع والفولكلور ، ويشير إلى ما نبه إليه عالِمنا التيجاني الماحي لأهمية دراسة تاريخ الطب، وتأكيده أن للعلوم الإنسانية دور مهم في دراسة الصحة والمرض. فالمعارف التي تقدمها العلوم الإنسانية تربط الطبيب بمريضه وتربط ممارسته للطب بتاريخ السودان الاجتماعي الممتد عبر القرون وبموروثاته الطبية والصحية، وتربط الطب البيولوجي عامة وعلومه بجذورها وتياراتها التاريخية. المؤلف لا يريد للتدريس في كليات الطب أن يستمر منبتاً لا يربط ممارسة الطب بتاريخ السودان الممتد عبر القرون ولا بموروثاته الطبية والصحية، ولا يربط علومه بجذورها وتياراتها التاريخية والاجتماعية.
مساهمة أحمد لا تقتصر فقط على تأليف هذا الكتاب الذي أتى من تجربة، فقد بادر وأسهم في دراسات الطب الشعبي فقام معهد أبحاث الطب الشعبي بالمجلس القومي للبحوث في العام ١٩٨٢ بمبادرة منه، وذلك بغرض دراسة التراث الطبي بطريقة منهجية منظمة. وتقديرا وتثميناً لهذا الجهد وافقت منظمة الصحة العالمية على تخصيصه مركزا متعاونا معها في العام ١٩٤٨ تحت اسم (مركز منظمة الصحة العالمية المتعاون في أبحاث الطب الشعبي). كما أسس في العام ٢٠٠٤ (المؤسسة السودانية للتراث الطبي) كمنظمة أهلية تعنى بأبحاث نظم الطب وتاريخ الطب والمحافظة على التراث الصحي ورصد تطور الخدمات الطبية في السودان. وينبع اهتمامه من حقيقة أكدها في مؤلفه هي أن الطب الشعبي واسع الانتشار في الدول النامية ومنها السودان بسبب ارتفاع فاتورة العلاج في المستشفيات، ولابد من تنظيم عمل الممارسون الشعبيون. ويتواصل هم واهتمامه أحمد بطرحه في ٢٠٠٥ مشروعاً توثيقياً أسماه ثلاثية الصحة في السودان يشتمل على ثلاثة أجزاء: تاريخ الطب وسير الرواد في السودان، موسوعة الأطباء السودانيين، ببلوغرافيا الدراسات الطبية السودانية في القرن العشرين.
ومما يلفت النظر في هذا الكتاب غزارة المادة التي اعتمد عليها الكتاب، فقد زار أحمد خلال العقود الأربعة الماضية التي استغرقها تأليف الكتاب أغلب مراكز العلاج الشعبي في السودان، وراجع كل ما يمكن مراجعته من الأدبيات المتاحة مسموعة أو مكتوبة أو مرئية. ورُصدتْ ٣٥ صفحة للمصادر والمراجع التي اعتمد عليها الكتاب. ولم يترك المؤلف معلومة دون توثيقها عند ذكرها.
تسمية الكتاب “الحكيم” اختيرت بعناية فائقة، فالكلمة التي يذكر المؤلف أنها في أغلب الظن جاءت إلينا من المصريين في عهد الحكم التركي المصري جاذبة جدا. فالمصطلح لم يطلق فقط على الطبيب الخريج بل على معظم من يداوي. يأخذني المؤلف بهذا الاسم بعيداً إلى ذكريات الطفولة و “حسن الحكيم” كما كان يعرف المساعد الطبي “حسن” الذي جاء لمداواة الناس من أقصى الشمال في ناوا إلى أربجي في الجزيرة. وأناشيد لعب الطفولة “أنا حكيم بداوي الناس من الحمى ووجع الراس”. ويضرب الكتاب على وتر حساس هو العافية “ومن حلف بالعافية ما خلى شي)، ولأهميتها فقد حاول الناس كل ما هو ممكن للطبابة وهو ما يفصل فيه الكتاب.
كتاب “الحكيم” الذي يصفه المؤلف في تواضع جم بأنه مقدمة في التاريخ الاجتماعي للطب والصحة في السودان، موسوعي وشمولي التناول، ويأتي عصارة لجهد متعاظم وشائك. هنيئا للدكتور أحمد الصافي بهذا الإنجاز الضخم الفخم الذي رفد المكتبة السودانية بسفر مرجعي أكاديمي رصين كانت تفتقده وتتعطش إليه.
صورة الغلاف: غلاف كتب الدكتور أحمد الصافي الرقمية © الدكتور أحمد الصافي، يمكن شراء الكتب على موقع أمازون
أَطعِمَة وأَشرِبَة النوبيِّين
أَطعِمَة وأَشرِبَة النوبيِّين
أطعمة وأشربة أهل بطن الحجر:
أطعمة أهل بطن الحجر:
طعامهم من الذرة والقمح وأكثره من الذرة، مناطق زراعتهم ضَيِّقة في شاطئ النيل. سَمَحت لهم الحكومة الإنجليزية بزراعة ضرب من التبغ يُسمَّى (قَمْشَه) gamsha، يبيعونها جنوباً و شمالاً واقتصادهم منها. إضافة إلى النخيل. من طعامهم:
- كابد Kabid: وهو القراصة المشهورة في السودان، يديرونها على الدوكة من عجين الذرة، إن نَضِجت صفحة قلبوها لنضج الصفحة الأخرى. وإن استَوَت رسموا فيها الصليب تبرُّكاً به. وإدامها (مُلاحها) ما هو موجود من إتِّر (ittir)، وهو صفق اللوبيا بنوعيها، أو مَرَق السمك أو اللبن أو السمن بالسكر أو الرجلة أو غيرها، والقُرّاصة غالبها من الذرة.
- شدِّي shaddi: وهو الكِسرَة kisra عند السودانين. من الذرة فقط. وإدامها مما تَوَافر.
- سلاَّبيه sallabiyya: من القمح، يضعونها رقيقةً على الدّوكة، وغالباً ما يأكلونها باللبن أو أي تَملِيح آخر.
- الترمس – Turmus: يتم غَسله ويوضع في جوال في النيل لثلاثة أيام لإزالة مرارته. ويأكل الجميع منه، وهو نافع للعظام كما يرون.
- البلح: ولكلّ عائلة نخليها المعروفة. يتم تَلقِيح النخيل الإناث بإفرازٍ من الذكور ambi. ومنه ما يُخزِّنونه في (قُسِّي) gusse. وهو ماعون كبير من الطين في شكل برميل. وقد يكون للعائلة منها غير واحد. وتُقفَل حتى لا يدخل فيها حتى الهواء أعلى. وله منفذ أَسفله لسحب البلح مقفولٌ بقماش. والبلح هنا لا يُصَاب بالسوس١.
- السمك: يصطادونه بأمورٍ شتَّى، بالشباك أو السنانير متى أرادوا. ومرقه إدام ولحمه ممتاز لأنه سمك نيل.
- فنتي شُربا fenti shorba: وهو مديدة البلح للمرأة النفساء غالباً.
- اللحوم عموماً: أهل بطن الحجر هم الذين حافظوا على:
- الغنم النوبي The Nubian goat.
- الجمل النوبي The Nubian Kamel.
وقد استخدموا الجِمَال النوبيَّة في أسفارهم لبيع القَمشَة جنوباً وشمالاً، وكلّ عائلة كان لها جملها. ولها غنمها وضأنها. وذبحهم منهما كثير. والضأن النوبي صغير الحجم، يصبر على الجوع والعطش ولحمه طيب. وكذلك الجمال النوبية أصغر من الجمال الأخرى، قوية في حُمُولها، سريعة في السير، وإذا شاخ الجمل ذبحوه، وتقاسموا لحمه. ويتركون لبنها لصغارها، ولبنهم من الماعز والضأن.
ومن طعامهم كل ما في النيل من الأسماك والتماسيح والسلاحف والورل، وقد يصطادون الأرانب بحيل لا يعرفها غيرهم. كما يصطادون الطيور كالقمري والطيور المهاجرة إلى ديارهم في فصل الشتاء، وهذا شغل صغارهم.
- ترکين Tarkīñ: حرف (ñ) هنا هو الذي مخرجه بين النون والجيم كما قلنا من قبل، وهو المُلُوحة عند سائر أهل السودان. يُؤتى بالسمك الصغار ويوضع في ماعون كبير. يُرَصُّ السمك تَعلُوه طبقة من الملح. وهكذا إلى أن يمتلئ الماعون. يوضع الماعون على النار حتى يَنهَرِس السّمك. قد يكون فيه دود يَتَوَالد، لا بأس. بعد الغليان يُسَاط خليط السمك بِعَصَا لمدة ثلاثة أيام تقريباً، ويُؤخذ منه ما يراد ويُطبَخ بالزيت والبصل والبهارات. وهو إدام (ملاح) لقراصة القمح، وأكله محبوب٢.
أَشربة أهل بطن الحجر
- الدَكَّاي dakkay: وهو خمر يصنعوها في ينهض بها النساء. وقد يرفض الشباب زواج الفتاة التي لا تُجيد صنعها. يؤتَى بالبلح، ويضعونه في برمة كبيرة. يُخمَّر البلح. وفي ثلاثة أيام تقريباً يصل الدكَّاي إلى كمال تَعَتُّقِه، وقد يطلب الرجل أصدقاءه لشربه، ويا حبذا إذا صادف شُربه ذبيحة.
- النبيت Nebit: يُؤتَى ببلح مختار بعناية. ويُوضع في برمة أكبر، وصناعته وشربه في فصل الشتاء حيث برودة الصحراء الشديدة. يشربها الرجل صباحاً ليكون قادراً على خوض الماء في الساقية، حيث النبيت يدعم جسده بحرارة عالية. وقد يجمع الرجل أصدقاءه لشربه. وتُدفَن بُرمة النبيت في الأرض لمدة طويلة أقصرها تسعة أيام، ثم يُشرَب هنيئاً مريئاً، وذلك بعد نضجه في نار حامية.
- الخمور الأخرى:
ومن أهمها العرقي. وهم يستوردونها من دنقلا، وأهل دنقلا يصنعونه باحترافية عالية على أيدي نسائهم.
أطعمة وأشربة أهل السكوت:
أَطعِمَة أهل السكوت:
- تركين Tarkīñ: وهو الملوحة كما قدمنا، ويأكلونه بالقراصة من القمح جماعة.
- کداد Koddad: وهو (ملاح الورق) عند سائر أهل السودان. يؤخذ من أوراق نباتات القرطم واللوبيا بأنواعها والجرجير. أي من تلك الأوراق تُوضع على ماعون فترة طويلة على النار، وتضاف إليه البهارات مع البصل والثوم ويؤكل بالكسرة.
- كوشين كُلُب Koshen Kulub: من حبوب القرطم، تُحمَّس أولاً وتُطحَن وتُغَربَل ثمَّ يُطبخ على النار.
- فُتِّي futte: وهو الدخن، تُطحَن حبوبه وتُستَخدَم كإدام حيث تنضج على النار.
- قُرّاصة الذرة باللبن الرائب.
- بليله belilah: وهناك بليلة القمح والذرة واللوبيا، تُطبخ على النار مع الملح، وتؤكل باليد.
- قراصة من السمسم مخلوطاً مع عجين القمح، وأكلها بما تَيَسَّر من الأملحة.
- قروب gurub: من البلح والقمح أو الذرة، البلح يؤخذ النوى منه، ويُقطَّع إلى قِطَع صغيرة، ويُخلَط مع عجين القمح أو الذرة، ويُوضَع في الدوكة (الساج) حتى يستوي، ويُؤكل بلا إدام.
- . بُجِي boje: ينضف القرع البلدي ويؤخذ ما بداخله وهو boje، هش يميل إلى الحلاوة، يُغلى على النار ويؤكل بما تيسر من الطعام كسرة كان أو قمحاً أو ذرة كقراصات.
- بليلة من الفول المصري: وهو أخضر. يُغلى الفول الأخضر على النار مع الملح ويؤكل باليد.
- قراصة من دقيق الترمس، يُطحن الترمس الناشف ويُغلى مع الملح والبهارات ويؤكل بالملوخية.
- عسل البلح: يؤخذ من البلح الجيد كالقنديله والبركاوي. يوضع في ماعون كبير على النار، مدة طويلة، ويُصفَّى عندما يَبرد، و يُغلى ثانية ثم يُصفَّى مرة ثانية لإزالة النوى الذي ربما سقط من التصفية الأولى، ويؤكل بالقراصة أو غيرها.
- مديدة: من الدخن أو التمر للمرأة النفساء باعتبارها من المُقَوِّيات.
- البلح: وهو متوافر عندهم كما عند الآخرين من أهل بطن الحجر والمحس وندقلا. يأكلونه متى شاؤوا.
أَشرِبَة أهل السكّوت
استخرج مواطنوها الخمور من محاصيلهم المحلية، وشربوها في أوقات الفراغ خاصة في المساء، وكان -ومازال- لكلّ فصل نوع معين من الخمر؛ النبيت في الشتاء، والدكَّاي في الصيف. وقد تحدّثنا -في أشربة أهل بطن الحجر- كيفية صنع النبيت والدكاي.
وقد ينهض جماعة من الشباب لعمل العرقي على شاطئ النيل. يستفيدون من برودة شاطئ النيل. يكون البلح مُخمَّراً لثلاثة أيام تقريباً. يُوضع البلح المُخَمَّر على ماعون يرفع على النار. ولو وصل إلى مرحلة الغليان أزالوا من تحته الوقود، فكلّما قلَّ الوقود هبط الغليان. هنا يؤتى بخرطوش مُخصَّص يُلَفّ على ماسورة الماعون بشرط أن يوضع ثلج أو ماء بارد في مسار الخرطوش لغرض التَكَثُّف والسّيولة. وهناك زجاجات جاهزة لاستقبال ما يَسِيل. وأدوات صناعة العرقي يصنعها الشباب عند الحدادين.
صورة الغلاف: حجر الطحن "محراكة" © متحف دارفور، نيالا
أطعمة وأشربة أهل بطن الحجر:
أطعمة أهل بطن الحجر:
طعامهم من الذرة والقمح وأكثره من الذرة، مناطق زراعتهم ضَيِّقة في شاطئ النيل. سَمَحت لهم الحكومة الإنجليزية بزراعة ضرب من التبغ يُسمَّى (قَمْشَه) gamsha، يبيعونها جنوباً و شمالاً واقتصادهم منها. إضافة إلى النخيل. من طعامهم:
- كابد Kabid: وهو القراصة المشهورة في السودان، يديرونها على الدوكة من عجين الذرة، إن نَضِجت صفحة قلبوها لنضج الصفحة الأخرى. وإن استَوَت رسموا فيها الصليب تبرُّكاً به. وإدامها (مُلاحها) ما هو موجود من إتِّر (ittir)، وهو صفق اللوبيا بنوعيها، أو مَرَق السمك أو اللبن أو السمن بالسكر أو الرجلة أو غيرها، والقُرّاصة غالبها من الذرة.
- شدِّي shaddi: وهو الكِسرَة kisra عند السودانين. من الذرة فقط. وإدامها مما تَوَافر.
- سلاَّبيه sallabiyya: من القمح، يضعونها رقيقةً على الدّوكة، وغالباً ما يأكلونها باللبن أو أي تَملِيح آخر.
- الترمس – Turmus: يتم غَسله ويوضع في جوال في النيل لثلاثة أيام لإزالة مرارته. ويأكل الجميع منه، وهو نافع للعظام كما يرون.
- البلح: ولكلّ عائلة نخليها المعروفة. يتم تَلقِيح النخيل الإناث بإفرازٍ من الذكور ambi. ومنه ما يُخزِّنونه في (قُسِّي) gusse. وهو ماعون كبير من الطين في شكل برميل. وقد يكون للعائلة منها غير واحد. وتُقفَل حتى لا يدخل فيها حتى الهواء أعلى. وله منفذ أَسفله لسحب البلح مقفولٌ بقماش. والبلح هنا لا يُصَاب بالسوس١.
- السمك: يصطادونه بأمورٍ شتَّى، بالشباك أو السنانير متى أرادوا. ومرقه إدام ولحمه ممتاز لأنه سمك نيل.
- فنتي شُربا fenti shorba: وهو مديدة البلح للمرأة النفساء غالباً.
- اللحوم عموماً: أهل بطن الحجر هم الذين حافظوا على:
- الغنم النوبي The Nubian goat.
- الجمل النوبي The Nubian Kamel.
وقد استخدموا الجِمَال النوبيَّة في أسفارهم لبيع القَمشَة جنوباً وشمالاً، وكلّ عائلة كان لها جملها. ولها غنمها وضأنها. وذبحهم منهما كثير. والضأن النوبي صغير الحجم، يصبر على الجوع والعطش ولحمه طيب. وكذلك الجمال النوبية أصغر من الجمال الأخرى، قوية في حُمُولها، سريعة في السير، وإذا شاخ الجمل ذبحوه، وتقاسموا لحمه. ويتركون لبنها لصغارها، ولبنهم من الماعز والضأن.
ومن طعامهم كل ما في النيل من الأسماك والتماسيح والسلاحف والورل، وقد يصطادون الأرانب بحيل لا يعرفها غيرهم. كما يصطادون الطيور كالقمري والطيور المهاجرة إلى ديارهم في فصل الشتاء، وهذا شغل صغارهم.
- ترکين Tarkīñ: حرف (ñ) هنا هو الذي مخرجه بين النون والجيم كما قلنا من قبل، وهو المُلُوحة عند سائر أهل السودان. يُؤتى بالسمك الصغار ويوضع في ماعون كبير. يُرَصُّ السمك تَعلُوه طبقة من الملح. وهكذا إلى أن يمتلئ الماعون. يوضع الماعون على النار حتى يَنهَرِس السّمك. قد يكون فيه دود يَتَوَالد، لا بأس. بعد الغليان يُسَاط خليط السمك بِعَصَا لمدة ثلاثة أيام تقريباً، ويُؤخذ منه ما يراد ويُطبَخ بالزيت والبصل والبهارات. وهو إدام (ملاح) لقراصة القمح، وأكله محبوب٢.
أَشربة أهل بطن الحجر
- الدَكَّاي dakkay: وهو خمر يصنعوها في ينهض بها النساء. وقد يرفض الشباب زواج الفتاة التي لا تُجيد صنعها. يؤتَى بالبلح، ويضعونه في برمة كبيرة. يُخمَّر البلح. وفي ثلاثة أيام تقريباً يصل الدكَّاي إلى كمال تَعَتُّقِه، وقد يطلب الرجل أصدقاءه لشربه، ويا حبذا إذا صادف شُربه ذبيحة.
- النبيت Nebit: يُؤتَى ببلح مختار بعناية. ويُوضع في برمة أكبر، وصناعته وشربه في فصل الشتاء حيث برودة الصحراء الشديدة. يشربها الرجل صباحاً ليكون قادراً على خوض الماء في الساقية، حيث النبيت يدعم جسده بحرارة عالية. وقد يجمع الرجل أصدقاءه لشربه. وتُدفَن بُرمة النبيت في الأرض لمدة طويلة أقصرها تسعة أيام، ثم يُشرَب هنيئاً مريئاً، وذلك بعد نضجه في نار حامية.
- الخمور الأخرى:
ومن أهمها العرقي. وهم يستوردونها من دنقلا، وأهل دنقلا يصنعونه باحترافية عالية على أيدي نسائهم.
أطعمة وأشربة أهل السكوت:
أَطعِمَة أهل السكوت:
- تركين Tarkīñ: وهو الملوحة كما قدمنا، ويأكلونه بالقراصة من القمح جماعة.
- کداد Koddad: وهو (ملاح الورق) عند سائر أهل السودان. يؤخذ من أوراق نباتات القرطم واللوبيا بأنواعها والجرجير. أي من تلك الأوراق تُوضع على ماعون فترة طويلة على النار، وتضاف إليه البهارات مع البصل والثوم ويؤكل بالكسرة.
- كوشين كُلُب Koshen Kulub: من حبوب القرطم، تُحمَّس أولاً وتُطحَن وتُغَربَل ثمَّ يُطبخ على النار.
- فُتِّي futte: وهو الدخن، تُطحَن حبوبه وتُستَخدَم كإدام حيث تنضج على النار.
- قُرّاصة الذرة باللبن الرائب.
- بليله belilah: وهناك بليلة القمح والذرة واللوبيا، تُطبخ على النار مع الملح، وتؤكل باليد.
- قراصة من السمسم مخلوطاً مع عجين القمح، وأكلها بما تَيَسَّر من الأملحة.
- قروب gurub: من البلح والقمح أو الذرة، البلح يؤخذ النوى منه، ويُقطَّع إلى قِطَع صغيرة، ويُخلَط مع عجين القمح أو الذرة، ويُوضَع في الدوكة (الساج) حتى يستوي، ويُؤكل بلا إدام.
- . بُجِي boje: ينضف القرع البلدي ويؤخذ ما بداخله وهو boje، هش يميل إلى الحلاوة، يُغلى على النار ويؤكل بما تيسر من الطعام كسرة كان أو قمحاً أو ذرة كقراصات.
- بليلة من الفول المصري: وهو أخضر. يُغلى الفول الأخضر على النار مع الملح ويؤكل باليد.
- قراصة من دقيق الترمس، يُطحن الترمس الناشف ويُغلى مع الملح والبهارات ويؤكل بالملوخية.
- عسل البلح: يؤخذ من البلح الجيد كالقنديله والبركاوي. يوضع في ماعون كبير على النار، مدة طويلة، ويُصفَّى عندما يَبرد، و يُغلى ثانية ثم يُصفَّى مرة ثانية لإزالة النوى الذي ربما سقط من التصفية الأولى، ويؤكل بالقراصة أو غيرها.
- مديدة: من الدخن أو التمر للمرأة النفساء باعتبارها من المُقَوِّيات.
- البلح: وهو متوافر عندهم كما عند الآخرين من أهل بطن الحجر والمحس وندقلا. يأكلونه متى شاؤوا.
أَشرِبَة أهل السكّوت
استخرج مواطنوها الخمور من محاصيلهم المحلية، وشربوها في أوقات الفراغ خاصة في المساء، وكان -ومازال- لكلّ فصل نوع معين من الخمر؛ النبيت في الشتاء، والدكَّاي في الصيف. وقد تحدّثنا -في أشربة أهل بطن الحجر- كيفية صنع النبيت والدكاي.
وقد ينهض جماعة من الشباب لعمل العرقي على شاطئ النيل. يستفيدون من برودة شاطئ النيل. يكون البلح مُخمَّراً لثلاثة أيام تقريباً. يُوضع البلح المُخَمَّر على ماعون يرفع على النار. ولو وصل إلى مرحلة الغليان أزالوا من تحته الوقود، فكلّما قلَّ الوقود هبط الغليان. هنا يؤتى بخرطوش مُخصَّص يُلَفّ على ماسورة الماعون بشرط أن يوضع ثلج أو ماء بارد في مسار الخرطوش لغرض التَكَثُّف والسّيولة. وهناك زجاجات جاهزة لاستقبال ما يَسِيل. وأدوات صناعة العرقي يصنعها الشباب عند الحدادين.
صورة الغلاف: حجر الطحن "محراكة" © متحف دارفور، نيالا
أطعمة وأشربة أهل بطن الحجر:
أطعمة أهل بطن الحجر:
طعامهم من الذرة والقمح وأكثره من الذرة، مناطق زراعتهم ضَيِّقة في شاطئ النيل. سَمَحت لهم الحكومة الإنجليزية بزراعة ضرب من التبغ يُسمَّى (قَمْشَه) gamsha، يبيعونها جنوباً و شمالاً واقتصادهم منها. إضافة إلى النخيل. من طعامهم:
- كابد Kabid: وهو القراصة المشهورة في السودان، يديرونها على الدوكة من عجين الذرة، إن نَضِجت صفحة قلبوها لنضج الصفحة الأخرى. وإن استَوَت رسموا فيها الصليب تبرُّكاً به. وإدامها (مُلاحها) ما هو موجود من إتِّر (ittir)، وهو صفق اللوبيا بنوعيها، أو مَرَق السمك أو اللبن أو السمن بالسكر أو الرجلة أو غيرها، والقُرّاصة غالبها من الذرة.
- شدِّي shaddi: وهو الكِسرَة kisra عند السودانين. من الذرة فقط. وإدامها مما تَوَافر.
- سلاَّبيه sallabiyya: من القمح، يضعونها رقيقةً على الدّوكة، وغالباً ما يأكلونها باللبن أو أي تَملِيح آخر.
- الترمس – Turmus: يتم غَسله ويوضع في جوال في النيل لثلاثة أيام لإزالة مرارته. ويأكل الجميع منه، وهو نافع للعظام كما يرون.
- البلح: ولكلّ عائلة نخليها المعروفة. يتم تَلقِيح النخيل الإناث بإفرازٍ من الذكور ambi. ومنه ما يُخزِّنونه في (قُسِّي) gusse. وهو ماعون كبير من الطين في شكل برميل. وقد يكون للعائلة منها غير واحد. وتُقفَل حتى لا يدخل فيها حتى الهواء أعلى. وله منفذ أَسفله لسحب البلح مقفولٌ بقماش. والبلح هنا لا يُصَاب بالسوس١.
- السمك: يصطادونه بأمورٍ شتَّى، بالشباك أو السنانير متى أرادوا. ومرقه إدام ولحمه ممتاز لأنه سمك نيل.
- فنتي شُربا fenti shorba: وهو مديدة البلح للمرأة النفساء غالباً.
- اللحوم عموماً: أهل بطن الحجر هم الذين حافظوا على:
- الغنم النوبي The Nubian goat.
- الجمل النوبي The Nubian Kamel.
وقد استخدموا الجِمَال النوبيَّة في أسفارهم لبيع القَمشَة جنوباً وشمالاً، وكلّ عائلة كان لها جملها. ولها غنمها وضأنها. وذبحهم منهما كثير. والضأن النوبي صغير الحجم، يصبر على الجوع والعطش ولحمه طيب. وكذلك الجمال النوبية أصغر من الجمال الأخرى، قوية في حُمُولها، سريعة في السير، وإذا شاخ الجمل ذبحوه، وتقاسموا لحمه. ويتركون لبنها لصغارها، ولبنهم من الماعز والضأن.
ومن طعامهم كل ما في النيل من الأسماك والتماسيح والسلاحف والورل، وقد يصطادون الأرانب بحيل لا يعرفها غيرهم. كما يصطادون الطيور كالقمري والطيور المهاجرة إلى ديارهم في فصل الشتاء، وهذا شغل صغارهم.
- ترکين Tarkīñ: حرف (ñ) هنا هو الذي مخرجه بين النون والجيم كما قلنا من قبل، وهو المُلُوحة عند سائر أهل السودان. يُؤتى بالسمك الصغار ويوضع في ماعون كبير. يُرَصُّ السمك تَعلُوه طبقة من الملح. وهكذا إلى أن يمتلئ الماعون. يوضع الماعون على النار حتى يَنهَرِس السّمك. قد يكون فيه دود يَتَوَالد، لا بأس. بعد الغليان يُسَاط خليط السمك بِعَصَا لمدة ثلاثة أيام تقريباً، ويُؤخذ منه ما يراد ويُطبَخ بالزيت والبصل والبهارات. وهو إدام (ملاح) لقراصة القمح، وأكله محبوب٢.
أَشربة أهل بطن الحجر
- الدَكَّاي dakkay: وهو خمر يصنعوها في ينهض بها النساء. وقد يرفض الشباب زواج الفتاة التي لا تُجيد صنعها. يؤتَى بالبلح، ويضعونه في برمة كبيرة. يُخمَّر البلح. وفي ثلاثة أيام تقريباً يصل الدكَّاي إلى كمال تَعَتُّقِه، وقد يطلب الرجل أصدقاءه لشربه، ويا حبذا إذا صادف شُربه ذبيحة.
- النبيت Nebit: يُؤتَى ببلح مختار بعناية. ويُوضع في برمة أكبر، وصناعته وشربه في فصل الشتاء حيث برودة الصحراء الشديدة. يشربها الرجل صباحاً ليكون قادراً على خوض الماء في الساقية، حيث النبيت يدعم جسده بحرارة عالية. وقد يجمع الرجل أصدقاءه لشربه. وتُدفَن بُرمة النبيت في الأرض لمدة طويلة أقصرها تسعة أيام، ثم يُشرَب هنيئاً مريئاً، وذلك بعد نضجه في نار حامية.
- الخمور الأخرى:
ومن أهمها العرقي. وهم يستوردونها من دنقلا، وأهل دنقلا يصنعونه باحترافية عالية على أيدي نسائهم.
أطعمة وأشربة أهل السكوت:
أَطعِمَة أهل السكوت:
- تركين Tarkīñ: وهو الملوحة كما قدمنا، ويأكلونه بالقراصة من القمح جماعة.
- کداد Koddad: وهو (ملاح الورق) عند سائر أهل السودان. يؤخذ من أوراق نباتات القرطم واللوبيا بأنواعها والجرجير. أي من تلك الأوراق تُوضع على ماعون فترة طويلة على النار، وتضاف إليه البهارات مع البصل والثوم ويؤكل بالكسرة.
- كوشين كُلُب Koshen Kulub: من حبوب القرطم، تُحمَّس أولاً وتُطحَن وتُغَربَل ثمَّ يُطبخ على النار.
- فُتِّي futte: وهو الدخن، تُطحَن حبوبه وتُستَخدَم كإدام حيث تنضج على النار.
- قُرّاصة الذرة باللبن الرائب.
- بليله belilah: وهناك بليلة القمح والذرة واللوبيا، تُطبخ على النار مع الملح، وتؤكل باليد.
- قراصة من السمسم مخلوطاً مع عجين القمح، وأكلها بما تَيَسَّر من الأملحة.
- قروب gurub: من البلح والقمح أو الذرة، البلح يؤخذ النوى منه، ويُقطَّع إلى قِطَع صغيرة، ويُخلَط مع عجين القمح أو الذرة، ويُوضَع في الدوكة (الساج) حتى يستوي، ويُؤكل بلا إدام.
- . بُجِي boje: ينضف القرع البلدي ويؤخذ ما بداخله وهو boje، هش يميل إلى الحلاوة، يُغلى على النار ويؤكل بما تيسر من الطعام كسرة كان أو قمحاً أو ذرة كقراصات.
- بليلة من الفول المصري: وهو أخضر. يُغلى الفول الأخضر على النار مع الملح ويؤكل باليد.
- قراصة من دقيق الترمس، يُطحن الترمس الناشف ويُغلى مع الملح والبهارات ويؤكل بالملوخية.
- عسل البلح: يؤخذ من البلح الجيد كالقنديله والبركاوي. يوضع في ماعون كبير على النار، مدة طويلة، ويُصفَّى عندما يَبرد، و يُغلى ثانية ثم يُصفَّى مرة ثانية لإزالة النوى الذي ربما سقط من التصفية الأولى، ويؤكل بالقراصة أو غيرها.
- مديدة: من الدخن أو التمر للمرأة النفساء باعتبارها من المُقَوِّيات.
- البلح: وهو متوافر عندهم كما عند الآخرين من أهل بطن الحجر والمحس وندقلا. يأكلونه متى شاؤوا.
أَشرِبَة أهل السكّوت
استخرج مواطنوها الخمور من محاصيلهم المحلية، وشربوها في أوقات الفراغ خاصة في المساء، وكان -ومازال- لكلّ فصل نوع معين من الخمر؛ النبيت في الشتاء، والدكَّاي في الصيف. وقد تحدّثنا -في أشربة أهل بطن الحجر- كيفية صنع النبيت والدكاي.
وقد ينهض جماعة من الشباب لعمل العرقي على شاطئ النيل. يستفيدون من برودة شاطئ النيل. يكون البلح مُخمَّراً لثلاثة أيام تقريباً. يُوضع البلح المُخَمَّر على ماعون يرفع على النار. ولو وصل إلى مرحلة الغليان أزالوا من تحته الوقود، فكلّما قلَّ الوقود هبط الغليان. هنا يؤتى بخرطوش مُخصَّص يُلَفّ على ماسورة الماعون بشرط أن يوضع ثلج أو ماء بارد في مسار الخرطوش لغرض التَكَثُّف والسّيولة. وهناك زجاجات جاهزة لاستقبال ما يَسِيل. وأدوات صناعة العرقي يصنعها الشباب عند الحدادين.
صورة الغلاف: حجر الطحن "محراكة" © متحف دارفور، نيالا
أَطعِمَة وأَشرِبَة الفُور
أَطعِمَة وأَشرِبَة الفُور
مُقدّمة
في دِرَاساتنا نُفَرِّق بين (قبائل) السودان و(شُعُوبه). فألفاظ (قبيلة - قبائل) تُطلَق -لغوياً وتاريخياً- على العرب فقط. وألفاظ (شعب - شعوب)، تُطلَق على غير العرب. ذلك في قياس ثنائية الهُوِيَّة في السودان بين الأفارقة والعرب. على ذلك فالفور شعب من شعوب السودان، في جنوبه الغربي.
تَعَرَّفنا على شعب الفور بعد هجرة النوبيين لسهل أرض البطانة. كان مشروع حلفا الجديدة الزراعي قد قام في عام ١٩٦٣م تقريباً. للعمل في هذا المشروع هاجر كثيرون إليه من غرب السودان ومنهم الفور. عملوا كعمال أولاً، ثم مؤجري حواشات١، وسكنوا داخل المشروع. دخلوا بيوتنا ودخلنا بيوتهم وعرفناهم عن قُرب، وشاركناهم طعامهم وشرابهم.
حَوَّاشَات المشروع تَجِد فيه الفئرانُ أماكنَ طَيِّبة لهم في شُقُوق أرضها. فئرانٌ كبيرةُ الحجم. يصطادها الفور بأساليب عديدة. ومن كَثَرَتِها يَكُون للواحد منهم عدداً مُعتَبَراً يوميّاً، بعد اصطيادها نجد للواحد منهم حبلاً يمتدُّ في راكوبته٢ تُعلَّق فيه الفئران من أذنانها مسلوخةً حتى تنشف. هنا تُدَقُّ في مَدَقٍّ ثم يُخَزَّن حرزٍ حريز، فهو لحمٌ نافعٌ في الطعام.
طعامهم من الذرة فقط يصنعون منها العصيدة، عرفنا منهم العصيدة، وحمام الشقوق والمولاص. العصيدة من الذرة، دقيقهاً يُعجَن ويُوضَع في إناء يوضع على نار. تحركه المرأة حتى تتلبك وتتماسك، ثم يُضاف لها مسحوق لحم وعظام الفئران الهَشَّان. وهذا هو مسحوق (حَمام الشقوق) اسماً للفئران عندهم، ومع الملح يأتي هذا الطعام ليس مثله طعام، أبداً.
المولاص moˉlaˉs بإمالة الميم واللام، طعام وشراب. فإذا خَرَج الرجل للعمل في الحوَّاشة زوَّدته زوجته به في إناء غير صغير. ذَكَرَهُ الباحث الزاكي عبد الحميد أحمد في كتابٍ له وأخطأ. قال: (المريسة نقع الشيء كالتمر والعجين في الماء ثم تحريكه حتى يَنمَاص، والعجين الذي يُمَاص ويُصفَّى هو المريسة٣. هذا هو المولاص لا المريسة التي سنأتي لسيرتها. قلتُ إن المولاص تزوِّد به الزوجة زوجها، وهو من الذرة فقط.
يخرج الجميع إلى الحوَّاشة: الرجل والمرأة والأولاد والبنات للعمل، هذا ديدنهم حتى في (الجُبرَاكَات) في بلادهم٤، والمولاص هنا طعامهم وشرابهم طول يوم عملهم. ولا يقرب الفور القمح رغم أنهم يزرعونه في المشروع، ويزعم النوبيون والعرب في حلفا الجديدة أنه من النادر جداً أن تَجِدَ مريضاً منهم في مستشفاها، فطعامهم -كما يرون- الذرة والدخن والعصيدة مع مسحوق حمام الشقوق اللذيذ الطاعم.
***
ما قُلناه من قبل، كان للفور في مشروع حلفا للجديدة فحسب. وكُنَّا شهوداً له، أما في بلادهم، الآن، فقد لخَّصه المؤرخ محمد بن عمر التونسي في كتابه (تشحيذ الأذهان بسيرة بلاد السودان) أو (بسيرة بلاد العرب والسودان). قال ما قال، داخلاً إلى الموضوع مَدخَلاً وقفنا عنده كثيراً. قال: (ومعيشتهم في غاية الانحطاط، لو تناول منها أحد من بلادنا مرةً واحدةً لذَهَبَ منه النشاط لأنَّ أَكثَر مأكلهم إما مُرَّةٌ أو مُتَعَفِّنة، ويرون أن هذه هي النعمة المُستَحسَنَة)٥: وهو يعني بلفظ بلادنا (تونس). فهو منها.
كان التونسيّ هذا قريباً من سلطان دارفور، وقد عاف ما يأكل أهل دارفور، خاصة الويكة weka بإمالة الواو وفَتح الكاف. شأنه في ذلك شأن الغريب العربي الحكيم المُتدَيِّن الذي يُكرِّمه أهل البلاد، لكن، أن يعاف طعام البلد الذي صَار فيه، ليس من الدين في شيء. لكن مستضيفوه كانوا يتخيَّرون له طعاماً غير طعامهم٦.
وهو -التونسي- قد ذَكَر (الويكة). وهي في الأصل البامية الناشفة، يدقُّونها في مدقٍّ ويغربلونها ويستخدمونها إداماً للعصيدة. لكن هناك أنواع أخرى من الويكة عنده:
- ويكة الهجليج
- ويكة الدودري doˉdari.
ويكة الهجليج تؤخذ من صَفَق شجر الهجليج أو ثمرها. يجب أن يكون الصفق (الورق) طريّاً وجديداً، يدقّونه كما هو ويوضع في قدرٍ على النار مع تحريكه بالمِسوَاط حتى يمتزج مع ما فيه من الماء والدهن. وإن كانت الويكة من الثمر، ينقعون الثمر في الماء ويصفُّونَه في قِدرٍ فيُضاف عليها لحم ثم يكون إداماً للعصيدة.
وويكة الدودري تُؤخد من عظام الغنم والبقر وسائر الحيوانات، خاصة عظم الرُكبة والصدر، يُجَرِّدونها من اللّحم ويضعون العظام في ماعونٍ يقفلونه لزمن، ثم يهرسون ما في الماعون مع اللحم ويصنعون منه كُرات في حجم البرتقال ويأكلونه.
وإذا أرادوا طبخة، أخذوا من هذه الكرات ما أرادوا، وذوَّبوها في الماء وصفُّوها ورَفَعُوها على النار مع زيادة البصل والسمن والملح والفلفل، وهذا طعامٌ طَيِّب عندهم. من طعام المُوسرين.
غالب طعام الفور من النباتات في بلادهم. يزرعون الدخن. وهو أساس في إدام العصيدة به أو يصنعون منه العصيدة ذاتها. كما يزرعون الذرة. وفي معقلهم في جبل مَرَّة، المعروفة بكل فواكه الدنيا، يزرعون القمح ولا يأكلول منه بل يُصدِّرُونه لأسواقٍ أخرى. وأشجار الفواكه في جبل مرة تتجدَّد مع توافر الماء وجريانه. للفور أسماء لبعض مكوّنات طعامهم، مثل:
• نيلمو: niyalmo. وهو ورق شجر الهجليج الطريّ.
عنقلو: angalo، وهو ثمر الهجليج الأخضر.
كَوَل: Kawal، ويكون تكويراً لنباتات عفنة، تُدفَن في الأرض لزمنٍ يسودّ لونها ومسحوقه يُرَشُّ في الطعام كبهار.
كنبو: Kanbo. وهو رماد يُستَخدم في الطعام بدلاً عن الملح لنُدرته عندهم.
***
فيما يختصّ بالصيد والقنص -لتوفير اللحوم لأنفسهم وللآخرين- ينقسم الفور إلى قسمين:
ا - صَيَّادون قَنَّاصة.
- صيادون محترفون.
الصيادون القناصة من يخرجون فرادى للصيد والقنص معتمدين على قدراتهم الخاصة وشجاعتهم ومعرفتهم بأمور الحيوانات بالخبرة، سواءً كانت وحشيةً أو غير وحشية. والصيادون المحترفون من يخرجون جماعةً يدعوهم للخروج كل يوم سبت الوَرنَانِيح warnanih، وهو القائد ضارب طَبْل مخصوص يَجمعهم.
يقول محمد بن عمر التونسي في صيدهم: (منهم من يصطاد ذوات الأربع، كالغزال وبقر الوحش والجاموس والفيل والضباع والسباع والخرتيت وحيد القرن، والأرانب وأبو الحصين (الثعالب)٧.
الغزلان والأرانب يصطادونها بالكلاب (كلاب الصيد المُربَّاة للصيد)، ومنهم من يصطادها بالسَفَرُوق safarug٨. وفي مناطق السافنا الغنية، دَرَج الناس على الصيد -صيد هذه الحيوانات بطُرق مختلفة:
* الفيل دائماً - في جماعة تَرِد الماء. يحفرون حفرةً واسعة عميقة في مسارها، هذه الحفرة سقفها من الحشائش ونَثرٌ قليلٌ من التراب. ويغرزون في قَعْر الحُفرة عَصا سنينة قائمة طوليَّاً. قَطعَاً يقع الفيل في الحفرة، ويأتي الأفراد أصحاب الحفرة، يقتلونه بالحراب، وبِرفعه بالحبال يخلّصونه من العصا السنينة المُنغَرزة في لحمه. وهكذا صيد السباع وبقر الوحش والجاموس والخرتيت. يجعلون من لَحمِهَا شَرَامِيط٩ يأكلونها نيِّئةً وناشفة، ويبيعون منها لمن أراد.
ومن صيد الفور الطيور. وأهمها الحبارى. وفيهم من هو مُتَخَصِّصٌ في صيدها. وطُعم صيدها دود أو حشرات. ومن جنس الطيور عندهم ما يسمونه أبو منظرة، أكبر من الحبارى. ولصيدهما يعقدون تيلاً كحبل، ويضعون في عقدته دوداً أو حشرة يراها الطائر من بعيد، فيسرع إليها ليبتلعها بعقدتها، ثم يُقبض عليهما، ولحمهما من اللحوم المستطابة عندهم.
و يصطادون الطيور الصغيرة بشباك في أركانها عِصِي مستقيمة تصيرُ بها مربعة أو مستطيلة. الشبكة تُرفَع مسنودةً بعصا في رأسها حبل، ينشرون الحَب في ظِلها والحبل في يد الصائد بعيداً، عندما تتجمَّع الطيور في ظل الشبكة لتأكل الحَب، يجذب الصائد الحبل فتقع الشبكة على الطيور فقد اصطادها. يزيلون عنها الريش ثم يَشوونَها على النار ويأكلونها لحماً هَشَّاً لذيذاً١٠١٠.
لِمَعلومات عن أكل الفور لحوم الأفيال والضباع والسباع والخرتيت وغيرها من الحيوانات الوحشية، جلسنا مع رجل منهم هو محمد آدم صالح محمد في وادي حلفا، هل يأكلون لحومها كما قال التونسي؟ كانت إجابته: قد يأكلها بعضهم كالدرامدة daramda والفقراء. لكن الآخرين يأخذون منها جلودها كسياط (مفردها سوط) ومن يصنعون من جلودها أحذية والدرق (مفردها دَرَقَة) يبيعونها للعساكر والدواس١١١١. والفاشر عاصمة دارفور مشهورة بالأحذية الفاشرية من جلود النمور وغيرها)١٢.
***
المريسة marisa عند الفور طعام وشراب، الشراب للسُّكر والاجتماع مع الندامى الأصدقاء والطعام للطاقة والنشاط. وهي من الذرة. يوضع تيراب الذرة زراعةً ويُغطّى بجوال مبلول بالماء، وفي حدود ثلاثة أيام تنبُت الذرة. وتُسَمَّى هنا الذرِّيعة. تنشف الذريعة وتُطحَن وتُوضَع مع الماء في مواعين نظيفة كبيرة حتى تعلوها الرغوة. فَتَسُوغ للشراب. ومقدار شرب الفرد منها عَبَار abar. ولمن أراد السكر عباران وأكثر. ولمن أراد الطاقة والنشاط عبار يَشرَبه على عجل ويذهب نشيطاً، وعلى الرغم من أنها مسكرة، فإنها ليست حراماً فيما يرون.
صورة الغلاف: أدوات الطبخ © متحف المرأة، نيالا
مُقدّمة
في دِرَاساتنا نُفَرِّق بين (قبائل) السودان و(شُعُوبه). فألفاظ (قبيلة - قبائل) تُطلَق -لغوياً وتاريخياً- على العرب فقط. وألفاظ (شعب - شعوب)، تُطلَق على غير العرب. ذلك في قياس ثنائية الهُوِيَّة في السودان بين الأفارقة والعرب. على ذلك فالفور شعب من شعوب السودان، في جنوبه الغربي.
تَعَرَّفنا على شعب الفور بعد هجرة النوبيين لسهل أرض البطانة. كان مشروع حلفا الجديدة الزراعي قد قام في عام ١٩٦٣م تقريباً. للعمل في هذا المشروع هاجر كثيرون إليه من غرب السودان ومنهم الفور. عملوا كعمال أولاً، ثم مؤجري حواشات١، وسكنوا داخل المشروع. دخلوا بيوتنا ودخلنا بيوتهم وعرفناهم عن قُرب، وشاركناهم طعامهم وشرابهم.
حَوَّاشَات المشروع تَجِد فيه الفئرانُ أماكنَ طَيِّبة لهم في شُقُوق أرضها. فئرانٌ كبيرةُ الحجم. يصطادها الفور بأساليب عديدة. ومن كَثَرَتِها يَكُون للواحد منهم عدداً مُعتَبَراً يوميّاً، بعد اصطيادها نجد للواحد منهم حبلاً يمتدُّ في راكوبته٢ تُعلَّق فيه الفئران من أذنانها مسلوخةً حتى تنشف. هنا تُدَقُّ في مَدَقٍّ ثم يُخَزَّن حرزٍ حريز، فهو لحمٌ نافعٌ في الطعام.
طعامهم من الذرة فقط يصنعون منها العصيدة، عرفنا منهم العصيدة، وحمام الشقوق والمولاص. العصيدة من الذرة، دقيقهاً يُعجَن ويُوضَع في إناء يوضع على نار. تحركه المرأة حتى تتلبك وتتماسك، ثم يُضاف لها مسحوق لحم وعظام الفئران الهَشَّان. وهذا هو مسحوق (حَمام الشقوق) اسماً للفئران عندهم، ومع الملح يأتي هذا الطعام ليس مثله طعام، أبداً.
المولاص moˉlaˉs بإمالة الميم واللام، طعام وشراب. فإذا خَرَج الرجل للعمل في الحوَّاشة زوَّدته زوجته به في إناء غير صغير. ذَكَرَهُ الباحث الزاكي عبد الحميد أحمد في كتابٍ له وأخطأ. قال: (المريسة نقع الشيء كالتمر والعجين في الماء ثم تحريكه حتى يَنمَاص، والعجين الذي يُمَاص ويُصفَّى هو المريسة٣. هذا هو المولاص لا المريسة التي سنأتي لسيرتها. قلتُ إن المولاص تزوِّد به الزوجة زوجها، وهو من الذرة فقط.
يخرج الجميع إلى الحوَّاشة: الرجل والمرأة والأولاد والبنات للعمل، هذا ديدنهم حتى في (الجُبرَاكَات) في بلادهم٤، والمولاص هنا طعامهم وشرابهم طول يوم عملهم. ولا يقرب الفور القمح رغم أنهم يزرعونه في المشروع، ويزعم النوبيون والعرب في حلفا الجديدة أنه من النادر جداً أن تَجِدَ مريضاً منهم في مستشفاها، فطعامهم -كما يرون- الذرة والدخن والعصيدة مع مسحوق حمام الشقوق اللذيذ الطاعم.
***
ما قُلناه من قبل، كان للفور في مشروع حلفا للجديدة فحسب. وكُنَّا شهوداً له، أما في بلادهم، الآن، فقد لخَّصه المؤرخ محمد بن عمر التونسي في كتابه (تشحيذ الأذهان بسيرة بلاد السودان) أو (بسيرة بلاد العرب والسودان). قال ما قال، داخلاً إلى الموضوع مَدخَلاً وقفنا عنده كثيراً. قال: (ومعيشتهم في غاية الانحطاط، لو تناول منها أحد من بلادنا مرةً واحدةً لذَهَبَ منه النشاط لأنَّ أَكثَر مأكلهم إما مُرَّةٌ أو مُتَعَفِّنة، ويرون أن هذه هي النعمة المُستَحسَنَة)٥: وهو يعني بلفظ بلادنا (تونس). فهو منها.
كان التونسيّ هذا قريباً من سلطان دارفور، وقد عاف ما يأكل أهل دارفور، خاصة الويكة weka بإمالة الواو وفَتح الكاف. شأنه في ذلك شأن الغريب العربي الحكيم المُتدَيِّن الذي يُكرِّمه أهل البلاد، لكن، أن يعاف طعام البلد الذي صَار فيه، ليس من الدين في شيء. لكن مستضيفوه كانوا يتخيَّرون له طعاماً غير طعامهم٦.
وهو -التونسي- قد ذَكَر (الويكة). وهي في الأصل البامية الناشفة، يدقُّونها في مدقٍّ ويغربلونها ويستخدمونها إداماً للعصيدة. لكن هناك أنواع أخرى من الويكة عنده:
- ويكة الهجليج
- ويكة الدودري doˉdari.
ويكة الهجليج تؤخذ من صَفَق شجر الهجليج أو ثمرها. يجب أن يكون الصفق (الورق) طريّاً وجديداً، يدقّونه كما هو ويوضع في قدرٍ على النار مع تحريكه بالمِسوَاط حتى يمتزج مع ما فيه من الماء والدهن. وإن كانت الويكة من الثمر، ينقعون الثمر في الماء ويصفُّونَه في قِدرٍ فيُضاف عليها لحم ثم يكون إداماً للعصيدة.
وويكة الدودري تُؤخد من عظام الغنم والبقر وسائر الحيوانات، خاصة عظم الرُكبة والصدر، يُجَرِّدونها من اللّحم ويضعون العظام في ماعونٍ يقفلونه لزمن، ثم يهرسون ما في الماعون مع اللحم ويصنعون منه كُرات في حجم البرتقال ويأكلونه.
وإذا أرادوا طبخة، أخذوا من هذه الكرات ما أرادوا، وذوَّبوها في الماء وصفُّوها ورَفَعُوها على النار مع زيادة البصل والسمن والملح والفلفل، وهذا طعامٌ طَيِّب عندهم. من طعام المُوسرين.
غالب طعام الفور من النباتات في بلادهم. يزرعون الدخن. وهو أساس في إدام العصيدة به أو يصنعون منه العصيدة ذاتها. كما يزرعون الذرة. وفي معقلهم في جبل مَرَّة، المعروفة بكل فواكه الدنيا، يزرعون القمح ولا يأكلول منه بل يُصدِّرُونه لأسواقٍ أخرى. وأشجار الفواكه في جبل مرة تتجدَّد مع توافر الماء وجريانه. للفور أسماء لبعض مكوّنات طعامهم، مثل:
• نيلمو: niyalmo. وهو ورق شجر الهجليج الطريّ.
عنقلو: angalo، وهو ثمر الهجليج الأخضر.
كَوَل: Kawal، ويكون تكويراً لنباتات عفنة، تُدفَن في الأرض لزمنٍ يسودّ لونها ومسحوقه يُرَشُّ في الطعام كبهار.
كنبو: Kanbo. وهو رماد يُستَخدم في الطعام بدلاً عن الملح لنُدرته عندهم.
***
فيما يختصّ بالصيد والقنص -لتوفير اللحوم لأنفسهم وللآخرين- ينقسم الفور إلى قسمين:
ا - صَيَّادون قَنَّاصة.
- صيادون محترفون.
الصيادون القناصة من يخرجون فرادى للصيد والقنص معتمدين على قدراتهم الخاصة وشجاعتهم ومعرفتهم بأمور الحيوانات بالخبرة، سواءً كانت وحشيةً أو غير وحشية. والصيادون المحترفون من يخرجون جماعةً يدعوهم للخروج كل يوم سبت الوَرنَانِيح warnanih، وهو القائد ضارب طَبْل مخصوص يَجمعهم.
يقول محمد بن عمر التونسي في صيدهم: (منهم من يصطاد ذوات الأربع، كالغزال وبقر الوحش والجاموس والفيل والضباع والسباع والخرتيت وحيد القرن، والأرانب وأبو الحصين (الثعالب)٧.
الغزلان والأرانب يصطادونها بالكلاب (كلاب الصيد المُربَّاة للصيد)، ومنهم من يصطادها بالسَفَرُوق safarug٨. وفي مناطق السافنا الغنية، دَرَج الناس على الصيد -صيد هذه الحيوانات بطُرق مختلفة:
* الفيل دائماً - في جماعة تَرِد الماء. يحفرون حفرةً واسعة عميقة في مسارها، هذه الحفرة سقفها من الحشائش ونَثرٌ قليلٌ من التراب. ويغرزون في قَعْر الحُفرة عَصا سنينة قائمة طوليَّاً. قَطعَاً يقع الفيل في الحفرة، ويأتي الأفراد أصحاب الحفرة، يقتلونه بالحراب، وبِرفعه بالحبال يخلّصونه من العصا السنينة المُنغَرزة في لحمه. وهكذا صيد السباع وبقر الوحش والجاموس والخرتيت. يجعلون من لَحمِهَا شَرَامِيط٩ يأكلونها نيِّئةً وناشفة، ويبيعون منها لمن أراد.
ومن صيد الفور الطيور. وأهمها الحبارى. وفيهم من هو مُتَخَصِّصٌ في صيدها. وطُعم صيدها دود أو حشرات. ومن جنس الطيور عندهم ما يسمونه أبو منظرة، أكبر من الحبارى. ولصيدهما يعقدون تيلاً كحبل، ويضعون في عقدته دوداً أو حشرة يراها الطائر من بعيد، فيسرع إليها ليبتلعها بعقدتها، ثم يُقبض عليهما، ولحمهما من اللحوم المستطابة عندهم.
و يصطادون الطيور الصغيرة بشباك في أركانها عِصِي مستقيمة تصيرُ بها مربعة أو مستطيلة. الشبكة تُرفَع مسنودةً بعصا في رأسها حبل، ينشرون الحَب في ظِلها والحبل في يد الصائد بعيداً، عندما تتجمَّع الطيور في ظل الشبكة لتأكل الحَب، يجذب الصائد الحبل فتقع الشبكة على الطيور فقد اصطادها. يزيلون عنها الريش ثم يَشوونَها على النار ويأكلونها لحماً هَشَّاً لذيذاً١٠١٠.
لِمَعلومات عن أكل الفور لحوم الأفيال والضباع والسباع والخرتيت وغيرها من الحيوانات الوحشية، جلسنا مع رجل منهم هو محمد آدم صالح محمد في وادي حلفا، هل يأكلون لحومها كما قال التونسي؟ كانت إجابته: قد يأكلها بعضهم كالدرامدة daramda والفقراء. لكن الآخرين يأخذون منها جلودها كسياط (مفردها سوط) ومن يصنعون من جلودها أحذية والدرق (مفردها دَرَقَة) يبيعونها للعساكر والدواس١١١١. والفاشر عاصمة دارفور مشهورة بالأحذية الفاشرية من جلود النمور وغيرها)١٢.
***
المريسة marisa عند الفور طعام وشراب، الشراب للسُّكر والاجتماع مع الندامى الأصدقاء والطعام للطاقة والنشاط. وهي من الذرة. يوضع تيراب الذرة زراعةً ويُغطّى بجوال مبلول بالماء، وفي حدود ثلاثة أيام تنبُت الذرة. وتُسَمَّى هنا الذرِّيعة. تنشف الذريعة وتُطحَن وتُوضَع مع الماء في مواعين نظيفة كبيرة حتى تعلوها الرغوة. فَتَسُوغ للشراب. ومقدار شرب الفرد منها عَبَار abar. ولمن أراد السكر عباران وأكثر. ولمن أراد الطاقة والنشاط عبار يَشرَبه على عجل ويذهب نشيطاً، وعلى الرغم من أنها مسكرة، فإنها ليست حراماً فيما يرون.
صورة الغلاف: أدوات الطبخ © متحف المرأة، نيالا
مُقدّمة
في دِرَاساتنا نُفَرِّق بين (قبائل) السودان و(شُعُوبه). فألفاظ (قبيلة - قبائل) تُطلَق -لغوياً وتاريخياً- على العرب فقط. وألفاظ (شعب - شعوب)، تُطلَق على غير العرب. ذلك في قياس ثنائية الهُوِيَّة في السودان بين الأفارقة والعرب. على ذلك فالفور شعب من شعوب السودان، في جنوبه الغربي.
تَعَرَّفنا على شعب الفور بعد هجرة النوبيين لسهل أرض البطانة. كان مشروع حلفا الجديدة الزراعي قد قام في عام ١٩٦٣م تقريباً. للعمل في هذا المشروع هاجر كثيرون إليه من غرب السودان ومنهم الفور. عملوا كعمال أولاً، ثم مؤجري حواشات١، وسكنوا داخل المشروع. دخلوا بيوتنا ودخلنا بيوتهم وعرفناهم عن قُرب، وشاركناهم طعامهم وشرابهم.
حَوَّاشَات المشروع تَجِد فيه الفئرانُ أماكنَ طَيِّبة لهم في شُقُوق أرضها. فئرانٌ كبيرةُ الحجم. يصطادها الفور بأساليب عديدة. ومن كَثَرَتِها يَكُون للواحد منهم عدداً مُعتَبَراً يوميّاً، بعد اصطيادها نجد للواحد منهم حبلاً يمتدُّ في راكوبته٢ تُعلَّق فيه الفئران من أذنانها مسلوخةً حتى تنشف. هنا تُدَقُّ في مَدَقٍّ ثم يُخَزَّن حرزٍ حريز، فهو لحمٌ نافعٌ في الطعام.
طعامهم من الذرة فقط يصنعون منها العصيدة، عرفنا منهم العصيدة، وحمام الشقوق والمولاص. العصيدة من الذرة، دقيقهاً يُعجَن ويُوضَع في إناء يوضع على نار. تحركه المرأة حتى تتلبك وتتماسك، ثم يُضاف لها مسحوق لحم وعظام الفئران الهَشَّان. وهذا هو مسحوق (حَمام الشقوق) اسماً للفئران عندهم، ومع الملح يأتي هذا الطعام ليس مثله طعام، أبداً.
المولاص moˉlaˉs بإمالة الميم واللام، طعام وشراب. فإذا خَرَج الرجل للعمل في الحوَّاشة زوَّدته زوجته به في إناء غير صغير. ذَكَرَهُ الباحث الزاكي عبد الحميد أحمد في كتابٍ له وأخطأ. قال: (المريسة نقع الشيء كالتمر والعجين في الماء ثم تحريكه حتى يَنمَاص، والعجين الذي يُمَاص ويُصفَّى هو المريسة٣. هذا هو المولاص لا المريسة التي سنأتي لسيرتها. قلتُ إن المولاص تزوِّد به الزوجة زوجها، وهو من الذرة فقط.
يخرج الجميع إلى الحوَّاشة: الرجل والمرأة والأولاد والبنات للعمل، هذا ديدنهم حتى في (الجُبرَاكَات) في بلادهم٤، والمولاص هنا طعامهم وشرابهم طول يوم عملهم. ولا يقرب الفور القمح رغم أنهم يزرعونه في المشروع، ويزعم النوبيون والعرب في حلفا الجديدة أنه من النادر جداً أن تَجِدَ مريضاً منهم في مستشفاها، فطعامهم -كما يرون- الذرة والدخن والعصيدة مع مسحوق حمام الشقوق اللذيذ الطاعم.
***
ما قُلناه من قبل، كان للفور في مشروع حلفا للجديدة فحسب. وكُنَّا شهوداً له، أما في بلادهم، الآن، فقد لخَّصه المؤرخ محمد بن عمر التونسي في كتابه (تشحيذ الأذهان بسيرة بلاد السودان) أو (بسيرة بلاد العرب والسودان). قال ما قال، داخلاً إلى الموضوع مَدخَلاً وقفنا عنده كثيراً. قال: (ومعيشتهم في غاية الانحطاط، لو تناول منها أحد من بلادنا مرةً واحدةً لذَهَبَ منه النشاط لأنَّ أَكثَر مأكلهم إما مُرَّةٌ أو مُتَعَفِّنة، ويرون أن هذه هي النعمة المُستَحسَنَة)٥: وهو يعني بلفظ بلادنا (تونس). فهو منها.
كان التونسيّ هذا قريباً من سلطان دارفور، وقد عاف ما يأكل أهل دارفور، خاصة الويكة weka بإمالة الواو وفَتح الكاف. شأنه في ذلك شأن الغريب العربي الحكيم المُتدَيِّن الذي يُكرِّمه أهل البلاد، لكن، أن يعاف طعام البلد الذي صَار فيه، ليس من الدين في شيء. لكن مستضيفوه كانوا يتخيَّرون له طعاماً غير طعامهم٦.
وهو -التونسي- قد ذَكَر (الويكة). وهي في الأصل البامية الناشفة، يدقُّونها في مدقٍّ ويغربلونها ويستخدمونها إداماً للعصيدة. لكن هناك أنواع أخرى من الويكة عنده:
- ويكة الهجليج
- ويكة الدودري doˉdari.
ويكة الهجليج تؤخذ من صَفَق شجر الهجليج أو ثمرها. يجب أن يكون الصفق (الورق) طريّاً وجديداً، يدقّونه كما هو ويوضع في قدرٍ على النار مع تحريكه بالمِسوَاط حتى يمتزج مع ما فيه من الماء والدهن. وإن كانت الويكة من الثمر، ينقعون الثمر في الماء ويصفُّونَه في قِدرٍ فيُضاف عليها لحم ثم يكون إداماً للعصيدة.
وويكة الدودري تُؤخد من عظام الغنم والبقر وسائر الحيوانات، خاصة عظم الرُكبة والصدر، يُجَرِّدونها من اللّحم ويضعون العظام في ماعونٍ يقفلونه لزمن، ثم يهرسون ما في الماعون مع اللحم ويصنعون منه كُرات في حجم البرتقال ويأكلونه.
وإذا أرادوا طبخة، أخذوا من هذه الكرات ما أرادوا، وذوَّبوها في الماء وصفُّوها ورَفَعُوها على النار مع زيادة البصل والسمن والملح والفلفل، وهذا طعامٌ طَيِّب عندهم. من طعام المُوسرين.
غالب طعام الفور من النباتات في بلادهم. يزرعون الدخن. وهو أساس في إدام العصيدة به أو يصنعون منه العصيدة ذاتها. كما يزرعون الذرة. وفي معقلهم في جبل مَرَّة، المعروفة بكل فواكه الدنيا، يزرعون القمح ولا يأكلول منه بل يُصدِّرُونه لأسواقٍ أخرى. وأشجار الفواكه في جبل مرة تتجدَّد مع توافر الماء وجريانه. للفور أسماء لبعض مكوّنات طعامهم، مثل:
• نيلمو: niyalmo. وهو ورق شجر الهجليج الطريّ.
عنقلو: angalo، وهو ثمر الهجليج الأخضر.
كَوَل: Kawal، ويكون تكويراً لنباتات عفنة، تُدفَن في الأرض لزمنٍ يسودّ لونها ومسحوقه يُرَشُّ في الطعام كبهار.
كنبو: Kanbo. وهو رماد يُستَخدم في الطعام بدلاً عن الملح لنُدرته عندهم.
***
فيما يختصّ بالصيد والقنص -لتوفير اللحوم لأنفسهم وللآخرين- ينقسم الفور إلى قسمين:
ا - صَيَّادون قَنَّاصة.
- صيادون محترفون.
الصيادون القناصة من يخرجون فرادى للصيد والقنص معتمدين على قدراتهم الخاصة وشجاعتهم ومعرفتهم بأمور الحيوانات بالخبرة، سواءً كانت وحشيةً أو غير وحشية. والصيادون المحترفون من يخرجون جماعةً يدعوهم للخروج كل يوم سبت الوَرنَانِيح warnanih، وهو القائد ضارب طَبْل مخصوص يَجمعهم.
يقول محمد بن عمر التونسي في صيدهم: (منهم من يصطاد ذوات الأربع، كالغزال وبقر الوحش والجاموس والفيل والضباع والسباع والخرتيت وحيد القرن، والأرانب وأبو الحصين (الثعالب)٧.
الغزلان والأرانب يصطادونها بالكلاب (كلاب الصيد المُربَّاة للصيد)، ومنهم من يصطادها بالسَفَرُوق safarug٨. وفي مناطق السافنا الغنية، دَرَج الناس على الصيد -صيد هذه الحيوانات بطُرق مختلفة:
* الفيل دائماً - في جماعة تَرِد الماء. يحفرون حفرةً واسعة عميقة في مسارها، هذه الحفرة سقفها من الحشائش ونَثرٌ قليلٌ من التراب. ويغرزون في قَعْر الحُفرة عَصا سنينة قائمة طوليَّاً. قَطعَاً يقع الفيل في الحفرة، ويأتي الأفراد أصحاب الحفرة، يقتلونه بالحراب، وبِرفعه بالحبال يخلّصونه من العصا السنينة المُنغَرزة في لحمه. وهكذا صيد السباع وبقر الوحش والجاموس والخرتيت. يجعلون من لَحمِهَا شَرَامِيط٩ يأكلونها نيِّئةً وناشفة، ويبيعون منها لمن أراد.
ومن صيد الفور الطيور. وأهمها الحبارى. وفيهم من هو مُتَخَصِّصٌ في صيدها. وطُعم صيدها دود أو حشرات. ومن جنس الطيور عندهم ما يسمونه أبو منظرة، أكبر من الحبارى. ولصيدهما يعقدون تيلاً كحبل، ويضعون في عقدته دوداً أو حشرة يراها الطائر من بعيد، فيسرع إليها ليبتلعها بعقدتها، ثم يُقبض عليهما، ولحمهما من اللحوم المستطابة عندهم.
و يصطادون الطيور الصغيرة بشباك في أركانها عِصِي مستقيمة تصيرُ بها مربعة أو مستطيلة. الشبكة تُرفَع مسنودةً بعصا في رأسها حبل، ينشرون الحَب في ظِلها والحبل في يد الصائد بعيداً، عندما تتجمَّع الطيور في ظل الشبكة لتأكل الحَب، يجذب الصائد الحبل فتقع الشبكة على الطيور فقد اصطادها. يزيلون عنها الريش ثم يَشوونَها على النار ويأكلونها لحماً هَشَّاً لذيذاً١٠١٠.
لِمَعلومات عن أكل الفور لحوم الأفيال والضباع والسباع والخرتيت وغيرها من الحيوانات الوحشية، جلسنا مع رجل منهم هو محمد آدم صالح محمد في وادي حلفا، هل يأكلون لحومها كما قال التونسي؟ كانت إجابته: قد يأكلها بعضهم كالدرامدة daramda والفقراء. لكن الآخرين يأخذون منها جلودها كسياط (مفردها سوط) ومن يصنعون من جلودها أحذية والدرق (مفردها دَرَقَة) يبيعونها للعساكر والدواس١١١١. والفاشر عاصمة دارفور مشهورة بالأحذية الفاشرية من جلود النمور وغيرها)١٢.
***
المريسة marisa عند الفور طعام وشراب، الشراب للسُّكر والاجتماع مع الندامى الأصدقاء والطعام للطاقة والنشاط. وهي من الذرة. يوضع تيراب الذرة زراعةً ويُغطّى بجوال مبلول بالماء، وفي حدود ثلاثة أيام تنبُت الذرة. وتُسَمَّى هنا الذرِّيعة. تنشف الذريعة وتُطحَن وتُوضَع مع الماء في مواعين نظيفة كبيرة حتى تعلوها الرغوة. فَتَسُوغ للشراب. ومقدار شرب الفرد منها عَبَار abar. ولمن أراد السكر عباران وأكثر. ولمن أراد الطاقة والنشاط عبار يَشرَبه على عجل ويذهب نشيطاً، وعلى الرغم من أنها مسكرة، فإنها ليست حراماً فيما يرون.
صورة الغلاف: أدوات الطبخ © متحف المرأة، نيالا
عن مَصيدة القمح
عن مَصيدة القمح
يَتتبَّع الفيلم الوثائقي "مصيدة القمح" للمخرج محمد فاوي، ومن إنتاج قناة العربي التلفزيونية، حياة العديد من المزارعين وأسرهم في قرية "الكمر الجعليين"، وهي جزء من مشروع الجزيرة الزراعي في وسط السودان. تم تصوير الفيلم على خلفية تدهور الظروف الاقتصادية بسبب نقص الوقود والخبز وعدم الاستقرار السياسي. كما يُصوّر الفيلم الاحتجاجات المناهضة للحكومة والتي بلغت ذروتها في ثورة ٢٠١٩م التي أطاحت بعمر البشير، والتي اندلعت بسبب احتجاج في عطبرة بسبب زيادة أسعار الخبز.
الموضوع الرئيسي لفيلم "مصيدة القمح" هو التساؤل عن كيفية ولماذا ابتعد السودانيون عن الأطعمة التقليدية مثل الكسرة والعصيدة المصنوعة من الذرة الرفيعة والدخن، إلى أرغفة الخبز المصنوعة من القمح. غالبًا ما تتم الإشارة إلى أهمية الأطعمة التقليدية في الماضي. وتنتشر في القرية حكايات وروايات مثل كيف كانت الشابات في الماضي لا يُعتَبَرنَ مؤهلات للزواج إلا إذا كن قادرات على صنع كومة كبيرة من الكسرة ذات النوعية الجيدة، واليوم، لا تستمر في هذه العادة سوى النساء الأكبر سناً في القرية. وتقول إحدى النساء عن زوجها، وهي تجلس بالقرب من طبق صاج ساخن وتسكب عليه مغرفة من عجينة الكسرة: "أستيقظ مبكراً في الصباح، حتى لو كان ذلك في الساعة السادسة صباحاً لصنع الكسرة، وأقول له إذا لم تأكل فلن أسمح لك بالخروج".
أثناء الغداء وتناول كومة الكسرة الطازجة والملاح الساخن، يناقش الرجال الأسباب التي تجعلهم يعتقدون أن الناس أصبحوا يبتعدون بشكل متزايد عن الحياة "البسيطة" في الماضي لصالح القمح والخبز. ويقول أحد المزارعين إن المنح المجانية من القمح والسلع الأساسية الأخرى التي قدمتها إدارة المعونة الأمريكية في أواخر الخمسينيات، والتي تم إرسالها "كرمز للصداقة"، كانت تعني انتشار شهية أرغفة الخبز المصنوعة من القمح إلى المناطق الريفية. ويؤكد المزارع أن هذا التحول الاجتماعي في تفضيل المجتمع للقمح هو أداة "الاستعمار الحديث". ويصف المصيدة، الموجودة في عنوان الفيلم، بعادة الاستهلاك التي تطورت نتيجة للقمح المجاني وفقدان الشهية للحبوب التقليدية مثل الذرة الرفيعة والدخن.
ويشرح مزارع آخر كيف أن أنماط الحياة المتغيرة، مع اختيار الفتيات والنساء لمواصلة تعليمهن والحصول على وظائف، يعني أنهنَّ لم يعد لديهن الوقت لإعداد وصنع الكسرة والعصيدة لكل وجبة. وبدلاً من ذلك، أصبح من الأسهل بكثير شراء الخبز الجاهز من المخابز بينما تحظى المنتجات الجديدة، مثل البيتزا والمعجنات المصنوعة من القمح، بشعبية كبيرة أيضاً. ويوضّح أن المزارعين أنفسهم تحولوا إلى المحاصيل النقدية مع مثال أن محصول فدانين من البصل أكثر ربحية من زراعة الذرة الرفيعة غير المرغوب فيها.
منذ الاستيراد المجاني في الماضي، كانت الواردات التجارية من القمح في ارتفاعٍ مستمر، خاصَّةً وأن مناخ السودان أقل ملاءمة لزراعة القمح مقارنة بالذرة الرفيعة. ولقد وجدت الحكومات السودانية نفسها دائماً في موقف محاولة الحفاظ على أسعار معقولة من خلال الدعم المتزايد باستمرار. وفي الفيلم، يتحول المزارعون في مشروع الجزيرة تدريجيَّاً إلى زراعة القمح كمنتج أكثر ربحية، لكن السودان لا يزال يستورد حوالي ستين في المائة من احتياجاته من القمح.
وتنتهي الخيوط التي تجري عبر الفيلم في المشاهد الأخيرة. ففي حين كان حصاد القمح سخيَّاً وسُمِحَ لأحد المزارعين أخيراً بالزواج من خطيبته، يرفض المحتجون في موقع الاعتصام أمام مقر الجيش -أثناء الثورة- قبول التبرعات التي قدمتها الدول الأجنبية لدعم المخيم. وتشير اللقطة الختامية إلى أن الشكل الأول من المساعدات التي قدمتها الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر للمجلس العسكري، الذي تولى السلطة بعد عزل البشير، كان يتكون من القمح.
صور المعرض من فيلم مصيدة القمح، جميع الحقوق محفوظة لمحمد فاوي.
يَتتبَّع الفيلم الوثائقي "مصيدة القمح" للمخرج محمد فاوي، ومن إنتاج قناة العربي التلفزيونية، حياة العديد من المزارعين وأسرهم في قرية "الكمر الجعليين"، وهي جزء من مشروع الجزيرة الزراعي في وسط السودان. تم تصوير الفيلم على خلفية تدهور الظروف الاقتصادية بسبب نقص الوقود والخبز وعدم الاستقرار السياسي. كما يُصوّر الفيلم الاحتجاجات المناهضة للحكومة والتي بلغت ذروتها في ثورة ٢٠١٩م التي أطاحت بعمر البشير، والتي اندلعت بسبب احتجاج في عطبرة بسبب زيادة أسعار الخبز.
الموضوع الرئيسي لفيلم "مصيدة القمح" هو التساؤل عن كيفية ولماذا ابتعد السودانيون عن الأطعمة التقليدية مثل الكسرة والعصيدة المصنوعة من الذرة الرفيعة والدخن، إلى أرغفة الخبز المصنوعة من القمح. غالبًا ما تتم الإشارة إلى أهمية الأطعمة التقليدية في الماضي. وتنتشر في القرية حكايات وروايات مثل كيف كانت الشابات في الماضي لا يُعتَبَرنَ مؤهلات للزواج إلا إذا كن قادرات على صنع كومة كبيرة من الكسرة ذات النوعية الجيدة، واليوم، لا تستمر في هذه العادة سوى النساء الأكبر سناً في القرية. وتقول إحدى النساء عن زوجها، وهي تجلس بالقرب من طبق صاج ساخن وتسكب عليه مغرفة من عجينة الكسرة: "أستيقظ مبكراً في الصباح، حتى لو كان ذلك في الساعة السادسة صباحاً لصنع الكسرة، وأقول له إذا لم تأكل فلن أسمح لك بالخروج".
أثناء الغداء وتناول كومة الكسرة الطازجة والملاح الساخن، يناقش الرجال الأسباب التي تجعلهم يعتقدون أن الناس أصبحوا يبتعدون بشكل متزايد عن الحياة "البسيطة" في الماضي لصالح القمح والخبز. ويقول أحد المزارعين إن المنح المجانية من القمح والسلع الأساسية الأخرى التي قدمتها إدارة المعونة الأمريكية في أواخر الخمسينيات، والتي تم إرسالها "كرمز للصداقة"، كانت تعني انتشار شهية أرغفة الخبز المصنوعة من القمح إلى المناطق الريفية. ويؤكد المزارع أن هذا التحول الاجتماعي في تفضيل المجتمع للقمح هو أداة "الاستعمار الحديث". ويصف المصيدة، الموجودة في عنوان الفيلم، بعادة الاستهلاك التي تطورت نتيجة للقمح المجاني وفقدان الشهية للحبوب التقليدية مثل الذرة الرفيعة والدخن.
ويشرح مزارع آخر كيف أن أنماط الحياة المتغيرة، مع اختيار الفتيات والنساء لمواصلة تعليمهن والحصول على وظائف، يعني أنهنَّ لم يعد لديهن الوقت لإعداد وصنع الكسرة والعصيدة لكل وجبة. وبدلاً من ذلك، أصبح من الأسهل بكثير شراء الخبز الجاهز من المخابز بينما تحظى المنتجات الجديدة، مثل البيتزا والمعجنات المصنوعة من القمح، بشعبية كبيرة أيضاً. ويوضّح أن المزارعين أنفسهم تحولوا إلى المحاصيل النقدية مع مثال أن محصول فدانين من البصل أكثر ربحية من زراعة الذرة الرفيعة غير المرغوب فيها.
منذ الاستيراد المجاني في الماضي، كانت الواردات التجارية من القمح في ارتفاعٍ مستمر، خاصَّةً وأن مناخ السودان أقل ملاءمة لزراعة القمح مقارنة بالذرة الرفيعة. ولقد وجدت الحكومات السودانية نفسها دائماً في موقف محاولة الحفاظ على أسعار معقولة من خلال الدعم المتزايد باستمرار. وفي الفيلم، يتحول المزارعون في مشروع الجزيرة تدريجيَّاً إلى زراعة القمح كمنتج أكثر ربحية، لكن السودان لا يزال يستورد حوالي ستين في المائة من احتياجاته من القمح.
وتنتهي الخيوط التي تجري عبر الفيلم في المشاهد الأخيرة. ففي حين كان حصاد القمح سخيَّاً وسُمِحَ لأحد المزارعين أخيراً بالزواج من خطيبته، يرفض المحتجون في موقع الاعتصام أمام مقر الجيش -أثناء الثورة- قبول التبرعات التي قدمتها الدول الأجنبية لدعم المخيم. وتشير اللقطة الختامية إلى أن الشكل الأول من المساعدات التي قدمتها الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر للمجلس العسكري، الذي تولى السلطة بعد عزل البشير، كان يتكون من القمح.
صور المعرض من فيلم مصيدة القمح، جميع الحقوق محفوظة لمحمد فاوي.
يَتتبَّع الفيلم الوثائقي "مصيدة القمح" للمخرج محمد فاوي، ومن إنتاج قناة العربي التلفزيونية، حياة العديد من المزارعين وأسرهم في قرية "الكمر الجعليين"، وهي جزء من مشروع الجزيرة الزراعي في وسط السودان. تم تصوير الفيلم على خلفية تدهور الظروف الاقتصادية بسبب نقص الوقود والخبز وعدم الاستقرار السياسي. كما يُصوّر الفيلم الاحتجاجات المناهضة للحكومة والتي بلغت ذروتها في ثورة ٢٠١٩م التي أطاحت بعمر البشير، والتي اندلعت بسبب احتجاج في عطبرة بسبب زيادة أسعار الخبز.
الموضوع الرئيسي لفيلم "مصيدة القمح" هو التساؤل عن كيفية ولماذا ابتعد السودانيون عن الأطعمة التقليدية مثل الكسرة والعصيدة المصنوعة من الذرة الرفيعة والدخن، إلى أرغفة الخبز المصنوعة من القمح. غالبًا ما تتم الإشارة إلى أهمية الأطعمة التقليدية في الماضي. وتنتشر في القرية حكايات وروايات مثل كيف كانت الشابات في الماضي لا يُعتَبَرنَ مؤهلات للزواج إلا إذا كن قادرات على صنع كومة كبيرة من الكسرة ذات النوعية الجيدة، واليوم، لا تستمر في هذه العادة سوى النساء الأكبر سناً في القرية. وتقول إحدى النساء عن زوجها، وهي تجلس بالقرب من طبق صاج ساخن وتسكب عليه مغرفة من عجينة الكسرة: "أستيقظ مبكراً في الصباح، حتى لو كان ذلك في الساعة السادسة صباحاً لصنع الكسرة، وأقول له إذا لم تأكل فلن أسمح لك بالخروج".
أثناء الغداء وتناول كومة الكسرة الطازجة والملاح الساخن، يناقش الرجال الأسباب التي تجعلهم يعتقدون أن الناس أصبحوا يبتعدون بشكل متزايد عن الحياة "البسيطة" في الماضي لصالح القمح والخبز. ويقول أحد المزارعين إن المنح المجانية من القمح والسلع الأساسية الأخرى التي قدمتها إدارة المعونة الأمريكية في أواخر الخمسينيات، والتي تم إرسالها "كرمز للصداقة"، كانت تعني انتشار شهية أرغفة الخبز المصنوعة من القمح إلى المناطق الريفية. ويؤكد المزارع أن هذا التحول الاجتماعي في تفضيل المجتمع للقمح هو أداة "الاستعمار الحديث". ويصف المصيدة، الموجودة في عنوان الفيلم، بعادة الاستهلاك التي تطورت نتيجة للقمح المجاني وفقدان الشهية للحبوب التقليدية مثل الذرة الرفيعة والدخن.
ويشرح مزارع آخر كيف أن أنماط الحياة المتغيرة، مع اختيار الفتيات والنساء لمواصلة تعليمهن والحصول على وظائف، يعني أنهنَّ لم يعد لديهن الوقت لإعداد وصنع الكسرة والعصيدة لكل وجبة. وبدلاً من ذلك، أصبح من الأسهل بكثير شراء الخبز الجاهز من المخابز بينما تحظى المنتجات الجديدة، مثل البيتزا والمعجنات المصنوعة من القمح، بشعبية كبيرة أيضاً. ويوضّح أن المزارعين أنفسهم تحولوا إلى المحاصيل النقدية مع مثال أن محصول فدانين من البصل أكثر ربحية من زراعة الذرة الرفيعة غير المرغوب فيها.
منذ الاستيراد المجاني في الماضي، كانت الواردات التجارية من القمح في ارتفاعٍ مستمر، خاصَّةً وأن مناخ السودان أقل ملاءمة لزراعة القمح مقارنة بالذرة الرفيعة. ولقد وجدت الحكومات السودانية نفسها دائماً في موقف محاولة الحفاظ على أسعار معقولة من خلال الدعم المتزايد باستمرار. وفي الفيلم، يتحول المزارعون في مشروع الجزيرة تدريجيَّاً إلى زراعة القمح كمنتج أكثر ربحية، لكن السودان لا يزال يستورد حوالي ستين في المائة من احتياجاته من القمح.
وتنتهي الخيوط التي تجري عبر الفيلم في المشاهد الأخيرة. ففي حين كان حصاد القمح سخيَّاً وسُمِحَ لأحد المزارعين أخيراً بالزواج من خطيبته، يرفض المحتجون في موقع الاعتصام أمام مقر الجيش -أثناء الثورة- قبول التبرعات التي قدمتها الدول الأجنبية لدعم المخيم. وتشير اللقطة الختامية إلى أن الشكل الأول من المساعدات التي قدمتها الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر للمجلس العسكري، الذي تولى السلطة بعد عزل البشير، كان يتكون من القمح.
صور المعرض من فيلم مصيدة القمح، جميع الحقوق محفوظة لمحمد فاوي.