تأمُّلات حول الأثر الاجتماعي للحَكَّمات
الحَكَّمات -جمع حكَّامة- هنَّ شاعرات ومغنيات ينحدرن من مجموعات مُحدَّدة تُصنَّف "عربية" (بدوية/ رعوية) في أقاليم دارفور وكردفان.
/ الاجابات
الحَكَّمات -جمع حكَّامة- هنَّ شاعرات ومغنيات ينحدرن من مجموعات مُحدَّدة تُصنَّف "عربية" (بدوية/ رعوية) في أقاليم دارفور وكردفان. ومن الممكن أن يُورَّث دور الحَكَّامة، ويمكن أن تناله المرأة بالاعتماد على موهبتها أو التمتع بشخصيّة كاريزميّة، على أن تحظى بالاحترام داخل مجتمعاتهنّ. ويُمنح لقب الحكَّامة رسميَّاً من خلال مراسم احتفاليّة.
تُعبّر أشعار وعروض الحكَّامات عن تعليقات وآراء حول أحداثٍ مجتمعيّة آنيَّة، وتَسعى لحَلِّها.
ومن خلال أدائهنَّ الاستعراضي، تمارس "الحَكَّمات" تأثيراً اجتماعيّاً كبيراً لأنهنَّ يحافظن على القيم الثقافية ويُعزّزنها بناءً على فهمٍ جَندَري للشرف والعار ضمن سياقات محددة. إنهنّ يُبرِزنَ قدرة الشعر والأغاني على دفع الرجال للانخراط في الحرب من خلال تمجيد فضائل المحارب الشرس الذي لا يَلِين، وبناءً على معايير ثقافية مجسّدة، تحثّ الرجال والفتيان الصغار الشجاعة والثبات في مواجهة الموت، لأجل الحصول على الأرض والسلطة والثروة. كذلك فإنّ الحكامات يتوسّطن في عمليات السلام بين القبائل، ويقترحن تحالفات عن طريق المصاهرة لضمان استمراريّتها، وتعود هذه التحالفات بالفائدة للقبائل المتنوعة داخل الهياكل "العربية" في دارفور وكردفان.
تُعتبر كلمات الحكَّامات الشفهيّة دليلاً ومُرشداً للرجالَ والنساء لسَنِّ الأعراف والأدوار الاجتماعية، وتعتبر بمثابة تعزيز للحياة الجماعية. ومع ذلك، ظلَّ تأثيرهنَّ الاجتماعي غير مرئيٍّ للعديد من السودانيين الذين ليسوا على دراية بالتراث الثقافي لواقع غرب السودان من حيث تنحدر الحكّامات في الأصل، وقد ساهمت هيمنة ثقافة وادي النيل وتمركز السلطة السياسية داخل العاصمة الخرطوم في هذا الوضع.
لقد سلط الصراع في دارفور عام ٢٠٠٣ الضوء على دور هؤلاء النسوة باعتبارهنّ فاعلات اجتماعيّات قويّات. ففي الماضي، كان يُنظَر إليهنَّ على نطاق واسع -من قبل ثقافة وادي النيل والمجتمع الدولي الساعي لبناء السلام- على أنهنّ مثيرات شغب ومشجّعات للصراع.
أصبحت أهمية الحكَّمات في تعزيز الوئام الوطني أكثر وضوحاً بعد عام ٢٠٠٤م. ففي الخرطوم، طلبت منهنَّ المنظمات الدولية (التي اعتمدتها الدولة السودانية) استخدام انخراطهنّ داخل مجتمعات بعينها للوصول لعوالمهنَّ المحلية التي يُهيمن عليها الذكور، وتحويل رسائلهنّ إلى رسائل مُنَاصِرَة للسلام.
لم يتم الإعلان عن دورهنّ النشط هذا في السعي لبناء هوية وطنية قوية. وإن أصبحت الحَكَّمات في الآونة الأخيرة أكثر شهرة داخل العاصمة، فذلك لأنها رؤية أتاحتها منصات وسائل التواصل الاجتماعي من خلال عدسة فولوكلورية غير مُسَيَّسة. وذلك لا يعكس إلا القليل جداً من ارتباط كلمات الحكَّمات الوثيق بالواقع الثقافي المُعَاش، وسعيهنّ وقوّة تأثيرهنّ على الأنظمة الاجتماعية.
في الوقت الحاضر، تقف حَكَّمات متنوّعات ومُتعدِّدات على أعتاب صراعٍ ثقافيٍّ وسياسيّ غير مُجدٍ، والذي أصبح واضحاً اليوم بين السودان النهري ودارفور في غرب السودان. أدت الحرب، التي بدأت في أبريل ٢٠٢٣، إلى تفاقم المظالم الموجودة سَلَفاً بين الدولة المركزية وأطرافها؛ فقيادة قوات الدعم السريع المتحاربة مع القوات المسلحة السودانية تنحدر من مجموعة المعاليا، وهي من بطون قبيلة الرزيقات، إحدى المجموعات الدارفورية التي تلعب فيها الحَكَّمات دوراً مؤثراً. وفي هذه الحرب المُستَعِرة، عادت إلى الواجهة مرةً أخرى صورة سلبيّة للحكَّامات؛ حيث تم الترويج على نطاق واسع أنَّهنَّ يُشجِّعن المقاتلين والرجال على العودة من العاصمة محمّلين بالغنائم، كعلامة على الشرف والنصر الذكوري المنشود.
إن سرديَّة "الحكَّامة" عبر الغناء والشعر ليست خَيِّرة أو شريرة، فهي مكتوبة وفقاً للحكاية التي يرويها السودان. إن كلمات "الحَكَّامات" تعكس شقاءَ أمّةٍ في حالةِ حربٍ مع نَفسِها.
سورة الغاب © صحبة كندنت علي - نذير حسن أحمد، ٢٠١٢
الحَكَّمات -جمع حكَّامة- هنَّ شاعرات ومغنيات ينحدرن من مجموعات مُحدَّدة تُصنَّف "عربية" (بدوية/ رعوية) في أقاليم دارفور وكردفان. ومن الممكن أن يُورَّث دور الحَكَّامة، ويمكن أن تناله المرأة بالاعتماد على موهبتها أو التمتع بشخصيّة كاريزميّة، على أن تحظى بالاحترام داخل مجتمعاتهنّ. ويُمنح لقب الحكَّامة رسميَّاً من خلال مراسم احتفاليّة.
تُعبّر أشعار وعروض الحكَّامات عن تعليقات وآراء حول أحداثٍ مجتمعيّة آنيَّة، وتَسعى لحَلِّها.
ومن خلال أدائهنَّ الاستعراضي، تمارس "الحَكَّمات" تأثيراً اجتماعيّاً كبيراً لأنهنَّ يحافظن على القيم الثقافية ويُعزّزنها بناءً على فهمٍ جَندَري للشرف والعار ضمن سياقات محددة. إنهنّ يُبرِزنَ قدرة الشعر والأغاني على دفع الرجال للانخراط في الحرب من خلال تمجيد فضائل المحارب الشرس الذي لا يَلِين، وبناءً على معايير ثقافية مجسّدة، تحثّ الرجال والفتيان الصغار الشجاعة والثبات في مواجهة الموت، لأجل الحصول على الأرض والسلطة والثروة. كذلك فإنّ الحكامات يتوسّطن في عمليات السلام بين القبائل، ويقترحن تحالفات عن طريق المصاهرة لضمان استمراريّتها، وتعود هذه التحالفات بالفائدة للقبائل المتنوعة داخل الهياكل "العربية" في دارفور وكردفان.
تُعتبر كلمات الحكَّامات الشفهيّة دليلاً ومُرشداً للرجالَ والنساء لسَنِّ الأعراف والأدوار الاجتماعية، وتعتبر بمثابة تعزيز للحياة الجماعية. ومع ذلك، ظلَّ تأثيرهنَّ الاجتماعي غير مرئيٍّ للعديد من السودانيين الذين ليسوا على دراية بالتراث الثقافي لواقع غرب السودان من حيث تنحدر الحكّامات في الأصل، وقد ساهمت هيمنة ثقافة وادي النيل وتمركز السلطة السياسية داخل العاصمة الخرطوم في هذا الوضع.
لقد سلط الصراع في دارفور عام ٢٠٠٣ الضوء على دور هؤلاء النسوة باعتبارهنّ فاعلات اجتماعيّات قويّات. ففي الماضي، كان يُنظَر إليهنَّ على نطاق واسع -من قبل ثقافة وادي النيل والمجتمع الدولي الساعي لبناء السلام- على أنهنّ مثيرات شغب ومشجّعات للصراع.
أصبحت أهمية الحكَّمات في تعزيز الوئام الوطني أكثر وضوحاً بعد عام ٢٠٠٤م. ففي الخرطوم، طلبت منهنَّ المنظمات الدولية (التي اعتمدتها الدولة السودانية) استخدام انخراطهنّ داخل مجتمعات بعينها للوصول لعوالمهنَّ المحلية التي يُهيمن عليها الذكور، وتحويل رسائلهنّ إلى رسائل مُنَاصِرَة للسلام.
لم يتم الإعلان عن دورهنّ النشط هذا في السعي لبناء هوية وطنية قوية. وإن أصبحت الحَكَّمات في الآونة الأخيرة أكثر شهرة داخل العاصمة، فذلك لأنها رؤية أتاحتها منصات وسائل التواصل الاجتماعي من خلال عدسة فولوكلورية غير مُسَيَّسة. وذلك لا يعكس إلا القليل جداً من ارتباط كلمات الحكَّمات الوثيق بالواقع الثقافي المُعَاش، وسعيهنّ وقوّة تأثيرهنّ على الأنظمة الاجتماعية.
في الوقت الحاضر، تقف حَكَّمات متنوّعات ومُتعدِّدات على أعتاب صراعٍ ثقافيٍّ وسياسيّ غير مُجدٍ، والذي أصبح واضحاً اليوم بين السودان النهري ودارفور في غرب السودان. أدت الحرب، التي بدأت في أبريل ٢٠٢٣، إلى تفاقم المظالم الموجودة سَلَفاً بين الدولة المركزية وأطرافها؛ فقيادة قوات الدعم السريع المتحاربة مع القوات المسلحة السودانية تنحدر من مجموعة المعاليا، وهي من بطون قبيلة الرزيقات، إحدى المجموعات الدارفورية التي تلعب فيها الحَكَّمات دوراً مؤثراً. وفي هذه الحرب المُستَعِرة، عادت إلى الواجهة مرةً أخرى صورة سلبيّة للحكَّامات؛ حيث تم الترويج على نطاق واسع أنَّهنَّ يُشجِّعن المقاتلين والرجال على العودة من العاصمة محمّلين بالغنائم، كعلامة على الشرف والنصر الذكوري المنشود.
إن سرديَّة "الحكَّامة" عبر الغناء والشعر ليست خَيِّرة أو شريرة، فهي مكتوبة وفقاً للحكاية التي يرويها السودان. إن كلمات "الحَكَّامات" تعكس شقاءَ أمّةٍ في حالةِ حربٍ مع نَفسِها.
سورة الغاب © صحبة كندنت علي - نذير حسن أحمد، ٢٠١٢